ما الجديد الذي يرفضه «الحراك» الجزائري في تعديلات الدستور؟

TT

ما الجديد الذي يرفضه «الحراك» الجزائري في تعديلات الدستور؟

ما الجديد في الدستور الذي عرضه الرئيس عبد المجيد تبون، وصادق عليه البرلمان في سبتمبر (أيلول) الماضي؟
الديباجة تعلن أن الهدف من التعديلات هو مراجعة دستور فُصِّل على مقاس الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ما سمح له بالبقاء في الحكم 20 سنة، قبل أن يضطر للاستقالة تحت ضغط الحراك. وجاء فيها أن الشعب «يعبر عن حرصه على ترجمة طموحاته في هذا الدستور، بإحداث تحولات اجتماعية وسياسية عميقة، من أجل بناء جزائر جديدة، طالب بها سلمياً الحراك الشعبي الأصيل».
لكن أحزاب المعارضة الرافضة للمشروع «شكلاً ومضموناً»، اعتبرت أن الهدف هو دفن الحراك الشعبي الذي يطالب بتغيير جذري للنظام الحاكم منذ استقلال البلد عن الاستعمار الفرنسي في 1962.
كما تضمنت الديباجة لأول مرة الإشارة بشكل واضح إلى المحافظة على البيئة، والنتائج السلبية للتغير المناخي. كما تحدث الدستور الجديد أيضاً في مواد عدة من الباب الأول حول المبادئ العامة التي تحكم الشعب الجزائري. كما تحدثت التعديلات عن الجيش الجزائري في عديد من فصول الدستور؛ لأنه «العمود الفقري للدولة»، كما قال الرئيس عبد المجيد تبون في مناسبات عدة. لكن الجديد في دستور 2020 هو أنه لأول مرة في تاريخ الجزائر المستقلة أصبح بإمكان القوات المسلحة القيام بمهمات خارج الحدود، في بلد هو الأكبر مساحة في أفريقيا، ومحاط بمناطق نزاع كما في ليبيا (شرقاً) ومنطقة الساحل (جنوباً).
وجاء ذلك في مواد سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية، باعتباره «القائد الأعلى للقوات المسلحة ومسؤول الدفاع الوطني»، وهي الصفة التي يتمتع بها حالياً الرئيس تبون الذي يتولى وزارة الدفاع.
لكن هذ المادة أثارت نقاشاً واسعاً حول تغيير العقيدة العسكرية للجيش، رغم أنها لقيت ترحيباً في بعض الدول التي تنتظر دوراً أكبر للجيش الجزائري في مناطق النزاع في دول الجوار.
وكان تقليص صلاحيات الرئيس وحماية البلد من الحكم الفردي، هو العنوان الأساسي الذي سوَّق به عبد المجيد تبون التعديل الدستوري، منذ الإعلان عنه في خطاب القسم في ديسمبر (كانون الأول) 2019؛ لكن قراءة في مادة سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية تدل على أن هذه الصلاحيات لم تتقلص؛ خصوصاً فيما يتعلق بالتعيينات من رئيس الحكومة إلى كل الوظائف المدنية والعسكرية وحتى القضاة.
أما التغيير البارز فهو إدراج مادة تحديد الولايات الرئاسية في اثنتين (متصلتين أو منفصلتين) ضمن المواد الصماء غير القابلة للتعديل، ما يمنع الرئيس من إعادة فتح الولايات بتعديل آخر، كما سبق أن فعل بوتفليقة في 2008 حتى يترشح لولاية ثالثة في 2009.
ويبقى التعديل البارز في الجهاز التنفيذي هو إلزام رئيس الجمهورية بتعيين رئيس الحكومة من الأغلبية البرلمانية؛ لكن هذا الإجراء يسقط في حال فازت أغلبية موالية للرئيس.
وفي إجراء نادر في الدساتير، أصبح يقود الحكومة إما «وزير أول في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية رئاسية»، وإما «رئيس حكومة في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية برلمانية»، بحسب نص المادة 103. ويبقى رئيس الدولة هو رئيس مجلس الوزراء في جميع الحالات، مع إمكانية تفويض بعض صلاحياته للحكومة.
كما خصص الدستور المعدل أكثر من 30 مادة لباب الحقوق والحريات، تضمنت كل ما نصت عليه المواثيق الدولية من حرية الصحافة، وتأسيس الأحزاب والجمعيات والنقابات، وكذلك حرية التجارة والاستثمار وحرية المعتقد. ومنعت مواد الدستور وقف أي وسيلة إعلامية، أو حل أي حزب أو جمعية إلا بقرار قضائي.
وكانت المواد المتعلقة بحماية حقوق المرأة، إضافة إلى مادة تكريس اللغة الأمازيغية كلغة رسمية ووطنية، غير قابلة للتعديل، أحد أسباب دعوة الأحزاب الإسلامية للتصويت بـ«لا» على الدستور.
لكن «منظمة العفو الدولية» انتقدت تعارض مقترحات الدستور مع «قوانين قمعية»، مثل التعديلات التي أدخلت على قانون العقوبات في أبريل (نيسان) الماضي، وكذلك الممارسة اليومية من خلال «سجن الصحافيين والناشطين في الحراك».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.