«يضحك كثيراً من يضحك أخيراً». ينطبق هذا الوصف تماماً على الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي يثير الكثير من علامات التعجب والتساؤل، وأحياناً السخرية بين خصومه، في غالبية المسائل والمواضيع التي يقاربها. يتهمونه كثيراً بأنه «دون كيشوتي» لكنه لا يكترث إلا قليلاً. وعندما يفعل، يرد غالباً بسيف «تويتر» المسنون، وأحياناً بطرد العاملين لديه من دون سابق إنذار.
يحاول ترمب في انتخابات عام 2020 أن يحقق مفاجأة كالتي حصلت عام 2016. ويشير مراقبو الإنتخابات إلى أنه خلال السنوات الأربع الماضية من حكمه، فعل الرئيس ترمب ما يشبه المستحيل. نجا مرات عدة من محاولات جديّة قام بها خصومه لإزاحته من المشهد السياسي. استخدم بفاعلية استثنائية العدد المحدود للكلمات في تغريدات «تويتر» لمواجهة الحملة الضارية التي شنها الحزب الديمقراطي ضده، من خلال التحقيق الذي فتحه المستشار الخاص روبرت مولر. وفشلت محاولة عزله بعد اتهامه بأنه حاول الضغط على أوكرانيا لتشويه سمعة خصومه السياسيين.
قبل أن يترشح في المرة الأولى للانتخابات الرئاسية، كان ترمب رجل العقار من أشهر المليارديرات الأميركيين وأكثرهم حيوية. وعندما بدأ يتحدث عن طموحاته الرئاسية، رأى القريبون منه أن هذه الفرصة ستكون بعيدة المنال. ولكنه نجح في استخدام كل الأدوات المتاحة لديه لاقتحام عالم السياسة في واشنطن، متحدياً كل السياسيين الذين واجهوه، حتى أكثرهم حنكة، في السباق التمهيدي بين الجمهوريين، ثم في السباق مع الديمقراطيين إلى البيت الأبيض. هزم منافسته هيلاري كلينتون. وهو الآن على مسافة أيام معدودة من المواجهة مع منافسه الديمقراطي نائب الرئيس السابق جو بايدن.
حياة مثيرة
في صغره، كان لدى دونالد، الطفل الرابع لرجل العقارات في نيويورك فريد ترمب، طموح أن يتسلم وظيفة متدنية داخل شركة والده. لكن على رغم ثروة الأسرة، أرسل إلى الأكاديمية العسكرية عندما بلغ من العمر 13 عاماً، وبدأت يظهر علامات على سوء السلوك. ثم التحق بجامعة بنسلفانيا، وصار المرشح المفضل لخلافة والده بعدما قرر شقيقه الأكبر فريد الابن أن يصير طياراً. لكن هذا الأخير توفي عن 43 عاماً بسبب معاقرته الخمر. ويقول ترمب إنه دخل في سوق العقارات بقرض «صغير» قيمته مليون دولار من والده، قبل أن ينضم إلى الشركة ليساعد في إدارة المحفظة الواسعة لوالده من مشاريع الإسكان في أحياء مدينة نيويورك، ثم سيطر على الشركة وسماها «منظمة ترامب» عام 1971.
بعد وفاة والده عام 1999، غيّر ترمب أعمال عائلته من وحدات الإسكان في بروكلين وكوينز إلى المشاريع الجذابة في مانهاتن، فبنى فندق «غراند حياة» على أنقاض فندق الكومودور المتهدم و«برج ترمب» الفاخر والمكون من 68 طابقاً في الجادة الخامسة. ثم أنشأ علامات تجارية عديدة، وأبرزها بين عامي 1996 و2015، حين كان مالكاً لمسابقات ملكة جمال الكون وملكة جمال الولايات المتحدة وملكة جمال المراهقات. وخلال هذه المرحلة، ظهر للمرة الأولى عام 2003 في برنامج التلفزيون الواقعي «ذا أبرانتيس» على شبكة «أن بي سي»، حيث يتنافس المتسابقون للحصول على وظيفة إدارية داخل مؤسسة ترمب.
وتفيد مجلة «فوربس» الأميركية أن صافي ثروة ترمب يصل إلى أكثر من 3.7 مليارات دولار، لكنه يصر على أن قيمتها عشرة مليارات دولار.
على رغم أنه تزوج ثلاث مرات، إلا أن زوجته الأولى الرياضية وعارضة الأزياء التشيكية إيفانا زيلنيكوفا كانت الأشهر. وأنجب منها ثلاثة أطفال، هم دونالد جونيور وإيفانكا وإريك. وأدت دعوى الطلاق بينهما عام 1990، إلى ظهور العديد من القصص المثيرة عن ترمب في الصحف الشعبية. ثم تزوج من الممثلة مارلا مابلز عام 1993، وأنجب منها ابنة سمياها تيفاني قبل يتطلقا عام 1999. وعام 2005، تزوج من العارضة ميلانيا كناوس وأنجب منها ابناً سمياه بارون وليم. ولا يزال أولاده من زواجه الأول يساعدون في إدارة «منظمة ترمب».
طموحات رئاسية قديمة
عبر ترمب عن اهتمامه بالترشح للرئاسة الأميركية في وقت مبكر يعود إلى عام 1987، ودخل إلى هذا السباق للمرة الأولى عام 2000 كمرشح عن «حزب الإصلاح». وبعد عام 2008، صار الأكثر صراحة بين أعضاء حركة «بيرثر» التي تساءلت عما إذا كان الرئيس باراك أوباما ولد في الولايات المتحدة. وعندما دخل السباق إلى البيت الأبيض مجدداً عام 2016، قال في خطاب: «نحن بحاجة إلى شخص ما يتسلم هذا البلد بالمعنى الحرفي للكلمة ويجعله عظيماً مرة أخرى. يمكننا أن نفعل ذلك». ووعد بأنه سيرفع شعار «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، ثم أدار حملة مثيرة مبنية على وعود بتعزيز الاقتصاد الأميركي، وبناء جدار على الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة، وحظر الهجرة مؤقتاً «حتى يتمكن ممثلو بلدنا من معرفة ما الذي يجري».
وثابر ترمب على تحدي استطلاعات الرأي التي كانت ترجح فوز هيلاري كلينتون، مؤكداً أن رئاسته ستوجه ضربة للمؤسسة السياسية و«تجفف المستنقع» في واشنطن.
بعد فوزه المذهل، دخل ترمب التاريخ لأنه الرئيس الأميركي الأول الذي لم يتقلد منصباً منتخباً أو يخدم في الجيش قبل أن يؤدي اليمين الدستورية كالرئيس الـ45 للولايات المتحدة في 20 يناير (كانون الثاني) 2017.
بصرف النظر عن الإنجازات، يعتقد عدد من مساعدي ترمب وحلفاؤه أنه لم يعد يخوض الآن مواجهة ضد خصم سياسي، بل ضد فيروس «كوفيد - 19» الذي تعافى منه أخيراً، وأن إعادة انتخابه في مطلع الشهر المقبل ستعتمد على إقناع الناخبين بأن استجابته للجائحة أنقذت عدداً كبيراً من أرواح الأميركيين.