لبنان يذهب إلى مفاوضات ترسيم الحدود رافعاً مطالب «الحد الأقصى»

رئيس البرلمان يؤكد أنها لن تفضي إلى التطبيع مع إسرائيل

عناصر من قوات الأمم المتحدة (يونيفيل) قرب عرباتهم في بلدة الناقورة أمس مع بدء المفاوضات (د.ب.أ)
عناصر من قوات الأمم المتحدة (يونيفيل) قرب عرباتهم في بلدة الناقورة أمس مع بدء المفاوضات (د.ب.أ)
TT

لبنان يذهب إلى مفاوضات ترسيم الحدود رافعاً مطالب «الحد الأقصى»

عناصر من قوات الأمم المتحدة (يونيفيل) قرب عرباتهم في بلدة الناقورة أمس مع بدء المفاوضات (د.ب.أ)
عناصر من قوات الأمم المتحدة (يونيفيل) قرب عرباتهم في بلدة الناقورة أمس مع بدء المفاوضات (د.ب.أ)

عقدت يوم أمس الجولة الثانية من مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل على أن تستأنف عند العاشرة من صباح اليوم، فيما جدّد رئيس البرلمان نبيه بري أنه ليس واردا لا من قريب ولا من بعيد القبول بأن تفضي هذه المفاوضات إلى التطبيع مع إسرائيل.
وتعقد هذه الجلسات برعاية الأمم المتحدة وبواسطة أميركية وحمل الوفد اللبناني خرائط ووثائق تظهر نقاط الخلاف، بحسب ما ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام.
وقالت مصادر مطلعة على المفاوضات لـ«الشرق الأوسط» إن الجولة الثانية كانت جيدة، واصفة إياها بأنها «انطلاق المفاوضات الفعلي، حيث قام لبنان بتقديم الخرائط التي يملكها للتفاوض على مساحة 2290 كيلومترا مربعا، بعدما كانت الخرائط التي قدمت إلى الأمم المتحدة عام 2011 تتعلق فقط بمساحة 860 كيلومترا، وهو ما يفترض أن يتلقى الوفد اللبناني جوابا بشأنه من إسرائيل».
وكما الجلسة الأولى، ضم الوفد اللبناني المفاوض نائب رئيس الأركان للعمليات العميد الركن بسام ياسين رئيسا، العقيد البحري مازن بصبوص والخبير في نزاعات الحدود الدكتور نجيب مسيحي، وعضو هيئة إدارة قطاع البترول وسام شباط. ويترأس المفاوضات أحد مساعدي المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش في حضور الوسيط الأميركي السفير جان ديروشر.
وشهد محيط بلدة الناقورة انتشارا واسعا للجيش اللبناني الذي يسير دوريات مشتركة مع قوات «اليونيفيل»، فيما وصل الوفد اللبناني على متن طوافة حطت في مهبط المروحيات في مقر اليونيفيل، الذي يبعد 500 متر عن مكان الاجتماعات.
وفي هذا الإطار، جدد رئيس البرلمان نبيه بري التأكيد على أن المفاوضات التي يجريها لبنان في الناقورة هي حصرا من أجل تثبيت حقوق لبنان باستثمار ثرواته كاملة دون زيادة أو نقصان. وقال بري: «ليس واردا لا من قريب ولا من بعيد القبول بأن تفضي مفاوضات الترسيم إلى تطبيع مع العدو الإسرائيلي الذي يتم التفاوض معه وفقا لآليات واضحة هي مندرجات تفاهم (أبريل) نيسان وبطريقة غير مباشرة تحت علم الأمم المتحدة».
وأكد أن لبنان لا يمكن أن يستمر إذا أمعن السياسيون في مقارباتهم لمختلف العناوين من خلال المعايير الطائفية والمذهبية، لافتا إلى أنه «آن الاوان أن يكون اللبناني منتميا لوطنه قبل أن يكون منتميا لمذهبه، نعم الطوائف نعمة لكن الطائفية نقمة». وأبدى الرئيس بري خشيته من الوصول إلى مرحلة قد يتم فيها الترحم على «سايكس بيكو» قياسا مع ما يخطط للمنطقة من سيناريوهات تقسيمية.
وقالت مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لوري هايتيان لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «تعد الجلسة اليوم (أمس) أول اجتماع تقني بعدما كانت الجلسة الأولى للتعارف وتخللها وضع القواعد الأساسية للتفاوض. وبالتالي من المتوقع أن تبدأ مناقشات الترسيم بالتفاصيل».
وتنطلق الدولة اللبنانية في المفاوضات، وفق ما تشرح هايتيان: «من مبدأ المطالبة بأقصى ما يمكن الحصول عليه تحت سقف القانون الدولي وقانون البحار، أي أنها تريد أن تذهب أبعد من 860 كيلومترا مربعا، وهو ما يجعل جزءا من حقل كاريش للغاز من حصة لبنان». ولا يُعلم ما سيكون عليه الموقف الإسرائيلي في هذا الصدد، خصوصا أن كاريش هو حقل مكتشف، وكان يفترض أن تبدأ إسرائيل عمليات الإنتاج فيه العام المقبل قبل حصول تأخير مع تفشي فيروس «كورونا» المستجد.
ووقّع لبنان عام 2018 أول عقد للتنقيب عن الغاز والنفط في رقعتين من مياهه الإقليمية تقع إحداهما، وتعرف بالبلوك رقم 9، في الجزء المتنازع عليه مع إسرائيل. وبالتالي ما من خيار أمام لبنان للعمل في هذه الرقعة إلا بعد ترسيم الحدود.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.