لا يزال الناخبون البيض، الذين يشكلون أكثر من 70% من المواطنين الأميركيين، يمسكون المفاتيح الرئيسية للعملية الانتخابية التي تشهدها الولايات المتحدة الأسبوع المقبل. وإذ تصدر المراكز البحثية المزيد من الدراسات حول رهان نائب الرئيس السابق جو بايدن على أصوات الكاثوليكيين البيض، مستفيداً من انتمائه إلى كنيستهم، تشير غالبية الاستطلاعات إلى أن أكثرية من الإنجيليين تدعم بقوة إعادة انتخاب الرئيس دونالد ترمب، الذي اختار القاضية الكاثوليكية المحافظة إيمي كوني باريت لتجلس مدى الحياة على مقعد المحكمة العليا.
لا شك في أن الإنجيليين البيض كانوا قوة دفع رئيسية لترمب قبل أربع سنوات. وفي خطاب قبول ترشيحه أمام المؤتمر العام للحزب الجمهوري عام 2016، أعلن ترمب أن دعم الإنجيليين كان «سبباً كبيراً في وجودي هنا الليلة». لكن في الانتخابات العامة، كان الكاثوليكيون هم المجموعة التي أوصلته إلى البيت الأبيض. وقال عميد كلية سكار للسياسة والحوكمة في جامعة جورج مايسون الأميركية، مارك روزيل، إن «الناس دُهشوا تماماً من التأثير العام للإنجيليين البيض في الانتخابات، لكنني أعتقد أن ما فاتنا هو الدور الحاسم للناخبين الكاثوليك».
ورغم خسارته في التصويت الشعبي عام 2016، وصل ترمب إلى البيت الأبيض إلى حد كبير لأنه فاز بولاية بنسلفانيا، المصنفة تقليدياً على أنها ديمقراطية، وميشيغان وويسكونسن، وهي ولايات يفوق فيها عدد الكاثوليك على الإنجيليين بهوامش كبيرة. وأكد العضو الجمهوري السابق في الكونغرس تيم هولسكامب، الذي يعمل الآن مستشاراً لحركة «كاثوليكيين من أجل ترمب»، أن «التصويت الكاثوليكي أدى إلى فوز ترمب بهذه الولايات». وفيما لا يزال ترمب يعترف بالدعم الساحق الذي يقدمه له الإنجيليون البيض، أولى هذه السنة اهتماماً أكبر بكثير للكاثوليك. وقال في إحدى المناسبات أخيراً: «نشأت بجوار كنيسة كاثوليكية في كوينز، نيويورك، ورأيت مقدار العمل الرائع الذي قامت به الكنيسة الكاثوليكية لمجتمعنا»، مضيفاً أن «هؤلاء أناس رائعون».
قيم ومواقف متشابهة
يتخذ الإنجيليون البيض والكاثوليكيون المحافظون مواقف متشابهة حيال العديد من القضايا، مثل المعارضة القوية للإجهاض وحقوق المثليين. وهم يدافعون في الوقت ذاته عن الحريات الدينية. ورغم وجود مرشح كاثوليكي على الجانب الديمقراطي، تدعم مجموعات كاثوليكية ترمب بكل إخلاص. وقامت إحداها بحملة قيمتها 9.5 مليون دولار تستهدف الناخبين الكاثوليك المتأرجحين في «ساحات المعارك» الانتخابية، ومنها بنسلفانيا وميشيغان حيث يُعرض إعلان يفيد بأن «جو بايدن سيجبر الأميركيين الكاثوليك على دفع تكاليف عمليات الإجهاض والتضحية بقيمه الكاثوليكية، وعلى الركوع أمام العصابات اليسارية».
وتفيد البيانات بأن المرشح الديمقراطي يمكن أن يُبعد أصوات الكاثوليكيين البيض عن ميولهم الجمهورية التي كانت واضحة خلال الانتخابات الرئاسية الأربعة الماضية، ليجعلها من الأصوات المتأرجحة. ويعترف مسؤولو حملة الجمهوريين بأن أي تغييرات مهما كانت طفيفة في طريقة تصويت الكاثوليكيين يمكن أن تؤثر على نتيجة الانتخابات، ولا سيما في الولايات المتأرجحة، مذكّرين بأنه في عام 2016، فاز ترمب بولايات ويسكونسن وبنسلفانيا وفلوريدا بهوامش ضيقة تتراوح بين 1% و1.2% من الأصوات. ورغم كل ما يشار إليه حول الدعم القوي الذي تلقاه ترمب من المسيحيين عموماً، كانت أنماط تصويتهم عام 2016 متسقة نسبياً مع انتخابات عام 2008.
ويؤكد الباحثون في الانتخابات الأميركية أن التقاليد الانتخابية بين هذه الفئة من الناخبين كانت مستقرة إلى حد بعيد، غير أن الكاثوليكيين البيض أخذوا يميلون ببطء إلى تأييد الحزب الجمهوري، بمعدل يتراوح من 3 إلى 4 نقاط مئوية في ثماني سنوات. وعلى سبيل المثال لا الحصر، صوّت 78% من الإنجيليين البيض خلال انتخابات عام 2008 للمرشح الجمهوري جون ماكين ضد منافسه الديمقراطي باراك أوباما. كان أداء ترمب أفضل ببضع نقاط عام 2016، فحصل على نسبة 81% من أصوات هذه الفئة. واستمر الانقسام الحزبي بين الكاثوليك البيض ونظرائهم الإنجيليين على حاله تقريباً. وخلال انتخابات عامي 2008 و2012، صوّت 56% من الكاثوليك البيض للحزب الجمهوري، لترتفع النسبة قليلاً إلى 59% عام 2016.
الكلمة في الولايات المتأرجحة
بالنسبة إلى البروتستانت، انقسم التصويت عام 2008 بشكل متساوٍ تقريباً، مع حصول جون ماكين على أكثرية ضئيلة من أصواتهم، أي 53%. وبعد أربع سنوات، كان أداء ميت رومني أفضل قليلاً بحصوله على 55%. وحصل ترمب على دعم أكبر عام 2016 حين وصلت النسبة إلى 58%. ووفقاً لأحدث استطلاع أجرته شركة «بروغرس»، كانت حصة بايدن في التصويت الإنجيلي 20% في أبريل (نيسان) ومايو (أيار) الماضيين. ويُظهر أحدث البيانات التي جُمعت في سبتمبر (أيلول) الماضي، أن بايدن لديه الآن ما يصل إلى 30% من أصوات الإنجيليين البيض، وهي زيادة كبيرة على نتيجة كلينتون عام 2016 (19% فقط)، بينما وصل دعم ترمب إلى 70%.
وأظهر استطلاع أجراه مركز «بيو» للأبحاث أخيراً أن ترمب يتخلف عن بايدن بين الناخبين الكاثوليكيين هذا العام. وقال أحدهم إنه «كلما حضرت إلى الكنيسة أكثر، زاد احتمال التصويت لدونالد ترمب»، ولكن «كلما قلّت ممارستك الدين، زاد احتمال التصويت لجو بايدن». وأفاد استطلاع للناخبين المحتملين في بنسلفانيا، حيث يشكل الكاثوليك البيض نحو ربع الناخبين، بأن الكاثوليكيين البيض الممارسين يفضلون ترمب بأكثر من 40 نقطة، بينما يميل الذين يطلقون على أنفسهم غير الممارسين إلى دعم بايدن بنحو 25 نقطة. ونظراً إلى هذه النتائج، ترى حملة ترمب أن الكاثوليكيين المحافظين، وليس الإنجيليين البيض، هم من يملكون مفتاح إعادة انتخاب ترمب.