الحظ بين الغيب والقدر... والفلسفة

ستيفن هيلز رئيس قسم الفلسفة في جامعة بلومزبيرغ الأميركية يفكك «الوحش الأسطوري»

تمثال معبودة الحظ في الأساطير القديمة فورتشونا
تمثال معبودة الحظ في الأساطير القديمة فورتشونا
TT

الحظ بين الغيب والقدر... والفلسفة

تمثال معبودة الحظ في الأساطير القديمة فورتشونا
تمثال معبودة الحظ في الأساطير القديمة فورتشونا

يبدو الحظ كما خيط ذهبي يمتد عبر نسيج تاريخ الأفكار جامعاً الآلهة القديمة والمقامرين والفلاسفة واللاهوتيين والأباطرة والعلماء والعبيد على صعيد واحد. ومع أن البشرية ألقت عبر العصور كل ما أوتيت من القدرة والخيال والمعرفة لتفكيك الحظ سعياً لجلبه سعيدا أو لتجنبه شقياً: فهناك أساطير لاهوتية كثيرة منذ البدايات الأولى عن الحظ بصفته مفسراً للأقدار، وقامت حركات فلسفية كاملة للتعامل مع سطوته، ونشأت فروع وتطبيقات جديدة من الرياضيات لتحليله وتحديده، واستمرت أجيال من الأفاقين وتجار الأمل تحصيل عيشهم من التجارة به، لكننا لم نحقق حتى الآن أي نجاح يذكر في نضالنا المتوارث لاستئناس هذا الوحش العنيد أو قهره. البروفسور ستيفن هيلز، رئيس قسم الفلسفة بجامعة بلومزبيرغ (بنسلفانيا - الولايات المتحدة) يعتقد أنه يملك الآن نظرية علمية تفسر سبب فشل البشرية المتراكم هذا: لقد كنا نقاتل أو نسترضي طوال هذا الوقت وحشاً أسطورياً لا وجود فعلياً له، وإن كل الحكاية مرتبطة بنظرة الأفراد للعالم، وموقفهم الشخصي الذاتي من الأحداث حولهم.
أجرى هيلز لاختبار نظريته هذه سلسلة تجارب (رفقة زميلته جنيفر جونسون) نشرت نتائجها في مجلات أكاديمية متخصصة بعلم النفس الفلسفي أثبتت افتراضه بأن الناس المتفائلين بطبعهم يأخذون تجارب الآخرين على أنها من قبيل الحظ الحسن، في حين يرى المتشائمون التجارب ذاتها علامة على سوئه. واستخدم هيلز لاختبار فرضيته قصصاً من الحظ الغريب، وطلب إلى العينة المشاركة - بعد تحديد نظرتها للحياة وفق اختبار مستقل -، الإشارة فيما إذا كان أبطال تلك القصص سعداء الحظ، أم تعساء. على سبيل المثال، كانت هناك قصة تسوتومو ياماغوتشي الموظف الياباني البسيط في شركة ميتسوبيشي للمعدات الثقيلة الذي كان في رحلة عمل إلى مدينة هيروشيما عام 1945 ونجا من القنبلة النووية التي ألقاها الأميركيون عليها في الأيام الأخيرة للحرب العالمية الثانية، قبل أن يعود إلى مقر عمله في ناجازاكي لينجو مرة ثانية من القنبلة النووية الأميركية الثانية التي ألقيت على ثاني مدينة قبل إعلان اليابان استسلامها. وفقاً لبحث هيل، فقد تبين أن هناك علاقة إيجابية كبيرة بين مستوى التفاؤل عند الشخص وكيفية وصفه طبيعة حظ الآخرين في تجربة حياتية معينة. الأكثر تفاؤلاً، اعتبروا أن ياماغوتشي – مثلاً – كان سعيد الحظ بعدما كان الياباني الوحيد الذي نجا من القنبلتين الغادرتين معاً، في حين اعتبر المتشائمون أن الرجل يمكن أن يكون الأيقونة المثالية لسوء الحظ. وقد تغيرت مواقف الطرفين عند إعادة صياغة القصص بلغة إيجابية أو سلبية؛ ولذا بدا أن تصورات الناس عن الحظ ليست نهائية ولا متناسقة وتتأثر بالإطار الذي تعرض فيه ويصعب عموماً التنبؤ بها. ويقود ذلك تلقائياً إلى بوابة نقاش مثيرة يطلق عليها العلماء «معامل الحظ» تزعم بأنه نوع من النبوءة الشخصية التي تحقق ذاتها. ففي إحدى التجارب، نشر ريتشارد وايزمان، أستاذ السيكولوجيا التجريبية، إعلاناً من نصف صفحة جريدة يومية يعد فيه بجائزة مالية لمن يستجيب للإعلان. المتشائمون بالطبع رأوا أنفسهم حكماً سيئ الحظ وامتنعوا عن الاستجابة للإعلان، في حين استجاب المتفائلون وحصلوا على المال، ليتعزز عندهم الشعور بكونهم محظوظين. ومن المفهوم بالطبع أن الشعور بامتلاك حظ سيئ يخلق الخوف والقلق؛ مما يجعل صاحبه أقل قدرة على اغتنام الفرص مقارنة بمن يعدون أنفسهم أفضل حظاً.
كتاب هيلز الأحدث الذي عنونه «أسطورة الحظ: الفلسفة والأقدار والغيب – بلومزبري، 2020»، يستعرض خلاصة هذه التجارب، لكن بعد جولة مثيرة للبحث في تصورات البشر عن الحظ عبر الحقب التاريخية المتعاقبة، بداية من كلاسيكيات الإغريق والرومان فيقرأ توصيف أفلاطون في «الجمهورية» للحظ والأقدار، كما أسطورة أوديب وفلسفة الرواقيين، قبل استكشاف تحولات مفهوم الحظ تالياً مروراً بتوماس الأكويني، وغاليليو، وفلاسفة الأخلاق، وانتهاء إلى عصرنا الحديث: ثرثرات ألبير كامو، ومدارس علم النفس الحديث ونظرية الاحتمالات الرياضية. ويعمد هيل إلى تطعيم نصه في كل مراحل الرحلة باللطائف والنوادر بشأن الحظ مما يكسب المناقشة الصريحة - المزعجة ربما للكثيرين - دفئاً ملحوظاً. فالحظ تشخصن عند الإغريق القدماء وكان يحمل اسماً مؤنثاً (توتشيه) نُسبت ابنة لزيوس كبير الآلهة الأسطورية عندهم، قبل أن يتبناها الرومان لاحقاً باسم (فورتشونا) وكان يعبّر عنها برمز عجلة ضخمة لا يعرف من يقودها وتأخذ معها في دورانها مصائر البشر صعوداً فهبوطاً. ويذكر هيل أن الإمبراطور قسطنطين عندما بنى روما الجديدة (القسطنطينية) عاصمة للمسيحية أبقى مع ذلك معبد للإلهة (فورتشونا) لعل وعسى. وقبل الإغريق والرومان وبيزنطة، كان الفراعنة المصريون يتداولون روزنامات سنوية تحدد يوماً بيوم الموقف من الحظ حول شيء من مصالح البشر: لا تسافر في النهر هذا اليوم، ولا تأكل هذا النوع من الطعام في ذاك، وهكذا. وقد تركت لنا معظم شعوب العالم القديم تعويذات لجلب الحظ الجيد وتجنب السيئ، وهي أصول بعض الرموز المؤسطرة التي لا تزال متداولة إلى اليوم كالخرزة الزرقاء وعلاقة اليد المنقوشة. ويشير هيل إلى أن أصل منصب نديم – أو مهرج البلاط – كانت نتيجة اعتقاد ساد في بعض العصور القديمة عن أنه يمكن حماية الملك بمرافقة نديم له بشكل دائم لعل الحظ يخطأ بينهما فينزل عواقب الحظ السيئ بالنديم لا بسيده.
وبينما حفلت الوثائق والنصوص القديمة بقصص عن ارتباط الحظ بالأقدار – كقصة الرجل الذي لمح ملك الموت من بعيد صباح يوم ببغداد، فهرب بحصانه ساعات نحو سامراء ليجد أن موعده مع قدره المحتم كان في سامراء مساءً -، فإن الرواقيين مثلوا نقلة نوعية في فلسفة تعامل البشر مع الحظ. فهم تحدوا سطوته عبر التخلي عن الآمال وقمع الشغف الذي قد يجعلهم بحاجة إلى الحظ من حيث المبدأ، بل ذهب أحدهم – وهو الفيلسوف سينكا إلى اعتبار ما يراه الناس بأعطيات الحظ الطيب إن هي إلا النقيض من ذلك لأنها تغوي بالأمل الزائف، في حين سعادة الإنسان متأتية حصراً من الذات المتصالحة مع نفسها. أما الأديان السماوية فقد كانت واضحة لناحية حصر الأقدار جميعها بالخالق، فأدانت كل ما قد يسئ إلى التسليم الكامل بإرادته – مع أن كثيرا من المجتمعات المحلية عبر العالمين المسيحي والإسلامي استمرت في تناقل ممارسات وأشياء مرتبطة بالحظ كتراث ثقافي للبسطاء لا يتعارض مباشرة مع الإيمان.
ويفرد كتاب هيلز صفحات كثيرة لمناقشة ممتعة عن دور المقامرين في الانخراط الشخصي أو حفز المعارف من الملمين بعلوم الحساب على تطوير نظريات للتنبؤ الرياضي وعلم الاحتمالات في إطار سعيهم الحثيث والدائم والتاريخي لتعظيم حظوظ الربح وتقليل الخسارات.
وفي هذا الارتحال عبر التقاليد والأوقات والثقافات يجادل كاتب «أسطورة الحظ» باقتدار وتمكّن، ويسوق محاججات مقنعة لوضع (الحظّ) في مكانه المناسب: أسطورة تامة، وسمة شخصية وموقفاً أخلاقياً وانحيازاً معرفياً من قبل منطقنا الذاتي على نحو يمنح تعبير «إن البشر يصنعون حظهم» معنى جديداً، حاثاً الناس على استعادة المبادرة في التعاطي مع العالم وعدم الوقوع في سحر تلك الأسطورة الخالدة عن وهم يقال له «الحظ».


مقالات ذات صلة

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

يوميات الشرق ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

لعلّه المتحف الوحيد الذي تُعرض فيه عيدان كبريت، وبطاقات يانصيب، وأعقاب سجائر... لكن، على غرابتها وبساطتها، تروي تفاصيل "متحف البراءة" إحدى أجمل حكايات إسطنبول.

كريستين حبيب (إسطنبول)
كتب فرويد

كبار العلماء في رسائلهم الشخصية

ما أول شيء يتبادر إلى ذهنك إذا ذكر اسم عالم الطبيعة والرياضيات الألماني ألبرت آينشتاين؟ نظرية النسبية، بلا شك، ومعادلته التي كانت أساساً لصنع القنبلة الذرية

د. ماهر شفيق فريد
كتب ناثان هيل

«الرفاهية»... تشريح للمجتمع الأميركي في زمن الرقميات

فلنفرض أن روميو وجولييت تزوَّجا، بعد مرور عشرين سنة سنكتشف أن روميو ليس أباً مثالياً لأبنائه، وأن جولييت تشعر بالملل في حياتها وفي عملها.

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

صدر حديثاً عن دار نوفل - هاشيت أنطوان كتاب «دليل الإنسايية» للكاتبة والمخرجة الآيسلندية رند غنستاينردوتر، وذلك ضمن سلسلة «إشراقات».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»
TT

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون. يحمل الكتابان العنوانين «حكايات من العراق القديم»، و«ملوك الوركاء الثلاثة»، وترجمهما الإعلامي والكاتب ماجد الخطيب، المُقيم في ألمانيا. وسبق أن نُشر الكتابان في لندن سنة 2006، وجذبا انتباه القراء بصياغتهما المعاصرة التي «تُقدم النصوص الرافدينية القديمة بشكل جذاب إلى جمهور واسع خارج دائرة المؤرخين والباحثين المتخصصين»، حسب رأي الشاعر الراحل سعدي يوسف في حوار معه بمجلة «بانيبال».

صدر الكتابان في طبعة أنيقة، بالورق المصقول، وغلافين ملونين، حافظا على تصاميم ورسومات وصور الكتابين الأصليين؛ تحقيقاً لرغبة الكاتبة فران هزلتون.

تُقدم لنا الباحثة في الكتابين حكايات وأساطير من العراق القديم؛ يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من 4000 سنة. هي قصص نقلها الخبراء الإنجليز عن الألواح الطينية المكتوبة بالحروف المسمارية مباشرة من الأرشيف البريطاني الخاص ببلاد ما بين النهرين.

تكفي نظرة إلى عدد الأساتذة الذين أسهموا في ترجمة هذه النصوص من المسمارية إلى الإنجليزية، عن الألواح الطينية القديمة، لمعرفة الجهدين، الأدبي والفني، الكبيرين اللذين بذلتهما فران هزلتون في كتابة هذه النصوص، وتنقيحها وردم الثغرات في بعضها.

واعترافاً بهذا الجهد، قدَّمت المؤلفة شكرها في مقدمة الكتاب إلى قائمة من الأساتذة هم: البروفسور ثوركيلد جاكوبسون، والدكتور جيرمي بلاك، والدكتور غراهام كننغهام، والدكتورة إليانور روبسون، والدكتور غابور زويومي، والدكتور هرمان فانستفاوت، والبروفسور أندرو جورج، والدكتورة ستيفاني دالي والبروفسور بنجامين ر.فوستر.

يحتوي الكتاب الأول «حكايات من العراق القديم» على 13 حكاية وأسطورة سومرية وأكدية، تكشف للقارئ كثيراً من جوانب الحياة في بلاد الرافدين في تلك الأزمنة الغابرة، وتوضح لنا كيف كان الناس يعيشون، وعلاقتهم بالآلهة، وجوانب تفصيلية من الحياة الروحية والثقافية في أور ونيبور وأرتاتا وأريدو وكيش وشوروباك... إلخ.

كتبت الباحثة في تاريخ العراق القديم، ستيفاني دالي، في مقدمة الكتاب قائلة: «تخبرنا هذه الحكايات بالكثير عن المجتمع في ميزوبوتاميا في بواكيره الأولى. يحكم الملك الجالس على عرشه في القصر بصولجان يرمز إلى سلطته، ويبعث رسله للحوار حول صفقات تجارية، تعززهم تهديدات باستخدام القوة. كان الملوك والآلهة ما انفكوا يقيمون على الأرض، لأنهم لم ينسحبوا بعد إلى السماء، وكانت شهيتهم -وغضبهم ومتعتهم بالطعام والشراب، ورغباتهم وغرورهم- مماثلة لمثيلاتها بين الفانين، رغم أن معبوداً فقط قادر على تقرير مصائر المدن، والتصرف بصفته راعياً للملك في هذه المدينة أو تلك».

يتناول الكتاب الثاني قصص ملوك الوركاء الثلاثة إينْمركار ولوغالبندا وجلجامش؛ أي الجد والأب والحفيد. تحكي قصة إينمركار كيف أن هذا الملك أخذ حفنة من الطين النقي في يده وعجنه على شكل لوح، ثم سطر عليه رسالته إلى أينسوغريانا ملك مدينة أرتاتا الواقعة في الجبال القريبة (ربما إيران). هي أول إشارة في الأدب المكتوب إلى «كتابة رسالة»، ويعتقد العلماء، لهذا السبب، أن الكتابة اكتشفت في زمن هذا الملك.

ومن اللافت أيضاً في الكتابين التماثل الغريب بين بعض هذه الحكايات وحكايات «ألف ليلة وليلة»، رغم الفارق الزمني الكبير بين الاثنين. موضوعات السحر والآلهة، والسرد على لسان الطير، والطيران على ظهر نسر ومؤامرات النساء والخدم... إلخ. وتسرد إحدى القصص يوم نزول إنانا (عشتار) إلى الأرض، وقضاء ليلتها مع الملك، ومن ثم تصف الموكب الذي يجتاز شارع الموكب وبوابة عشتار، على هذا النحو:

«يظهر في البداية الفتيان الوسام، الذين يزينون شعورهم المصففة بالأطواق، ثم تأتي العجائز الحكيمات، فترافق الملك أكثرهن حكمة في موكب إنانا، ثم يأتي الطبالون يقرعون الطبول بعصي مقدسة، ويستعرضون في الموكب لإنانا. ثم يأتي الجنود بسيوفهم وحرابهم المشرعة يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم يأتي أولئك الذين عباءاتهم بوجهين أحدهما أنثوي والآخر ذكري، يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم يأتي أولئك الذي يتنافسون في الدوران والالتفاف والمناورة بمباخر من كل الألوان، يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم يأتي الأسرى مقيدين بأطواق العنق الخشب ينشدون نشيدهم، يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم تأتي بنات المعابد بشعورهن المتوجة، يستعرضن في الموكب لإنانا، ثم يأتي الكهنة يرشون الدم يميناً ويساراً من خناجر مغموسة بالدم، يستعرضون في الموكب لإنانا».

بأسلوب سلس؛ يجمع بين الفكاهة والمفارقة، يُقدم الكتابان حكايات وأساطير من تاريخ العراق القديم، شكّلت جذباً لجمهور واسع من القراء خارج دائرة المؤرخين والمختصين.

يشار إلى أنه بالتعاون مع جمعية «ZIPAG» سردت فيونا كولينز وتارا جاف وبديعة عبيد هذه القصص في كثير من الأمسيات التي أقامتها جمعية «إنهدوانا» في بريطانيا. وترى الناقدة ستيفاني ديلي، من معهد الاستشراق البريطاني، أن هذه الحكايات السومرية تمتعت بالقدرة على إسعاد قراء العصر الحديث بفكاهاتها ومفارقاتها ورؤيتها البراغماتية لأفعال الخالدين والفانين، التي يشتبك فيها الخير والشر. وتتساءل: كانت استجابة الجمهور الحديث مدهشة، رغم فارق العصور والثقافات الهائل، كيف يمكننا تفسير هذا التعاطف الذي يتجاوز كل الحدود؟ تكمن بعض الأجوبة في الثيمة الأساسية، التي تتعلق بالحياة والموت المُعبر عنها في الاستعارة الأسطورية؛ حيث تجسد الآلهة قوى الطبيعة، مثل الخصوبة والعقم والدهاء والغباء.

كتبت فران هزلتون في مقدمة الكتاب أن النسخة الأولى من «حكايات من العراق القديم صدرت سنة 2006، وكانت إشادة بأسلافنا الثقافيين المشتركين: قصصيي العراق القديم. ستسهم هذه الطبعة، كما أتمنى، في الإشادة ليس بحكواتيي العراق القديم فحسب، وإنما أن تصبح أيضاً أداة بيد الذين ارتضوا تحدي أن يصبحوا ساردي حكايات رافدينية حديثين».