الحظ بين الغيب والقدر... والفلسفةhttps://aawsat.com/home/article/2592351/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B8-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D9%8A%D8%A8-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D9%81%D8%A9
يبدو الحظ كما خيط ذهبي يمتد عبر نسيج تاريخ الأفكار جامعاً الآلهة القديمة والمقامرين والفلاسفة واللاهوتيين والأباطرة والعلماء والعبيد على صعيد واحد. ومع أن البشرية ألقت عبر العصور كل ما أوتيت من القدرة والخيال والمعرفة لتفكيك الحظ سعياً لجلبه سعيدا أو لتجنبه شقياً: فهناك أساطير لاهوتية كثيرة منذ البدايات الأولى عن الحظ بصفته مفسراً للأقدار، وقامت حركات فلسفية كاملة للتعامل مع سطوته، ونشأت فروع وتطبيقات جديدة من الرياضيات لتحليله وتحديده، واستمرت أجيال من الأفاقين وتجار الأمل تحصيل عيشهم من التجارة به، لكننا لم نحقق حتى الآن أي نجاح يذكر في نضالنا المتوارث لاستئناس هذا الوحش العنيد أو قهره. البروفسور ستيفن هيلز، رئيس قسم الفلسفة بجامعة بلومزبيرغ (بنسلفانيا - الولايات المتحدة) يعتقد أنه يملك الآن نظرية علمية تفسر سبب فشل البشرية المتراكم هذا: لقد كنا نقاتل أو نسترضي طوال هذا الوقت وحشاً أسطورياً لا وجود فعلياً له، وإن كل الحكاية مرتبطة بنظرة الأفراد للعالم، وموقفهم الشخصي الذاتي من الأحداث حولهم.
أجرى هيلز لاختبار نظريته هذه سلسلة تجارب (رفقة زميلته جنيفر جونسون) نشرت نتائجها في مجلات أكاديمية متخصصة بعلم النفس الفلسفي أثبتت افتراضه بأن الناس المتفائلين بطبعهم يأخذون تجارب الآخرين على أنها من قبيل الحظ الحسن، في حين يرى المتشائمون التجارب ذاتها علامة على سوئه. واستخدم هيلز لاختبار فرضيته قصصاً من الحظ الغريب، وطلب إلى العينة المشاركة - بعد تحديد نظرتها للحياة وفق اختبار مستقل -، الإشارة فيما إذا كان أبطال تلك القصص سعداء الحظ، أم تعساء. على سبيل المثال، كانت هناك قصة تسوتومو ياماغوتشي الموظف الياباني البسيط في شركة ميتسوبيشي للمعدات الثقيلة الذي كان في رحلة عمل إلى مدينة هيروشيما عام 1945 ونجا من القنبلة النووية التي ألقاها الأميركيون عليها في الأيام الأخيرة للحرب العالمية الثانية، قبل أن يعود إلى مقر عمله في ناجازاكي لينجو مرة ثانية من القنبلة النووية الأميركية الثانية التي ألقيت على ثاني مدينة قبل إعلان اليابان استسلامها. وفقاً لبحث هيل، فقد تبين أن هناك علاقة إيجابية كبيرة بين مستوى التفاؤل عند الشخص وكيفية وصفه طبيعة حظ الآخرين في تجربة حياتية معينة. الأكثر تفاؤلاً، اعتبروا أن ياماغوتشي – مثلاً – كان سعيد الحظ بعدما كان الياباني الوحيد الذي نجا من القنبلتين الغادرتين معاً، في حين اعتبر المتشائمون أن الرجل يمكن أن يكون الأيقونة المثالية لسوء الحظ. وقد تغيرت مواقف الطرفين عند إعادة صياغة القصص بلغة إيجابية أو سلبية؛ ولذا بدا أن تصورات الناس عن الحظ ليست نهائية ولا متناسقة وتتأثر بالإطار الذي تعرض فيه ويصعب عموماً التنبؤ بها. ويقود ذلك تلقائياً إلى بوابة نقاش مثيرة يطلق عليها العلماء «معامل الحظ» تزعم بأنه نوع من النبوءة الشخصية التي تحقق ذاتها. ففي إحدى التجارب، نشر ريتشارد وايزمان، أستاذ السيكولوجيا التجريبية، إعلاناً من نصف صفحة جريدة يومية يعد فيه بجائزة مالية لمن يستجيب للإعلان. المتشائمون بالطبع رأوا أنفسهم حكماً سيئ الحظ وامتنعوا عن الاستجابة للإعلان، في حين استجاب المتفائلون وحصلوا على المال، ليتعزز عندهم الشعور بكونهم محظوظين. ومن المفهوم بالطبع أن الشعور بامتلاك حظ سيئ يخلق الخوف والقلق؛ مما يجعل صاحبه أقل قدرة على اغتنام الفرص مقارنة بمن يعدون أنفسهم أفضل حظاً.
كتاب هيلز الأحدث الذي عنونه «أسطورة الحظ: الفلسفة والأقدار والغيب – بلومزبري، 2020»، يستعرض خلاصة هذه التجارب، لكن بعد جولة مثيرة للبحث في تصورات البشر عن الحظ عبر الحقب التاريخية المتعاقبة، بداية من كلاسيكيات الإغريق والرومان فيقرأ توصيف أفلاطون في «الجمهورية» للحظ والأقدار، كما أسطورة أوديب وفلسفة الرواقيين، قبل استكشاف تحولات مفهوم الحظ تالياً مروراً بتوماس الأكويني، وغاليليو، وفلاسفة الأخلاق، وانتهاء إلى عصرنا الحديث: ثرثرات ألبير كامو، ومدارس علم النفس الحديث ونظرية الاحتمالات الرياضية. ويعمد هيل إلى تطعيم نصه في كل مراحل الرحلة باللطائف والنوادر بشأن الحظ مما يكسب المناقشة الصريحة - المزعجة ربما للكثيرين - دفئاً ملحوظاً. فالحظ تشخصن عند الإغريق القدماء وكان يحمل اسماً مؤنثاً (توتشيه) نُسبت ابنة لزيوس كبير الآلهة الأسطورية عندهم، قبل أن يتبناها الرومان لاحقاً باسم (فورتشونا) وكان يعبّر عنها برمز عجلة ضخمة لا يعرف من يقودها وتأخذ معها في دورانها مصائر البشر صعوداً فهبوطاً. ويذكر هيل أن الإمبراطور قسطنطين عندما بنى روما الجديدة (القسطنطينية) عاصمة للمسيحية أبقى مع ذلك معبد للإلهة (فورتشونا) لعل وعسى. وقبل الإغريق والرومان وبيزنطة، كان الفراعنة المصريون يتداولون روزنامات سنوية تحدد يوماً بيوم الموقف من الحظ حول شيء من مصالح البشر: لا تسافر في النهر هذا اليوم، ولا تأكل هذا النوع من الطعام في ذاك، وهكذا. وقد تركت لنا معظم شعوب العالم القديم تعويذات لجلب الحظ الجيد وتجنب السيئ، وهي أصول بعض الرموز المؤسطرة التي لا تزال متداولة إلى اليوم كالخرزة الزرقاء وعلاقة اليد المنقوشة. ويشير هيل إلى أن أصل منصب نديم – أو مهرج البلاط – كانت نتيجة اعتقاد ساد في بعض العصور القديمة عن أنه يمكن حماية الملك بمرافقة نديم له بشكل دائم لعل الحظ يخطأ بينهما فينزل عواقب الحظ السيئ بالنديم لا بسيده.
وبينما حفلت الوثائق والنصوص القديمة بقصص عن ارتباط الحظ بالأقدار – كقصة الرجل الذي لمح ملك الموت من بعيد صباح يوم ببغداد، فهرب بحصانه ساعات نحو سامراء ليجد أن موعده مع قدره المحتم كان في سامراء مساءً -، فإن الرواقيين مثلوا نقلة نوعية في فلسفة تعامل البشر مع الحظ. فهم تحدوا سطوته عبر التخلي عن الآمال وقمع الشغف الذي قد يجعلهم بحاجة إلى الحظ من حيث المبدأ، بل ذهب أحدهم – وهو الفيلسوف سينكا إلى اعتبار ما يراه الناس بأعطيات الحظ الطيب إن هي إلا النقيض من ذلك لأنها تغوي بالأمل الزائف، في حين سعادة الإنسان متأتية حصراً من الذات المتصالحة مع نفسها. أما الأديان السماوية فقد كانت واضحة لناحية حصر الأقدار جميعها بالخالق، فأدانت كل ما قد يسئ إلى التسليم الكامل بإرادته – مع أن كثيرا من المجتمعات المحلية عبر العالمين المسيحي والإسلامي استمرت في تناقل ممارسات وأشياء مرتبطة بالحظ كتراث ثقافي للبسطاء لا يتعارض مباشرة مع الإيمان.
ويفرد كتاب هيلز صفحات كثيرة لمناقشة ممتعة عن دور المقامرين في الانخراط الشخصي أو حفز المعارف من الملمين بعلوم الحساب على تطوير نظريات للتنبؤ الرياضي وعلم الاحتمالات في إطار سعيهم الحثيث والدائم والتاريخي لتعظيم حظوظ الربح وتقليل الخسارات.
وفي هذا الارتحال عبر التقاليد والأوقات والثقافات يجادل كاتب «أسطورة الحظ» باقتدار وتمكّن، ويسوق محاججات مقنعة لوضع (الحظّ) في مكانه المناسب: أسطورة تامة، وسمة شخصية وموقفاً أخلاقياً وانحيازاً معرفياً من قبل منطقنا الذاتي على نحو يمنح تعبير «إن البشر يصنعون حظهم» معنى جديداً، حاثاً الناس على استعادة المبادرة في التعاطي مع العالم وعدم الوقوع في سحر تلك الأسطورة الخالدة عن وهم يقال له «الحظ».
عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه
قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.
مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة
صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام
أنيسة مخالدي (باريس)
قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»https://aawsat.com/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86/%D9%83%D8%AA%D8%A8/5095142-%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AB%D9%82%D9%81%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC-2024
مرت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الأصعدة، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة وطالت لبنان، ولا تزال مشاهدها الدامية تراكم الخراب والدمار على أرض الواقع. في غبار هذا الكابوس تستطلع «الشرق الأوسط» أهم قراءات المثقفين والمبدعين العرب خلال 2024.
في دول الخليج تنوّعت قراءات المثقفين والكتاب ما بين القراءات الشعرية والروائية، مع انفتاح على التجارب الأدبية في العالم العربي، ومقاربات للأعمال التي رصدت التجربة الحداثية وتأثيراتها، وكذلك التجارب النسوية في الرواية والسيرة الذاتية، وبينها كتب في الفكر والفلسفة والتاريخ الاجتماعي.
باسمة العنزي: ثوب أزرق وقبيلة تضحك ليلاً!
من الكويت، تقول الكاتبة والروائية الكويتية باسمة العنزي: سنة عاصفة مليئة بالأحداث المحبطة والأخبار البائسة! القراءة بدت فيها كاستراحة من لهاث متابعة أخبار الحروب وتردي الأوضاع وانحدار البشرية السريع. المفرح وسط كل هذا أن يقع بين يديك أعمال مبهرة هي الأولى لأصحابها!
قرأت للكاتبة السورية الكردية هيفا نبي «ثوب أزرق بمقاس واحد» الصادر عن دار «جدل» عام 2022، وهي رواية كتبت على شكل مذكرات، تناقش موضوع اكتئاب ما بعد الولادة بسرد جميل ونبرة أنثوية تغلغلت لتفاصيل عالم الأمومة الجديد لدى شابة مهجّرة من مدينتها بسبب الحرب. سرد شفاف يحلّق نحو ذات وحيدة تجتاز أزمتها عبر البوح. وهو عمل - للأسف - لم يحظَ بما يستحقه من اهتمام وانتشار رغم تجلي موهبة الكاتبة وتمكنها اللغوي وقدرتها على اقتناص الحالات النفسية ووصفها بكل تدرجاتها.
أما العمل الثاني فهو للكاتب السعودي سالم الصقور «القبيلة التي تضحك ليلاً» الصادر عن دار «مسكيلياني» عام 2024، وهو أيضاً يتناول موضوعاً جديداً في الرواية العربية عن عدم القدرة على الإنجاب في مجتمع قبلي معاصر، العمل مكتوب بلغة شعرية فذة وبنظرة فلسفية عميقة تضع تحت المجهر مفاهيم مثل الأمل والحرمان وخسارات الحياة القسرية. نوفيلا مكتنزة تدور أحداثها في نجران ليوم واحد يتحدد فيه مصير أبوة البطل المنتظرة!
هيفا نبي وسالم الصقور جاء عملاهما كإضاءة مبشّرة بالكثير في عالم يفقد دهشته ويخفت فيه صوت الحكمة، وقرأتهما في عام شحّت فيه الأشياء المدهشة!
د. عبد الرزّاق الربيعي: عودة لعبد الوهاب البياتي
ومن سلطنة عُمان، يقول الشاعر الدكتور عبد الرزاق الربيعي: كتب كثيرة قرأتها هذا العام، والبعض أعدت قراءته، وفق نظرة جديدة أكثر نضجاً، وتمحيصاً، وتذوّقاً، كالأعمال الشعرية لعبد الوهاب البياتي، والذي حفّزني للعودة إليها كتاب صدر عن دار «أبجد» هذا العام ضمن فعاليات مهرجان بابل العالمي للثقافات والفنون والإعلام (دورة 2024)، حمل عنوان «عبد الوهّاب البيّاتي... دراسات وشهادات وحوارات»، حرّره وقدّم له د. سعد التميمي. في بادرة ولمسة وفاء تُحسَب لرئيس المهرجان د. علي الشلاه.
وتأتي أهمية الكتاب كون محرّره د. التميمي، أستاذ النقد والبلاغة بالجامعة المستنصرية، وجّه دعوة ضمنيّة لقراءة البياتي، والكشف عن دوره الريادي، وفحص نتاجه من قبل النقاد الذين صرفت غزارة إنتاجه الشعري أنظارهم عنه، فهذه الغزارة بنظر د. حاتم الصكر «لم تدع فسحةً لقراءة نصيّة مناسِبة، فكثير من منتقدي سيرته السياسية اتبعوا ما أشيع عنه دون تمحيص؛ إذ لم يضعه الشيوعيون العراقيون - كما يشاع - محل السياب حين ارتدّ عنهم، لأنهم ليسوا بحاجة لشاعر، ومعهم مثقفوهم وأدباؤهم، كما أن البياتي ينتهج فكراً يسارياً قبل اصطفافه نصيراً للفكر اليساري التقليدي، وقد عزا ذلك - حين كتب (تجربتي الشعرية) - إلى ما كان يرى وهو صبي، من مظالم ومآسٍ تحيق بالمشردين والفقراء والنازحين للمدينة، وهو يراهم حول مزار الصوفي عبد القادر الجيلاني بوسط بغداد، حيث ولد البياتي ونشأ». وقد شارك في الكتاب كل من: د. حاتم الصكر، ود. بشرى موسى صالح، ود. خالد سالم، ود. محمد عبد الرضا شياع، ود. أناهيد الركابي، والشعراء: علي الشلاه، وهادي الحسيني، ومحمد مظلوم، ومحمد تركي النصار، ود. عبد الرزاق الربيعي، واشتمل على دراسات وشهادات وحوارات مسلطاً الضوء «على الإرث الشعري الذي خلّفه البياتي، وإسهاماته في تحديث القصيدة العربية، ورؤية البياتي للشعر، والحداثة وموقف الشاعر من السلطة والحرية، فضلاً عن تقنية كتابة القصيدة، وفاعليته في الوسط الثقافي».
قسّم التميمي الكتاب إلى ثلاثة فصول: تضمن الأول دراسات وقراءات، والثاني شهادات وذكريات، والثالث حوارات. وقد احتل الفصل الأول مساحة واسعة؛ إذ ضم سبع دراسات هي: القصيدة... المنفى... الموت... مفردات في تجربة البياتي الشعرية، للدكتور حاتم الصكر، وهالة الأسطورة في شعر عبد الوهاب البياتي، للدكتورة بشرى موسى صالح، والمتعاليات النّصّيّة في شعر البياتي، للدكتور محمد عبد الرضا شياع، والتجربة الإسبانية لدى البياتي، للدكتور خالد سالم، والبياتي من فلسفة الرفض إلى استشراف الرؤية، للدكتور سعد التميمي، ومركزية الهامش في شعر البياتي، للدكتورة أناهيد الركابي، ومجد الشعلة الخالدة الآخر في مرآة البياتي الشعرية، لمحمد تركي النصار.
أمّا الفصل الثاني، فقد ضمّ ثلاث شهادات حملت العناوين: «رجاءً عدم الجلوس... عبد الوهّاب البيّاتي قادمٌ بعد قليل» لعبد الرزاق الربيعي، و«في ذكرى البياتي» لهادي الحسيني، و«البياتي وسنواتنا في عمّان» للدكتور علي الشلاه.
وخُصّص الفصل الثالث لحوارات أجريت مع البياتي، وقد تناولت الدراسات الأثر الذي تركه البياتي ليس فقط لدى الشعراء العرب، بل تجاوز ذلك إلى الإسبان، خلال إقامته بمدريد في الفترة (1980-1990).
لقد أعاد هذا الكتاب لنفسي شغفي بقصيدة البياتي، التي تأثّرت بها في بداياتي مطلع الثمانينيات، فوفّر لي فرصة العودة للمنابع الشعرية الأولى.
عبد العزيز الصقعبي: أيام الغزو وسير النساء الذاتية
ومن السعودية، يقول الروائي والمسرحي السعودي عبد العزيز الصقعبي: أنا متفرغ حالياً للقراءة والكتابة، فالكتاب وجبة يومية، من الصعوبة تركها، والجميل في زمننا هذا هو سهولة الوصول للكتاب، ورقياً أو إلكترونياً، الحصة الأكبر من قراءاتي دائماً الرواية والقصة ثم الشعر والمسرح، إضافة إلى الكتب الفكرية والدراسات المهمة.
ربما - وأنا أتحدث عن نفسي كروائي - يرد في ذهني أمر ما - ربما وليس أكيداً – أتناوله في مشروع روائي؛ لذا أكثف قراءاتي حول ذلك الموضوع، أطرح لكم بعض الأمثلة «أيام الغزو... يوميات إسماعيل شموط أثناء احتلال الكويت»، وهي يوميات للفنان التشكيلي إسماعيل شموط؛ حيث كان لدي اهتمام بتلك الفترة التي لم تؤثر على الكويت فقط، بل على كامل المنطقة وبالأخص المملكة، بالطبع قرأت عدداً من الروايات والكتب حول ذلك ومن أهمها السباعية الروائية «إحداثيات زمن العزلة» للروائي الراحل إسماعيل فهد إسماعيل، على الرغم من كل الكتابات فتلك الفترة تحتاج إلى مزيد من الكتابة.
وحقيقة من الصعوبة سرد بقية أسماء الكتب التي قرأتها، فهنالك مثلاً روايات، تكون مقبولة وأنتهي منها عند آخر صفحة، ولكن لا تبقى في الذاكرة ولا تشجّع على قراءتها مرة أخرى ناهيكم عن كثير من الكتب وبالذات النصوص السردية التي لا أستطيع إكمالها، اللافت في 2024 دخول عدد من السير الذاتية النسائية في دائرة قراءاتي، بدأتها بسيرة «السنوات» الحائزة جائزة نوبل (أني إرنو)، وبعد ذلك أجد نفسي أمام سيرتين متشابهتين وفي الوقت ذاته مختلفتين؛ «حد الذاكرة» لعائشة محمد المانع، و«حياتي كما عشتها... ذكريات امرأة سعودية من عنيزة إلى كاليفورنيا» لثريا التركي، وبكل تأكيد هنالك قائمة طويلة أحتفظ بها لنفسي، من الكتب التي قرأتها أو سأقرأها، أو أتصفحها ربما تشدني للقراءة.
كاظم الخليفة: الأدب السعودي والعلاقة بين الأدب والفلسفة
ويقول الكاتب والناقد السعودي كاظم الخليفة: كان مشروعي القرائي لعام 2024 هو استكشاف الأفق الإبداعي للكتاب السعوديين، الذي أتاحه المرور على عناوين وتصفح بعض إصدارات مشروع «1000 كتاب» الذي تقوم عليه دار «أدب للنشر والتوزيع» بدعم من الصندوق الثقافي السعودي، وكذلك قراءة «كتاب أنطولوجيا القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية» - الجزء الثاني - ذلك المشروع الرائد الذي قام بجهد شخصي من الأديب والقاص خالد اليوسف؛ لإبراز المشهد السردي السعودي المعاصر ومدى تقدمه من خلال ممارسة التجريب وتنوع الأدوات السردية. والثالث، كان المشروع الآخر للشاعر عبد الله السفر «رمال تركض بالوقت» الذي كان برعاية من مركز الملك عبد العزيز الثقافي «إثراء»، وهو عبارة عن مختارات لنصوص شعرية تختص بقصيدة النثر السعودية بغية ترجمتها للقارئ الفرنسي.
تعرض تلك الكتب جانباً مهماً من حراك الأدب السعودي المعاصر الذي يتطلب الكثير من الدراسة والتأمل، لكن الانطباع العابر يمكن استخلاصه في أن القصيدة الكلاسيكية السعودية تحاول تجديد ثوبها من خلال جعل «ذات» الشاعر بهواجسه وأحلامه أحد مواضيعها المهمة. أي أن الدافع الذاتي للكتابة، واتخاذ القصيدة وسيلة فضلى للتفكير، قد عمل على تقليص المساحة الكبيرة التي كان يحتلها شعر «المناسبات» في دواوين الشعراء.
والانطباع الثاني عن مستوى التقدم في كتابة قصيدة التفعيلة، التي لم تتقدم وتكتسب نسبة وازنة في دواوين الشعراء المعاصرين بشكل ملحوظ. أما ملمح قصيدة النثر الحديثة فنجد بروزاً لموضوع «الميتاشعرية»؛ حيث سؤال القصيدة ومحرضات كتابتها وجدواها. وفي كلا الجنسين الشعريين: الكلاسيكي والنثري، نلحظ فيهما تجاوز الشواعر النساء أزمة «النِّسوية» وبالتالي الكتابة بروح الأنثى المدركة لكينونتها.
في السرد، نلحظ نمواً لجنس القصة القصيرة جداً واقترابها - في بعض التجارب - من شذرات قصيدة النثر. وما يخص جنس القصة القصيرة، فيمكن ملاحظة أنها اتجهت نحو التنوع - بشكل واضح - في مواضيعها، مع تناول أكبر بالتركيز على الجوانب الوجودية والأزمات النفسية لشخوص حكاياتها. أما الرواية، فيمكننا رؤية اجتذابها للكتاب الشباب بإنتاج متلاحق لبعضهم؛ حيث يفصل بين كل عمل روائي وآخر أقل من عام.
مجال القراءة الحرة كان من نصيب كتب مميزة في بابها، وإن لم تبتعد كثيراً عن الأدب. ولعل أبرزها كتاب حديث للناقد الفرنسي كاميل ديموليي «الأدب والفلسفة... بهجة المعرفة في الأدب» الذي يُعتبر من أواخر من دخلوا في حلبة الصراع والجدل - منذ أفلاطون – عمّن هو الأجدر بتمثيل «الحقيقة»؛ الأدب أم الفلسفة، وكذلك عن طبيعة العلاقة الملتبسة بينهما. ففي هذا الكتاب يستعرض ديموليي الجدل القديم/الجديد عن علاقة الفلسفة بالأدب، ويحاور فيه جميع آراء الأدباء والفلاسفة البارزين، ابتداء بأفلاطون وسقراط، وانتهاء بنيتشه وهايدغر، ثم في خاتمة الكتاب يميل إلى الرأي الذي يقول إن «فكرة الفلسفة هي الأدب»، وذلك بمعنيين: أولاً أن الأدب هو فكرة الفلسفة، أي أنها إبداعه أو ابتداعه؛ ثم إنها مدار دراسته. وهكذا صار الأدب في نتيجته هو منبع الأفكار الفلسفية، وأنها تعود فيه وكأنها تعود إلى أصلها المنسي، كما يقول. بل إن نيتشه والتيار الرومانسي حاولا إعادة الفلسفة والأدب إلى أصلهما الشعري، بصفته نشاطاً خلاقاً؛ حيث الفلسفة - من وجهة النظر هذه - يمكن أن تكون ضرباً من الشعر المتحجر؛ أي خطاباً بواسطة الصور والمجازات.
حمد الرشيدي: بين البردوني والأفلاج والزلفي
من الرياض، يقول الشاعر والروائي السعودي حمد حميد الرشيدي: كثيرة هي الكتب التي قرأتها هذا العام وأعجبت بها، وكتبت بعض انطباعاتي الشخصية لما قرأته منها، وهي كتب تُعنى بالأدب والشعر والرواية والقصة القصيرة والمسرح والدراسات النقدية، وقرأت بعض الكتب التي أثارت اهتماماً من قبل القراء أو النقاد... ومن الكتب التي قرأتها هذا العام وأعجبت بها، كتاب «المكان في شعر البردوني» للدكتور خالد اللعبون، وهو دراسة موضوعية تحدث فيها الكاتب عن ظاهرة اكتناز شعر الشاعر العربي اليمني الكبير عبد الله البردوني (رحمه الله) بالمكان وجغرافيته وارتباطه الحسي والمعنوي بالإنسان.
وفي مجال أدب الرحلات، قرأت كتاب «الأفلاج كما رآها فيلبي» وهو من تأليف عبد العزيز المفلح الجذالين. ويتحدث فيه مؤلفه عن أهمية مدينة الأفلاج عبر التاريخ وما ذكره الرحالة الإنجليزي المعروف عبد الله فيلبي عن هذه المدينة عندما زارها زيارة ميدانية سنة 1918م.
وفي مجال علوم التاريخ والاجتماع، قرأت كتاب «الكويت والزلفي» لمؤلفه حمد الحمد، وهو يتحدث عن الصلات التاريخية والاجتماعية بين بعض العوائل والأسر العربية ذات العوامل المشتركة في الاسم والنسب والأرومة في كل من الكويت ومدينة الزلفي.
وفي الفكر والفلسفة، قرأت كتاب «الحضارة العربية الإسلامية وعوامل تأخرها» للدكتور أمين أحمد زين العابدين، وهو كتاب تطرّق فيه المؤلف للحضارة العربية والإسلامية عبر التاريخ وما مرت به من مراحل وتغيرات عبر الزمن وأثرها وتأثيرها في الحضارات الأخرى.
وفي العلوم، قرأت كتاب «في تاريخ العلوم» للدكتور عبد الله محمد العمري، وهو كتاب يبحث في تاريخ العلوم عند العرب القدامى حتى العصر الحديث، وأهم الاكتشافات والاختراعات التي قام بها العرب والمسلمون منذ القدم، ثم تم نقلها عنهم للشعوب الأخرى التي قامت بالاستفادة منها وتطويرها في الوقت الحاضر.
جمانة الطراونة: من «أشجار الكلمات» إلى «غيم على سرير»
الشاعرة الأردنية المقيمة في مسقط (سلطنة عُمان) جمانة الطراونة، تقول: أميل إلى قراءة كتب المختارات الشعرية، كونها تعطي فكرة عن التجارب الشعرية المتحقّقة، وضمن هذا السياق، قرأت كتاب «أشجار الكلمات»؛ وهو مختارات شعرية للشاعر عدنان الصائغ. اختارها وقدم لها: حاتم الصكر، وحسن ناظم، وناظم عودة. وصدر عن دار «صوفيا» للنشر والتوزيع في الكويت، ومما علق في ذهني قوله:
«في الليلِ
أرى شخصاً آخرَ
لا أَعْرِفُـهُ
يَتَعَقَّبُني
فأغذُّ خطايَ،
وأسرعُ
أسمَعُهُ يتوسّلُ خلفي:
– اصحبْني ظلاً
فأنا أخشى أنْ أمشي منفرداً في الطُرُقاتْ».
أما أحدث كتاب قرأته هذا العام من كتب المختارات فهو كتاب «غيم على سرير» وقد ضمّ بين دفتيه مختارات من شعر عبد الرزاق الربيعي، وقد صدر عن دار «شمس» للنشر والإعلام، بالتعاون مع بيت الشعر ببغداد، والنصوص من اختيار الشاعر عماد جبّار، وقدّم لها د. سعد التميمي، الذي قال: «ينفرد الشاعر عبد الرزاق الربيعي من بين شعراء جيل الثمانينات باتّساع تجربته الشعرية وعُمقها وتنوعها، وهو الحاضر باستمرار في الساحة الشعرية والقادر على الانتقال من منطقة إلى أخرى مجدِّداً في القصيدة على مستوى اللغة والأسلوب والمعالجة والمفارقة، كاشفاً ما يحمله من عمق معرفي يتجلى في تناصّاته المتنوعة، (...) فهو القادم من صومعة الشعر حاملاً الوطن المثخن بالجراح والألم وصور الخراب والموت التي يختلط فيها الدم بالدموع»، وعلى الغلاف الأخير للمختارات كتب د. حاتم الصكر شهادة حول تجربة الربيعي، وقد قرأت ديوان الصكر «الهبوط إلى برج القوس» الصادر عن دار «أرومة للدراسات والترجمة والنشر»، وأبحرت مع عوالم الفقد، وأحزان غربته، التي يسرّبها عن طريق الشعر الذي يعتبره ملاذه الأخير ويستثمر الموروث الرافديني حين يرسم «بورتريهات» لعدد من أصدقائه كما في «خُطى جلجامش» التي يهديها إلى الشاعر عبد الرزاق الربيعي.