فصائل مقاتلة تقصف مواقع النظام في إدلب غداة التصعيد الروسي

واشنطن قلقة من انتهاكات دمشق وحلفائها

دخان يتصاعد من بلدة البارة في ريف إدلب بعد قصف من قوات النظام السوري أمس (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد من بلدة البارة في ريف إدلب بعد قصف من قوات النظام السوري أمس (أ.ف.ب)
TT

فصائل مقاتلة تقصف مواقع النظام في إدلب غداة التصعيد الروسي

دخان يتصاعد من بلدة البارة في ريف إدلب بعد قصف من قوات النظام السوري أمس (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد من بلدة البارة في ريف إدلب بعد قصف من قوات النظام السوري أمس (أ.ف.ب)

أفاد الناطق الرسمي للجبهة الوطنية للتحرير التابعة للمعارضة السورية، النقيب ناجي مصطفى، أمس (الثلاثاء)، بمقتل 10 ضباط يتبعون القوات الحكومية، وإصابة عشرات وتدمير مقر قيادة عمليات تابع لروسيا في معصران جنوبي إدلب، حيث استهدفت الفصائل المقاتلة بمئات القذائف مواقع قوات النظام في محافظة إدلب ومحيطها في شمال غربي سوريا غداة مقتل نحو 80 عنصراً من مقاتليها في غارات روسية، وفق ما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» ومتحدث باسمها. وقال مصطفى لوكالة الأنباء الألمانية، إن فصائل المعارضة أعلنت انتهاء العمل بجميع الاتفاقات بين تركيا وروسيا، مشيراً إلى قصف أكثر من 35 موقعاً عسكرياً للقوات الروسية والسورية منذ فجر أمس في مناطق حلب وإدلب وحماة واللاذقية.
وشنت طائرات روسية أول من أمس (الاثنين)، غارات على مقر لفصيل «فيلق الشام» المقرّب من تركيا في شمال غربي إدلب، ما أسفر عن مقتل 78 عنصراً وإصابة أكثر من تسعين آخرين بجروح.
وتعهدت الجبهة الوطنية للتحرير، وهي تجمُّع للفصائل المعارضة والمقاتلة في إدلب وبينها «فيلق الشام»، الاثنين، بالرد.
وأفاد «المرصد السوري»، أمس: «استهدفت فصائل الجبهة الوطنية للتحرير منذ مساء الاثنين بمئات القذائف الصاروخية والمدفعية مناطق عدة تسيطر عليها قوات النظام في جنوب وشرق إدلب»، كما في محافظات حماة وحلب واللاذقية المحاذية.
وقال المتحدث باسم الجبهة ناجي مصطفى، إن «الجبهة الوطنية قامت بالرد الفوري والمباشر على الجريمة» عبر استهداف مواقع لقوات النظام خصوصاً في جنوب إدلب وشمال حماة.
وأضاف: «الرد مستمر وسيكون قاسياً وقوياً»، متهماً روسيا بمحاولة «تخريب» الهدنة السارية في إدلب منذ أشهر.
من جهتها، قصفت قوات النظام بالقذائف الصاروخية أيضاً مناطق توجد فيها الفصائل في إدلب وشمال حماة، وفق المرصد.
ولم يتبين ما إذا كان القصف المتبادل أسفر عن وقوع قتلى.
وتعدّ منطقة إدلب من أبرز المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق، التي لطالما كررت رغبتها في استعادتها عن طريق المعارك أو التسوية. وتسيطر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) حالياً على نحو نصف مساحة إدلب ومناطق محدودة محاذية من محافظات حماة وحلب واللاذقية. وتنشط في المنطقة، التي تؤوي ثلاثة ملايين شخص نحو نصفهم من النازحين، أيضاً فصائل مقاتلة أقل نفوذاً بينها فصائل الجبهة الوطنية للتحرير. وتسري في إدلب ومحيطها منذ السادس من مارس (آذار) هدنة أعلنتها موسكو، حليفة دمشق، وتركيا الداعمة للفصائل المقاتلة بعد هجوم واسع لقوات النظام استمر ثلاثة أشهر، تسبب بنزوح نحو مليون شخص، عاد منهم نحو 235 ألفاً إلى مناطقهم.
ورغم خروقات متكررة من غارات جوية شنتها روسيا وقوات النظام أو قصف متبادل، بقيت الهدنة صامدة. وأبرمت موسكو وأنقرة اتفاقات تهدئة عدة في إدلب، أعقبت سيطرة الفصائل المقاتلة عليها منذ عام 2015، أبرزها اتفاق سوتشي الموقَّع في سبتمبر (أيلول) 2018، والذي نشرت تركيا بموجبه نقاط مراقبة في المنطقة.
وبينما يتفق البلدان على التهدئة في إدلب، يخوضان منافسة شرسة في ليبيا وناغورني قره باغ، حيث يدعمان أطرافاً متخاصمة.
ويُعد «فيلق الشام» الفصيل السوري الأقرب إلى تركيا، وقد قاتل إلى جانبها على جبهات عدة داخل سوريا كما ذهب عناصر في صفوفه إلى ليبيا وناغورني قره باغ، للقتال إلى جانب حلفائها.
من جهته، أعرب المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، عن قلق بلاده من خرق النظام اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب. وقال جيفري، في بيان عبر صفحة السفارة الأميركية بدمشق: «نحن قلقون للغاية من هذا التصعيد الخطير من القوات الموالية للنظام والانتهاك الواضح لاتفاق 5 مارس لوقف إطلاق النار في إدلب»، مؤكداً دعمه لدعوات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والمبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن، إلى وقف فوري لإطلاق النار.
وتابع جيفري: «لقد حان الوقت لنظام الأسد وحلفائه لإنهاء حربهم الوحشية التي لا داعي لها ضد الشعب السوري»، داعياً إلى ضرورة التمسك بالحل السياسي والمتمثل بقرار مجلس الأمن الدولي 2254.
وقال «المرصد» لاحقاً إنه «وثّق مقتل ما لا يقل عن 12 عنصراً في قوات النظام والمسلحين الموالين. وتوزع القتلى على النحو التالي: 3 في سراقب شرقي إدلب، و4 في محاور جبال اللاذقية، و3 في ريف حماة، واثنان في حلب».
ورُصد قصف مكثف وعنيف تنفّذه فصائل «الجبهة الوطنية للتحرير» ومن ضمنها «فيلق الشام»، منذ مساء أمس حتى اللحظة، مستهدفة مناطق سيطرة قوات النظام، حيث استهدفت بمئات القذائف الصاروخية والمدفعية كلاً من حزارين والملاجة وترملا والدار الكبيرة وكفرنبل وحنتوتين ومعصران جنوبي إدلب، وسراقب وخان السبل وداديخ وجوباس وكفربطيخ شرقي إدلب، بالإضافة للحاكورة وطنجرة وجورين بريف حماة الغربي، ومناطق أخرى في جبال اللاذقية وريف حلب الغربي، وسط معلومات مؤكدة عن خسائر بشرية.
وقال «المرصد»: «يأتي ذلك رداً من الفصائل على المجزرة التي ارتكبتها طائرات حربية روسية باستهدافها معسكراً لفيلق الشام شمال غربي إدلب، حيث رُصد ارتفاع حصيلة الخسائر البشرية إلى 78 على الأقل». وقال: «عدد الذين قُتلوا مرشح للارتفاع، لوجود أكثر من 90 جريحاً بعضهم في حالات خطرة بالإضافة لوجود مفقودين وعالقين، وسط معلومات عن قتلى آخرين».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.