العالم يعاني بأسره من جائحة كورونا، إلا لبنان؛ فهو يعاني من كورونا وأخواته، فالوضع في البلاد لا يحسد عليه اللبنانيون، لأن الاقتصاد المتردي وتراجع سعر الليرة مقابل الدولار بشكل مخيف والأزمات السياسية المتتالية وأزمة البنوك وتعذر حصول المودعين على أموالهم تجعل من اللبنانيين أبطالاً من حيث لا يعلمون.
ليس فقط الشعب بطلاً، إنما أصحاب الأعمال الذين لا يزالون يؤمنون ببلاد الأرز ويراهنون على روح الشعب اللبناني المعروف بحبه للحياة.
في زيارة خاطفة للبنان، وفي ظل الإقفالات العشوائية التي تطال مناطق معينة بما فيها محلاتها التجارية وتحد من حركة سكانها، ترى مناطق متاخمة أخرى تبدو كأنها طبيعية، ولو أن الواقع غير ذلك.
لا يمكن أن تزور لبنان من دون وضع الأكل على رأس جدول نشاطاتك، فللأكل في لبنان طعم آخر، وهنا لا أتكلم من دافع العواطف اللبنانية التي تخالجني، إنما أتكلم عن نوعية المنتجات المحلية التي شربت ماء الحقول والمزارع غير العضوية، وتغذت على أشعة الشمس التي ترمي بأشعتها على غالبية أيام السنة.
هذه المرة قررت زيارة مطعم لم أزره من قبل، فوقع خياري على مطعم «سراي» (Seray Beirut) الواقع في وسط العاصمة التجاري أو ما يعرف بسوليدير، ويبعد المطعم مسافة لا تزيد على 600 متر عن فندق لو غراي والفور سيزونز، موقعه أكثر من رائع، جلسته الخارجية على زاوية المبنى مناسبة للذين يدخنون الشيشة ويفضلون الجلوس في الهواء الطلق، لا سيما في هذا الفصل الذي يعد من من أجمل فصول السنة، لأن نسماته لطيفة وشمسه فيها رحمة على البشر.
المطعم معروف كونه من أهم المطاعم التي تقدم المأكولات اللبنانية والأسماك وثمار البحر، ولكن بشكل عصري جداً وراقٍ، فطريقة التقديم تختلف عن باقي المطاعم اللبنانية التي نجحت في تقديم المذاق، لكنها لم تتوصل بعد إلى تطبيق مبدأ أهمية شكل الطبق وطريقة تقديمه.
«سراي» نجح في ذلك ومزج بين الغربي والشرقي بطريقة ذكية جداً، والمثال على ذلك براعة الشيف فيه على جعل طبق «السمكة النيئة» تتصدر كل طاولة، فإذا زرت المطعم وكنت من محبي السمك فأنصحك بتذوق هذه السمكة وردية اللون، التي يتم تقديمها بحسب مبدأ المطبخ الياباني الذي يعتمد على السمك غير المطهو وعلى نوعيته التي لا يمكن التلاعب بها.
المازة غنية جداً، وهي أيضاً تتفوق على نفسها من خلال الأطباق المنمقة الجميلة التي تتجمع على الطاولة لتشكل لوحة من فسيفساء الطعام.
من الأطباق التي جربناها، البطرخ بالثوم والكالاماري المقلي والأخطبوط المشوي، وهذه الأطباق يمكنها أن تفضح نوعية المنتج الذي يقدم في المطعم، ومثل السمكة النيئة، فهذه الأطباق تعتمد على النوعية عالية الجودة.
المطعم واسع جداً من حيث المساحة، وديكوره غربي وراقٍ جداً، تتدلى من أسقفه ثريات عملاقة، تنير الطاولات المستديرة والأرضية الداكنة. صفة مطعم «سراي» في بيروت هي الرقي، وبالفعل، كل مفردات المطعم تدل على الرفاهية والذوق والتميز، نعم التميز في مجال الطعام في لبنان صعب جداً، وذلك بسبب المنافسة الواضحة بين فئات المطاعم المماثلة، وفي وضع «سراي» فهو يتنافس مع أفضل المطاعم الواقعة في وسط بيروت أيضاً.
بالنسبة للأسعار، لا أستطيع تحديد ما إذا كان المطعم لأصحاب الميزانيات العالية أم لا، في ظل الفوضى المالية وارتفاع سعر صرف الدولار، ففي الماضي كان سعر الدور 1500 ليرة لبنانية، أما اليوم فهو 8500 ليرة وأكثر، فإذا كنت تعيش خارج لبنان ولديك العملة الصعبة فستجد الأسعار ولو في أفخم المطاعم مناسبة جداً، ولكن تذكر بأن تدفع بالليرة اللبنانية وليس بالدولار.
بعد مهرجان الأكل في مطعم «سراي» وتذوق أسماكه المشكلة المقلية والتمتع بجلسته الخارجية، احرص على ترك مساحة صغيرة في معدتك للحلوى، لأنها هي الأخرى رائعة.
يشار إلى أن «سراي» سيفتح فرعاً له في القاهرة قريباً، وسيكون بديكور مشابه ولائحة طعام مطابقة.
فبعيداً عن السياسة والهموم الاقتصادية وكورونا، يبقى الطعام في بيروت مغامرة جميلة ملؤها النكهات، وبما أننا ذكرنا كورونا، فخضع المطعم وبجميع زاوياته لحملات تنظيف وتعقيم، وركب المطعم موجة التوصيل إلى المنازل، بعد أن غير فيروس كورونا طريقة عيشنا وتسوقنا وخروجنا وأكلنا.
مطاعم بيروت في مواجهة الدولار و{كورونا} والسياسة
الإقفال يطال مناطق ويستثني أخرى
مطاعم بيروت في مواجهة الدولار و{كورونا} والسياسة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة