طرفا النزاع الليبي يوقّعان في جنيف «اتفاقاً دائماً» لوقف النار

«الجيش الوطني» يتعهد الالتزام به... و«الوفاق» تعدّه سبباً لحقن الدماء... ترحيب سعودي ـ مصري وتشكيك تركي

المبعوثة الأممية ستيفاني ويليامز تتوسط اللواء امراجع امحمد العمامي رئيس وفد القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» (يسار) واللواء أحمد أبو شحمة رئيس وفد حكومة «الوفاق» في جنيف أمس (إ.ب.أ)
المبعوثة الأممية ستيفاني ويليامز تتوسط اللواء امراجع امحمد العمامي رئيس وفد القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» (يسار) واللواء أحمد أبو شحمة رئيس وفد حكومة «الوفاق» في جنيف أمس (إ.ب.أ)
TT

طرفا النزاع الليبي يوقّعان في جنيف «اتفاقاً دائماً» لوقف النار

المبعوثة الأممية ستيفاني ويليامز تتوسط اللواء امراجع امحمد العمامي رئيس وفد القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» (يسار) واللواء أحمد أبو شحمة رئيس وفد حكومة «الوفاق» في جنيف أمس (إ.ب.أ)
المبعوثة الأممية ستيفاني ويليامز تتوسط اللواء امراجع امحمد العمامي رئيس وفد القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» (يسار) واللواء أحمد أبو شحمة رئيس وفد حكومة «الوفاق» في جنيف أمس (إ.ب.أ)

استبق «الجيش الوطني» الليبي وقوات حكومة «الوفاق» المحادثات المزمع إجراؤها في العاصمة التونسية، الشهر المقبل، وأعلنا، أمس، اتفاقهما على «وقف دائم» لإطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، وسط ترحيب دولي وإقليمي ومحلي، في وقت أقلعت صباح أمس، أول رحلة جوية (تجارية) من مطار معيتيقة الدولي بطرابلس (غرباً) إلى مطار بنينا الدولي ببنغازي (شرقاً).
وسادت الأوساط الليبية لغة تصالحية منذ صباح أمس مع بدء الحديث عن توقيع وفدي «الجيش الوطني» وحكومة «الوفاق» المشاركين في محادثات اللجنة العسكرية المشتركة «5+5» بجنيف في سويسرا على الاتفاق.
ونشرت البعثة بثاً مباشراً على صفحتها لحفل التوقيع، الذي استمر قرابة عشر دقائق وأعقبه تصفيق من الحضور. وجرت المراسم في مقر الأمم المتحدة بجنيف، ووقف أعضاء الوفدين الليبيين ورئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بـ«الإنابة» ستيفاني ويليامز، وهم يضعون كمامات أمام وثائق الاتفاق التي وقعوا عليها لاحقاً.
وبشّرت البعثة الأممية الليبيين بما سمته «إنجازاً تاريخياً» توصل إليه وفدا اللجنة العسكرية، وقالت ويليامز في مؤتمر صحافي إن طرفي الصراع في ليبيا وقعا «اتفاقاً لوقف إطلاق النار»، موجهة حديثها إلى رئيسي الوفدين العسكريين اللذين يمثلان «الجيش الوطني» وحكومة «الوفاق»: «أود أن أهنئكم بما أنجزتموه هنا، والذي كان يحتاج إلى مزيد من الشجاعة».
وفيما وصفت ويليامز هذا التوافق بأنه «يوم جيد بالنسبة للشعب الليبي»، أكدت أن «الاتفاق يدخل حيّز التنفيذ فورا»، ما يعني أن جميع القوات المحتشدة على جبهات القتال على محوري (سرت والجفرة)، ستعود إلى قواعدها، بينما سيكون على (المقاتلين الأجانب) و(المرتزقة) مغادرة ليبيا، وهو ما أكد عليه اللواء امراجع العمامي رئيس وفد «الجيش الوطني» في المحادثات.
واستكملت ويليامز: «اتفق الطرفان على عودة جميع الوحدات العسكرية والمجموعات المسلحة الموجودة على الجبهات إلى معسكراتها، وتشكيل قوة عسكرية مشتركة»، «وسيترافق ذلك مع مغادرة جميع (المرتزقة) و(المقاتلين الأجانب) من جميع الأراضي الليبية براً وجواً وبحراً في غضون مدة أقصاها ثلاثة أشهور ابتداء من اليوم (أمس)». قبل أن تستدرك: «وقف إطلاق النار لا ينطبق على المجموعات التي تصنفها الأمم المتحدة (إرهابية)».
ودعت ويليامز إلى تنفيذ الالتزامات الواردة في هذه الاتفاقية عبر تجسيد عمل اللجان الفرعية، قائلة: «من المهم الاستمرار في العمل بأسرع وقت ممكن لتخفيف المشاق العديدة التي تسبب فيها النزاع للشعب الليبي، ونمنحه بارقة أمل لمستقبل أفضل».
وزادت ويليامز من جرعات التفاؤل، وقالت إن هناك «مؤشرات جيدة على أن المنشأتين النفطيتين في راس لانوف والسدر ستكونان جاهزتين لاستئناف الإنتاج خلال فترة قصيرة».
ويأتي هذا الاتفاق بعد محادثات استمرت خمسة أيام في الأمم المتحدة، استباقاً لاجتماعات تحضيرية في تونس الأسبوع المقبل تمهيداً لـ(منتدى الحوار السياسي) الذي ترعاه البعثة هناك في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني).
وتعهد اللواء امراجع امحمد العمامي رئيس وفد القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الالتزام بالاتفاق، وقال في المؤتمر الصحافي أمس «إننا سعداء بما أنجزناه واستطعنا بهذه المحادثات (تحقيق) ما يصبو إليه كل الليبيين حقناً لدمائهم وبث روح السلام فيما بينهم وسنكون سنداً لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه»، مثمناً جهود البعثة الأممية.
ورأى اللواء أحمد أبو شحمة رئيس وفد حكومة «الوفاق» أن هذا الاتفاق «سيكون السبب الرئيسي لوقف نزف الدم في ليبيا»، داعياً السياسيين الليبيين أن «يكونوا يداً واحدة حتى يتحقق الاستقرار السياسي والعسكري؛ لأن هذا الاتفاق هو الذي يصل بالوطن إلى الاستقرار».
وفيما قال «كفانا معاناة ودماء، وإن الشعب الليبي في هذه اللحظة ينتظر أن يتحقق التغيير، وترفع المعاناة عن جميع الأرض الليبية وخاصة في الجنوب»، دعا «الضباط في (الجيش الليبي) إلى بذل جهودهم من أجل إعادة بناء المؤسسة العسكرية، وضرب من يريد زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد».
وفي أول تعقيب على الاتفاق، قال رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، أمس، خلال كلمة له بذكرى انتصار (ثورة 17 فبراير (شباط)) «إنه (الاتفاق) يحقن الدماء، ويرفع المعاناة عن المواطنين، ويمهد الطريق لنجاح المسارات الأخرى الاقتصادية والسياسية».
وسارعت أطراف عربية ودولية ومحلية إلى الإشادة بالاتفاق. وفي هذا الإطار، أعلنت السعودية ترحيبها بتوقيع اللجان العسكرية الليبية المشتركة لاتفاق وقف النار. وأعربت وزارة الخارجية، في بيان نقلته وكالة الأنباء السعودية (واس)، عن تطلع المملكة لأن يمهد الاتفاق الطريق لإنجاح التفاهمات الخاصة بالمسارين السياسي والاقتصادي، بما يسهم في تدشين عهد جديد يُحقق الأمن والسلام والسيادة والاستقرار لليبيا وشعبها الشقيق.
كما رحبت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي بتوقيع الاتفاق الليبي، وعبرت عن أملها في أن يؤدي إلى تدشين عهد جديد للشعب الليبي من خلال الاستقرار السياسي والاقتصادي.
من جهته، رحب أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أمس، بتوقيع الاتفاق الليبي، واصفاً إياه بـ«الإنجاز الوطني الكبير» الذي من شأنه أن يثبت الأمن والاستقرار في كافة أرجاء البلاد. ودعا الأمين العام للجامعة العربية، في بيان، أمس، «الأشقاء الليبيين إلى اغتنام هذا (الحدث المفصلي) من أجل حلحلة الأزمة الليبية على كافة مساراتها الأخرى، خاصة توطئة انعقاد منتدى الحوار السياسي الليبي الذي تحضر له وترعاه البعثة الأممية».
كذلك رحب المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد حافظ، أمس، بالاتفاق. وقال إن «النجاح الذي تحقق (اليوم) جاء استكمالاً لأول اجتماع مباشر استضافته مصر في الغردقة نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي». كما ثمّن اتفاق العسكريين الليبيين على الحفاظ على الهدوء في الخطوط الأمامية، وتجنب التصعيد.
في المقابل، شكك الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الجمعة في «مصداقية» وقف إطلاق النار «الدائم» الذي وقع عليه طرفا النزاع الليبي وبإمكانية استمراره، بحسب ما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية.
وقال إردوغان الداعم لحكومة الوفاق الوطني الموقعة على الاتفاق إن «اتفاق وقف إطلاق النار اليوم لم يتم في الحقيقة بأعلى المستويات، بل بمستوى أقل. سيكون تحديد إن كان سيدوم مسألة وقت». وأضاف «يبدو لي أنه يفتقد إلى المصداقية».
وقارن اردوغان بين وقف إطلاق النار المعلن في ليبيا واتفاقات مماثلة أعلنت بين أذربيجان وأرمينيا في ناغورني قره باغ في الأسابيع الأخيرة لكنها انتهكت.
من جهته، قال المتحدث الأوروبي لشؤون السياسة الخارجية والأمن بيتر ستانو، للصحافيين، إن «اتفاق وقف إطلاق النار بشكل دائم أساسي لاستئناف الحوار السياسي»، مؤكداً أنه «من المهم جداً كذلك بأن يطبّق هذا الاتفاق». كما رحبت السفارة الفرنسية لدى ليبيا بتوقيع وقف إطلاق النار الدائم في ليبيا، وقالت عبر حسابها على «فيسبوك» أمس: «هنيئا للأطراف على هذا (الاتفاق التاريخي) لجميع المواطنين الليبيين، نجاح المحادثات المباشرة بين الليبيين يؤكد أولوية السيادة الليبية في مواجهة التدخلات الخارجية... قيادة ممتازة لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا».
وفيما وصفه مقرر مجلس النواب الليبي صالح قلمة، بأنه «خطوة أخرى جديدة في الاتجاه الصحيح»، رأى المحلل السياسي الليبي عبد العظيم البشتي أنه يصب في «طريق المصالحة والوصول إلى تفاهمات أفضل جادة وراسخة بين الأفرقاء لحل الأزمة الليبية»، وقال: «أملنا كبير في المضي قدماً من أجل بناء أسس الدولة المدنية الديمقراطية التي نحلم بها، والتي لن تتأسس بشكل حقيقي إلا بجمع السلاح ليكون تحت سلطة رئيس دولة منتخب»، وانتهى إلى ضرورة أن «تتم هذه الخطوات بما فيها انتخابات نيابية والاستفتاء على الدستور تحت إشراف أممي يراقبها ويلزم كل الأطراف على القبول بنتائجها».
وفي إطار الأجواء الإيجابية، تستعد سلطات شرق ليبيا لإعادة استئناف صادرات النفط من ميناء السدرة في غضون الأيام المقبلة. في وقت أقلعت صباح أمس، أول طائرة ركاب من مطار معيتيقة الدولي بطرابلس إلى مطار بنينا الدولي بمدينة بنغازي بشرق البلاد، في أول رحلة تجارية منذ قرابة عامين، وسبق أن أقلعت طائرة في الاتجاه نفسه منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وأقلت مسؤولين من شركات الطيران لبحث ترتيبات إعادة الملاحة الجوية.
وكان السراج أجرى في روما مباحثات مع رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، مساء أول من أمس، جددت التأكيد على الحل السياسي للأزمة الليبية، بينما أكدت الحكومة الإيطالية دعمها لاستمرار خريطة الطريق لحل الأزمة الليبية المستوحاة من عملية برلين.
في غضون ذلك، نفى صلاح النمروش وزير الدفاع بـ«الوفاق»، أن «تكون حكومته منحت تركيا بشكل مباشر أو غير مباشر قواعد عسكرية بليبيا كما يتردد مقابل تدريبها العسكري لقوات (الوفاق) أو دعمها لنا كحكومة بشكل عام، كما لم تعقد أي اتفاقيات بهذا الشأن».
وأضاف في حوار مع وكالة «الأنباء الألمانية» أمس، «لكن من المؤكد أنه ستكون لتركيا أولوية فيما يتعلق بالاستثمارات التجارية لكونها الدولة الوحيدة التي هبت واستجابت لطلب (الوفاق) بمساعدتنا، في حين لم تلتفت دول أخرى لهذا الطلب رغم أنه مقدم من حكومة شرعية يعترف بها العالم».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.