تداعيات «مجزرة الفرحاتية» تنذر بتصعيد سياسي

نواب يرجئون طلب «حماية دولية» بانتظار نتائج التحقيقات ولقاء مع الكاظمي

جانب من تشييع الضحايا الثمانية في صلاح الدين الأحد الماضي (أ.ف.ب)
جانب من تشييع الضحايا الثمانية في صلاح الدين الأحد الماضي (أ.ف.ب)
TT

تداعيات «مجزرة الفرحاتية» تنذر بتصعيد سياسي

جانب من تشييع الضحايا الثمانية في صلاح الدين الأحد الماضي (أ.ف.ب)
جانب من تشييع الضحايا الثمانية في صلاح الدين الأحد الماضي (أ.ف.ب)

تتوالى تداعيات المجزرة التي وقعت يوم الجمعة الماضي على يد عناصر مسلحة في منطقة الفرحاتية بمحافظة صلاح الدين العراقية وراح ضحيتها 8 أشخاص، بينهم أطفال؛ إذ لوح نواب عن المحافظة في البرلمان بطلب «الحماية الدولية»، إذا لم تتخذ السلطات إجراءات لحماية الأهالي وإعلان نتائج التحقيق في الاعتداء ومحاسبة المتورطين.
وقال نواب محافظة صلاح الدين، ذات الغالبية السنية، في بيان أمس: «اتفقنا مع رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، على عقد لقاء معه، بعد عودته إلى بغداد من جولته الأوروبية، السبت المقبل، لمناقشة تداعيات جريمة الفرحاتية التي راح ضحيتها ثمانية من الأهالي؛ بينهم أطفال، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة محلياً ودولياً، واعتبره مراقبون محاولة لتخريب السلم الأهلي وإرجاع العراق لمربع الصراع الطائفي».
وأضافوا أنه «بعد الاتفاق على اللقاء مع رئيس مجلس الوزراء، قررنا أن يؤجل اتخاذ أي موقف تجاه جريمة الفرحاتية لحين الاستماع إلى الكاظمي ونتائج التحقيقات التي كان قد أمر بإجرائها بشأن الحادث».
كان النواب أصدروا بعد وقوع المجزرة بياناً طالبوا فيه الجهات المعنية بالتحقيق وأن تعلن نتائج تحقيقاتها خلال مدة أقصاها 3 أيام، ولوحوا بـ«طلب الحماية الدولية» في حال فشلت الحكومة في حماية أمن المواطنين.
وطالب مجلس شيوخ عشائر صلاح الدين، أمس، الحكومة الاتحادية بإعلان نتائج التحقيق والإسراع بالكشف عن الجناة، واشتراك أبناء المناطق المحررة في عمليات مسك الأرض بالتعاون مع القوات الأمنية.
وقال المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة، يحيى رسول، أول من أمس، إن القائد العام أمر بـ«تعزيز منطقة الفرحاتية بقطعات الجيش على خلفية الجريمة البشعة بحق عدد من المواطنين، كما أمر بتشكيل فريق تحقيق للوصول إلى النتائج الدقيقة لما حدث في منطقة الفرحاتية».
وفي حين لم يستبعد رسول «وقوف تنظيم (داعش) وراء جريمة الفرحاتية بهدف خلط الأوراق وإرباك الرأي العام»، تشير جهات كثيرة في صلاح الدين بأصابع الاتهام إلى عناصر من ميليشيا «عصائب أهل الحق» التابعة لإيران، بالنظر إلى أن عناصر «اللواء 42» في «الحشد الشعبي» الذي يمسك بالملف الأمني هناك، ينتمون إلى «العصائب».
وكان رئيس «هيئة الحشد الشعبي» فالح الفياض عدّ، الاثنين الماضي، أن «ما حصل في الفرحاتية هو جريمة قتل لمواطنين أبرياء خارج إطار القانون». وقال إن «(الحشد الشعبي) أكثر المعنيين بالكشف عن الجناة بجريمة الفرحاتية، لذلك فإن آمر (اللواء 42) التابع لـ(الحشد) مستعد لتقديم المساعدة للكشف عن الجناة، وإذا تطلب تبديل القطعات العسكرية الموجودة في الفرحاتية، فسنقوم بذلك».
أما محافظ صلاح الدين عمار جبر، فاستبعد تورط عناصر «داعش» في العملية، وقال في تصريحات لقناة محلية، أول من أمس، إن «منفذي الجريمة كانوا 20 شخصاً، ما يعني أن هؤلاء ليسوا من تنظيم (داعش)، لأنهم يتحركون عادة ضمن مجاميع مؤلفة من 4 إلى 5 أشخاص». وأضاف: «أنا رئيس اللجنة الأمنية العليا، ولا أتحرك بهذه القواطع إلا بموافقة القوات الماسكة للأرض، فكيف يتحرك 20 شخصاً من دون علم تلك القوات؟».
وأوضح أن «القضية محصورة بين (اللواء 42)، والقرية التي حدثت فيها الجريمة هي تحت حماية فوج (المغاوير)، وليست في خط تماس مع مناطق وجود عناصر (داعش)، بل هي على الشارع العام ومحصورة بين القطعات الأمنية الماسكة للأرض».
من جهته، وصف «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان» اختطاف مدنيين وإعدامهم «على يد ميليشيا نظامية» في محافظة صلاح الدين بـ«الجريمة الشائنة وترقى إلى جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية»، محملاً السلطات العراقية مسؤولية الحادث «بصفتها المسؤولة عن حفظ الأمن والنظام في البلاد».
وقال المرصد الحقوقي، ومقرّه جنيف، في بيان مطول، أمس، إن «مجموعات مسلحة يعتقد أنها تتبع ميليشيا (عصائب أهل الحق)، أحد فصائل (الحشد الشعبي)، وتتبع بصفة رسمية القوات النظامية العراقية، اقتحمت فجر السبت 17 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي قرية الفرحاتية في محافظة صلاح الدين شمال العراق، واختطفت 25 مدنياً، ليعثر الأهالي بعد ساعات على جثث 8 منهم؛ بينهم أطفال، قرب طريق زراعية، وعليها آثار طلقات نارية في الصدر والرأس، فيما لا يزال مصير 4 منهم مجهولاً حتى الآن، في حين تم إطلاق سراح الـ13 الباقين».
ونقل المرصد عن شهود عيان تأكيدهم أنهم شاهدوا عناصر «الحشد الشعبي» وهم «يختطفون الضحايا ويقتادونهم إلى مكان مجهول ثم تبين لاحقاً أنهم قاموا بقتل عدد منهم». ولفت إلى أن «الجريمة الوحشية تأتي نتيجة للضعف الحكومي في معالجة سيطرة الميليشيات المسلحة على الشارع بقوة السلاح؛ إذ إن حالة العجز الحكومي تجاه فوضى الميليشيات في البلاد لن تؤدي إلا إلى مزيد من عمليات الخطف والإعدام والاغتيال والإخفاء».



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».