جهود روسية لإنقاذ الهدنة في قره باغ... وطرفا الأزمة في واشنطن غداً

تباين معطيات باكو ويريفان حول حجم التقدم الميداني الأذري

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس في موسكو مع نظيره الأرميني زغراب مناتساكانيان(إ.ب.أ)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس في موسكو مع نظيره الأرميني زغراب مناتساكانيان(إ.ب.أ)
TT

جهود روسية لإنقاذ الهدنة في قره باغ... وطرفا الأزمة في واشنطن غداً

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس في موسكو مع نظيره الأرميني زغراب مناتساكانيان(إ.ب.أ)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس في موسكو مع نظيره الأرميني زغراب مناتساكانيان(إ.ب.أ)

سرعت موسكو تحركاتها أمس، لوقف تدهور الوضع في قره باغ، وإنقاذ الهدنة الإنسانية التي تم إعلانها الأحد، وسط تبادل للاتهامات بين الطرفين الأرميني والأذري بتقويضها. ومع استمرار المعارك الضارية عقد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس في موسكو اجتماعين منفصلين مع نظيريه الأرميني زغراب مناتساكانيان والأذري جيهون بيراموف، في مسعى للتهدئة استبق زيارة الوزيرين المقررة غدا إلى واشنطن للقاء وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو.
وأعلنت الخارجية الروسية في بيان مقتضب أن المفاوضات التي أجراها لافروف مع نظيريه الأرميني والأذري تناولت «المسائل الملحة المتعلقة بتنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها سابقا بشأن وقف إطلاق النار». واللافت أن موسكو لم تعلن في وقت سابق عن زيارة الوزيرين، كما لم تعلن أذربيجان بدورها عن محادثات في موسكو. في حين أعلنت وزارة الخارجية الأرمينية أن مناتساكانيان «سيقوم بزيارة قصيرة إلى العاصمة الروسية». وربطت أوساط المحللين تنظيم زيارة الوزيرين بشكل عاجل إلى موسكو بدخول واشنطن على خط محاولات التهدئة عبر استضافة الوزيرين غدا.
واستبق رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان اللقاء مع بومبيو بإبداء موقف متشدد بدا أنه يعكس القلق الأرميني بسبب تقارير ميدانية عن تقدم واسع أحرزته القوات الأذرية على خطوط التماس في اليومين الأخيرين. إذ قال باشينيان إنه «لا حل دبلوماسيا للنزاع مع أذربيجان في منطقة قره باغ في المرحلة الحالية»، وشدد على أن الجانب الأرميني «سيخوض القتال حتى النهاية».
ولفت باشينيان إلى أن أذربيجان «ترفض اقتراحات الجانب الأرميني لتسوية النزاع على أساس حلول وسط متبادلة، ولا تقبل أي حلول سوى استسلام جمهورية قره باغ». وتطرق باشينيان إلى المستجدات الميدانية في قره باغ، مقرا بأن «الوضع معقد والأعمال القتالية تتواصل في جنوب المنطقة المتنازع عليها». وقدر خسائر الجانب الأذري بنحو 10 آلاف جندي وعتاد عسكري بقيمة 1.5 مليار دولار، قائلا إن أذربيجان «ترسل إلى القتال حاليا آخر احتياطياتها». في المقابل، نفت وزارة الدفاع الأذرية صحة بيانات الجانب الأرميني حول تراجع قوات على عدة محاور جنوب إقليم قره باغ قرب الحدود مع إيران. وتواصلت المعارك الضارية على طول خطوط التماس في قره باغ أمس، في تجاهل من الطرفين الأرميني والأذري للهدنة الإنسانية الثانية التي أعلنا عنها الأحد. وتبادل الطرفان اتهامات بتعمد التصعيد لإفشال الجهود الدبلوماسية لتسوية النزاع.
وكانت وزارة الدفاع الأرمينية، اتهمت الجيش الأذري بتكثيف استخدام الطيران الحربي والمدفعية في المعارك في شمال إقليم قره باغ، في حين ردت باكو بأنها تواجه تعرض قواتها لقصف أرميني متواصل على عدة محاور.
وترافقت التطورات الميدانية، مع إعلان رئيس أذربيجان إلهام علييف، أن قوات بلاده سيطرت على مدينة زنغلان الواقعة على الحدود مع أرمينيا في جنوب إقليم قره باغ، إضافة إلى 24 قرية في أربع مناطق في الإقليم. وذكر علييف أن قواته دمرت 4 منظومات صواريخ أرمينية من طراز «إس - 300» منذ بداية التصعيد الأخير في قره باغ نهاية الشهر الماضي.
من جهتها، لم تؤكد سلطات قره باغ انسحاب قواتها من زنغلان، لكنها ذكرت أن معارك عنيفة تجري في محيط المدينة، فضلا عن بلدتي إيشخانادزور وميجنافان بالقرب من الحدود الأرمينية.
سياسيا، لاحت بوادر تقدم حيال الفكرة التي كانت اقترحتها موسكو في وقت سابق حول تنظيم قمة ثلاثية تجمع زعيمي أرمينيا وأذربيجان بوساطة روسية. إذ أعرب كل من الرئيس الأذري، إلهام علييف، ورئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، عن استعدادهما للاجتماع في موسكو من أجل إجراء محادثات حول تسوية النزاع.
وبرغم أن موسكو لم تعلن عن مبادرة في هذا الاتجاه بشكل رسمي خلال زيارة الوزيرين الأرميني والأذري أمس، لكن أوساطا روسية رأت أن الكرملين ينتظر نتائج المحادثات التي ستجري في واشنطن قبل الإعلان عن دعوة طرفي النزاع إلى قمة في موسكو.
وأجرت وكالة «تاس» الحكومية الروسية، مقابلتين منفصلتين مع الطرفين، وقال باشينيان ردا على سؤال: هل تقبل الدعوة الروسية لعقد محادثات ثلاثية في موسكو؟ إن «يريفان دائما مستعدة لإجراء لقاءات في موسكو أو في أي مكان آخر لإنهاء هذه المواجهة وإيجاد سبل للتسوية». لكن رئيس الوزراء الأرميني شدد مع ذلك على أن «حل القضية يجب أن يعتمد على حل وسط وليس الاستسلام من قبل أحد الطرفين». في إشارة إلى إصرار باكو على تثبيت التقدم العسكري الذي تم إحرازه أخيرا.
ورد علييف على السؤال ذاته أن بلاده «مستعدة لأي نوع من الاتصالات»، وزاد أنه لم يتلق دعوة رسمية من الجانب الروسي. مضيفا أن «روسيا لعبت دائما دورا مهما في تسوية هذا النزاع، وهناك أسباب موضوعية لهذا الأمر بينها تاريخية وجغرافية، ولذلك نحن مستعدون لأي اتصالات». في غضون ذلك، أعلن رئيس أرمينيا، أرمين سركيسيان، أنه لا يرى ضرورة لتدخل روسيا عسكريا في النزاع الجاري في إقليم قره باغ. وأوضح في مقابلة تلفزيونية أن «بإمكان أرمينيا أن تدافع عن نفسها. وبدلا عن إشراك روسيا عسكريا، فمن الأجدى الحديث عن إخراج تركيا وضرورة منعها من التأثير على سير النزاع». في الوقت ذاته، دعا سركيسيان، الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو إلى ممارسة الضغط على تركيا لوقف تدخلها في نزاع قره باغ.
وفي بيان نشره الموقع الرئاسي الأرميني قال سيركيسيان: «أدعو الجميع في بروكسل إلى ممارسة الضغط على تركيا، لأن تصرفات تركيا تضر بالناتو وسمعته».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟