برلمانيون ليبيون يطالبون بتوحيد مجلس النواب «المنقسم»

TT

برلمانيون ليبيون يطالبون بتوحيد مجلس النواب «المنقسم»

في ظل انقسام حاد ضرب مجلس النواب الليبي، الذي كان يعقد جلساته في مدينة طبرق قبل أن ينتقل إلى بنغازي، تصاعدت دعوات تطالب بسرعة العمل على «لم شمل» أعضائه، الذين قسمتهم الحرب على العاصمة طرابلس قبل الرابع من أبريل (نيسان) عام 2019. ومن بين الأطراف التي تسعى للمّ الشمل «تجمع تيار الوسط» بمجلس النواب الليبي، الذي يتألف من 27 نائباً، حيث وجه دعوة إلى جميع النواب بضرورة الاجتماع في «إحدى المدن الليبية في أسرع وقت ممكن، سعياً لإعادة توحيد المجلس، ودون اشتراطات مسبقة من أحد».
وأرجع عضو مجلس النواب ميلود الأسود في حديث إلى «الشرق الأوسط» أسباب رغبتهم في الاجتماع في أي مدينة ليبية، يتم الاتفاق عليها، إلى أن النواب الموجودين في طرابلس «يرفضون الذهاب إلى بنغازي بسبب مخاوف أمنية، وعدم ثقتهم في توفر مناخ حر لعملهم».
وأضاف الأسود، النائب عن مدينة رقدالين بأقصى الغرب الليبي، أن «المخاوف نفسها توجد لدى النواب الموجودين في شرق البلاد، مما يحول دون اجتماعهم في طرابلس، ولذا يتم البحث عن مكان وسطي يقبله الطرفان».
ورأت كتلة «تجمع تيار الوسط» بمجلس النواب أنها تتابع «الأجواء الإيجابية، التي أصبحت تسود الساحة السياسية بالبلاد، بعد توقف القتال ونزيف الدماء، وتحول الصراع إلى حوار سياسي سلمي، يهدف إلى إنهاء الأزمة وإعادة توحيد المؤسسات وبنائها»، مضيفة أن «التجمع يتفهم أسباب الانقسام الذي حصل بالمجلس، وقرار عدد كبير من النواب الانتقال للعمل من طرابلس، بعد أن تحول الخلاف إلى صراع مسلح، استحال معه اجتماع الأطياف المختلفة بالمجلس تحت القبة نفسها، وبالمكان نفسه». وذهب «التجمع» إلى أن دعوته للم شمل البرلمان المنقسم، «جاءت بعد انتهاء أسباب الانقسام والاستقطاب، التي طالت مجلس النواب، وتوافر ظروف أفضل وأكثر ملاءمة لعودته للعمل ثانية، وإدراكاً من تيار التجمع لحجم المسؤوليات، التي تقع على عاتق المجلس، والتي لن يكون بمقدوره إنجازها دون التئامه، وعودته للعمل بكامل أعضائه وكامل أطيافه، رغم اختلافها».
وحول إمكانية تلبية النواب الذين يجتمعون في طرابلس لدعوة كتلة «تجمع تيار الوسط»، رأى الأسود أن الأمور «لا تزال محل نقاش وخلاف»، لكن هناك من يتفاءل خيراً بإمكانية التئام المجلس، شريطة أن «تسير المفاوضات السياسية في طريقها، وتسفر عن نتائج تؤدي إلى وقف دائم للحرب في ليبيا».
وتسببت العملية العسكرية، التي شنّها «الجيش الوطني» على طرابلس في الرابع من أبريل عام 2019، في انقسام أعضاء مجلس النواب، بين مؤيد للحرب على العاصمة ومعارض لها. ومنذ الشهر التالي للحرب قاطع نحو 60 نائباً جلسات البرلمان، المنعقد في طبرق برئاسة عقيلة صالح، وبدأوا في عقد جلسات موازية في فندق ريكسوس الشهير بالعاصمة، وانتخب 49 منهم الصادق الكحيلي رئيساً للبرلمان في العام الأول، ثم حل بدلاً منه حمودة سيالة في الدورة البرلمانية الجارية.
وبجانب مطالبة «تيار الوسط» بتوحيد البرلمان، تمسك أيضاً تكتل «فزان النيابي»، الذي يتألف من 14 نائباً، بالعمل على الفكرة ذاتها، وهي ضرورة إنهاء الانقسام، ورأى أن هذا الإجراء من شأنه تقوية المجلس ومساعدته على مناقشة جميع القرارات المهمة. وسبق لكتلة «تيار التجمع» مقاطعة دعوة لانعقاد مجلس النواب في بنغازي، عقدت منتصف الأسبوع الجاري، داعياً إلى العمل على توحيد المجلس المنقسم أولاً.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.