المعارضة التونسية تتهم «النهضة» بـ«محاولة السيطرة على الإعلام»

صحافيون يحتجون ضد قانون يهدد بـ«ضرب الشفافية»

جانب من الوقفة الاحتجاجية التي نظمها الصحفيون التونسيون أمس وسط العاصمة (أ.ف.ب)
جانب من الوقفة الاحتجاجية التي نظمها الصحفيون التونسيون أمس وسط العاصمة (أ.ف.ب)
TT

المعارضة التونسية تتهم «النهضة» بـ«محاولة السيطرة على الإعلام»

جانب من الوقفة الاحتجاجية التي نظمها الصحفيون التونسيون أمس وسط العاصمة (أ.ف.ب)
جانب من الوقفة الاحتجاجية التي نظمها الصحفيون التونسيون أمس وسط العاصمة (أ.ف.ب)

تجددت أمس الخلافات البرلمانية الحادة بين أحزاب الائتلاف البرلماني الداعم للحكومة التونسية الجديدة، بزعامة حركة النهضة الإسلامية، وأحزاب المعارضة بمختلف توجهاتها، إثر طرح قانون تنظيم قطاع الإعلام السمعي والبصري.
واتهمت المعارضة الحكومة والائتلاف البرلماني، المكوّن من حركة النهضة وحزب «قلب تونس» و«ائتلاف الكرامة»، بـ«محاولة السيطرة على المشهد الإعلامي، وتدجينه وتطويعه لخدمة مصالحها الحزبية الضيقة».
واندلعت هذه الخلافات بعد إعلان سيف الدين مخلوف، رئيس «ائتلاف الكرامة» الإسلامي، عن مبادرة برلمانية أثارت جدلاً واسعاً في أوساط ممثلي قطاع الإعلام، فيما رفضت أحزاب المعارضة مجرد عرضه ومناقشته تحت قبة البرلمان، واتهمت التحالف البرلماني الثلاثي بالعمل على إدخال المال الفاسد إلى وسائل الإعلام التونسية. كما أعلنت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين استعدادها لخوض كل التحركات النضالية، بما فيها الإضراب العام دفاعاً عن حرية الإعلام.
ودعت أميرة محمد، عضو نقابة الصحافيين، نواب البرلمان «المؤمنين بإعلام حر ونزيه، بعيداً عن لوبيات المال الفاسد والأجندات الحزبية الضيّقة، إلى تحمل مسؤولياتهم التاريخية تجاه الوطن وقطاع الإعلام، ورفض مبادرة تنقيح المرسوم 116». ومما زاد من حدة الصراع السياسي بين الطرفين أن حكومة هشام المشيشي سحبت مشروعاً حكومياً حول حرية الاتصال السمعي البصري وتنظيم هيئة الاتصال السمعي البصري (الهايكا) وضبط اختصاصاته، وأعلنت في المقابل دعمها للمبادرة التشريعية، التي تقدمت بها كتلة «ائتلاف الكرامة البرلمانية»، والمتعلقة بتعديل المرسوم 116 الخاص بتنظيم القطاع السمعي والبصري، رغم ما تثيره هذه المبادرة من جدل، ورغم علم رئيس الحكومة المسبق بأن رئيس الجمهورية قيس سعيد، وعد نقابة الصحافيين بعدم توقيع المرسوم في حال المصادقة على تعديله في البرلمان.
في سياق ذلك، نفّذ صحافيون في تونس العاصمة، أمس، وقفة احتجاجية أمام البرلمان للاعتراض على مشروع قانون يُلغي التراخيص المسبقة لوسائل الإعلام المرئية، ما يهدد بإغراق السوق.
وتجمع نحو 300 صحافي ومصور أمام البرلمان، ورفعوا لافتات من قبيل «الصحافة حرة»، و«تنقيح الـ116 لا يمر»، و«نائب شعب وليس نائب قناة». كما رددوا شعارات تدعو إلى النأي بالإعلام عن الحسابات السياسية.
وناقش البرلمان ضمن جدول أعماله، أمس، مشروع قانون تعديل المرسوم 116 المنظم لقطاع الإعلام بشكل مؤقت منذ ثورة 2011، وهو المشروع الذي اقترحه «ائتلاف الكرامة» المحسوب على التيار اليميني الديني.
ويسمح التعديل بإلغاء جميع القيود، بما في ذلك التراخيص المسبقة لإطلاق قنوات وإذاعات مقابل الاكتفاء بالتصريح، ويقول داعموه إنه سيعزز حرية الصحافة. لكن المبادرة التشريعية تطرح مخاوف لدى نقابة الصحافيين، كما جاء في بيان لها، «من أن يفتح الباب أمام المال الفاسد والمشبوه لمزيد من التغلغل في المشهد السمعي البصري، وإفساد الحياة العامة وضرب قواعد التنافس النزيه، ومبادئ الشفافية والديمقراطية».
وقال عضو نقابة الصحافيين عبد الرؤوف بالي، لوكالة الأنباء الألمانية: «نحن أمام مسارين: إما أن يتراجع باقي النواب عن دعم مشروع التعديل، وبالتالي إسقاطه في البرلمان، وإما أن تتم المصادقة عليه ويرفضه رئيس الجمهورية فيما بعد». مضيفاً: «لكن في كل الحالات سنبدأ تحركات احتجاجية في البرلمان، بما في ذلك الاستعداد للإضراب العام حتى نُسقط مشروع التعديل».
وبدلاً من تعديل المرسوم، تريد النقابة المضيّ قدماً في مناقشة مشروع قانون جديد طرحته الحكومة في وقت سابق على البرلمان، بعد مناقشته مع المجتمع المدني، يمهّد لوضع مؤسسة دستورية للاتصال السمعي البصري. لكن حكومة هشام المشيشي الحالية سحبت مشروع القانون الجديد من البرلمان قبل يوم، ما يعني فسح المجال لمناقشة التعديل الذي اقترحه ائتلاف الكرامة.
وكانت عدة أحزاب قد أكدت رفضها لهذا التعديل، حيث لوّحت عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر المعارض، بتنظيم تحركات احتجاجية غير معهودة في حال تشبث مكتب المجلس باعتماد التصويت عن بُعد للمصادقة على مقترح القانون المثير للجدل، الذي عُرض أمس على أنظار النواب.
على صعيد غير متصل، أظهرت نتائج أحدث سبر للآراء أن «الحزب الدستوري الحر»، وحركة النهضة بزعامة راشد الغنوشي سيتصدران نيات التصويت بخصوص الانتخابات البرلمانية المقبلة، حيث حافظ «الدستوري الحر» على المرتبة الأولى بـ26.5% من نيات التصويت، فيما حلّت «النهضة» في المرتبة الثانية بخسارة نقطتين ونصف النقطة مقارنةً بالشهر الماضي، وذلك بنسبة 21.1% من الأصوات.
أما المرتبة الثالثة فكانت من نصيب حزب «قلب تونس» بـ13.7%، يليه حزب التيار الديمقراطي بـ7.2%، فائتلاف الكرامة بنحو 6.9%، وحركة الشعب بنحو 5,9% من نيات التصويت.
أما فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية، فإن قيس سعيد، الرئيس الحالي تفوق على جميع منافسيه باستحواذه على نحو ثلثي نيات التصويت، وذلك بـ64.8% من الأصوات.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.