سوريون في طوابير الخبز والبنزين: لماذا لا تدعمنا روسيا وإيران؟

TT

سوريون في طوابير الخبز والبنزين: لماذا لا تدعمنا روسيا وإيران؟

مع تفاقم أزمات عدم توفر البنزين والمازوت والخبز، أعلنت الحكومة السورية خفضاً إضافياً لدعم أسعار البنزين في مناطق سيطرتها، للمرة الثانية خلال الشهر الحالي، وكذلك أسعار المازوت، في وقت رأى فيه خبراء أن دمشق «تتجرع بصمت مرارة خذلان حلفائها لها بسبب عدم مساعدتهم لها للخروج من هذه الأزمات». وقد تساءل سوريون عن موقف روسيا وإيران من ذلك.
وازدادت بشكل غير مسبوق خلال الأسبوع الحالي ظاهرة الازدحام على الأفران الحكومية لتأمين الخبز بالسعر الحكومي المدعوم، وذلك بسبب نقص مادة الطحين، ما تسبب بمزيد من المعاناة للمواطنين.
ويلاحظ أن كثيراً من المخابز الخاصة التي تنتج الخبز المدعوم أغلقت، مع عدم تزويدها بمخصصاتها من الدقيق والمازوت من قبل الحكومة، واقتصار العمل على المخابز الحكومية التي يصطف أمامها المئات من المواطنين في عدة طوابير للحصول على المادة، وسط مشادات كلامية تحصل بين بعضهم وبعض، تصل أحياناً إلى العراك والضرب، ومشادات أخرى بين المواطنين والمسؤولين عن تنظيم الدور.
ويبلغ السعر الحكومي للخبز المدعوم 50 ليرة للربطة الواحدة، المؤلفة من 8 أرغفة، على حين باتت تباع الربطة في السوق السوداء بأكثر من 600 ليرة، وفي بعض المناطق بـ750.
وبالترافق مع اشتداد أزمة توفر الخبز المدعوم، تواصلت أزمة توفر البنزين التي بدأت في بداية سبتمبر (أيلول) الماضي، وتفاقم أكثر خلال الأسبوع الحالي الازدحام على محطات الوقود بدمشق، مع انحساره قليلاً أمس على عدد محدود من المحطات.
وفاجأت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك المواطنين، الاثنين، بقرار يقضي برفع سعر المازوت الصناعي والتجاري الحر إلى 650 ليرة سورية، بعدما كان 296 ليرة. كما رفعت سعر لتر البنزين أوكتان 95 إلى 1050 ليرة سورية، وهي الخطوة الثانية من نوعها لرفع سعر هذه المادة خلال أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، إذ سبق أن رفعت سعرها في الـ8 من الشهر نفسه من 450 ليرة إلى 850.
وأكدت الوزارة في قرارها أن سعر لتر مازوت التدفئة بقي دون أي تغيير أو تعديل بـ180 ليرة سورية، وكذلك بالنسبة لباقي القطاعات، كالنقل والزراعة والقطاع العام، وأنه لم يطرأ أي تعديل على سعر لتر المازوت المخصص للأفران التموينية، وهو 135 ليرة سورية.
وبررت الوزارة رفع سعر لتر المازوت الصناعي والتجاري نظراً للتكاليف الكبيرة التي تتكبدها الحكومة لتأمين المشتقات النفطية، في ظل الحصار الجائر الذي تفرضه الإدارة الأميركية على الشعب السوري، والحد من عمليات تهريب المادة.
وكان سائقو سيارات قد قالوا لـ«الشرق الأوسط» إنهم ما زالوا يقضون ساعات طويلة، وربما يوماً كاملاً، للحصول على 30 لتراً بالسعر الحكومي المدعوم (250 ليرة سورية)، بينما يلجأ بعضهم إلى الشراء من السوق السوداء بأسعار خيالية.
وفي حين تلتزم الحكومة الصمت حيال الأسباب الكامنة وراء ظاهرة الازدحام على الأفران، وتعزو أزمة البنزين إلى إعادة صيانة مصفاة بانياس التي أعلنت أكثر من مرة انتهاء أعمال صيانتها، يسأل خبراء اقتصاديون: أين الحلفاء (روسيا وإيران) مما يجري في سوريا؟ ولماذا لم يتدخلوا؟ ويقول أحدهم لـ«الشرق الأوسط»: هل دولة عظمى مثل روسيا عاجزة عن جلب ناقلة نفط أو باخرة طحين؟ ويضيف: الحكومة صامتة! هل هو صمت على خذلان الحلفاء؟.
وخلال الزيارة التي قام بها نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف، ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إلى دمشق في السابع من سبتمبر (أيلول) الماضي، قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع بوريسوف ولافروف، إن «مستقبل العلاقات مع روسيا واعد مبشر بالخير، فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد»، وأضاف: «نحن متفائلون بأن الوضع الاقتصادي العام سيشهد تحسناً في الأشهر المقبلة».
لكن، ورغم مضي أكثر من شهر ونصف على الزيارة، وقيام وفد من الحكومة السورية مؤخراً بزيارة إلى موسكو، لم تتحسن الأوضاع الاقتصادية في مناطق سيطرة الحكومة السورية، بل على العكس ازدادت الأزمات فيها تفاقماً.
وجاء اشتداد الأزمات المعيشية خلال الشهر الأخير لينفخ في نار الجحيم الاقتصادي، ووصل حد افتقاد رغيف الخبز. ومع افتقاد مادة الطحين، أغلقت عشرات من الأفران في دمشق وريفها، فيما تعجز الأفران الحكومية الكبيرة في العاصمة عن تغطية الاحتياج وفق «البطاقة الذكية»، بعد تحديد حصة المواطن من الخبز المدعوم بـ3 أرغفة للفرد يومياً. ومع تجاوز ساعات الانتظار أمام الأفران 5 ساعات، قفز سعر ربطة الخبز (7 أرغفة) في السوق السوداء من 200 ليرة سورية إلى 500، لتصل أمس إلى ألف ليرة، علماً بأن السعر الحكومي 50 ليرة فقط.
ولا تزال مئات الآلاف من العائلات تنتظر دورها في تسلم مخصصاتها من مازوت التدفئة حسب «البطاقة الذكية»، علماً بأن الحكومة أعلنت بدء التوزيع بداية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. وحسب مصادر محلية، جرى توزيع كميات ضئيلة جداً لا تغطي 10 في المائة من الأسماء المدرجة في قوائم الانتظار.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.