الإعلان عن تشكيل «الجيش الأول» في درعا

الفصائل السورية المعتدلة تتوحد «لضبط الانفلات الأمني» و«منع وصول المتشددين»

الإعلان عن تشكيل «الجيش الأول» في درعا
TT

الإعلان عن تشكيل «الجيش الأول» في درعا

الإعلان عن تشكيل «الجيش الأول» في درعا

تضاعفت عمليات اندماج وحدات في المعارضة السورية المعتدلة في الفترة الأخيرة، في شمال وجنوب سوريا، وسط انحسار نفوذ المعتدلين، واتساع رقعة سيطرة المتشددين في الميدان، وكان آخرها ظهور «الجيش الأول» الذي أعلن عن تشكيله أمس في درعا في جنوب البلاد، بعد اندماج 3 من أكبر فصائل المعارضة التابعة للجيش السوري الحر في المنطقة.
وجاء الإعلان عن تشكيل «الجيش الأول» بعد أسبوع على تشكيل «الجبهة الشامية» في حلب، وتشكيل «الجيش السوري الموحد» في مدينة نوى في ريف درعا الغربي، و«صقور الجنوب» في الريف الشرقي لدرعا، فضلا عن تشكيلات ميدانية في مناطق نفوذ الجيش السوري الحر.
وقال المتحدث باسم هيئة الأركان في الجيش السوري الحر رامي الدالاتي لـ«الشرق الأوسط» إن هذه الجهود تأتي في إطار «تنظيم الصفوف وإعادة الهيكلة في ظل تراجع نفوذ النظام السوري ميدانيا، ما يترك فراغا أمنيا وإداريا»، إضافة إلى جهود «لمنع المتشددين من التمدد وسد الفراغ في المناطق المحررة».
وقال إن توحيد الجهود والتنسيق المشترك: «سيمنع أي حالة انفلات أمني أو فوضى جراء انسحاب قوات النظام التي تتداعى كثيرا في الميدان في شمال سوريا الآن، كما تعد خطوات التوحد، خطة استباقية في كل الجبهات لمنع المتشددين من السيطرة على الأرض».
وأشار الدالاتي إلى أن هذه الجهود «النوعية»، تهدف إلى «تمتين العلاقات بين الفصائل وتقويتها، على قاعدة التوحد، في ظل الانهيارات التي تعاني منها القوات النظامية، وخصوصا في الشمال»، لافتا إلى أن «توحيد الراية والجهود والتنسيق المشترك، سيعطي قوات الجيش السوري الحر دورا مؤثرا، وتواجدا أقوى الأرض».
وعانى الجيش السوري الحر الذي يضم فصائل عسكرية سورية معتدلة، من مشكلة التسرب من صفوفه باتجاه تنظيمات متشددة تتمتع بقدرة مالية وعسكرية كبيرة، وقادرة على جذب المقاتلين.
وفيما تبدو محاولات التوحد، خطوات استباقية لأي اتفاق دولي لتنفيذ خطة المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في حلب، نفى الدالاتي هذا الأمر، مؤكدا أنه لا علاقة لها بالجهود الدولية، مشيرا إلى «إننا أبلغنا الموفد الدولي بملاحظاتنا على الخطة التي تؤكد رفضنا لها بشكلها الحالي، ولم نُبلغ بعد بإجابات عن تلك الملاحظات».
وأعلنت 3 فصائل مقاتلة في درعا (جنوب سوريا) أمس، هي «فرقة الحمزة» و«فوج المدفعية الأول» و«جبهة ثوار سوريا»، اندماجها الكامل وتشكيل «الجيش الأول» التابع للجيش السوري الحر بقيادة عسكرية مشتركة من ضباط منشقين عن الجيش النظامي، وذلك عبر شريط مصور بُث على موقع «يوتيوب».
ويعد الإعلان عن تشكيل الجيش الأول، تتويجا لمشاوراتٍ استمرت لأسابيع عدة بين 3 من أكبر الفصائل العسكرية المعارضة العاملة في القطاع الجنوبي. وأشارت تلك الفصائل، في بيانها، إلى اتفاقها على «تشكيل بنية عسكرية منظّمة ذات نظام مؤسساتي، تختص بتقسيم القطاعات العسكرية والأفراد المقاتلين بحسب الاختصاصات اللازمة للعمل العسكري بالإضافة إلى إحداث كتائب تختص في الشؤون الطبية والهندسة والاستطلاع والإشارة». وقالت إن تلك الجهود تأتي «تحقيقا لآمال الشعب السوري في إسقاط النظام، وتحقيق دولة القانون والعدالة، ووفقا لما تقتضيه المرحلة».
ويقدم «الجيش الأول» نفسه على أنه مسعى «لتوحيد جميع فصائل الجيش السوري الحر تحت قيادة عسكرية مشتركة لتحقيق دولة القانون التي خرج من أجلها الشعب السوري، ولمواجهة الميليشيات (الطائفية) التي تسعى إلى تقسيم الشعب السوري والوصول لحالة الفوضى وعدم الاستقرار».
وبينما قدر ناشطون عدد المقاتلين الفاعلين في هذا التشكيل العسكري بنحو 5 آلاف، قال بيان الإعلان عن الجيش الأول إنه يضم 15 من ألوية المشاة، إضافة إلى لواء الدبابات ولواء الراجمات والهاونات ولواء المدفعية الثقيلة. كما يضم فرع العمليات، وفرع الشؤون الإدارية، وفرع الهندسة، وفرع التسليح، وفرع الشؤون الفنية، وفرع الكيمياء، وفرع الاستطلاع وفرع الشيفرة وأمن الوثائق.
ويعد هذا التشكيل، ثالث عملية اندماج في الجبهة الجنوبية منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فقد شكل «الجيش السوري الموحد» قبل شهرين، والذي ضم أكثر من 15 فصيلا من الجيش الحر في مدينة نوى وما حولها شمال غربي محافظة درعا، إضافة إلى تشكيل «صقور الجنوب» في المنطقة الشرقية بمحافظة درعا، ويضم التحالف جيش اليرموك وفرقة فلوجة حوران وفرقة 18 آذار إضافة إلى لواء أسود السنة.
أما في الشمال، فقد أعلنت فصائل المعارضة السورية في مدينة حلب، الأسبوع الماضي «الجبهة الشامية» التي تضم «الجبهة الإسلامية في حلب بشقيها (أحرار الشام والتوحيد)، وجيش المجاهدين، وحركة نور الدين الزنكي، وتجمّع (فاستقم كما أمرت)، وجبهة الأصالة والتنمية»، وعُيّن عبد العزيز سلامة، قائدا عاما لهذه الجبهة. وجاء تشكيلها كي يكون نواة «لتوحيد جميع الفصائل العاملة على كامل أرض الوطن في سبيل تحريره وخلاصه».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.