«الفقاعات المنزلية» سلاح أوروبا الأخير قبل العزل التام

احتجاجات في ألمانيا أمس ضد قيود كورونا (د.ب.أ)
احتجاجات في ألمانيا أمس ضد قيود كورونا (د.ب.أ)
TT

«الفقاعات المنزلية» سلاح أوروبا الأخير قبل العزل التام

احتجاجات في ألمانيا أمس ضد قيود كورونا (د.ب.أ)
احتجاجات في ألمانيا أمس ضد قيود كورونا (د.ب.أ)

أمام الزحف السريع والانتشار الواسع لـ«كوفيد-19» الذي تجاوز مستويات الذروة خلال الموجة الأولى في الربيع الفائت، تلجأ الحكومات الأوروبية منذ أيام لكل التدابير الممكنة التي تحول دون اضطرارها لاتخاذ التدبير الذي بات يرتسم على المشارف مثل الكابوس؛ أي الإقفال التام، وما يحمل معه من شلل للاقتصاد، وتداعيات كارثية لم تعد الدول قادرة على تحملها.
وبعد التحذيرات المتكررة التي صدرت عن منظمة الصحة العالمية والمفوضية الأوروبية، الأسبوع الماضي، الداعية لضرورة الإسراع في اتخاذ كل التدابير اللازمة لاحتواء الوباء في أوروبا، والحيلولة دون العودة إلى تجربة الموجة الأولى المريرة، بدأت دول الاتحاد تتجه نحو «الانطواء العائلي» لكبح جماح الفيروس الذي يسجل سريانه أرقاماً قياسية يوماً بعد يوم، ويضع المنظومات الصحية مجدداً أمام امتحانات عسيرة.
وفي حين دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مواطنيها إلى عدم مغادرة منزلهم إلا في حالات الضرورة القصوى، بدأت بعض الدول والمدن تفرض تدابير لمنع الاجتماعات المختلطة خارج إطار العائلة الواحدة في الأماكن المغلقة، كما حصل في آيرلندا وإسبانيا وبريطانيا. وكانت ألمانيا قد فرضت عدم تجاوز الاجتماعات 10 أشخاص من أسرتين مختلفتين في المناطق حيث يزيد عدد الإصابات على 50 لكل مائة ألف مواطن، وأعلنت أنها ستقصر الاجتماعات على أفراد الأسرة الواحدة إذا بلغ العدد 75 إصابة. وكانت ميركل قد حضت المواطنين على الحد من عدد الذين يتواصلون معهم داخل المنزل وخارجه، وعلى الامتناع عن تنظيم احتفالات عائلية. وفي بعض المناطق الإسبانية، مثل كاتالونيا، أوصت السلطات بالامتناع عن الاختلاط في الأماكن المغلقة مع أفراد من خارج الأسرة، بينما منعت مناطق أخرى الاجتماعات بين أكثر من أسرة، وقصرت التنزه في الهواء الطلق وارتياد الأماكن العامة (مثل المطاعم) على أفراد الأسرة الواحدة.
وقد رحب خبراء منظمة الصحة العالمية بهذا الإجراء الذي أطلقوا عليه «الفقاعة المنزلية»، والذي يقوم على نمط التعايش الضيق ضمن حدود الأسرة، بصفته سلاحاً أخيراً لمواجهة الانتشار السريع للوباء، قبل اللجوء إلى تدابير الإقفال التام.
ويقول دانييل لوبيز، مدير التدابير الصحية في الأزمات: «أمام هذه الفورة الجديدة التي يشهدها سريان الفيروس في أوروبا، وفي غياب اللقاح والعلاجات الشافية، اكتشفت الحكومات أن السلاح الأفضل في هذه المرحلة هو التوعية والإرشادات الاجتماعية التي تهدف إلى تقليص التواصل خارج نطاق الخدمات والأنشطة الأساسية إلى حدوده الدنيا».
ويعد لوبيز أن السبب الرئيسي في بلوغ سريان الفيروس المستويات التي تشهدها أوروبا حالياً يعود إلى عدم اتخاذ التدابير لمنع الاجتماعات والأنشطة الحاشدة في الأشهر الماضية، وأنه لا مناص اليوم من اتخاذ مثل هذه التدابير، رغم كونها مجحفة في حق الذين تصرفوا بمسؤولية.
ويقول خبراء منظمة الصحة إنه عندما يتجاوز معدل سريان الفيروس قدرة البلدان على التشخيص ومتابعة التواصل، لا بد من الانتقال بسرعة إلى اتخاذ تدابير صارمة، منعاً لخروج الوضع عن السيطرة، والاضطرار عندئذ لفرض الإقفال التام الذي تخشاه كل الدول. ويضربون أمثلة على ذلك بالوضع الوبائي الذي تشهده فرنسا وهولندا وبلجيكا، حيث إنه في 10 أيام تجاوز معدل سريان الفيروس ما هو عليه في إسبانيا التي كانت حتى منتصف هذا الشهر البؤرة الرئيسية للوباء في أوروبا.
ويتوقع الخبراء أن تلقى مثل هذه التدابير للحد من التواصل الاجتماعي معارضة واحتجاجات في بلدان الجنوب الأوروبي نظراً لطبيعة العلاقات الأسرية فيها، بينما يسهل تطبيقها أكثر في بلدان أوروبا الوسطى والشمالية، حيث النواة العائلية أصغر، والعلاقات الأسرية أكثر انفرادية.
الاختصاصيون في الصحة النفسية من جهتهم ينبهون إلى تداعيات تدابير الوقاية والاحتواء على العلاقات الاجتماعية، والوضع النفسي للناس، ومخاطر الإفراط في الانطواء، واللجوء إلى وسائل التواصل الإلكترونية التي قد تساعد في الأجل القصير، لكنها تلحق ضرراً كبيراً في الأمد الطويل.
وفي حين تدعو المفوضية الأوروبية حكومات الدول الأعضاء إلى استشارة الاختصاصيين في السلوكيات الاجتماعية، وإشراكهم في إدارة الأزمة التي لا تُلمح نهايتها في الأفق القريب، يرى خبراؤها أن الخيار الوحيد حتى ظهور اللقاحات والعلاجات الشافية من الفيروس هو التعايش معه، والتكيف مع مقتضيات المرحلة، ويذكرون بأن العالم قد تكيف منذ بداية هذا القرن مع نوعين مختلفين من التهديدات الجماعية التي لا سابقة لها: الاعتداءات الإرهابية التي وقعت في 11 سبتمبر (أيلول)، وغيرت طريقة السفر بصورة جذرية، والأزمة المالية في خريف عام 2008 التي دفعت العالم إلى إعادة النظر في السياسات المالية وتعديلها.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

TT

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)
ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)

أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (53 عاماً) استقالته من منصبه، الاثنين، في مواجهة ازدياد الاستياء من قيادته، وبعدما كشفت الاستقالة المفاجئة لوزيرة ماليته عن ازدياد الاضطرابات داخل حكومته.

وقال ترودو إنه أصبح من الواضح له أنه لا يستطيع «أن يكون الزعيم خلال الانتخابات المقبلة بسبب المعارك الداخلية». وأشار إلى أنه يعتزم البقاء في منصب رئيس الوزراء حتى يتم اختيار زعيم جديد للحزب الليبرالي.

وأضاف ترودو: «أنا لا أتراجع بسهولة في مواجهة أي معركة، خاصة إذا كانت معركة مهمة للغاية لحزبنا وبلدنا. لكنني أقوم بهذا العمل لأن مصالح الكنديين وسلامة الديمقراطية أشياء مهمة بالنسبة لي».

ترودو يعلن استقالته من أمام مسكنه في أوتاوا الاثنين (رويترز)

وقال مسؤول، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن البرلمان، الذي كان من المقرر أن يستأنف عمله في 27 يناير (كانون الثاني) سيتم تعليقه حتى 24 مارس، وسيسمح التوقيت بإجراء انتخابات على قيادة الحزب الليبرالي.

وقال ترودو: «الحزب الليبرالي الكندي مؤسسة مهمة في تاريخ بلدنا العظيم وديمقراطيتنا... سيحمل رئيس وزراء جديد وزعيم جديد للحزب الليبرالي قيمه ومثله العليا في الانتخابات المقبلة... أنا متحمّس لرؤية هذه العملية تتضح في الأشهر المقبلة».

وفي ظل الوضع الراهن، يتخلف رئيس الوزراء الذي كان قد أعلن نيته الترشح بفارق 20 نقطة عن خصمه المحافظ بيار بوالييفر في استطلاعات الرأي.

ويواجه ترودو أزمة سياسية غير مسبوقة مدفوعة بالاستياء المتزايد داخل حزبه وتخلّي حليفه اليساري في البرلمان عنه.

انهيار الشعبية

تراجعت شعبية ترودو في الأشهر الأخيرة ونجت خلالها حكومته بفارق ضئيل من محاولات عدة لحجب الثقة عنها، ودعا معارضوه إلى استقالته.

ترودو وترمب خلال قمة مجموعة العشرين في هامبورغ 8 يوليو 2017 (رويترز)

وأثارت الاستقالة المفاجئة لنائبته في منتصف ديسمبر (كانون الأول) البلبلة في أوتاوا، على خلفية خلاف حول كيفية مواجهة الحرب التجارية التي تلوح في الأفق مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وهدّد ترمب، الذي يتولى منصبه رسمياً في 20 يناير، بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25 في المائة على السلع الكندية والمكسيكية، مبرراً ذلك بالأزمات المرتبطة بالأفيونيات ولا سيما الفنتانيل والهجرة.

وزار ترودو فلوريدا في نوفمبر (تشرين الثاني) واجتمع مع ترمب لتجنب حرب تجارية.

ويواجه ترودو الذي يتولى السلطة منذ 9 سنوات، تراجعاً في شعبيته، فهو يعد مسؤولاً عن ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، بالإضافة إلى أزمة الإسكان والخدمات العامة.

ترودو خلال حملة انتخابية في فانكوفر 11 سبتمبر 2019 (رويترز)

وترودو، الذي كان يواجه باستهتار وحتى بالسخرية من قبل خصومه قبل تحقيقه فوزاً مفاجئاً ليصبح رئيساً للحكومة الكندية على خطى والده عام 2015، قاد الليبراليين إلى انتصارين آخرين في انتخابات عامي 2019 و2021.

واتبع نجل رئيس الوزراء الأسبق بيار إليوت ترودو (1968 - 1979 و1980 - 1984) مسارات عدة قبل دخوله المعترك السياسي، فبعد حصوله على دبلوم في الأدب الإنجليزي والتربية عمل دليلاً في رياضة الرافتينغ (التجديف في المنحدرات المائية) ثم مدرباً للتزلج على الثلج بالألواح ونادلاً في مطعم قبل أن يسافر حول العالم.

وأخيراً دخل معترك السياسة في 2007، وسعى للترشح عن دائرة في مونتريال، لكن الحزب رفض طلبه. واختاره الناشطون في بابينو المجاورة وتعد من الأفقر والأكثر تنوعاً إثنياً في كندا وانتُخب نائباً عنها في 2008 ثم أُعيد انتخابه منذ ذلك الحين.

وفي أبريل (نيسان) 2013، أصبح زعيم حزب هزمه المحافظون قبل سنتين ليحوله إلى آلة انتخابية.

وخلال فترة حكمه، جعل كندا ثاني دولة في العالم تقوم بتشريع الحشيش وفرض ضريبة على الكربون والسماح بالموت الرحيم، وأطلق تحقيقاً عاماً حول نساء السكان الأصليين اللاتي فُقدن أو قُتلن، ووقع اتفاقات تبادل حرّ مع أوروبا والولايات المتحدة والمكسيك.