الخصاونة... مهمة صعبة في ظرف استثنائي

رئيس الوزراء الأردني الـ 13 في عهد الملك عبد الله الثاني

الخصاونة... مهمة صعبة في ظرف استثنائي
TT

الخصاونة... مهمة صعبة في ظرف استثنائي

الخصاونة... مهمة صعبة في ظرف استثنائي

لم يكن اختيار اسم بشر هاني الخصاونة لرئاسة الحكومة الأردنية مفاجئاً للأوساط السياسية في الأردن. إذ إنه عمل قرب العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، مستشاراً خلال فترة قصيرة، لكنها كانت مكثفة التحديات، وظهر وحيداً إلى جانب الملك في زيارات لم تُكشف من تفاصيلها إلا أخبار رسمية مقتضبة.
في مرحلة قصيرة ومزدحمة، لمع اسم الخصاونة كلما اقتضت الحاجة لـ«حلقة وصل» بين الشأنين الأمني والسياسي في كل قرار متعلق بإدارة أزمة، ليحفظ سر ملفات الملك بـ«مكتومية» عُرفت عنه. كذلك حيّد خصوماً له بابتسامة ودبلوماسية سُجلت له، بعد محاولات للنيل من هدوئه. وفي حين تسبّب اسم بشر الخصاونة في غصة عند خصومه، فإنه حظي بتوافق لدى طيف واسع من النخب السياسية، مستنداً إلى قاعدة عريضة من انتشاره المجتمعي الناعم والحذر، ودفء علاقاته التي نسجها عبر سنيّ عمله.

لا يستهان برئيس وزراء الأردن الجديد بشر الخصاونة عند استفزازه بالمهمات، إذ نجح في تشكيل حكومته باستقلالية، فجمع طيفاً واسعاً من الشخصيات، وحيّد «لاءات» مراكز القرار على بعض شخصيات فريقه. ومن ثم، جسّر خلال مدة 6 أيام فقط للمهمة، ما بين تكليفه، مروراً بأداء حكومته القسم الدستوري، ووصولاً لبرامج تنفيذية ومحاور خطة تطبيقية، ليكسب له ولتشكيلته سمعة الحكومة الأفضل من حيث تركيبة الأسماء والمواقع خلال السنوات القليلة الماضية.
في الواقع، يُسجل على الرئيس الجديد إكثاره لكلمات المديح في مجاملاته الاجتماعية. ويكاد يعتقد من يجالسه أنه صديق قديم، لكن يُحسب له تجاوزه عقدة المجاملة تلك في اختيار فريقه الوزاري، مستبعداً من ظن الناس أنه سيأتي بهم على صعيد الصداقة، ليحتفظ بحصة صغيرة لصديق أو أكثر عُرفت عنهم الكفاءة أكثر مما عرفت عنهم تقاطعات العمر والمحطات مع الرئيس.
- من الطبقة البيروقراطية
الخصاونة المحسوب على طبقة البيروقراطيين الرسمي؛ اختار أسماء من التوجه ذاته، وجاء بفريق قوامه 32 وزيراً وصفوا بالمحافظين من الشخصيات السياسة المستندين لإرث التجارب والمواقع بين عهدي الراحل الحسين والملك عبد الله الثاني. ولقد شكل مجلس وزراء لا يقوده سوى متمكّن بالحجة ومتسلح بالبرهان، وما كان من الرئيس الجديد بشر الخصاونة أن حسم الأمر منذ فاتحة جلساته، محدداً محاور الحديث ومُضيقاً هوامش ما استجد من أعمال في كلام الوزراء، فأخضع جميع الوزراء لقرارات صارمة ليس أقلها منع إدخال الهواتف الخلوية إلى جلسات مجلس الوزراء وتحديد مدة المداخلات بـ3 دقائق واحتفاظ الرئيس وحده بفيتو المقاطعة ونقل الحديث. وهذا، ما نقله وزراء من انطباعات عن رئيسهم، وتلك هي تقاليد غابت منذ زمن بعيد عن مؤسسة الرئاسة.
في المقابل، لم تسلم حكومة الخصاونة الجديدة من النقد المجتمعي. فقد نهشت مواقع التواصل الاجتماعي من «فرحة» التشكيل الأولى، وصبّ نشطاء جام غضبهم على شخصيات من الوزراء الجُدد، مُستلين فيديوهات ومنشورات سابقة لوزراء حاليين كانوا فيها على يمين المعارضة الحادة، وهم اليوم في مواقع القرار. لكن، على ما يبدو، شكلت مناعة الخصاونة حاجزاً جيداً - حتى هذه اللحظة - من تأثير منصات «السوشيال ميديا».
- النشأة والمسيرة
الخصاونة الرئيس هو نجل الوزير الأردني الأسبق هاني الخصاونة، المعروف بمواقفه القومية كبعثي استند لتاريخ طويل في العمل قرب الراحل الملك الحسين، الذي استعان به في مهمات خاصة سفيراً في عدة عواصم، ثم وزيراً في عدة محطات. وهو الرجل الذي اختار اعتزال العمل السياسي طوعاً، زاهداً بالظهور الإعلامي، ومبتعداً عن صالونات العاصمة السياسية، جاهزاً للنصيحة.
وفي مطلع مشواره المهني، دخل ابنه بشر الخصاونة، رئيس الوزراء الجديد، إلى وزارة الخارجية، وهو المكان الذي أخذته إليه بوصلته نحو سلم الارتقاء للوظائف الرسمية التي تدرج فيها جامعاً صنوف الخبرة المتراكمة في مسيرة امتدت لنحو 30 سنة.
تأخذك محركات البحث عند سؤالها عن بشر الخصاونة إلى مطالعة سلسلة شهادات علمية راكمها بعد تخرجه من الجامعة الأردنية الأم. وفي هذه الجامعة درس القانون في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، ليُعرف بعدها خبيراً قانونياً مزج بين خبرته الدبلوماسية ومستنداً لقاعدته العلمية الصلبة.
وبين سنوات خبرته المهنية، حصد الخصاونة درجة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية والاقتصاد من معهد الدراسات الشرقية والأفريقية (سواس) بجامعة لندن، والماجستير والدكتوراه في القانون الدولي من معهد لندن للاقتصاد والعلوم السياسية. وكذلك حاز على دبلوم تنفيذي في الإدارة العامة من كلية جون إف كينيدي في جامعة هارفارد بالولايات المتحدة.
هذه الشهادات صقلها الخصاونة بخبرة استثنائية تراكمت بفعل عمله بالقرب من وزراء الخارجية، وعبر مواقف يرويها عن الراحل الحسين مرة، والملك عبد الله الثاني مرات، إذ عمل بالقرب منه مستشاراً وكان كاتماً لسر القصر، كاشفاً في جانب من جلساته عن مهارات اكتسابها ليتفوق على نظرائه بفعل قربه المبكر من مراكز صناعة القرار.
- الخبرة الدبلوماسية
على صعيد موازٍ، خبِر الخصاونة متاهات العمل الدبلوماسي إبان عمله بين لندن ونيويورك في عقد التسعينات من القرن الماضي. ويومذاك كان موظفاً متمسكاً بتقاليد وزارة الخارجية التي تفسح المجال أمام اليقظين من أبنائها للنظر إلى ساحات القرار الدولي في أعقد متاهاتها، وإذ ذاك يدركون أن التأثير في القرارات الكبيرة قد يبدأ من اجتهاد موظف يحسن حمل الملفات ونقل الرؤى عبر اشتباك معرفي بكواليس القرار الأممي.
وحقاً، عبر مشواره منذ مطلع تسعينات القرن الماضي حتى مطلع الألفية، كان بشر الخصاونة «موظف الظل» في وزارة الخارجية حاملاً ملفات متعدّدة دائماً ومتناقضة أحياناً، وذلك إبان انتقاله بين دوائر الوزارة. إذ عمل مديراً لمكتب تنسيق مفاوضات السلام، ومديراً للإدارة القانونية، ومديراً لإدارة الإعلام الناطق الرسمي باسم الوزارة، ومديراً لإدارة حقوق الإنسان فيها، ضمن تدرّجات السلك الدبلوماسي التي تحُد أحياناً من بروز الكفاءات لصالح الالتزام بالأقدمية.
في المقابل، اشتبك الخصاونة مع المجتمع المحلي إبان توليه مهمة تأسيس وإدارة مركز الإعلام الأردني عام 2007، واقترب من جمهور الصحافيين محتفظاً بمساحة من العلاقات الدافئة معهم التي استمرت حتى اليوم، غير أن هذه التجربة لم تدم طويلاً، فقفل عائداً إلى وزارته الأم، لكن مشواره هذه المرة أخذ منحنى جديداً من الصعود بعد حمله رتبة سفير في الخارجية، فتسلم مهمة إدارة المكتب الخاص لوزير الخارجية، وعمل مستشاراً خاصاً له بين عامي 2009 و2012. قبل أن يصل إلى مهمة سفير للأردن في القاهرة عام 2012، مع مندوبية الأردن لدى جامعة الدول العربية. وهناك دخل الخصاونة دوائر صنع القرار محللاً ومالكاً لمعلومات سمحت باكتشاف نقاط قوة رجل مدرك ومحيط بملفاته.
- التجربة الوزارية
تلك المهمة حملت الخصاونة على الأكتاف، وزير دولة للشؤون الخارجية، ثم وزيراً للشؤون القانونية، في حكومة رئيس الوزراء الأسبق هاني الملقي بين عامي 2016 و2018، قبل أن يقفل تلك المهمة برحيل الحكومة، ويعود لوزارة الخارجية، إلا أنه عاد هذه المرة سفيراً للمملكة في العاصمة الفرنسية باريس، ومندوباً دائماً للأردن في منظمة «اليونيسكو».
لقد غادر الخصاونة إلى باريس بعد إحباطات رافقته خلال مشوار مشاركته في الحكومة، وظل عقله وقلبه معلقين في عمّان، محتفظاً بعلاقاته مع محيطه. وفِي غضون مدة لم تتجاوز 6 أشهر لإقامته في العاصمة الفرنسية استُدعي الخصاونة عبر اتصال مقتضب إلى عمّان التي وصلها من دون أن يحمل حقائبه؛ ظناً منه أنه عائد في اليوم نفسه، وفوجئ بتكليف العاهل الأردني له بالموقع الأقرب في الاستشارية الملكية مستشاراً لشؤون السياسات والاتصال.
في ذاكرة الخصاونة الذي استمعت لها «الشرق الأوسط» في جلسات متعددة، مواقف يرويها عن عتاة الإدارة العامة المتسلحين بخبرات العمل السياسي، ويبدو الرجل متأثراً بتلك التجارب، فما لم يعشه هو؛ حفظه من ذاكرة والده، ويحمل من ذكرياته تلك هدايا القدر التي جعلته قريباً من تجارب وعرة.
- كياسة مطلوبة وتحت الاختبار
الخصاونة الذي عرف عنه الاستماع والإصغاء لمحدثيه، مطلوب منه اليوم أن يتكلم باسم السلطة التنفيذية أمام الشعب، وأن يحاكم على جميع قراراته. فالأردنيون نفسُهم قصير في التفاؤل، وبسرعة يستطيعون أن يحكموا على «فشل» الحكومات، ويمتلكون جرأة في النقد، رفع من سقفها فضاء التواصل الاجتماعي المفتوح.
ومن ثم، فإن نجاح الخصاونة في إدارة «فسيفساء» حكومته بين الأجيال والأصول والمنابت والمواقف، يحتاج منه ضبط التسريبات القادمة من ثغرات المؤسسة، ومواجهة الناس بالمعلومات. درءاً لأفخاخ الشائعات وسعياً لترميم ما تهدم من إرث رئاسة الوزراء عشية تخريبها باسم دعوات المعاصرة المُفرغة من الأصالة.
لقد حجز الرئيس الخصاونة، ابن الـ51 سنة من العمر، كرسيه في نادي رؤساء الحكومات الأردنيين، ويبقى عليه أن يحجز في ذاكرة الأردنيين الأثر الذي سيرافقه طيلة عمره. وسيحكم التاريخ إن كانت حكومة الخصاونة جاءت بحكم استحقاق المدد الدستورية فقط... أم أنها حكومة جاءت على رأس المهمة الصعبة لإدارة ظرف استثنائي، واستحقاق بناء ما تهدم من صورة الحكومات التي قزّمها أصحاب قرار مرتجفون ووزراء موظفون.
ختاماً، المراقبون العقلاء من النخب لا يطالبون الخصاونة بأكثر من تمسكه بصلاحيات الولاية العامة كضمانة دستورية تحمي الحكومات وتمكن أداءها. أما الحالمون من هذه النخب فيطالبون الرجل بما يعجز عنه «المصباح السحري»، غير أن الأداء المتزن لحركة الرئيس وفريقه - حتى الآن - تعزز الأمل في إحداث انعطافة مهمة على صعيد تجذير قيم الرصانة السياسية، والابتعاد عن التهافت نحو الإعلام بمخزون إنشائي لا اتصال له بالأردن بيئة وظروفاً، والحد من سباق الوزراء على الصدارة والظهور.


مقالات ذات صلة

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».