هدنة في العراق على جبهة الصواريخ... وخلافات حول الانتخابات والإصلاحات

مع الجدل حول جدوى «الورقة البيضاء» للإصلاح الاقتصادي وتوقيتها

هدنة في العراق على جبهة الصواريخ... وخلافات حول الانتخابات والإصلاحات
TT

هدنة في العراق على جبهة الصواريخ... وخلافات حول الانتخابات والإصلاحات

هدنة في العراق على جبهة الصواريخ... وخلافات حول الانتخابات والإصلاحات

فجأة توقفت صواريخ «الكاتيوشا» التي كانت تتساقط على محيط السفارة الأميركية بـ«المنطقة الخضراء» في قلب العاصمة العراقية بغداد بعد إعلان الفصائل المسلحة هدنة مشروطة. ومعها توقفت المساعي الخاصة التي تبذلها الحكومة العراقية مع واشنطن بشأن قرارها المبدئي غلق السفارة في بغداد حتى إشعار آخر. هذا الإشعار الآخر مرهون أولاً بنتائج الانتخابات الأميركية في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وثانياً بمدى ما يمكن أن تحرزه الحكومة العراقية من تقدم على صعيد جدولة الانسحاب الأميركي من العراق.
الهدنة دخلت بالفعل حيز التنفيذ عقب إعلان بعد إعلان «كتائب حزب الله» في العراق موافقة فصائل المقاومة كافة على «هدنة» نتيجة تهديد الولايات المتحدة بإغلاق مقر السفارة الأميركية في بغداد. وبعد بيان عما يسمّى «تنسيقيات الفصائل المسلحة» الذي أشار إلى هدنة مشروطة، أعلنت «كتائب حزب الله» عن تبنيها هذه الهدنة.

في تصريحات نقلتها وكالة «رويترز»، قال محمد محيي، الناطق الرسمي باسم «كتائب حزب الله» في العراق، إن «فصائل المقاومة المسلحة وافقت على تعليق الهجمات الصاروخية على القوات الأميركية بشرط أن تقدم الحكومة العراقية جدولاً زمنياً لانسحاب القوات الأجنبية بما فيها الأميركية». وأوضح محيي، أن «الفصائل قدمت وقفاً مشروطاً لإطلاق النار»، مؤكداً أن «الاتفاق يشمل جميع فصائل المقاومة (المناهضة للولايات المتحدة)، بما في ذلك أولئك الذين كانوا يستهدفون القوات الأميركية». وفي حين لم يشر المتحدث باسم «الكتائب» إلى العمليات التي تتعرض لها أرتال التحالف الدولي، وهل هي مشمولة بالاتفاق أم لا، أشار إلى أن «التهديدات الأميركية بإغلاق السفارة جعلت الأمور معقدة جداً في العراق واستدعت تهدئة التوترات».
تأتي هذه الهدنة بعد أيام من وقوع آخر صاروخ «كاتيوشا» على منطقة سكنية في منطقة الجادرية، وبالذات خلف فندق «بابل» المواجهة للسفارة الأميركية في الضفة الثانية من نهر دجلة، بينما لم يطلق أي صاروخ منذ نحو أسبوعين على محيط السفارة الأميركية بشكل مباشر، في أعقاب التهديد الأميركي بغلق السفارة الذي كان نقله وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو إلى الرئيس العراقي برهم صالح.
- هدنة سياسية
الهدنة التي أعلنتها الفصائل المسلحة أعادت، على ما يبدو، تنظيم العلاقة بين بغداد والتحالف الدولي، بما في ذلك التكتيك الخاص بمحاربة الإرهاب أو حماية البعثات الأجنبية.
اللواء تحسين الخفاجي، الناطق الرسمي باسم قيادة العمليات المشتركة، كان أعلن أخيراً أن «هنالك تغييراً في الخطط الأمنية لملاحقة المجاميع الإرهابية». وأضاف في بيان صحافي، أن «التحالف الدولي ملتزم بالانسحاب وفق جدولٍ زمني، ولديه التزامات تجاهنا بالتدريب ومكافحة الإرهاب». وأوضح الخفاجي، أن «قيادة العمليات عملت على تغيير عمليات تكتيكها للقطعات وانتقالها وتحركاتها، فضلاً عن تكثيف الجهد الاستخباري، لملاحقة المجاميع الإرهابية، وحماية البعثات الدبلوماسية». وشدد على «عدم السماح لأن يكون العراق بمفرده، بمعزل عن دول العالم، ولن يكون ساحة للتصفيات، أو ساحة للاعتداء على البعثات». ثم أشار إلى أن «هناك جدولاً زمنياً للتحالف الدولي يلزمهم بتسليم الكثير من المواقع، وهذا ما حصل. إذ سلمت الكثير من الأماكن والمعسكرات، فضلاً عن انسحاب الكثير من الخبراء والمقاتلين قبل المدة المقررة، بسبب جائحة (كوفيد – 19)».
حول ما إذا كانت جدولة الانسحاب من قبل التحالف الدولي تتوقف على طبيعة الهدنة التي أعلنتها الفصائل المسلحة، أكد اللواء الركن المتقاعد عماد علو، المستشار في المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب، لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه المسألة التي تتعلق بجدولة انسحاب التحالف الدولي جاءت بعد البيان الذي أصدرته اللجنة التنسيقية للمقاومة الإسلامية. وهي لجنة تمثل الفصائل التي ادعت مسؤوليتها عن القصف على السفارة الأميركية والبعثات الأجنبية والمنطقة الخضراء، والذي هددت بموجبه باستمرار عمليات القصف في حال عدم وجود جدية في عملية الانسحاب عبر جدول زمني متفق عليه مع الحكومة العراقية».
وأضاف اللواء الركن علو، أن «هناك على ما يبدو هدنة في ضوء جهد سياسي بذل خلال الفترة الماضية، من قبل بعثة الأمم المتحدة في العراق وعدد من السياسيين، في التحرك على الأطراف ذات العلاقة، سواء كان السفراء الأجانب أم رئيس أركان هيئة الحشد الشعبي (أبو فدك)، فضلاً عن زيارة مرتقبة لممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت إلى طهران».
- مصلحة استراتيجية
ورداً على سؤال بشأن استمرار التنسيق بين العراق والتحالف الدولي، يقول اللواء الركن علو، إن «من المصلحة الاستراتيجية استمرار هذا التنسيق في هذه المرحلة والمستقبل المنظور، سواءً كان على المستوى السياسي والعسكري والأمني من أجل مواجهة التحديات التي لا يزال يمثلها الإرهاب... بالإضافة إلى حاجة القوات المسلحة العراقية إلى التسليح والتجهيز، لا سيما أن القوات العراقية تحولت إلى العقيدة العسكرية الغربية بعدما كان تسليحها يستند إلى العقيدة الشرقية».
أما الدكتور حسين علاوي، أستاذ الأمن الوطني، فيقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «الاستهداف مستمر؛ لأن هنالك تحولات كبيرة تجري في جسد انتقال الدولة من النشوء إلى الاستقرار، وأن تكون حكومة تكميلية تلتزم بالمنهاج الوزاري وتعمل على خلق مناخ التعافي من جائحة (كوفيد – 19) وانهيار الاقتصاد نتيجة انخفاض أسعار النفط والتفهم الكبير للشارع العراقي لنهج الحكومة وحجم المشاكل، بالإضافة إلى رؤية الإسناد العميقة لبرنامج الانتقال نحو الدولة المستقرة المدنية».
وتابع أن «الدعم الذي حظي به الكاظمي من قبل المرجعية الدينية العليا في إدارة الدولة والسير في برنامج الحكومة، لن يروق للجماعات المسلحة الخاصة والقوى السياسية التي تراقب انتقال السلطة للمجتمع، حيث يكون المواطن العراقي فاعلاً في المعادلة السياسية بعد تغييب طويل».
وأوضح علاوي، أن «انتقال العراق نحو الدولة لن يعطي المجال للتشويش والفوضى التي نزف العراق نتيجتها شباباً وفرصاً اقتصادية كبيرة»، مبيناً أن «الكاظمي يسير بخطى جيدة. والدليل على ذلك عمليات التحرر الإداري في الاختيار، رغم أن القوى السياسية اتهمت الحكومة بشتى الاتهامات، بحيث جعلت الشارع يستغرب ما تقوم به هذه القوى، حيث إنها تحول دون استكمال كيان الحكومة الإداري والوظيفي في الهيئات المستقلة والدرجات الخاصة التي كانت تدار بالوكالة». ثم أشار إلى «أننا نحتاج الآن إلى حوار سياسي معمق للسلاح خارج الدولة؛ لأنه سلاح قد خرج حتى عن قواعد العمل الذي يهدف إليه، سواء بمزاحمة عمل حكومة الكاظمي أو التأثير في قناعات الدول الصديقة للعراق للخروج منه... وهي تعمل وفقاً لاتفاقيات حكومية أبرمتها الحكومات السابقة وتعمل حكومة الكاظمي على تنظيمها في ضوء السيادة العراقية والمصالح الوطنية العليا». وأكد أنه «من دون حوار عراقي - عراقي لن تنتهي عمليات استهداف المنطقة الخضراء أو المواقع السيادية والقواعد العسكرية العراقية؛ لأن فيها رسائل سياسية مرتبطة بالصراع الأميركي - الإيراني الذي يسعى الكاظمي إلى إبعاد العراق عنه، لا سيما، بعد جدولة الوجود الاستشاري الأميركي خلال مباحثات الحوار الاستراتيجي الأول والثاني هذا العام مع الولايات المتحدة ضمن اتفاقية الإطار الاستراتيجي».
- حروب المفتوحة
وحقاً، بعد نحو خمسة أشهر على تسلمه مقاليد منصبه رئيساً للوزراء يجد مصطفى الكاظمي نفسه دائماً في مواجهة مفتوحة مع الكثير من القوى والكتل السياسية التي تريد منه تنفيذ ما وعد به من برنامج حكومي وإصلاحات شريطة ألا يتحرش بها.
الوعود التي حظي بها لدعمه من قبل القوى المتنفذة بدأت تتبخر شيئاً فشيئاً، لا سيما على صعيد الملفات الكبرى مثل حصر السلاح بيد الدولة أو مكافحة الفساد. فعلى صعيد مواجهة السلاح الموصوف بالمنفلت بالعراق، خاض الكاظمي معركة مبكرة بعد فترة قصيرة من توليه منصبه، لكنها لم تكن متكافئة بسبب عدم وقوف القوى التي كان يراهن عليها في تطبيق القانون معه. وبينما بدا أنه أجل معركته مع جماعات السلاح المنفلت، بمن في ذلك الفصائل المسلحة، فإن التطورات اللاحقة نقلت معركة السلاح، بصورة مباشرة، بين الفصائل المسلحة من جهة والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى. إذ هددت الأخيرة بغلق سفارتها في بغداد في حال لم تتمكن الحكومة العراقية من حماية البعثات الدبلوماسية.
قبل اندلاع هذه المعركة المفتوحة، التي انتهت إلى هدنة مشروطة، فإن الكاظمي قام بزيارتين لكل من إيران والولايات المتحدة بدا أنه في حاجة إليهما في مواجهة الرافضين النفوذ الإيراني من جهة، والمؤيدين النفوذ الأميركي وبالعكس. وأهم ما في الزيارتين أنه حظي بدعم من كل من طهران وواشنطن، وهو ما قد يكون انعكس لاحقاً على الهدنة بين واشنطن والفصائل. وهي هدنة صبّت في مصلحة الكاظمي، وخصوصاً، أن إيران - طبقاً لكل المعلومات والاستنتاجات - كانت قد دخلت على خط إقناع تلك الفصائل بالكف عن استهداف السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء ببغداد.
وبين مساعي الكاظمي لتطويق أزمة السلاح خارج إطار الدولة، والمضي في المباحثات مع واشنطن لجهة جدولة انسحاب القوات الأميركية من العراق، فإنه يسعى إلى حسم أهم فقرة في برنامجه الحكومي... ألا وهي الانتخابات المبكرة. ومع نجاح الكاظمي في نقل معركة الانتخابات إلى داخل القوى السياسية، التي لا تزال عاجزة عن حسم القانون الانتخابي، فإنه فتح معركة أخرى مع القوى نفسها، وهي محاربة الفساد والبدء بإجراءات عملية على هذا الصعيد هي الأولى من نوعها بعد عام 2003.
- ورقة بيضاء على قماشة سوداء
مع أن معركة الانتخابات ما زالت مستمرة بشأن الدوائر المتعددة والتصويت الفردي، ومع استمرار معركة الفساد - حيث يقبع خلف القضبان عدد كبير من المسؤولين، وينتظر صدور قوائم أخرى - قدم الكاظمي ما أسماه «الورقة البيضاء للإصلاح الاقتصادي» في البلاد.
خلال الأشهر الماضية عانت الحكومة العراقية أزمة حادة على صعيد العجز عن دفع مرتبات الموظفين في العراق البالغ عددهم أكثر من 6 ملايين موظف ومتقاعد. وكان السبب المعلن انخفاض أسعار النفط، واعتماد العراق على النفط مورداً رئيسياً من موارد الدخل القومي. ومع أن هذا الخلل لا تتحمله حكومة الكاظمي، بل يعود إلى سنوات ما بعد عام 2003، حيث تتحمله كل الحكومات الماضية التي تشكلت بعد سقوط نظام صدام حسين، فإن الكاظمي قدم ورقة إصلاحية فاجأت الطبقة السياسية العراقية. وحقاً تباينت آراء هذه الطبقة من الورقة التي أسماها وزير المالية العراقي علي عبد الأمير علاوي «الورقة البيضاء»... التي بدت أنها تواجه قماشة سوداء من المشاكل والأزمات والمُناكفات.
«ورقة» الكاظمي تضمنت إصلاحات، بعضها جوهرية للواقع الاقتصادي للبلاد في ظل تفشي الفساد في كل مرافق الدولة ومؤسساتها. وهو ما أدى إلى ارتفاع أصوات هنا وهناك بشأن مدى إمكانية تحقيق مثل هذه الإصلاحات في غضون سنة ونصف السنة من عمر الحكومة، أو مدى صلاحيتها في التنفيذ بينما هي حكومة انتقالية مهمتها محصورة بالإعداد للانتخابات وإعادة هيبة الدولة. لكن واقع الحال يشير إلى أن الطبقة السياسية، التي بات همّها الوحيد المحافظة على مكاسبها وأوزانها السياسية والانتخابية، هي التي تعرقل حتى الآن قانون الانتخابات تحت مبررات شتى. وهي نفسها التي تضع العراقيل أمام الحكومة بهدف منع إعادة هيبة الدولة.
الكاظمي أثناء حديثه عن ورقته الإصلاحية أكد أن حكومته تواجه «ضغوطاً وعراقيل»، واعتبر «الورقة البيضاء بداية الإصلاح الاقتصادي». وفي هذا السياق، يقول عضو البرلمان عبد الله الخربيط، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المطلوب عمله من قبل الكاظمي كثير جداً في حال أراد تحقيق الإصلاح الحقيقي في البلاد. والبداية يجب أن تكون في الشركات العامة التي يجب أن تصفى تماماً؛ لأن مصانعها الـ400 كلها فاشلة، والشركات العامة كلها خسرانة. والرابح منها يربح بابتزاز الناس أو باستخدام الإعفاءات التي تتمتع بها الشركات الحكومية التي لا تدفع ضرائب... بينما تأخذ هي ضريبة من المواطن فتعد نفسها رابحة، في حين أن الأمر ليس كذلك».
وأضاف الخربيط، أن «الأهم بالنسبة للكاظمي هو التخلص من الهيكل الإداري الفاشل. إذ ينبغي تحطيمه أولاً لكي يتحقق الإصلاح المطلوب». ثم استطرد مبيناً، أن «تغيير الهيكل لا الأشخاص هو ما يجب عمله». وأشار إلى أن «الدستور العراقي ينص على أن العراق يعتمد اقتصاد السوق؛ بينما العقلية التي تتحكم هي العقلية الاشتراكية التي أثبتت فشلها».
بين هذا وذاك، لا يلوح في الأفق على الأقل في المدى المنظور أن الطبقة السياسية العراقية الحالية قادرة على أن تنتقل بالعراق إلى مرحلة جديدة بسبب عمق مشاكلها وأزماتها والخلافات البينية بين أطرافها. أضف إلى ذلك الصراع المحتدم بينها وبين الشارع، لا سيما، مع انتظار - بعد نحو عشرة أيام - تجدد المظاهرات الجماهيرية الكبرى بعد مرور سنة على اندلاعها في الخامس والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019. وبسبب عجز الطبقة السياسية عن حسم ملف الانتخابات الذي تراهن عليه الجماهير المنتفضة، فإن باب المفاجآت سيظل مفتوحاً على كل الاحتمالات، بما فيها بدء مواجهة قد تكون واسعة النطاق بين جماعة الحراك الشعبي وبين بعض القوى والأحزاب السياسية في البلاد.


مقالات ذات صلة

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

حصاد الأسبوع من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع دوما بوكو

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ

أنيسة مخالدي (باريس)

يسرائيل كاتس... «البلدوزر» المدني المولج بمهمة استعادة «محتجزي» غزة

كاتس
كاتس
TT

يسرائيل كاتس... «البلدوزر» المدني المولج بمهمة استعادة «محتجزي» غزة

كاتس
كاتس

راهن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قدرة وزير دفاعه الجديد يسرائيل كاتس، الذي يصفه بـ«البلدوزر»، في تحقيق ما يراه «انتصاراً حاسماً» في غزة، واستعادة المحتجزين في قطاع غزة، منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وذلك بعد أشهر من صراع نتنياهو الشخصي مع الوزير السابق يوآف غالانت، انتهى إلى إقالة الأخير. ما يلفت اهتمام المراقبين أن كاتس، الذي هو الحليف الأقرب لنتنياهو في معسكر «الصقور» الليكودي، لا يتمتع برصيد خبرة عسكرية سابقة، ولكن عليه أن يكمل حرباً مستمرة ضد حركة «حماس»، للرد على هجومها في 7 أكتوبر، الذي تسبب في مقتل 1206 أشخاص وأسر 251 شخصاً، لا يزال 97 منهم محتجزين في غزة، ويقول الجيش إن 34 منهم ماتوا.

لم يشغل يسرائيل كاتس أي منصب قيادي كبير في الجيش الإسرائيلي، بعكس سلفه يوآف غالانت، الذي كان جنرالاً قبل أن يصبح وزيراً للدفاع في 2022. إلا أن بنيامين نتنياهو أظهر ثقة في خبرته الواسعة وقيادته، قائلاً إنه «مجهز جيداً لقيادة الجهود الدفاعية خلال هذه الفترة الحرجة»، وفق ما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت».

في المقابل، حرص وزير الدفاع الإسرائيلي المعيّن في تصريحات أولية على إظهار الولاء لأهداف نتنياهو التي لم يعد يثق في إدارة غالانت للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة ولبنان.

وفق هذا التقدير، جاءت أول تصريحات كاتس لتعطي الأولوية لإعادة المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة و«تدمير» حركة «حماس» الفلسطينية، و«حزب الله» اللبناني.

خلفية شخصية

لا تتوفر تفاصيل كثيرة عن نشأة وزير الدفاع الجديد، بيد أن المتداول إعلامياً هو أنه وُلد عام 1955 في مدينة عسقلان الساحلية، بإسرائيل لوالدين من منطقة ماراموريش في رومانيا، هما مئير كاتس ومالكا نيدويتش. وهو حاصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من الجامعة العبرية في القدس المحتلة، ثم نال دبلوم الدراسات العليا من الجامعة نفسها.

اجتماعياً، فإن كاتس الذي يقيم في مستوطنة «موشاف كفار أحيم» متزوج ولديه ولدان، ويجيد العمل في الزراعة، وفق موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية.

التحق كاتس بالجيش عام 1973، لكن الملاحظ أن علاقته مع المؤسسة العسكرية توقفت عند عام 1977؛ إذ خدم في صفوف قوات المظلات قبل هذا التاريخ بـ4 سنوات، ثم تطوّع في لواء المظليين وتدرّج في المناصب العسكرية ليصبح ضابط مشاه في عام 1976، قبل أن يترك الخدمة عام 1977.

مع مسيرته السياسية

على الصعيد السياسي، كان تيار الصقور المتشددين هو الاختيار المبكر لكاتس؛ إذ التحق بحزب الليكود اليميني الذي يرأسه نتنياهو، كما أن الصدفة قادته إلى عضوية الكنيست منذ عام 1998 بديلاً لإيهود أولمرت، وبالفعل عمل كاتس في عدد من لجانه، قبل أن يشغل مناصب وزارية عدة خلال العقدين الماضيين، منها وزير الزراعة، والنقل، والمخابرات، والمالية والطاقة.

بدأ مسار كاتس الوزاري مع الوزارات السيادية في عام 2019؛ إذ دشن ولايته الأولى وزيراً للخارجية، وشغل في الوقت نفسه منصب وزير الاستخبارات، كما شغل منصب وزير المالية وأدار السياسة الاقتصادية إبّان جائحة «كوفيد - 19» التي ضربت العالم.

متطرف استيطاني...في وزارة الخارجية

ووفق تسوية سياسية لتداول المناصب، جرى تعيين كاتس وزيراً للطاقة والبنية التحتية في يناير (كانون الثاني) 2023، ليتبادل المنصب مع وزير الخارجية إيلي كوهين، ومن ثم يبدأ كاتس بعد سنة واحدة فترة ولايته الثانية وزيراً للخارجية.

ما يُذكر هنا أن رؤية كاتس المتطرفة حيال «حرب غزة،» - التي لا يستبعد محللون أن تنعكس على أدائه العسكري - تنطلق من القول إن إسرائيل «كانت في ذروة الحرب العالمية الثالثة ضد إيران». وهو يتمسك في الوقت ذاته «بالتأكيد على أولوية إعادة المحتجزين لدى (حماس) في غزة»، وفق تصريحات أطلقها عبر منصة «إكس» في يناير الماضي.

وفي الحقيقة، عُرف كاتس بشخصيته الصدامية منذ وقت مبكّر، حين أُوقف عن رئاسة الاتحاد في الجامعة لمدة سنة في مارس (آذار) 1981، إثر مشاركته في أنشطة عنيفة احتجاجاً على وجود طلاب أراضي 48 بالحرم الجامعي. وفي مارس 2007 لاحقته تهم الاحتيال وخيانة الأمانة، بعدما أقدم على تعيينات في وزارة الزراعة بُنيت على محاباة سياسية وعائلية.

انعكس السلوك العدواني هذا - حسب مراقبين - على نهج كاتس الدبلوماسي مع الفاعلين الدوليين؛ إذ أثار أزمة دبلوماسية بعد وقت قصير من تعيينه لأول مرة وزيراً للخارجية، عندما قال إن البولنديين «يرضعون معاداة السامية».

غوتيريش وبلينكن

وكان مفاجئاً، إعلانه وبصفته وزيراً للخارجية، أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش «شخص غير مرغوب» فيه بسبب امتناع غوتيريش عن التنديد بالهجوم الصاروخي الإيراني في أكتوبر (تشرين الأول).

وأيضاً، في الشهر عينه، صدرت أوامر كاتس القاطعة لمسؤولين في وزارة الخارجية «ببدء إجراءات قانونية ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعدما حظرت باريس مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض تجاري بحري عسكري».

لكن البارز في «مشوار» وزير الدفاع الجديد مع حقيبة الخارجية، هو أنه لم يكن ضمن الشخصيات البارزة في المباحثات الإسرائيلية - الأميركية خلال 11 زيارة أجراها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023؛ إذ لم يعقد بلينكن سوى اجتماعات قليلة مع كاتس.

ومن ناحية ثانية، يلاحظ محللون مشاريع سياسية مثيرة للجدل والغضب العربي تبناها كاتس؛ إذ إنه صاحِب «خطة» زيادة عدد المستوطنين في مرتفعات الجولان بشكل كبير، التي قدّمها للكنيست في يناير 2004. وكذلك كان كاتس قد لوّح بالاستقالة من الحكومة احتجاجاً على خطة رئيس الوزراء السابق آرييل شارون للانسحاب من قطاع غزة من طرف واحد في مارس 2004.

لا لافتات عربية

من بين المواقف الأخرى لوزير الدفاع الجديد التي رصدتها تقارير إعلامية عربية، هي قرار تغيير لافتات الطرق الموجودة بحيث تكون جميع الأسماء التي تظهر عليها بالعبرية، خلال فترة عمله وزيراً للمواصلات في حكومة نتنياهو عام 2009، وبعدها بـ7 سنوات حثّ على «استخدام عمليات التصفية المدنية المستهدفة أو الاغتيالات» ضد قادة الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل «حركة بي دي إس».

وبالتوازي، لا يخفي مراقبون فلسطينيون وعرب مخاوفهم من إحياء مشروع قديم جديد سبق أن طرحه كاتس لبناء «جزيرة صناعية»، وأعاد الحديث عنه بعد توليه حقيبة الخارجية في يناير الماضي. وتعود التفاصيل الأولى لهذا المشروع إلى عام 2011. ووفق مقطع فيديو نشره كاتس عندما طرح الفكرة آنذاك، فإن الجزيرة يفترض أن تقام على بعد 4.5 كيلومتر قبالة سواحل قطاع غزة، وستكون بطول 4 كيلومترات وعرض كيلومترين، وبمساحة تصل إلى 5400 دونم (الدونم 1000 متر مربع). وهي ستضم، حسب المخطط الإسرائيلي، ميناءً للسفر ونقل البضائع، ومخازن، ومحطة تحلية مياه، ومحطات للكهرباء والغاز، ومراكز لوجيستية.

فيما يخص الإجراءات الأمنية، يوضح الفيديو أن إسرائيل ستبقى مسيطرة على محيط الجزيرة، وعلى إجراءات الأمن والتفتيش في موانئها، بينما ستتولى قوة شرطة دولية مسؤولية الأمن على الجزيرة وعلى نقطة تفتيش ستقام على الجسر الذي سيربط قطاع غزة بالجزيرة، بالإضافة إلى إنشاء جسر متحرك يمكن تفكيكه بحيث يقطع التواصل بين الجزيرة وقطاع غزة.

 

 

لا يخفي مراقبون فلسطينيون مخاوفهم من إحياء مشروع قديم سبق أن طرحه كاتس لبناء «جزيرة صناعية» قبالة ساحل غزة

تهجير غزة... وغيرها

الخطير أن هذا المقترح حظي آنذاك بتأييد نتنياهو ودعم قادة في أجهزة الأمن الإسرائيلية؛ ما يطرح تساؤلات متابعين حول سيناريوهات التمهيد لهذا المشروع مع وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد بالمضي قدماً فيما يوصف بـ«مخطط تهجير الفلسطينيين»، لكن إلى البحر هذه المرة.

وإلى جانب رفضه وقف الحرب على غزة، يُعرف يسرائيل كاتس بتأييده لتوسيع السيطرة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية، ودعمه القوي للاستيطان، ورفضه حل الدولتين. فهو يفضّل إنشاء كيان فلسطيني مستقل يرتبط مدنياً وسياسياً بالأردن، ويدعو إلى ربط قطاع غزة بمصر، ويبدو كاتس أكثر تشدداً من نتنياهو في بعض المواقف، مثل رفض إخلاء المستوطنات، الذي «سيؤدي إلى تحوّل المستوطنين لاجئين»، وفق صحيفة «إسرائيل هيوم».