ساركوزي في مواجهة القضاء

الرئيس الفرنسي السابق متهم بـ«تشكيل عصابة إجرامية» في ملف التمويل الليبي

رغم الاتهامات يتردد في الأوساط السياسية أن ساركوزي «ما زال في الحكم» (أ.ف.ب)
رغم الاتهامات يتردد في الأوساط السياسية أن ساركوزي «ما زال في الحكم» (أ.ف.ب)
TT

ساركوزي في مواجهة القضاء

رغم الاتهامات يتردد في الأوساط السياسية أن ساركوزي «ما زال في الحكم» (أ.ف.ب)
رغم الاتهامات يتردد في الأوساط السياسية أن ساركوزي «ما زال في الحكم» (أ.ف.ب)

يتميز نيكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي الأسبق (2007 - 2012) بديناميته وشعبيته في الأوساط اليمينية. وينظر إليه اليوم على أنه الشخصية القادرة على إنقاذ اليمين الكلاسيكي المتفتت، بسبب تنازع قادته، وتمكن الرئيس إيمانويل ماكرون من اجتذاب العديد منهم. ويقال في الأوساط السياسية والإعلامية في باريس إن ساركوزي «ما زال في الحكم»، باعتبار أن جان كاستيكس، نائب أمين عام الرئاسة في عهده هو اليوم رئيس الحكومة، وجيرالد درامانا، الناطق باسمه في حملته الانتخابية الأخيرة وزير الداخلية، ووزير الزراعة في إحدى حكوماته هو اليوم وزير الاقتصاد... إضافة إلى العشرات من النواب وكبار الموظفين هم اليوم نواب في حزب ماكرون الرئاسي (التجمع من أجل الجمهورية)، وبعضهم يحتل مناصب مهمة ومفصلية في الوزرات والإدارات. ورغم هذا الواقع وقرب ساركوزي من ساكن قصر الإليزيه الحالي، لم يحمِ الأول من أن يمثل أمام القضاء الذي يواصل تحري الملفات الضالع فيها، ولا يقل عددها عن العشرة. والرئيس الأسبق يكون بذلك قد ضرب رقماً قياسياً، لأن أي رئيس سابق، منذ ولادة الجمهوريتين الرابعة والخامسة، لم يتعرض لهذا الكم من المساءلة، لا بل الملاحقة.
آخر ما استجد أن النيابة العامة المالية وجهت لساركوزي أمس، وبعد جلسات استجواب امتدت على أربعة أيام، وزادت على أربعين ساعة، اتهاماً رسمياً صادماً للغاية، إذ اعتبرت أن الرئيس الأسبق أسهم في «تشكيل عصابة إجرامية» في الملف المعروف باسم «التمويل الليبي» لحملته الرئاسية لعام 2007 التي أوصلته إلى قصر الإليزيه. وهذا الاتهام هو الرابع في الملف نفسه، وذلك في شهر مارس (آذار) من عام 2018، حيث اتهم ساركوزي بـ«الفساد» وبـ«اختلاس أموال (ليبية) عامة»، وبـ«تمويل غير مشروع» لحملة انتخابية، ووضع تحت الرقابة القضائية، وهي المرة الأولى التي يخضع لها منذ أن أطلقت الفضائح المرتبطة باسمه. كثيرة هي الكتب والتحقيقات التي صدرت في فرنسا عن هذا الملف الذي تختلط فيه الوقائع بالتوهمات. قضية تتداخل فيها أموال العقيد القذافي الذي قتل خريف عام 2011، بعد ضربة ضد موكبه قامت بها طائرات رافال الفرنسية بعمل أجهزة المخابرات، واختفاء مسؤولين ليبيين سابقين على اطلاع على خفايا الأمور، واتهامات من سيف الإسلام القذافي، الذي طالب في بداية الثورة الليبية، الرئيس الأسبق، بأن يرد الأموال التي تسلمها من طرابلس. ثم هناك أشخاص لعبوا دور الوسيط بين الطرفين، ومنهم زياد تقي الدين الذي كتب وأكد أنه نقل بطائرة خاصة، وعلى دفعتين، 5 ملايين دولار ليبية وسلمها إلى كلود غيان، مدير مكتب ساركوزي، حين كان وزيراً للداخلية بين نهاية عام 2006 و2007، أي إبان الحملة الرئاسية. وغيان نفسه الذي أصبح لاحقاً أميناً عاماً للرئاسة، ثم وزيراً للداخلية ملاحق من قبل القضاء بملفات مالية. وتجدر الإشارة إلى أن القذافي «أهدى» ساركوزي الإفراج عن الممرضات البلغاريات اللاتي كانت ليبيا تحتجزهن بحجة نقلهن وباء «الإيدز» إلى أطفال ليبيين وسلمهن لسيسيليا، زوجة ساركوزي التي انفصلت عنه لاحقاً، وكان غيان بمعيتها. والمعروف أن قطر هي التي دفعت مبلغ 400 مليون دولار للقذافي، كشرط للإفراج عن الممرضات. ولاحقاً، قام القذافي بزيارة دولة إلى باريس نصب خلالها خيمته الشهيرة في حديقة قصر الضيافة، الذي لا يفصله عن قصر الإليزيه سوى شارع ضيق.
يتمتع ساركوزي الذي يحظى ككل الرؤساء السابقين بمكاتب فخمة ومرتب مرتفع وخدمات سائقين وسكرتيرة، بخبرات ألمع المحامين على الساحة الباريسية للدفاع عنه وتبييض ناصيته. إلا أن ذلك لم ينفعه حتى اليوم في الملف الليبي، بسبب ما استحصل عليه قضاة التحقيق من أدلة وشهادات وبراهين. لذا، فإن الطعون بالتحقيق الذي تقدم به وكلاؤه في شهر سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، لطي الملف، لم تنجح، ما أفضى بالأمس إلى توجيه الاتهام الرابع، وهو الأعنف والأشد خطورة عليه. وقبله، وجه القضاء تهمة مماثلة لتييري غوبير، أحد معاونيه السابقين الذي يظن أنه تقاضى أموالاً من النظام الليبي لصالح ساركوزي وحملته الانتخابية. وثمة مزاعم انطلقت في عام 2012، أي مباشرة بعد أن خرج ساركوزي من قصر الإليزيه تفيد بأن ليبيا قدمت له خمسين مليون دولار، بحسب ما كشفت عنه صحيفة «ميديا بارت» الإلكترونية المعروفة بتحقيقاتها المتفجرة.
يقول القانون الفرنسي إن أي متهم يعد بريئاً ما لم يصدر حكم بحقه. من هنا، فإن ساركوزي مستمر في إعلان براءته. وعقب صدور الاتهامات بحقه وتحولها علانية، عمد إلى كتابة تغريدة أكد فيها أن براءته قد انتهكت. وجاء في تغريدته: «صعقت بهذه التهمة الجديدة. امتهنت براءتي مجدداً بقرار لا يقدم أي دليل على تمويل غير مشروع». وما زالت الجمعية المعروفة باسم «شيربا» المتخصصة بمحاربة الفساد تلاحقه، وأعرب محاميها أمس، عن أن «الإجراءات القانونية متواصلة» بحق ساركوزي.
ثمة من يقول إن ساركوزي كان يريد في عام 2017 أن يعود رئيساً للجمهورية، ليتمتع بالحماية التي يوفرها المنصب. وهناك من يدعي اليوم أن هذا الحلم ما زال يراوده. إلا أن التطورات الأخيرة ومثوله أمام المحكمة مرشح لها أن تقضي على آخر آماله السياسية.



كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

TT

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)
ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)

أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (53 عاماً) استقالته من منصبه، الاثنين، في مواجهة ازدياد الاستياء من قيادته، وبعدما كشفت الاستقالة المفاجئة لوزيرة ماليته عن ازدياد الاضطرابات داخل حكومته.

وقال ترودو إنه أصبح من الواضح له أنه لا يستطيع «أن يكون الزعيم خلال الانتخابات المقبلة بسبب المعارك الداخلية». وأشار إلى أنه يعتزم البقاء في منصب رئيس الوزراء حتى يتم اختيار زعيم جديد للحزب الليبرالي.

وأضاف ترودو: «أنا لا أتراجع بسهولة في مواجهة أي معركة، خاصة إذا كانت معركة مهمة للغاية لحزبنا وبلدنا. لكنني أقوم بهذا العمل لأن مصالح الكنديين وسلامة الديمقراطية أشياء مهمة بالنسبة لي».

ترودو يعلن استقالته من أمام مسكنه في أوتاوا الاثنين (رويترز)

وقال مسؤول، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن البرلمان، الذي كان من المقرر أن يستأنف عمله في 27 يناير (كانون الثاني) سيتم تعليقه حتى 24 مارس، وسيسمح التوقيت بإجراء انتخابات على قيادة الحزب الليبرالي.

وقال ترودو: «الحزب الليبرالي الكندي مؤسسة مهمة في تاريخ بلدنا العظيم وديمقراطيتنا... سيحمل رئيس وزراء جديد وزعيم جديد للحزب الليبرالي قيمه ومثله العليا في الانتخابات المقبلة... أنا متحمّس لرؤية هذه العملية تتضح في الأشهر المقبلة».

وفي ظل الوضع الراهن، يتخلف رئيس الوزراء الذي كان قد أعلن نيته الترشح بفارق 20 نقطة عن خصمه المحافظ بيار بوالييفر في استطلاعات الرأي.

ويواجه ترودو أزمة سياسية غير مسبوقة مدفوعة بالاستياء المتزايد داخل حزبه وتخلّي حليفه اليساري في البرلمان عنه.

انهيار الشعبية

تراجعت شعبية ترودو في الأشهر الأخيرة ونجت خلالها حكومته بفارق ضئيل من محاولات عدة لحجب الثقة عنها، ودعا معارضوه إلى استقالته.

ترودو وترمب خلال قمة مجموعة العشرين في هامبورغ 8 يوليو 2017 (رويترز)

وأثارت الاستقالة المفاجئة لنائبته في منتصف ديسمبر (كانون الأول) البلبلة في أوتاوا، على خلفية خلاف حول كيفية مواجهة الحرب التجارية التي تلوح في الأفق مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وهدّد ترمب، الذي يتولى منصبه رسمياً في 20 يناير، بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25 في المائة على السلع الكندية والمكسيكية، مبرراً ذلك بالأزمات المرتبطة بالأفيونيات ولا سيما الفنتانيل والهجرة.

وزار ترودو فلوريدا في نوفمبر (تشرين الثاني) واجتمع مع ترمب لتجنب حرب تجارية.

ويواجه ترودو الذي يتولى السلطة منذ 9 سنوات، تراجعاً في شعبيته، فهو يعد مسؤولاً عن ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، بالإضافة إلى أزمة الإسكان والخدمات العامة.

ترودو خلال حملة انتخابية في فانكوفر 11 سبتمبر 2019 (رويترز)

وترودو، الذي كان يواجه باستهتار وحتى بالسخرية من قبل خصومه قبل تحقيقه فوزاً مفاجئاً ليصبح رئيساً للحكومة الكندية على خطى والده عام 2015، قاد الليبراليين إلى انتصارين آخرين في انتخابات عامي 2019 و2021.

واتبع نجل رئيس الوزراء الأسبق بيار إليوت ترودو (1968 - 1979 و1980 - 1984) مسارات عدة قبل دخوله المعترك السياسي، فبعد حصوله على دبلوم في الأدب الإنجليزي والتربية عمل دليلاً في رياضة الرافتينغ (التجديف في المنحدرات المائية) ثم مدرباً للتزلج على الثلج بالألواح ونادلاً في مطعم قبل أن يسافر حول العالم.

وأخيراً دخل معترك السياسة في 2007، وسعى للترشح عن دائرة في مونتريال، لكن الحزب رفض طلبه. واختاره الناشطون في بابينو المجاورة وتعد من الأفقر والأكثر تنوعاً إثنياً في كندا وانتُخب نائباً عنها في 2008 ثم أُعيد انتخابه منذ ذلك الحين.

وفي أبريل (نيسان) 2013، أصبح زعيم حزب هزمه المحافظون قبل سنتين ليحوله إلى آلة انتخابية.

وخلال فترة حكمه، جعل كندا ثاني دولة في العالم تقوم بتشريع الحشيش وفرض ضريبة على الكربون والسماح بالموت الرحيم، وأطلق تحقيقاً عاماً حول نساء السكان الأصليين اللاتي فُقدن أو قُتلن، ووقع اتفاقات تبادل حرّ مع أوروبا والولايات المتحدة والمكسيك.