انقسام سوداني حول التطبيع مع إسرائيل قبل انتهاء مهلة بومبيو

حمدوك يرفض ربط الخطوة بالخروج من قائمة الإرهاب والعسكر لا يمانعون

TT

انقسام سوداني حول التطبيع مع إسرائيل قبل انتهاء مهلة بومبيو

انتهت رسمياً «مهلة الـ24 ساعة» التي حددتها الولايات المتحدة الأميركية للحكومة السودانية، لاتخاذ قرار بشأن تطبيع علاقات الخرطوم مع تل أبيب، مقابل الحذف من قائمة الدول الراعية للإرهاب، في حين أصبح الانقسام واضحاً بين موقف رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك المتمسك برفض الربط بين القضيتين، وبين بقاء المكون العسكري في مجلس السيادة عند موقفه المعلن بقبول التطبيع مع إسرائيل، منذ لقاء رئيسه عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عنتيبي الأوغندية.
وتداولت وسائط إعلام محلية وإقليمية ودولية، اليومين الماضيين، بشكل كثيف، معلومات بأن الولايات المتحدة الأميركية أمهلت السودان مدة 24 ساعة تنتهي بمغيب يوم أول من أمس، لاتخاذ قرار بشأن تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، مقابل شطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لكن التقارير الصحافية نسبت مزاعمها إلى «مصادر حكومية» غير معلنة، في وقت ساد فيه الصمت الرسمي العاصمة الخرطوم، ولم يخرج مسؤول لينفي أو يؤكد ما تتناوله وسائل الإعلام.
وذكرت وسائط الإعلام أن مجلس السيادة الانتقالي عقد اجتماعاً، الأربعاء الماضي، أيد أغلب أعضائه، البالغ عددهم 11 عضواً، التطبيع مع إسرائيل، وعلى وجه الخصوص المكون العسكري منه، وأن الإدارة الأميركية أمهلتهم 24 ساعة لاتخاذ قرار نهائي، بيد أن المتحدث باسم المجلس محمد الفكي سليمان نفى عقد المجلس لأي اجتماع، الأربعاء، في وقت أشارت فيه مصادر إلى أن الموعد لم يحدد من قبل الإدارة الأميركية مجدداً، وأن الصحافة استندت إلى طلب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي حدد فيه 15 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي موعداً نهائياً للحكومة السودانية لاتخاذ قرار بشأن التطبيع.
وحسب صحف أميركية، اقترح بومبيو على رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لدى زيارته، واجتماعه به في الخرطوم، الاتصال فوراً برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مقابل شطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بيد أن الأخير رفض الطلب، واشترط عدم الربط بين التطبيع مع إسرائيل وحذف اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وعقد رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ووفد وزاري، على رأسه وزير العدل نصر الدين عبد الباري، في أبوظبي، سبتمبر (أيلول) الماضي، مفاوضات مع وفد أميركي، تسرب عنه اشتراط السودان لتعويضات مالية وتشريع قانون للحصانة السيادية يحول بين محاكمة السودان في القضاء الأميركي، وهو ما لم يعد به الجانب الأميركي.
وصنفت وزارة الخارجية الأميركية، السودان، ضمن الدول الراعية للإرهاب منذ عام 1993 على خلفية استضافة الحكومة الإسلامية بقيادة عمر البشير لزعيم «القاعدة» أسامة بن لادن، وظل منذ ذلك الوقت يخضع للعقوبات المترتبة على هذا القرار، وبعيد سقوط نظام البشير بثورة شعبية كان متوقعاً أن يحذف السودان من تلك القائمة، لكن الإدارة الأميركية اشترطت دفع السودان تعويضات لضحايا الباخرة الأميركية التي فجرت في خليج عدن، وتفجير سفارتي الولايات المتحدة الأميركية في دار السلام ونيروبي.
وأعلنت الحكومة السودانية، في وقت سابق، أنها توصلت لتسوية مع محامي الضحايا، تقرر بموجبها دفع مبلغ 330 مليون دولار لذوي الضحايا، وأن المبلغ وُضع في حساب مشترك في أحد البنوك الأميركية يسلم لذوي الضحايا بمجرد حذف السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتشريع قانون حصانة سيادية يمنع مقاضاة الحكومة السودانية مستقبلاً. وتسبب وجود السودان في لائحة الدول الراعية للإرهاب في عزلته عن الاقتصاد العالمي، في وقت تحتاج فيه الحكومة الانتقالية للعودة للنظام المالي العالمي، للاستفادة من مبادرة إعفاء الديون «هيبك»، والحصول على قروض ومنح من المؤسسات المالية الدولية، لمواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد، وتهدد توجه البلاد لإقامة نظام ديموقراطي تعددي.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن مجلس السيادة كان يأمل في إعلان قبول الشرط الأميركي منفرداً، بيد أن الأميركان اشترطوا موافقة الحكومة السودانية مجتمعة بمكونيها المدني والعسكري على التطبيع، ما أوقف جهوداً في حدود المواقف.
ويواجه حمدوك ضغطاً قوياً من معظم أحزاب مرجعيته السياسية لرفض التطبيع، في وقت ذكرت فيه مصادر أنه يرفض التطبيع مع إسرائيل على «بياض»، وأنه لا يراهن على العرض الأميركي المرتبط بالمنافسة الانتخابية، في وقت يتوقع فيه توجهات السياسة الخارجية لواشنطن بنهاية الانتخابات.
وفي 19 سبتمبر الماضي، أجرى البرهان مفاوضات مع الولايات المتحدة في أبوظبي لمدة 3 أيام، بحثت رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب والقيود الأخرى، شارك فيها وفد وزاري رفيع على رأسه وزير العدل وخبراء ومختصون، لم تكشف تفاصيله الدقيقة، بيد أن المفاوضات لم تتوصل لشيء ملموس.
وفاجأ رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، في 3 فبراير (شباط) الماضي، الأوساط السياسية، والتقى رئيس الوزراء الإسرائيلي في عنتيبي الأوغندية مسجلاً أكبر اختراق كبير في علاقات البلدين، التي تعود إلى مرحلة ما قبل السودان من الاستعمار.
وتطورت علاقة تل أبيب بالخرطوم على عهد الرئيس الأسبق جعفر النميري الذي سمح بنقل اليهود الفلاشا إلى إسرائيل، المعروفة بـ«عملية موسى»، وفي عهد الرئيس المعزول عمر البشير، وبرغم مرجعية نظامه الإسلامية، شهدت كواليس النظام جدلاً حول جدوى مقاطعة لإسرائيل.
ومنذ مؤتمر القمة العربي في الخرطوم المعروف باللاءات الثلاث، ظلت علاقة السودان بإسرائيل مقطوعة رسمياً، لكن الخفاء تدور فيه أحداث أخرى، من بينها اختفاء التحذير المطبوع على جوازات السفر السودانية «يسمح لحامله بالسفر إلى كل الأقطار عدا إسرائيل».
وإبان سيطرة التيار المتطرف من الإسلاميين في السودان، وجهت إسرائيل أكثر من ضربة عسكرية للسودان؛ في يناير (كانون الثاني) وفبراير 2009 شن سلاح الجو الإسرائيلي عدة غارات على شرق السودان، استهدفت مهربي سلاح عبر الصحراء المصرية إلى مقاتلي حركة «حماس»، ودمر الطيران الإسرائيلي في أكتوبر 2012، كأعنف عمل تقوم به إسرائيل في الداخل السوداني.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».