الأسد يزور ريف حمص بعد «160 حريقاً في الساحل السوري»

تضرر 6.7 % من الأراضي الزراعية في ثلاث محافظات

الأسد خلال زيارته لمناطق تضررت بالحرائق غرب سوريا أمس (إ.ب.أ)
الأسد خلال زيارته لمناطق تضررت بالحرائق غرب سوريا أمس (إ.ب.أ)
TT

الأسد يزور ريف حمص بعد «160 حريقاً في الساحل السوري»

الأسد خلال زيارته لمناطق تضررت بالحرائق غرب سوريا أمس (إ.ب.أ)
الأسد خلال زيارته لمناطق تضررت بالحرائق غرب سوريا أمس (إ.ب.أ)

واصل الرئيس السوري بشار الأسد جولته في المناطق التي تضررت من الحرائق الأسبوع الماضي، وزار أمس ريف حمص في وسط البلاد.
وبثت وسائل الإعلام السوري الرسمية أمس، صوراً للأسد في مشتى الحلو في ريف حمص، في وقت قدرت وزارة الزراعة المساحات المتضررة جراء الحرائق في محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص بنحو 4500 هكتار أراضٍ حراجية، أي بنسبة 6.9 في المائة من إجمالي مساحة الحراج في تلك المحافظات.
وبحسب بيان للوزارة، وصلت مساحات الأراضي الزراعية المتضررة إلى 6937 هكتاراً، ما يشكل 6.7 في المائة من مجموع الأراضي الزراعية في تلك المحافظات، أي مجموع المساحات المتضررة 11448 هكتاراً، بنسبة 5.9 في المائة من مجموع المناطق الزراعية والحراجية في المحافظات الثلاث.
وقالت صحيفة «الوطن» الخاصة إنه «تم تشكيل 130 لجنة مسح ميداني حسّي، باشرت أعمالها في حصر الأضرار الناتجة عن الحرائق الأخيرة، وتعمل هذه اللجان بوتائر مكثّفة للوصول إلى معطيات دقيقة تضمن حقوق الفلاحين وجميع المتضررين من الحرائق، علماً بأن إجمالي عدد الحرائق بلغ خلال الأيام الثلاثة التي اندلعت بها الحرائق 96 حريقاً في اللاذقية و62 حريقاً في طرطوس و13 حريقاً في حمص».
من جهته، قال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن «رئيس النظام السوري أجرى جولة تفقدية على المواقع التي تعرضت لحرائق في مشتى الحلو بمنطقة صافيتا ضمن ريف محافظة طرطوس، وذلك بعد يوم من زيارته كل من بلوران وبسوت في ريف القرداحة ضمن محافظة اللاذقية». وأشار إلى أن «القرادحة تعد مسقط رأس رئيس النظام السوري وشهدت حرائق امتدت على مساحات شاسعة وخلفت أضرار جسيمة».
وخلال زيارة له إلى ريف اللاذقية، قال الأسد في حديث صحافي للإعلام الرسمي: «هذه كارثة وطنية (...) بالمعنى الإنساني أو بالمعنى الاقتصادي أو بالمعنى البيئي»، واعداً بتقديم الدعم لأهالي المناطق المتضررة الذين فقدوا محاصيلهم جراء الحرائق.
وأشار إلى أن الهدف من زيارته هو تقييم الأضرار. وأكد أن «الدولة ستقوم بحمل العبء الأكبر من هذا الدعم... وهو دعم مادي لتتمكن هذه العائلات من البقاء في هذه الأراضي واستثمارها»، مشيراً إلى أن «معظم العائلات المتضررة خسرت الموسم الحالي، وبالتالي بالحد الأدنى نتحدث عن فقدان الموارد لمدة عام، وهناك عائلات فقدت الأشجار بشكل كلي، وهي بحاجة لعدة سنوات حتى تصبح منتجة خصوصاً الزيتون».
واندلعت فجر الجمعة، حرائق ضخمة أتت على آلاف الدونمات من الغابات والأراضي الزراعية في محافظات اللاذقية الساحلية وطرطوس في الغرب وحمص في وسط البلاد، قبل أن تتمكن فرق الإطفاء بمؤازرة الطوّافات العسكرية من إخمادها، الأحد.
وأفاد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) في تقرير الأحد، بتدمير أكثر من تسعة آلاف هكتار من الأراضي الزراعية والغابات والبساتين وأشجار الزيتون الذي اقترب موسم قطافه.
وأتت الحرائق على أراضٍ واسعة مزروعة بشجر الزيتون. ورأى الأسد أن «آثار الحريق ستستمر لسنوات»، مشيراً إلى أن الجزء الأكبر من الأضرار طال المناطق الحرجية.
وحسب تقديرات أولية نشرها «أوتشا»، تضرّرت قرابة 28 ألف أسرة، أي 140 ألف شخص، بمنازلها أو ممتلكاتها أو أراضيها الزراعية. وأعلنت وزارة الصحة عن وفاة ثلاثة أشخاص في اللاذقية جراء الحرائق.
وأثارت الحرائق غضباً واسعاً قبل أن تتمكن فرق الإطفاء بمؤازرة الطوّافات العسكرية من إخمادها، الأحد. وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً ومقاطع فيديو تُظهر الحرائق مرفقة بوسم «سوريا تحترق». وانتشرت كذلك مناشدات لبعض الأهالي وهم يطلبون المساعدة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.