«من الآخر»... نضال امرأة تصارع السرطان

بعضهم يصفها بـ«ملكة الأداء»، وآخرون يفاخرون بأنها تنتمي إلى بلاد الأَرز وطنها لبنان. فالممثلة رلى حمادة وطيلة مشوارها الفني تنافست مع أدوارها وتألّقت فيها إلى حدّ خطفت فيه أنفاس المشاهدين. واليوم تطلّ علينا في دور مميز يختلج الكثير من مشاعر وأحاسيس المرأة الأم ضمن مسلسل «من الآخر». فصحيح أنها وُضعت في هذا الإطار (تمثيل دور الأم) منذ فترة، لكنها استطاعت في تجسيدها لشخصية (منى) إيصال رسائل اجتماعية وتوعوية كثيرة تلقفها المشاهد وتماهى معها. فهل هذا الدور يختلف عن سابقيه؟ تردّ رلى حمادة في حديث لـ«الشرق الأوسط»، «لا يجوز أن يلغي دور (منى)، الأم الموجوعة والمتألمة بسبب مرض السرطان الذي تتحدّاه بقوة، أدوار الأم الأخرى التي قدّمتها من قبل. فلكل أمٍّ مهمتها وبريقها وفي تمثيلي لكل منها اجتهدتُ لتميزها». وتضيف حمادة في سياق حديثها «ولكن ما لفتني في هذا الدور هو إصابتها بالمرض، فقبلت التحدي وخاضت معه تجربة جميلة».
تؤدي رلى حمادة في «من الآخر» دور الأم «منى» التي تصاب بمرض سرطان الثدي، وتبقى تناضل من أجل البقاء. فتقوم بمهمتها كأم لابنتين وجدة لحفيد، على أكمل وجه. ونراها تكمل طريقها مع زوجها وأفراد عائلتها مطّلعة على كل شاردة وواردة تدق باب منزلها. وتشارك حمادة في هذا المسلسل من كتابة إياد أبو الشامات وإخراج شارل شلالا، باقة من نجوم الشاشة الصغيرة، وفي مقدمهم ريتا حايك، وبديع أبو شقرا، ومعتصم النهار، وعصام الأشقر، وسينتيا صامويل، وغيرهم. «عندما تحضِّرين لعملك بشكل جيّد ولديك ملء الثقة بالفريق الذي تتعاونين معه، فإنك تُقْدمين على الدور بخطى ثابتة. فالشركة المنتجة للعمل (الصباح أخوان) تضع تحت تصرّف فريقها كل ما يمكن أن يحتاجوا إليه ليتألقوا بأدوارهم وأسلوب أدائهم. وأنا شخصياً كنت محاطة بفريق طبي متخصص ساعدني على تفهم وضع المرأة المريضة بالسرطان إلى أكبر حدود. فكان يردّ على أي سؤال أطرحه عليه لأتفهم حالات نفسية وصحية معينة تمر بها المريضة. كما استمعت إلى قصص نساء كثيرات خضن هذه التجربة وتجاوزنها بنجاح. فلم أكن متروكة أو مهملة، وعندما تقدم شركة الإنتاج كل هذا الكم من المساعدة، فإنها تدفع بالممثل إلى إعطاء الأفضل».
وعمّا اكتشفته من خلال هذا الدور على الصعيد الإنساني تقول «اكتشفت أنّ الوجع الذي يَبين ظاهرياً هو أقل بكثير من الذي يسكن المريض باطنياً. وما يعزّي المريض في هذه الحالات هو أنّه شخصياً المصاب بالمرض، وليس أي أحد من أولاده. فالولد عزيز وفي حال مرضه يهتز كيان الأم، بحيث لا تستطيع رؤيته يتألّم فيصبح الوضع أكثر قساوة عليها». وتتابع في هذا الصدد «اكتشفت أيضاً أننا نتلهى بأمور كثيرة ونعطيها أهمية على الرغم من أن لا شيء غير الصحة يستأهل ذلك. فاحتمال فقدان الحياة ليس بالأمر السهل. وتجاوز الخطر هو بالفعل ولادة جديدة وحقيقية لا تشبه بتاتاً ولادتنا الأولى عند رؤيتنا النور. فإن تَرَي الأشياء من منظار الأولويات وتكونين منفتحة على هذه الأفق، هو الأهم، والباقي يمكن اعتباره مجرد قشور ليس أكثر».
وتؤكد رلى حمادة، أن العمل الناجح هو المغلف بحبكة كاملة تشمل النص والإضاءة وكاميرا المخرج والماكياج وعملية التصوير، وما إلى هنالك من عناصر أخرى يتألف منها. «الممثل وحده لا يمكنه أن يلامس المشاهد عن قرب، بل إن الأمر هو نتاج عمل فريق متعاون ومتكامل».
تتأثر وأنت تتابع رلى حمادة في دورها (منى) فتنكسر معها عندما تحزن لوضعها الصحي المتدهور، وتنتصب واقفاً تضجّ بالحياة عندما تقرر المضي قدماً في مزاولة عملها. كل تفصيل صغير على ملامح وجهها من دمعة وابتسامة وحنان ودفء حضن الأم توصله رلى حمادة بأدائها المحترف، بحيث لا يمكن أن يمر مرور الكرام من دون أن تتفاعل معه. فهل تجربتها كأم لابنها، تقف وراء مشاعرها الحقيقية في أثناء التمثيل؟ ترد «لا شك أن تجربتي مع ابني (زمن) زوّدتني بخزان من الأحاسيس. فنضوجي كأم انعكس على أدائي الشخصي والمهني. كما قدم لي تحديات كثيرة عشتها بحلوها ومرّها. فالأمومة قيمة معنوية ومربحة في الوقت نفسه. وهنا أتوجه إلى كل أم بالقول، إن الأهم في مهمتنا هو وضع هدف نصب أعيننا لنصل إليه. فكلما نجح أولادنا شعرنا بسعادة لا تضاهَى. ومن ترد الربح من أمومتها فعليها أن تكون واعية ومتنبهة؛ لأن الرحلة مع الأولاد تقصر مع الوقت، خصوصاً عندما يبدأون في التحضير لمستقبلهم. فيكون الأمر بمثابة فراق من نوع آخر، ولو بقوا في البلد نفسه. وكم من مرة نحاول تعليم أبنائنا أشياء معينة في الحياة فنفاجأ بأننا نتبادل الأدوار ويعلموننا بحذاقتهم أموراً كنّا نجهلها».
وتشير حمادة إلى أن المرأة هي أساس كل بيت، فمنها يستمد أفراد عائلتها القوة والعكس صحيح. «في أيامنا الصعبة التي نمر بها اليوم تلعب الأمهات دوراً ريادياً تماماً كالذي لعبته أمهاتنا في أيام الحرب. وأتذكر تماماً تلك المرحلة التي تغيرت فيها ملامح أسلوبنا للعيش اليومي. ولكن بفضل والدتي تجاوزنا الأزمات تلك، إذ ما من شيء لا نهاية له. فعندما نقع في بحر المشكلات، علينا أن نعوم لنصل إلى برّ الأمان لا أن نغرق فيه مستسلمين».
تتابع حمادة بعض الأعمال الدرامية التي تعرض حالياً على الشاشة الصغيرة وتقول «شاهدت بعض حلقات مسلسل (غربة) على شاشة (إل بي سي آي) وكذلك (هند خانوم) على قناة (الجديد)، فجميعها أعمال جيدة وتعرفين محتواها ومستواها ما إن تقرأي اسم الشركة المنتجة لها. ولكنّي في المقابل لا أفوّت أي حلقة من مسلسل (من الآخر) الذي أشارك فيه، سيما أنها المرة الأولى التي أستمتع بعملية المشاهدة بعيداً عن موسم رمضان. فالأعمال بعيداً عن السباق الرمضاني تأخذ حقها مع أن لرمضان نكهته الخاصة، بالنسبة لشركات الإنتاج وللممثلين معاً».
وعن أكثر ما لفَتَها في تفاعل المشاهدين معها من خلال شخصية «منى» التي تؤديها في «من الآخر» تقول «سعيدة أنا بردود فعل الناس تجاه دوري وأدائي. استطعت أن أوصل الرسالة الإنسانية والاجتماعية اللتين يحملهما. وهناك كم كبير من الناس يرسلون إليّ قصصهم وحكاياتهم مع المرض، وبينهم من دفعهن (من الآخر) للقيام بكشف مبكر توقياً للإصابة بسرطان الثدي. حتى إن بعض النساء المريضات يسألنني عن كيفية شراء الشلحات التي أضعها على رأسي الأصلع بسبب الجلسات الكيماوية التي أخضع لها في الدور».
وهل هذا يمكن أن يحثّك على تقديم برنامج إذاعي مثلاً تقفين فيه على مشكلات الناس وحلولها؟ ترد «هي فكرة لا بأس بها، لكنّ وقْعها يكون أكبر فيما لو قُدِّمت عبر الشاشة. وهنا لا بد من السؤال عن جدوى هذه التجربة. فهل سأتحول إلى طبيب نفسي أم إلى مصغية لمشكلات الناس؟ فبرأيي الدراما ككل الفنون بشكل عام يجب أن تحمل موضوعات اجتماعية مفيدة. فنحن نختبئ في الفن ونحتمي به ولكن في المقابل يجب أن يزوّدنا بأحلام تشبهنا، فيحسّن من أدائنا. فهناك خيط رفيع على الفنان أن يتشبث به ليوصل من خلاله طبيعته الإنسانية ومن ثم يتلمس منطقة الراحة».