مدينة القذافي تترقب بحذر نتائج المفاوضات السياسية

سرت... من ولاية «داعشية» إلى عاصمة «مستقبلية» للحكم

آثار الدمار الذي خلفته المعارك مع تنظيم «داعش» في سرت (رويترز)
آثار الدمار الذي خلفته المعارك مع تنظيم «داعش» في سرت (رويترز)
TT

مدينة القذافي تترقب بحذر نتائج المفاوضات السياسية

آثار الدمار الذي خلفته المعارك مع تنظيم «داعش» في سرت (رويترز)
آثار الدمار الذي خلفته المعارك مع تنظيم «داعش» في سرت (رويترز)

بات على مدينة سرت، الواقعة في منتصف الطريق الساحلي بين طرابلس وبنغازي، انتظار نتائج المباحثات الجارية بين الفرقاء في ليبيا لتحويلها إلى عاصمة جديدة للحكم، وفقاً لاتفاق رعته بعض القوى الإقليمية والدولية. لكن في ظل هذا الانتظار، يعيش سكان المدينة حالة من الترقب الحذر، وسط تساؤلات عن شكل الحياة الجديدة، إذا ما أضحت مدينتهم التي شهدت أحداثاً ساخنة على مدار السنوات الماضية محط أنظار الجميع، ومقصداً لهم.
وقال عضو مجلس النواب الليبي حسن الزرقاء إن أهالي سرت «يرحبون بتحويل مدينتهم إلى عاصمة، إذا كان ذلك سيقود إلى توحيد المؤسسات الليبية فعلياً، ويمهد لاستقرار الدولة»، مشدداً على ضرورة توفر «ضمانات قوية لمنع انتقال الميليشيات الموجودة في طرابلس، والغرب عموماً، إلى سرت مستقبلاً، تحت مزاعم تأمينها».
وأضاف الزرقاء الذي ينتمي إلى المدينة لـ«الشرق الأوسط» أن «الجميع يعلم حجم التصارع العنيف بين الميليشيات بعضها مع بعض، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتحمله أهل سرت»، مذكراً بما شهدته المدينة من تدمير خلال غارات حلف شمال الأطلسي على النظام السابق في 2011. كما تم تعرضها للتهميش من الحكومات التي تعاقبت على حكم البلاد، كونها مسقط رأس العقيد الراحل معمر القذافي، إضافة إلى سقوطها في قبضة تنظيم داعش الذي أراد تحويلها إلى ولاية له، قبل أن يتم طرده منها.
ونوه الزرقاء إلى أن سرت التي يقترب سكانها من 150 ألف نسمة «ربما لم تعرف الهدوء إلا مؤخراً، مع دخول الجيش الوطني لها بداية العام الحالي، بعدما ظلت تعاني من مشكلات عدة، في مقدمتها البطالة، نتيجة هروب التجار ورؤوس الأموال منها خلال السنوات الماضية».
وتحدث عضو مجلس النواب عن سرت أبو بكر الغزالي عن جانب من معاناة سكان مدينته الذين «يعيشون منذ شهور في حالة توتر دائمة مخافة اندلاع الحرب التي ستحول مدينتهم إلى مسرح للأحداث، وتؤدي إلى نزوح المواطنين وتدمير ممتلكاتهم».
وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «نحن اليوم لا نريد أن نزيد من معاناتهم، بتسهيل مرور الميليشيات إليهم عبر اتفاق سياسي قد يتم التلاعب بتفسير بنوده من قبل قيادات الغرب». وقال إن «أهالي المدينة يرحبون بأي أجسام سياسية على أرض مدينتهم، شريطة أن تكون تحت حماية الجيش الوطني، وهم لا يعترفون بأي مفاوضات تجرى بالنيابة عنهم، إلا إذا كانت من القيادة العامة».
ورغم محاولات البعثة الأممية وبعض الأطراف الدولية تغليب الحل السياسي لجعل سرت منطقة معزولة السلاح، ومقراً للمجلس الرئاسي والحكومة الجديدة، فإن المراقبين للمشهد الليبي يرون أن طرفي الصراع لا يزالان يواصلان استعداداتهما العسكرية قرب المدينة الاستراتيجية التي تعد البوابة الرئيسية للسيطرة على منطقة الهلال النفطي.
وقال الغزالي إن أهالي سرت «يتخوفون على مستقبل ليبيا، وأن يؤدي فرض وجود منطقة عازلة في سرت إلى سحب الجيش شرقاً، ووضع قيود دولية تحد من تحركاته العسكرية الساعية إلى تحرير الوطن، وتعيق جهوده في إنهاء الفوضى، والتخلص من الميليشيات والجماعات الإرهابية».
وفي مقابل ذلك، توقع المحلل السياسي الليبي محمد بويصير «عدم ترحيب أهالي سرت بتحول مدينتهم لعاصمة تضم أغلب المؤسسات السيادية، كون ذلك يجعلها بعين العاصفة طيلة الوقت». ورأى أن سرت بهذه الخطوة «ممكن أن تتحول إلى غنيمة يطمع الجميع في السيطرة عليها لإحكام قبضته على البلاد». وقال بويصير لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا توجد دلائل على الأرض حتى الآن لقبول قوات الشرق الانسحاب الفعلي من سرت، وجعلها مدينة منزوعة السلاح».
غير أن أستاذ السياسة الدولية في جامعة بنغازي ميلاد الحراثي قال لـ«الشرق الأوسط» إن أهالي سرت «قد يستفيدون من تسليط الضوء على مدينتهم». وأوضح أنه «في حال توافق المجتمعين في عدد من العواصم على مقترح جعل سرت عاصمة لليبيا، ستنشأ فرص عمل كثيرة لأبناء المدينة بالمؤسسات التي ستنقل إليها، وهذا ستتبعه خدمات كالمستشفيات والمواصلات، بعدما عانت سرت من نقصها، كغيرها من المدن الليبية».
ويرى الحراثي أن «هذا الحل يمهد لوضع ليبيا على أعتاب مرحلة من الاستقرار السياسي عبر التمهيد للانتخابات، وهذا سيترتب عليه استقرار اقتصادي، سيضمن الرواتب وتحسين الخدمات المعيشية، وهو ما يفسر تأييد قبائل سرت لهذا المقترح». لكنه استدرك أن «ترتيبات هذه الخطوة ونجاحها ستتوقف على مواقف الدول الداعمة لطرفي الصراع... فإذا رفعت يدها عن الليبيين، ولو قليلاً، سينجح كل شيء، وإذا حدث عكس ذلك، فسيكون مصير الاتفاق الفشل، كاتفاقات سابقة».
أما عضو المجلس التسييري لبلدية سرت، عبد العالي هيبلو، فلا يتوقع حدوث تغيير كبير بشأن سرت إذا تحولت إلى عاصمة. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أخشى تركيز الاهتمام على المؤسسات السيادية فقط، وتجاهل سكان المدينة التي تعاني من انقطاع للكهرباء ونقص للمياه والأدوية، بما فيها تطعيمات الأطفال، فضلاً عن غلاء الأسعار». وأعرب عن أمله في أن تكون سرت «بمثابة استراحة محارب للجميع، يلتقطون فيها أنفاسهم، بعد صراع طويل، للتفكير في صالح الوطن هذه المرة، وليس لاستكمال الحرب من جديد».



تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
TT

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)

أفرجت الجماعة الحوثية عن عدد ممن اختطفتهم، على خلفية احتفالاتهم بعيد الثورة اليمنية في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنها اختطفت خلال الأيام الماضية المئات من سكان معقلها الرئيسي في صعدة، ووجَّهت اتهامات لهم بالتجسس، بالتزامن مع بث اعترافات خلية مزعومة، واختطاف موظف سابق في السفارة الأميركية.

وذكرت مصادر محلية في محافظة صعدة (242 كيلومتراً شمال صنعاء)، أن الجماعة الحوثية تنفِّذ منذ عدة أيام حملة اختطافات واسعة طالت مئات المدنيين من منازلهم أو مقار أعمالهم وأنشطتهم التجارية، وتقتادهم إلى جهات مجهولة، بتهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل، مع إلزام أقاربهم بالصمت، وعدم التحدُّث عن تلك الإجراءات إلى وسائل الإعلام، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وقدرت المصادر عدد المختطَفين بأكثر من 300 شخص من مديريات مختلفة في المحافظة التي تُعدّ معقل الجماعة، بينهم عشرات النساء، وشملت حملة المداهمات منازل عائلات أقارب وأصدقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عثمان مجلي، الذي ينتمي إلى صعدة.

فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

ورجحت المصادر أن اختطاف النساء يأتي بغرض استخدامهن رهائن لابتزاز أقاربهن الذين لم تتمكن الجماعة من الوصول إليهم، أو لإقامتهم خارج مناطق سيطرتها، ولإجبار من اختُطفنَ من أقاربهم على الاعتراف بما يُطلب منهن. وسبق للجماعة الحوثية اتهام حميد مجلي، شقيق عضو مجلس القيادة الرئاسي، أواخر الشهر الماضي، بتنفيذ أنشطة تجسسية ضدها، منذ نحو عقدين لصالح دول عربية وغربية.

إلى ذلك، اختطفت الجماعة الحوثية، الاثنين الماضي، موظفاً سابقاً في سفارة الولايات المتحدة في صنعاء، من منزله دون إبداء الأسباب.

وبحسب مصادر محلية في صنعاء؛ فإن عدداً من العربات العسكرية التابعة للجماعة الحوثية، وعليها عشرات المسلحين، حاصرت مقر إقامة رياض السعيدي، الموظف الأمني السابق لدى السفارة الأميركية في صنعاء، واقتحمت مجموعة كبيرة منهم، بينها عناصر من الشرطة النسائية للجماعة، المعروفة بـ«الزينبيات»، منزله واقتادته إلى جهة غير معلومة.

مسلحون حوثيون يحاصرون منزل موظف أمني في السفارة الأميركية في صنعاء قبل اختطافه (إكس)

وعبث المسلحون و«الزينبيات» بمحتويات منزل السعيدي خلال تفتيش دقيق له، وتعمدوا تحطيم أثاثه ومقتنياته، وتسببوا بالهلع لعائلته وجيرانه.

إفراج عن مختطَفين

أفرجت الجماعة الحوثية عن الشيخ القبلي (أمين راجح)، من أبناء محافظة إب، بعد 4 أشهر من اختطافه، كما أفرجت عن عدد آخر من المختطفين الذين لم توجه لهم أي اتهامات خلال فترة احتجازهم.

وراجح هو أحد قياديي حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اختطفتهم الجماعة الحوثية إلى جانب عدد كبير من الناشطين السياسيين وطلاب وشباب وعمال وموظفين عمومين، خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، على خلفية احتفالهم بثورة «26 سبتمبر» 1962.

مخاوف متزايدة لدى اليمنيين من توسيع حملات الترهيب الحوثية بحجة مواجهة إسرائيل (أ.ب)

ومن بين المفرَج عنهم صاحب محل تجاري أكَّد لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يعلم التهمة التي اختُطِف بسببها؛ كونه تعرض للاختطاف في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أي بعد شهرين من حملة الاختطافات التي طالت المحتفلين بذكرى الثورة اليمنية.

وذكر أن الوسطاء الذين سعوا لمحاولة الإفراج عنه لم يعرفوا بدورهم سبب اختطافه؛ حيث كان قادة أجهزة أمن الجماعة يخبرونهم في كل مرة بتهمة غير واضحة أو مبرَّرة، حتى جرى الإفراج عنه بعد إلزامه بكتابة تعهُّد بعدم مزاولة أي أنشطة تخدم أجندة خارجية.

خلية تجسس مزعومة

بثَّت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، اعترافات لما زعمت أنها خلية تجسسية جديدة، وربطت تلك الخلية المزعومة بما سمته «معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس»، في مواجهة الغرب وإسرائيل.

وطبقاً لأجهزة أمن الجماعة، فإن الخلية المزعومة كانت تسعى لإنشاء بنك أهداف، ورصد ومراقبة المواقع والمنشآت التابعة للقوة الصاروخية، والطيران المسيَّر، وبعض المواقع العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى رصد ومراقبة أماكن ومنازل وتحركات بعض القيادات.

خلال الأشهر الماضية زعمت الجماعة الحوثية ضبط عدد كبير من خلايا التجسس (إعلام حوثي)

ودأبت الجماعة، خلال الفترة الماضية، على الإعلان عن ضبط خلايا تجسسية لصالح الغرب وإسرائيل، كما بثَّت اعترافات لموظفين محليين في المنظمات الأممية والدولية والسفارات بممارسة أنشطة تجسسية، وهي الاعترافات التي أثارت التهكُّم، لكون ما أُجبر المختطفون على الاعتراف به يندرج ضمن مهامهم الوظيفية المتعارف عليها ضمن أنشطة المنظمات والسفارات.

وسبق للجماعة أن أطلقت تحذيرات خلال الأيام الماضية للسكان من الحديث أو نشر معلومات عن مواقعها والمنشآت التي تسيطر عليها، وعن منازل ومقار سكن ووجود قادتها.

تأتي هذه الإجراءات في ظل مخاوف الجماعة من استهداف كبار قياداتها على غرار ما جرى لقادة «حزب الله» اللبناني، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي إطار المواجهة المستمرة بينها وإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، بعد هجماتها على طرق الملاحة الدولية في البحر الأحمر، والهجمات الصاروخية باتجاه إسرائيل.