سنة على عملية «نبع السلام»... «خريطة جديدة» وتغيير ديموغرافي

«المرصد» السوري سجل نزوح 300 ألف مدني شرق الفرات وانتهاكات من فصائل موالية لتركيا

سوريون في ريف الحسكة نزحوا من منطقة «نبع السلام» في شرق الفرات (أ.ف.ب)
سوريون في ريف الحسكة نزحوا من منطقة «نبع السلام» في شرق الفرات (أ.ف.ب)
TT

سنة على عملية «نبع السلام»... «خريطة جديدة» وتغيير ديموغرافي

سوريون في ريف الحسكة نزحوا من منطقة «نبع السلام» في شرق الفرات (أ.ف.ب)
سوريون في ريف الحسكة نزحوا من منطقة «نبع السلام» في شرق الفرات (أ.ف.ب)

أفاد تقرير حقوقي أمس، بأن عملية «نبع السلام» التي شنتها فصائل موالية لأنقرة بدعم من الجيش التركي في 9 أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، أدت إلى «قلب الموازين» في شمال شرقي سوريا وقلصت إلى النصف مساحة سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) المدعومة من التحالف الدولي بقيادة أميركا، ما أسفر عن «خريطة نفوذ» جديدة شرق الفرات.
وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن إحدى سمات العام الماضي منذ 9 أكتوبر العام الماضي، كانت «التدخل التركي الجديد تحت اسم «نبع السلام»، وهي العملية العسكرية التي أطلقتها تركيا بصحبة ما يسمى بـ«الجيش الوطني السوري» في مناطق شمال وشمال شرقي سوريا ضد «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية - العربية (قسد) المدعومة من التحالف الدولي بقيادة أميركا.
وانطلقت العملية العسكرية، بعد انسحاب أميركي من الحدود السورية - التركية بقرار من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وتسببت في فقدان «قوات سوريا الديمقراطية» مناطق عدة كانت تخضع لسيطرتها، كما تسببت في تغيير خريطة الصراع في مناطق شمال وشمال شرقي سوريا، بعد أن لجأت «قسد» إلى روسيا لإبرام اتفاقات لمنع تركيا من التوغل بشكل أكبر داخل الأراضي الخاضعة لـ«قسد».
وقال «المرصد» إنه منذ لحظة انطلاق العملية العسكرية التركية في الشمال السوري في 9 أكتوبر تقدمت القوات التركية والفصائل الموالية لها بغطاء جوي وبري مكثف في إجمالي مساحة تُقدَّر بـ4875 كيلومتراً مربعاً (9.2 في المائة من إجمالي مساحة المناطق التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية»)، أي ما يزيد على ربع مساحة لبنان. وفي الوقت نفسه، دخلت قوات النظام بموجب اتفاق مع «قسد» بوساطة روسية، إلى منطقة تُقدر مساحتها بـ18821 كيلومتراً مربعاً (35.6 في المائة من إجمالي مساحة سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية»)، ما يعني أن «قوات سوريا الديمقراطية» فقدت السيطرة على 23641 كيلومتراً مربعاً، بعد أن كانت تسيطر على مساحة قدرها 52916 كيلومتراً مربعاً (28.6 في المائة من إجمالي مساحة سوريا) قبل انطلاق العملية العسكرية «نبع السلام»، ما يعني أن «قسد» لم تعد تسيطر سوى على 15.7 في المائة من مساحة سوريا.
وتسببت العملية العسكرية التركية في كارثة إنسانية أخرى تضاف إلى سلسلة أزمات السوريين التي يعانون منها منذ 10 سنوات، فقد تجاوز عدد النازحين نتيجة تلك العملية العسكرية 300 ألف مدني نزحوا من بلداتهم ومدنهم وقراهم في تل أبيض ورأس العين والدرباسية وعين العرب وعين عيسى ومناطق أخرى شرق الفرات عند الشريط الحدودي مع تركيا، وسط أوضاع إنسانية صعبة تعيشها المنطقة من التصاعد الكبير في أعداد النازحين ووجهتهم، حسب «المرصد». وقال إنه «لم تتوقف تداعيات التدخل التركي عند حد النزوح، بل تسبب في سقوط عدد من القتلى دون تفريق لمن هو مدني ومن هو غير مدني، فقد بلغ عدد القتلى المدنيين الذين سقطوا منذ انطلاق العملية العسكرية التركية 146 بينهم 7 سيدات و4 أطفال، فيما بلغ تعداد القتلى في صفوف (قوات سوريا الديمقراطية) والمجالس العسكرية وقوى الأمن الداخلي جراء قصف جوي وبري تركي واشتباكات مع القوات التركية والفصائل الموالية لها منذ بدء العملية العسكرية التركية أكثر من 510، إضافة إلى مقتل 28 عنصراً من قوات النظام وإصابة آخرين جراء استهداف صاروخي نفذته القوات التركية والفصائل الموالية لها على محاور شمال غربي منبج وشرق بلدة عين عيسى، في مواقع انتشار قوات النظام».
وبلغ تعداد قتلى الفصائل السورية الموالية لأنقرة وقتلى العناصر الموالية لتركيا خلال استهدافات واشتباكات مع «قسد» خلال الفترة ذاتها إلى 279. من بينهم 21 من موالين لتركيا قُتلوا في اشتباكات مع «قسد»، بالإضافة إلى مقتل 10 جنود أتراك.
وعلى مستوى التعامل الداخلي، شهدت المناطق التي خضعت لسيطرة فصائل «نبع السلام» انتهاكات واسعة، حسب «المرصد»، قائلاً إنها شملت «سرقة المنازل مروراً باختطاف المواطنين لطلب مبالغ مالية للإفراج عنهم، وصولاً إلى ارتكاب أبشع أنواع التعذيب بحق السوريين بحجة التعامل مع الإدارة الذاتية التي كانت تحكم المنطقة سابقاً».
وفي الخامس والعشرين من سبتمبر (أيلول) الماضي، اتهم «المرصد» شاحنات تابعة للفصائل الموالية لتركيا بـ«نقل المواد المسروقة من منازل الأهالي كالحطب ومواد علفية في قرى ريحانة وقاسمية وقاسمية أزيزا وقاسمية شرابيين وقاسمية سمعيلة إلى مدينة رأس العين».
كما شنت فصائل «الجيش الوطني السوري» حملات مداهمة واعتقالات في قرى أسدية وأسدية شرقية وسفح وسلام عليك وتل خنزير ودهماء ضمن مناطق «نبع السلام»، إضافة إلى مصادرة هواتف جوالة من المواطنين بحجة أنها تُستخدَم للتواصل مع «قسد»، كما تعمد تلك الفصائل إلى مداهمة المنازل في قرية قاطوف في ريف رأس العين (سري كانييه) الجنوبي ضمن مناطق «نبع السلام» بريف الحسكة، واعتقال 5 شبان بتهمة التعامل والتخابر مع «قسد»، حسب تقرير «المرصد».
ومن بين الانتهاكات أيضاً، إجبار مسلحي «فرقة الحمزات» الموالية لأنقرة أصحاب عدد من المحال التجارية على إغلاقها تحت تهديد السلاح، في مدينة رأس العين، وذلك بعد قيامهم بتوزيع منشورات ورقية في المدينة تطالب بالإضراب ضد المجلس المحلي في المدينة. وحاولت «فرقة الحمزات» إجبار أهالي «رأس العين» على الخروج بمظاهرات ضد المجلس المدني في مدينة «رأس العين» بسبب رفض المجلس لهيمنة شقيق «فرقة الحمزات» على المعبر الحدودي مع تركيا.
وقال «المرصد» في التقرير: «تواصل الفصائل الموالية لتركيا فرض إتاوات على المواطنين المارين على حواجزها، حيث فرض حاجز قوس بلدة تل حلف التابع لفرقة الحمزة مبالغ تصل إلى 3 آلاف ليرة سورية، على السيارات والدراجات النارية المارة من وإلى مدينة رأس العين. كما يهددون المارة باستهدافهم بالرصاص الحي وسجنهم بتهمة التعامل مع (قسد)، لإجبارهم على الدفع»، إضافة إلى «تصدير القمح من مناطق (نبع السلام) إلى أنقرة تحت غطاء شرائه من قبل مؤسسة الحبوب التركية بالليرة التركية عبر بوابة تل أبيض الحدودي مع تركيا، حيث تتجمع عشرات الشاحنات وآلاف الأطنان قرب المعبر، تمهيداً لنقلها إلى تركيا». كما استحوذت الفصائل الموالية لتركيا على المحاصيل الزراعية للأهالي في مناطق «نبع السلام» في ريفي رأس العين وتل أبيض.
وفي محاولة للضغط على السكان، تعمدت القوات التركية إيقاف محطة علوك التي تغذي مدينة الحسكة عن العمل لأكثر من 25 يوماً، ما تسبب في استياء شعبي واسع بسبب انقطاع مياه الشرب عنها.
وكانت المرة الثامنة التي تقطع فيها المياه عن المنطقة، بعد أن أوقفت القوات التركية عمل مضخة مياه الشرب في علوك، التي تغذي تلك المناطق بشكل كامل منذ بداية شهر أغسطس (آب) 2020 بحجة الصيانة، كما طلبت القوات التركية زيادة في القدرة الكهربائية لتغذية مناطق «نبع السلام» بالطاقة الكهربائية، الأمر الذي رفضته «الإدارة الذاتية»، ما أدى بدوره إلى انقطاع مياه الشرب بشكل كامل.
كما اتهم «المرصد» أنقرة بمواصلة «عملية التغيير الديمغرافي ضمن المناطق التي بسطت سيطرتها عليها شمال سوريا خلال عملية «نبع السلام»، حيث جرى توطين عدد كبير في مدينة رأس العين (سري كانييه)، غالبيتهم من محافظة إدلب». وواصلت الفصائل الموالية لأنقرة مساعيها لإجبار من بقي في المناطق التي سيطروا عليها في الشمال السوري للرحيل وعدم السماح لأهالي المناطق بالعودة. وكانت مصادر أكدت أنه يتم نقل عدد من سكان الشمال السوري إلى مدينتي تل أبيض ورأس العين اللتين خضعتا لسيطرة القوات التركية والفصائل الموالية لها ضمن عملية «نبع السلام» العسكرية التركية.
في المقابل، تفاقمت الخلافات الداخلية بين فصائل «نبع السلام» ما تسبب في حالة اقتتال داخلية بين تلك الفصائل، كان آخرها اشتباكات داخل مدينة رأس العين بين الفصائل الموالية لتركيا، بسبب خلافها على تعيين مدير معبر رأس العين، حيث دارت اشتباكات بين درع الحسكة وعشيرة الموالي المدعومة من فرقة الحمزة، ما أدى إلى وقوع 3 قتلى و5 جرحى من الطرفين. وشهدت مدينة رأس العين وريفها، «غضباً واستهجانا» من الأهالي، بسبب محاولة الفصائل والقوات التركية إقصائهم عن إدارة مناطقهم، بعد تعيين أحمد بولات ابن مدينة بزاعة بريف حلب الشمالي، بدعم من شقيقه قائد «فرقة الحمزة» الموالية لتركيا مديراً لمعبر رأس العين التجاري. وتجمع مواطنون عند البوابة الحدودية بين سوريا وتركيا في بلدة رأس العين ضمن مناطق عملية «نبع السلام» في الريف الشمالي للحسكة، حيث طالب متظاهرون الجانب التركي بالتدخل للحد من انتهاكات الفصائل المستمرة بحقهم.
وخلص «المرصد» إلى أن عملية «نبع السلام» قلبت موازين القوى والتحالفات في شمال شرقي سوريا، داعياً المجتمع الدولي لـ«تحمل العبء الأخلاقي لوقف الانتهاكات التركية والفظائع التي ترتكبها الفصائل الموالية لتركيا تحت مرأى ومسمع السلطات التركية».



اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
TT

اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)

استبعدت الحكومة اليمنية تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم، داعية إيران إلى رفع يدها عن البلاد ووقف تسليح الجماعة، كما حمّلت المجتمع الدولي مسؤولية التهاون مع الانقلابيين، وعدم تنفيذ اتفاق «استوكهولم» بما فيه اتفاق «الحديدة».

التصريحات اليمنية جاءت في بيان الحكومة خلال أحدث اجتماع لمجلس الأمن في شأن اليمن؛ إذ أكد المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أن السلام في بلاده «لا يمكن أن يتحقق دون وجود شريك حقيقي يتخلّى عن خيار الحرب، ويؤمن بالحقوق والمواطنة المتساوية، ويتخلّى عن العنف بوصفه وسيلة لفرض أجنداته السياسية، ويضع مصالح الشعب اليمني فوق كل اعتبار».

وحمّلت الحكومة اليمنية الحوثيين المسؤولية عن عدم تحقيق السلام، واتهمتهم برفض كل الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية، وعدم رغبتهم في السلام وانخراطهم بجدية مع هذه الجهود، مع الاستمرار في تعنتهم وتصعيدهم العسكري في مختلف الجبهات وحربهم الاقتصادية الممنهجة ضد الشعب.

وأكد السعدي، في البيان اليمني، التزام الحكومة بمسار السلام الشامل والعادل والمستدام المبني على مرجعيات الحل السياسي المتفق عليها، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وفي مقدمتها القرار «2216».

عنصر حوثي يحمل صاروخاً وهمياً خلال حشد في صنعاء (رويترز)

وجدّد المندوب اليمني دعم الحكومة لجهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، وكل المبادرات والمقترحات الهادفة لتسوية الأزمة، وثمّن عالياً الجهود التي تبذلها السعودية وسلطنة عمان لإحياء العملية السياسية، بما يؤدي إلى تحقيق الحل السياسي، وإنهاء الصراع، واستعادة الأمن والاستقرار.

تهديد الملاحة

وفيما يتعلق بالهجمات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن، أشار المندوب اليمني لدى الأمم المتحدة إلى أن ذلك لم يعدّ يشكّل تهديداً لليمن واستقراره فحسب، بل يُمثّل تهديداً خطراً على الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، وحرية الملاحة البحرية والتجارة الدولية، وهروباً من استحقاقات السلام.

وقال السعدي إن هذا التهديد ليس بالأمر الجديد، ولم يأتِ من فراغ، وإنما جاء نتيجة تجاهل المجتمع الدولي لتحذيرات الحكومة اليمنية منذ سنوات من خطر تقويض الميليشيات الحوثية لاتفاق «استوكهولم»، بما في ذلك اتفاق الحديدة، واستمرار سيطرتها على المدينة وموانيها، واستخدامها منصةً لاستهداف طرق الملاحة الدولية والسفن التجارية، وإطلاق الصواريخ والمسيرات والألغام البحرية، وتهريب الأسلحة في انتهاك لتدابير الجزاءات المنشأة بموجب قرار مجلس الأمن «2140»، والقرارات اللاحقة ذات الصلة.

حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» جراء هجمات حوثية (رويترز)

واتهم البيان اليمني الجماعة الحوثية، ومن خلفها النظام الإيراني، بالسعي لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتهديد خطوط الملاحة الدولية، وعصب الاقتصاد العالمي، وتقويض مبادرات وجهود التهدئة، وإفشال الحلول السلمية للأزمة اليمنية، وتدمير مقدرات الشعب اليمني، وإطالة أمد الحرب، ومفاقمة الأزمة الإنسانية، وعرقلة إحراز أي تقدم في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

وقال السعدي: «على إيران رفع يدها عن اليمن، واحترام سيادته وهويته، وتمكين أبنائه من بناء دولتهم وصنع مستقبلهم الأفضل الذي يستحقونه جميعاً»، ووصف استمرار طهران في إمداد الميليشيات الحوثية بالخبراء والتدريب والأسلحة، بما في ذلك، الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، بأنه «يمثل انتهاكاً صريحاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لا سيما القرارين (2216) و(2140)، واستخفافاً بجهود المجتمع الدولي».