عملية «تتريك» واسعة في «نبع السلام»

أنقرة غير راضية عن التفاهمات مع واشنطن وموسكو

TT

عملية «تتريك» واسعة في «نبع السلام»

مر أمس (الجمعة) عام على إطلاق تركيا عملية «نبع السلام» العسكرية في شرق الفرات والتي استهدفت إبعاد قوات وحدات حماية الشعب الكردية أكبر مكونات تحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) عن الحدود التركية لمسافة تتراوح بين 30 و40 كيلومترا.
لم تستغرق العملية التركية وقتا طويلا بسبب تدخل كل من الولايات المتحدة وروسيا لوقفها، بعد أن تسببت في ردود فعل غاضبة من جانب واشنطن وعدم رضا من جانب موسكو التي كانت أحرزت تقدما في التفاهمات مع تركيا في شمال سوريا عبر منصة أستانة. وانتهت العملية بتوقيع مذكرتي تفاهم بين أنقرة وواشنطن خلال زيارة وفد أميركي برئاسة نائب الرئيس الأميركي مايك بنس لتركيا في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 بعد انطلاق العملية في 9 أكتوبر، أعقبه توقيع مذكرة تفاهم في سوتشي خلال زيارة قام بها الرئيس التركي في 22 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، حيث ضمن الاتفاقان إيعاد الوحدات الكردية مسافة تتراوح بين 30 و40 كيلومترا مع سحب أسلحتها الثقيلة وتسيير دوريات مشتركة بين القوات التركية والروسية في شرق الفرات.
وفي الأيام الأخيرة، أبدت أنقرة عدم رضاها عن تنفيذ التفاهمات مع واشنطن وموسكو، وهدد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الأسبوع الماضي بذهاب تركيا مجددا بنفسها لتطهير ما سماه بـ«البؤر الإرهابية» في شمال سوريا منتقدا الدعم المقدم من «دول حليفة» للوحدات الكردية. كما أعلن وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو أن بلاده يمكنها توسيع العمليات في المنطقة إذا لم تف الأطراف الأخرى بالتزاماتها.
وفي الوقت ذاته حذرت موسكو واشنطن على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف من محاولة إنشاء كيان كردي في شمال سوريا على شكل «شبه دولة»، قائلا إن الخطوات التي تقوم بها واشنطن، والتي تسعى لإقناع الأتراك بها، قد تؤدي إلى تفجير المنطقة.
في الوقت ذاته، تناول إردوغان، في تصريحات أول من أمس، ما تحقق نتيجة عمليتي «غصن الزيتون» في عفرين و«نبع السلام» في شرق الفرات، اللتين استهدفتا القوات الكردية في عامي 2018 و2019، إضافة إلى عملية «درع الفرات» انتهت في 2017، قائلا إن الجيش التركي نجح من خلال هذه العمليات في تطهير مساحة 8 آلاف و300 كيلومتر من عناصر «داعش» والوحدات الكردية، وسلمها لأصحابها الحقيقيين، بالتعاون مع «الجيش السوري الحر».
وأضاف أن عدد السوريين، الذين عادوا إلى هذه المناطق بلغ 411 ألفاً، وأن تركيا ستواصل التصدي للهجمات الموجهة ضدها، كما ستواصل التعاون مع الولايات المتحدة في مجالات مكافحة الإرهاب ودعم الديمقراطية وإنهاء حالات عدم الاستقرار. واستهدفت عملية «نبع السلام» إنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، بحسب ما تقول أنقرة، واعتبرت أنها دمرت «الممر الإرهابي» على حدودها الجنوبية، لكن المنطقة لم تعرف الاستقرار حتى الآن حيث تسود أعمال النهب والسرقة والاشتباكات أحيانا بين الفصائل السورية الموالية لتركيا، والتي تتمركز مع قوات تركية في تل أبيض ورأس العين ومناطق محيطة بهما حتى الحسكة، على مساحة تزيد عن 4 آلاف كيلومتر مربع.
بلغ عدد السوريين العائدين إلى منطقة عملية نبع السلام إلى 200 ألف، ووجهت تركيا الأولوية إلى الخدمات الصحية المقدمة للمدنيين، كما قامت وزارة الخارجية الصحة التركية بالكثير من الأنشطة في المنطقة.
وتم إنشاء فرق سورية للعمل الطبي، ضمن مديريات الصحة في محافظة شانلي أورفا التركية، لتقديم الخدمات الطبية اللازمة في محيط المنطقة التي شهدت عملية «نبع السلام»، مثلما حدث في مناطق عمليتي «درع الفرات» و«غصن الزيتون» من خلال مستشفيين.
كما قامت السلطات التركية بإصلاح المدارس التي تضررت، تحت إشراف وزارة التعليم التركية، التي وفرت الاحتياجات اللازمة للمدارس، وانتظم خلال العام الدراسي الجاري، 48 ألف طالب في التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي، في 422 مدرسة جاهزة للدراسة في المنطقة. ويتم تدريس المناهج الدراسية التي حددتها الحكومة السورية المؤقتة.
وتقدم المجالس المحلية، التي تخضع لإشراف ولاية شانلي أورفا التركية الخدمات لأهالي المنطقة. كما تقدم هيئة البريد التركية خدمات الاتصالات وتحويل وتلقي الأموال وصرف الرواتب.



رئيس جديد لـ«أرض الصومال»... هل يُغيّر مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا؟

رئيس «أرض الصومال» المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس «أرض الصومال» المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

رئيس جديد لـ«أرض الصومال»... هل يُغيّر مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا؟

رئيس «أرض الصومال» المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس «أرض الصومال» المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

بفوز رئيس جديد محسوب على المعارضة، لإقليم «أرض الصومال» الانفصالي، الواقع في موقع استراتيجي عند نقطة التقاء المحيط الهندي بالبحر الأحمر، تتجه الأنظار نحو أبرز تحديات تواجهها المنطقة منذ بداية العام مع توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا تضمن لها منفذاً بحرياً، التي عدّتها مقديشو «باطلة وتمس سيادتها».

إعلان المفوضية الانتخابية في «أرض الصومال»، الثلاثاء، فوز المعارض عبد الرحمن عرو، يحمل، حسب خبراء في الشؤون الأفريقية تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فرصاً لإمكانية التراجع عن مسار تلك المذكرة، وفتح أوجه تفاهمات مع مقديشو ستقابل بـ«ضغوط إثيوبية» للاستمرار فيها أو البحث عن منفذ بحري آخر بدولة جوار لغلق هذا التوتر بمنطقة القرن الأفريقي، الذي تصاعد منذ بداية العام وسمح بوجود قوات مصرية، ترفضها أديس أبابا، ضمن قوات حفظ السلام بالأراضي الصومالية.

وعقدت إثيوبيا مع إقليم «أرض الصومال»، اتفاقاً مبدئياً مطلع العام تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري يتضمّن ميناء تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة، لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة.

ورفضت مقديشو تلك الخطوة وعدّتها مساساً بالسيادة، وأدى الاتفاق لتوتر بمنطقة القرن الأفريقي، وتلا إصرار إثيوبيا على موقفها، توقيع بروتوكول تعاون عسكري بين القاهرة ومقديشو في أغسطس (آب) الماضي، وإعلان وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، استبعاد القوات الإثيوبية من البعثة الأفريقية لحفظ السلام، المقررة بدءاً من 2025 حتى 2029، بسبب «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

وأعلنت المفوضية الانتخابية في «أرض الصومال»، الثلاثاء، انتخاب عبد الرحمن محمد عبد الله «عرو»، مرشح حزب «وطني»، رئيساً جديداً بعد أيام من إجراء الانتخابات في 13 نوفمبر الحالي، بنسبة بلغت 63.92 في المائة من الأصوات، متغلباً على الرئيس الحالي موسى بيحي عبدي مرشح حزب «كولميه» (التضامن) الحاكم، الذي حصل على نسبة 34.81 في المائة من مجموع الأصوات، في حين حصل فيصل علي حسين (وارابي) مرشح حزب «العدالة والرفاهية» على 0.74 في المائة من الأصوات، وفق ما نقلته وسائل إعلام صومالية محلية.

ونقلت «وكالة الأنباء الصومالية» الرسمية، فوز عِرو في الانتخابات، مشيرة إلى أنه «أصبح الرئيس السادس لإدارة (أرض الصومال)، المحافظات الشمالية للبلاد»، في إشارة لتمسك مقديشو بأن إقليم الصومال من ضمن حدود الدولة.

وأشار تلفزيون «فانا» الإثيوبي، التابع للدولة، عبر موقعه الإلكتروني إلى فوز عرو، متوقعاً أن «يحدد الرئيس المنتخب أولوياته خلال الأيام المقبلة، في ظل تطلعات (أرض الصومال) لتحقيق التنمية والسعي للحصول على الاعتراف الدولي»، في إشارة لدعم مسار الانفصال عن الصومال.

ووفق الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير مركز دراسات شرق أفريقيا في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم فإنه من الصعب التكهن حالياً بتداعيات فوز مرشح المعارضة على مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا، موضحاً أن «عبد الرحمن عرو خلال مقابلات سرية جرت في مدينة نيروبي مع أعضاء من الحكومة الفيدرالية الصومالية، والتي يعتقد أنها موّلت حملته الانتخابية، تعهد بأنه سيلغي مذكرة التفاهم». وهي لقاءات لم تعلن عنها مقديشو أو حملة عرو حتى الآن.

واستدرك إبراهيم: «لكن كانت هناك تحركات إثيوبية في الأيام الأخيرة في مدينة هرجيسا العاصمة، مما يجعل ممكناً أن يتغير موقف عرو الذي يوجد تفاؤل عام بأن فوزه سيعزز سياسة المصالحة».

ويتوقع المحلل في الشؤون الأفريقية، محمد تورشين، أيضاً أن «فوز عرو ستكون له انعكاسات وتأثير مباشر على مذكرة التفاهم بخاصة وهي أبرز تحديات التي واجهت الإقليم في رئاسة سلفه».

ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، أن «فوز زعيم المعارضة في (أرض الصومال)، بمثابة انقلاب سياسي كبير في هذا الإقليم الطامح للاستقلال منذ عام 1991، خاصة أنه اكتسب هذه الشعبية الجارفة والتي أهلته للفوز بسبب أن برنامجه الانتخابي كان يقوم في الأساس على رفض التدخلات الخارجية، وإعادة النظر في مجمل الاتفاقات التي تمت في عهد سلفه».

وفي 5 نوفمبر، قال عرو في تصريحات نقلها إعلام صومالي، إن «حزبه لم يطلع على مذكرة التفاهم التي أبرمتها حكومة (أرض الصومال) مع إثيوبيا؛ حيث لم يتم عرضها على البرلمان كما كان المطلوب»، لكنه أكد في الوقت نفسه «أنه سيلتزم أيضاً بالاتفاقيات التي وقعتها الحكومة وبكل ما يساهم في تطوير (أرض الصومال)»، ووعد بـ«بناء (أرض الصومال) المتصالحة مع نفسها ومع العالم».

وقدم رئيس الصومال حسن شيخ محمود، في بيان صحافي، الثلاثاء، التهنئة إلى «الرئيس المنتخب لـ(أرض الصومال)»، مؤكداً «التزام الحكومة الفيدرالية بإتمام المفاوضات الثنائية التي تصب في صالح تنمية ووحدة البلاد».

وباعتقاد مدير «مركز دراسات شرق أفريقيا» في نيروبي، أنه إذا سارت الأمور إلى «إلغاء مذكرة التفاهم من أي طرف من الأطراف المعنية، فإن منطقة القرن الأفريقي ستتجه إلى تعاون واستقرار».

ولا يختلف تورشين مع هذا المسار، مرجحاً أن «يسهم إلغاء الاتفاقية في تهدئة الأوضاع بالمنطقة، وتضييق الخناق على إثيوبيا»، مستدركاً: «لكن أديس أبابا ستتحرك للحفاظ على المذكّرة وكذلك الصومال ستحاول إيجاد مقاربة لمزيد من الاستقرار».

وكشفت حكومة جيبوتي عن تقديم عرض الوصول الحصري لإثيوبيا إلى ميناء جديد لنزع فتيل التوترات، وفق ما أفاد وزير الخارجية الجيبوتي محمد علي يوسف، في مقابلة مع إذاعة «بي بي سي» في سبتمبر (أيلول) الماضي.

وحسب عبد الناصر الحاج، فإن «عرو سيواجه تحديات كبيرة فيما يخص تجاوز عقبات الاتفاقات القديمة، إلا أن ذلك يتوقف على مدى نجاحه في تحقيق اختراقات ملحوظة في عدد من الملفات الداخلية، مثل محاربة الفقر والفساد وترسيخ دعائم الأمن الداخلي في الإقليم».

ويتوقع أن «يظل الاتفاق المبرم مع إثيوبيا محل إعادة نظر في فترة ولاية عرو»، مرجحاً أن «يسلك استراتيجية أخرى لنيل الاعتراف الدولي، تقوم على تهدئة الخطاب السياسي تجاه مقديشو، وإرسال رسائل تطمينية لها، بغية حثها على الاعتراف بـ(أرض الصومال) دولةً مستقلة، مقابل الوصول لصيغة قانونية جديدة معترف بها دولياً تحكم العلاقة بين المنطقتين، مثل صيغة الاتحاد الفيدرالي على سبيل المثال».

ويستبعد الحاج أن «تنجح التحركات الإثيوبية في تحييد مسار السياسة الداخلية التي يتبناها عرو، إلا في حال واحدة فقط، وهي أن ترفض مقديشو أي تفاهمات مستقبلية تمنح أرض الصومال الاعتراف بالاستقلال عنها»، مضيفاً: «في هذه الحالة سيُضطر عرو للعب بورقة إثيوبيا في مقابل اتفاق التعاون العسكري المبرم بين القاهرة ومقديشو».