أفغانستان... جيل الأبناء يسعى لإنهاء حرب أشعلها الآباء

الرئيس أشرف غني في الوسط مع عبد الرشيد دوستم خلال لقاء في كابل أبريل 2014 (نيويوك تايمز)
الرئيس أشرف غني في الوسط مع عبد الرشيد دوستم خلال لقاء في كابل أبريل 2014 (نيويوك تايمز)
TT

أفغانستان... جيل الأبناء يسعى لإنهاء حرب أشعلها الآباء

الرئيس أشرف غني في الوسط مع عبد الرشيد دوستم خلال لقاء في كابل أبريل 2014 (نيويوك تايمز)
الرئيس أشرف غني في الوسط مع عبد الرشيد دوستم خلال لقاء في كابل أبريل 2014 (نيويوك تايمز)

هناك على جانبي المفاوضات بين الحكومة الأفغانية و«طالبان» ما يقرب من اثني عشر ابنا لرجال لعبوا أدواراً رئيسية في الصراع السوفياتي في ثمانينات القرن الماضي الذي اتسم بالعنف وخلف خسائر كبيرة على مدار أربعة عقود كاملة.
ومنذ ذلك الحين مات بعض آبائهم بسبب أمراض الشيخوخة، وواصل هم التمرد حتى النهاية. وقد واجه بعضهم حالات قتل أكثر عنفاً جراء تفجيرات انتحارية باتت علامة مميزة على وحشية الحرب، فيما زينت الميداليات والأوسمة صدور الناجين من الصراع الذي تسبب في بؤس الملايين وأصبحوا أغنياء يعيشون في قصور وينعمون بثروات هائلة ومناصب سياسية، لكنهم ما زالوا يلعبون «الغميضة» مع الموت.
قاتل الآباء جنباً إلى جنب لطرد السوفيات قبل أن يوجهوا أسلحتهم ضد بعضهم البعض في ظل فراغ السلطة الذي أعقب ذلك وشنوا حرباً أهلية اتسمت بالفظائع.
الآن يدرك أبناءهم جيداً مفترق الطرق الذي وصلوا إليه فيما يواصل الجيش الأميركي انسحابه مع بقاء محادثات السلام في قطر معلقة في الهواء.
إذا فشلت الأطراف الأفغانية المتحاربة في الاتفاق على صيغة لتقاسم السلطة، فقد تسقط أفغانستان في براثن حرب أهلية جديدة وسيستمر الصراع لجيل آخر في وجود أعداء جدد ورعاة جدد.
في هذا السياق، قالت فاطمة جيلاني، التي كان والدها أحد قادة مجاهدي مقاومة السوفيات عند بداية انزلاق أفغانستان إلى الفوضى: «إذا فقدنا هذه الفرصة فسنفقد أفغانستان. إذا فقدنا هذه الفرصة فسنكون قد خنا شعب أفغانستان. لقد خنا كل طفل وكل امرأة، وفوق كل شيء، خنا الأشخاص الذين ماتوا في هذه الحرب».
وصل جيلاني إلى العاصمة القطرية الدوحة في سبتمبر (أيلول) بوصفه أحد المفاوضين العشرين في الجانب الحكومي في مواجهة طالبان الذين توصلوا إلى اتفاق في فبراير (شباط) بدأ بموجبه الانسحاب العسكري الأميركي. ووصلت جيلاني إلى قطر بعد أسبوع واحد من الجراحة الثالثة لسرطان الحلق، ولا يزال صوتها أجش.
آخر مرة كانت فيها أفغانستان في نقطة انعطاف كهذه في حقبة الثمانينات عندما كان والدها قائداً للمجاهدين ضد السوفيات، وأقنعها بالتخلي عن سعيها للحصول على الدكتوراه لتصبح ناطقة باسم فصائل المجاهدين مع وصول الحرب إلى نهايتها واقتراب السوفيات من الانسحاب.
تبين أن ذلك كان كابوساً لم ينته أبداً حيث قالت: سرعان ما وقف المقاتلون في مواجهة بعضهم البعض، والمتطرفون بينهم الذين لا يرون مكاناً للنساء في الحكومة يفوق عدد الفصائل المعتدلة مثل والدها. أضافت جيلاني، «أنا امرأة تبلغ من العمر 66 عاماً، ولا أستطيع تحمل تبعات التشاؤم. لا بد من العمل بعد أن حصلنا على فرصة أخرى».
على جانب «طالبان» أيضاً هناك العديد من الأطفال أو أقارب قادة الحرب ضد السوفيات. هناك مولوي مطي الحق خالص (60 عاما تقريبا)، ابن الراحل مولوي محمد يونس خالص، أحد منظري المقاومة الرئيسيين. كانت بداية شهرة والده عند زيارته للبيت الأبيض والوقوف إلى جوار الرئيس رونالد ريغان الذي أشاد بالمجاهدين ووصفهم بـ«مقاتلين من أجل الحرية»، فيما دعا خالص الرئيس الأميركي إلى اعتناق الإسلام.
من بين أصحاب اللحى الرمادية على جانب المتمردين من المفاوضات في قطر، هناك شخص غريب الأطوار يبلغ من العمر 26 عاماً فقط طويل القامة ذو عينان رقيقتان لكنه يحمل لقب «حقاني»، الاسم الذي لطالما كان مرادفا للتفجيرات المميتة التي عصفت بالمدن الأفغانية. اسمه أنس حقاني، الابن الأصغر لكبير العائلة، جلال الدين حقاني، الذي كان ذات يوم حليفاً للولايات المتحدة في مواجهة السوفيات، لكنه أسس فيما بعد شبكة حقاني سيئة السمعة التابعة «لطالبان» المصممة على إجبار الأميركيين على الخروج من أفغانستان. أصبح أحد أبنائه الآخرين، سراج الدين، خليفته وهو الآن نائب الزعيم الأعلى لـ«طالبان» والمهندس المركزي لعودة المسلحين.
لكن حتى عندما يمثل «طالبان» على طاولة المفاوضات، أصر أنس حقاني في محادثة شخصية على أنه يريد أن يُنظر إليه بوصفه شاعرا أكثر من أي شيء آخر.
عندما كانت الولايات المتحدة تستعد لغزو أفغانستان في عام 2001 عمدت إلى مطاردة أسامة بن لادن - الذي كانت تربطه علاقات وثيقة مع حقاني الأب يعود تاريخها إلى كفاح المجاهدين - وكان أنس في السابعة من عمره فقط آنذاك. اقترب الأميركيون، إلى جانب الوسطاء الباكستانيين، من حقاني الأب ليرى ما إذا كان سيخون حلفاءه من «طالبان» وبن لادن بالانحياز إليهم مرة أخرى.
ينقل أنس عن والده الذي كان في الستينات من عمره آنذاك، تحذيره للأميركيين قائلا: «حل المشكلة من خلال المحادثات. لكن إذا كنتم قد أتيتم كغزاة، فسأطلق عليكم النار من نفس السلاح الذي قاتلت به السوفيات».
طور حقاني الأب قاعدة واسعة في المناطق القبلية في باكستان جرى بناؤها ودعمها في المنطقة الخارجة عن القانون بأموال وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) التي حصلت عليها أثناء الحرب ضد السوفيات. فقد حقاني أربعة من أبنائه في عمليات اغتيالات وطائرات أميركية من دون طيار وتوفي بسبب أمراض الشيخوخة منذ عامين.
إرثه هو نصف قرن من المقاومة وبنية تحتية كاملة تدرب الأطفال على السعي وراء المجد في القتال ضد القوى الأجنبية المتطفلة. المثال الذي ضربه جاء واضحا ويشعر بالارتياح للوضع الحالي ولسان حاله يقول: يمكن للأصدقاء القدامى أن يصبحوا دائماً أعداء جدداً في حرب أخرى في أفغانستان.
في الذكرى الثانية لوفاته هذا العام، بثت «طالبان» مقطعا مصورا ظهر فيه حقاني الأب يقول: «قد يكون هؤلاء الواقفون على اليمين أضعف من ناحية الأسلحة والمال والعدد، لكن لا يزال بإمكاننا الاستناد إلى الحقيقة وتحطيم الباطل بل وكسر جمجمته». وفيما بدا الرجل واهنا ورأسه ترتجف، لكنه كان لا يزال يرتدي زيه العسكري، اختتم قائلا: «هذه هي الحقيقة التي حطم بها الله جمجمة الأميركيين».
تابع حقاني الأب حديثه عن بحث الولايات المتحدة عن مخرج من أفغانستان قائلا: «إنهم يحاولون تغطية خسائرهم. لكن الغلاف يشبه ارتداء جمل لبنطال، فبعد أن يخطو الجمل أولى خطواته، ستنكشف عورته».
على الجانب الآخر من الطاولة هناك البديل لحقاني الأب، هناك حقاني الابن، أو أبناء الإرث والامتياز الذين يحاولون ترسيخ ما ربحه آباؤهم بالبندقية بعرض صورة أكثر ليونة للسياسة الديمقراطية. وبتعليمات ومستشارين وموارد رفيعة المستوى، وصل هؤلاء الأبناء إلى مناصب وزارية ومقاعد برلمانية. أصغرهم خالد نور البالغ من العمر 25 عاماً الذي حصل على شهادة عسكرية في بريطانيا ودرجة البكالوريوس من الولايات المتحدة. فقد عزز والده، الرجل القوي عطا محمد نور، قبضته جزئيا كواحد من أقوى القوى السياسية في شمال أفغانستان من خلال قيادته لقوات الميليشيات التي اتُهمت بالانتهاكات.
في سن الحادية والثلاثين، ورث بتور دوستم بالفعل قيادة حزب سياسي بناه والده عبد الرشيد دوستم، وهو أحد أشهر رجال الحرب الأهلية، وربما الناجي الأكبر من الصراع الأفغاني.
فبعدما أنهكته اتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان على مدى عقود، أصبح دوستم الأب نصيراً للأقلية الأوزبكية العرقية التي كانت مضطهدة ذات يوم، وترقى إلى منصب نائب رئيس البلاد. لم يتوقف عند هذا الحد، فرغم مواجهته علنا بتهمة الاختطاف والاعتداء الجنسي على خصم سياسي، فقد حصل مؤخراً على رتبة المشير وهي رتبة عسكرية فخرية، لم تمنح سوى لثلاثة فقط في تاريخ البلاد.
يستلزم إرساء السلام كذلك إقرار عملية محاسبة هائلة في أوساط الأفغان، ناهيك من الحاجة إلى التعافي من أجيال سابقة من الدمار، واتخاذ على الأقل قراراً بالتوقف عن إطالة أمد هذا الدمار لأبعد من ذلك.
في هذا السياق، قال باتور دستم: «للأسف اقترفت جميع الأطراف أخطاءً على مدار الأعوام الـ40 الماضية، ومن الواضح أن الجميع باتوا يشعرون بالإرهاق اليوم، الجميع أصبح يرغب في إسكات صوت السلاح فحسب. نحن بحاجة للتعلم من دروس الماضي، ويتعين علينا توخي الحذر في المستقبل كي لا نكرر تلك الأخطاء».
ولدى سؤاله عما يمكنه فعله للمعاونة على التئام الجروح التي ألحقها الطرف الذي ينتمي إليه بآخرين، حاول أنس حقاني - من خلال بيت شعر من جديد - القول إن أسرته تواجه اتهامات تفوق ما اقترفته بالفعل. وأنشد بيت شعر يقول إن الأعمى يخبرني أن وجهي قبيح، والأصم يخبرني أن ما أقوله خطأ.
ومع ذلك، تظل الحقيقة التي لا مفر منها أن الفصيل الذي ينتمي إليه والده، وورثه أبناؤه، يقف خلف بعض أفظع أعمال العنف التي شهدتها الحرب في أفغانستان.
ولدى الضغط عليه، أصر أنس حقاني على أن الفترة التي قضاها في السجن أسهمت في زيادة لين قلبه. وقال إنه عبر شبكات التواصل الاجتماعي لم تعد لديه القدرة على مطالعة صور دموية من الحرب... بغض النظر عن الطرف الذي تنتمي إليه الصور، وسرعان ما يتجاوزها.
وأضاف: «على الصعيد الشخصي، أشعر بالتعاطف تجاه الجميع، إننا بحاجة لفعل كل ما بوسعنا للمعاونة في التئام جروحهم. لقد شاهدت أشقائي وهم ينسفون ويتحولون في لحظة إلى أشلاء. أشعر بالألم لأنني أنا أيضاً فقدت أحباباً لي».

* خدمة «نيويورك تايمز»



«الغارديان» تتوقف عن نشر محتواها على «إكس»: «منصة إعلامية مسمومة»

العلامة التجارية لمنصة «إكس» (أرشيفية - رويترز)
العلامة التجارية لمنصة «إكس» (أرشيفية - رويترز)
TT

«الغارديان» تتوقف عن نشر محتواها على «إكس»: «منصة إعلامية مسمومة»

العلامة التجارية لمنصة «إكس» (أرشيفية - رويترز)
العلامة التجارية لمنصة «إكس» (أرشيفية - رويترز)

أعلنت صحيفة «الغارديان» البريطانية، اليوم (الأربعاء)، عن توقفها عن نشر مقالاتها على حسابها الرسمي في شبكة «إكس» التابعة لإيلون ماسك، واصفة إيّاها بـ«منصّة إعلامية مسمومة»، حيث تنتشر محتويات «غالباً ما تكون مزعجة»، وفق ما أوردته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وجاء في بيان نشر على الموقع الإلكتروني للصحيفة: «نعدّ أن مساوئ النشر على (إكس) باتت الآن تفوق منافعه».

وأردفت «الغارديان» أنه «من الممكن استخدام الموارد استخداماً أفضل مع الترويج لصحافتنا في موقع آخر».

وأوضحت الصحيفة اليسارية الميول التي يتابعها قرابة 11 مليون مستخدم على الشبكة: «هي مسألة كنّا نفكّر فيها منذ فترة نظراً للمحتويات التي غالباً ما تكون مزعجة، المروّج لها أو الموجودة على المنصّة، بما في ذلك نظريات مؤامرة وعنصرية لليمين المتطرّف».

وأشارت إلى أن «حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية أتت لتعزّز قناعة اتّخذناها منذ فترة طويلة ومفادها بأن (إكس) منصّة إعلامية مسمومة، وأن صاحبها إيلون ماسك نجح في استخدام نفوذه لصوغ ملامح الخطاب السياسي».

والأربعاء، كان وما زال من الممكن النفاذ إلى حساب الصحيفة على «إكس»، لكن رسالة أرفقت به للإشارة إلى «أرشفة الحساب» وإعادة توجيه الزوار إلى الموقع الإلكتروني لـ«الغارديان».

ولفتت الصحيفة إلى أنه سيزال في وسع مستخدمي «إكس» تشارك منشوراتها، وأنها ستضمّن مقالاتها «محتويات من (إكس) بين الحين والآخر» نظراً «لطبيعة تغطية المستجدّات مباشرة».

وأوضحت أنه سيزال أيضاً في مقدور مراسليها استخدام الشبكة وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي التي لا حسابات لها فيها.

في عام 2022، اشترى إيلون ماسك، وهو أثرى أثرياء العالم، «إكس» المعروفة سابقاً بـ«تويتر» مقابل 44 مليار دولار، وما أنفكّ مذاك يثير الجدل بالنهج المتّبع لإدارة محتوياتها والقائم على رؤية راديكالية لحرّية التعبير ترفض الرقابة بكلّ أشكالها.

وماسك من كبار داعمي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب وقد استغلّ حسابه الشخصي على الشبكة الذي يتابعه قرابة 205 ملايين متابع لحشد الأصوات للمرشّح الجمهوري.

وأعلن ترمب، أمس، تعيين إيلون ماسك على رأس وزارة جديدة ستستحدث في عهده المقبل لتعزيز كفاءة الحكومة.