سنوات السينما

راي ميلاند ومرغوري رينولدز في «وزارة الخوف»
راي ميلاند ومرغوري رينولدز في «وزارة الخوف»
TT

سنوات السينما

راي ميلاند ومرغوري رينولدز في «وزارة الخوف»
راي ميلاند ومرغوري رينولدز في «وزارة الخوف»

Ministry of Fear
(1944) (جيد)
نازيون في الوزارة البريطانية
تختلف روايات غراهام غرين الجاسوسية عن الروايات المتناسخة والمعهودة في هذا المجال. عوض المغامرة البطولية والفردية وفّر الكاتب الراحل (1904 - 1991) مضموناً إنسانياً لبطله الذي غالباً ما وجد نفسه شريكاً في مؤامرة يتم فيها استخدام جواسيس كحال «الأميركي الهادئ و«رجلنا في هاڤانا» و«هذا المسدس للإيجار»… وكحال هذا الفيلم أيضاً.
«وزارة الخوف» اقتباس قام به المنتج سيتون ميلر الذي كتب السيناريو بنفسه وقبل المخرج الألماني المهاجر إلى الغرب حديثاً، فريتز لانغ (أفلام M وMetropolis وThe Big Heat وعشرات سواها)، بتحقيقه. عندما لاحظ لانغ أن السيناريو لا يعبّر تماماً عن «أفضل ما في الرواية»، كما قال لاحقاً، واقترح قيامه بإعادة كتابته، مانع ميلر بحكم كونه منتجاً للفيلم.
رغم ذلك، «وزارة الخوف» هو جوهرة ثمينة كان يمكن لها أن تكون أفضل تدور حول رجل بخرج من المصحّة النفسية حديثاً اسمه ستيفن (راي ميلاند) يحاول العودة إلى الحياة الطبيعية بالتدريج. يؤم حفلة خيرية في الهواء الطلق، حيث يعتقد البعض أنه الجاسوس الذي سيتم تسليمه فيلماً مهرّباً داخل قالب الحلوى. يحمل القالب متعجباً وغير مدرك لما فيه ويستقل القطار إلى لندن التي تضربها آنذاك الطائرات النازية في كل ليلة. رجل يدّعي العمى يدخل الكابينة وعندما يستدير ستيفن لبعض شؤونه يضربه الرجل على رأسه بعكازه ويخطف الحلوى كون عصبة الجواسيس أدركت الخطأ الذي ارتكبته.
في لندن يتعرّف على المهاجرة النمساوية كارلا (مارجوري رينولدز) وشقيقها ويلي (كارل إزموند) الذي يدعوه لحضور حفلة تحضير أرواح. هناك يُتهم ستيفن بقتل رجل من الحاضرين ليكتشف ستيفن بأنه غير مطلوب من العدالة، بل من العصابة النازية التي ما زالت تحاول قتله.
يبدأ الفيلم أفضل مما ينتهي به ولسبب مهم: بداية الفيلم فيها غموض وخيال. إنها أشبه بتسجيل موجز وموحي لرجل يحلم. كل ما يقع له في غضون الخمس عشرة دقيقة الأولى (عقرب ساعة الحائط الذي يتخيّله وتعرّفه للعالم من جديد والحفلة الغامضة وخيمها وقارئة الطالع ثم دخول الأعمى - المبصر الكابينة وسرقة الحلوى قبل انفجار البيت الذي لجأ إليه) مُحاكة بطيف من السحر كما لو كانت حلماً. بعد ذلك يُعالج لانغ الأحداث متجاهلاً تلك الميزة ما يحوّل الفيلم إلى فيلم تشويقي بحت.
يقصد العنوان «وزارة الأمن القومي» التي كانت تقوم بالإشراف على كل شؤون الجبهة الداخلية خلال الحرب العالمية الثانية. ليس أنه يشبّهها بوكر المخاوف، بل يكشف عن أن بعض من وثقت بهم من اللاجئين الألمان ليسوا سوى جواسيس يعملون لصالح النازيين.
من ناحية أخرى، يحمل الفيلم مضموناً مثيراً للاهتمام. ستيفن كان قد دخل المصحة للعلاج من حادثة اضطر فيها لقتل زوجته التي أحب بعدما طلبت منه ذلك بسبب مرضها والآلام المبرحة التي كانت تعاني منها. لاحقاً، يشهر ويلي مسدّساً مهدداً حياة شقيقته كارلا، وحياة ستيفن بعدما كشف الثاني أنه جزء من العصبة الجاسوسية. يسأله ستيفن: «هل ستقتل شقيقتك؟» يجيبه ويلي «لمَ لا؟ لقد قتلت أنت زوجتك». ما بين النقطتين الماثلتين خط نفسي صارم يبقى خفياً أكثر مما يظهر بوضوح.
في الأربعينات حفلت أفلام ألفرد هيتشكوك البريطانية بأفلام جاسوسية مشابهة من حيث تمحورها حول الفترة الزمنية التي يعالجها هذا الفيلم، ومن حيث بطولة المتهم البريء الذي يخشى أن يُتهم بجريمة لم يرتكبها. المقارنة بين أي من هذه الأفلام (لنقل Saboteur) وبين فيلم فريتز لانغ هذا تميل لصالح الأول بسبب الكيفية التي عالج بها هيتشكوك الغموض وعنصر التشويق. في «وزارة الخوف» يسرد الفيلم مفارقاته عبر تراص التفاصيل، مما يُثقل العمل بعدما تحوّل من طرح الغموض والخيال إلى سرد الحكاية. لكنه يبقى فيلماً متماسكاً وأكثر من مجرد فيلم تشويقي إذا ما انتبه المُشاهد إلى تفاصيله.


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
TT

شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)

معطراً بالنعناع ★★☆

رسائل شفهية في عتمة الأماكن

فيلم محمد حمدي الأول مختلف جداً عن أي فيلم مصري (أو عربي) حٌقّق في تاريخ السينما العربية. الاختلاف بحد ذاته لا يمنح الفيلم درجة التقييم. من الممكن أن يكون مختلفاً وبديعاً أو مختلفاً ورديئاً وهو أقرب إلى التصنيف الثاني. فيلم داكن في الصورة وفي الذوات البشرية التي تسكنه. يجد المخرج لها مبررات مناسبة. هذا لأن أبطاله يتقدمهم دكتور محبط (علاء الدين حمادة)، يعيشون حالات من الكآبة المطلقة تزداد عبثاً مع تناولهم الحشيشة طوال الوقت. أي نحو 90 دقيقة من مدة عرض الفيلم (التي تبلغ 113 دقيقة). وعوض استمتاعهم بهذه «السلطنة» تبقى أدمغتهم واعية وقادرة على الحديث في مسائل وجودية وسياسية (على الخفيف) مع قليل من الشّعر وكثير من الذكريات التي تتشابك بحيث لا تتضح لها زاوية فعلية تنطلق منها أو تعود إليها.

في دقائقه الـ10 الأولى يؤسّس أسلوب عمله من حالات شخصية وتصوير (قام به بنفسه) وإيقاع. هذا الإيقاع خافت باستمرار والمُشاهد عليه أن يفتح أذنيه جيداً ليتمكّن من التقاط الكلمات المتبادلة. هذا لأن الإيقاع الخافت يشمل كذلك الأداء والتلقين وتشخيص الحالات. الدكتور وأصحابه (من ثلاثة لأربعة حسب المشاهد) يركضون في الظلمة مثل جرذان هاربة من مطاردين (لا نعرفهم) ويأوون دوماً إلى خرابات تضمّهم بعتمتها أو إلى شِقق هي بدورها تبدو كخرابات كلّ شيء فيها قديم وباهت. حتى في ساعات النهار فإن النور مبتسر تأكيداً أو ترميزاً للحالة التي يمر بها أشخاص الفيلم.

الصورة، على الرغم من سوداويتها، هي أهم وأفضل من الموضوع المطروح. صحيح أن رجال الفيلم يتعاطون، لجانب الحشيش، مسائل تهمّهم، لكن ليس كل ما يهم شخصية ما في فيلم ما يهم المشاهدين. بالضرورة. لذا تنحصر الحسنات في الصورة. بينما تمرّ المَشاهد بإيقاع خافت ورتيب، مما يحدّ كثيراً من قدرة الفيلم على التواصل مع مشاهديه.

* عروض حالياً في مهرجان مراكش

Maria ★★★

العمق العاطفي لماريا كالاس

«ماريا» هو ثالث فيلم بيوغرافي ينجزه المخرج التشيلي بابلو لاراين (حسب اللفظ الأسباني) بعد (Jackie) «جاكي»، 2016 و(Spencer) «سبنسر»2021. مثل سابقيه هو فيلم عن امرأة ومثلهما هو عن شخصية حقيقية هي مغنية الأوبرا ماريا كالاس (هناك حفنة أفلام عنها أهمها «Maria By Callas» لتوم وولف، 2017) إلى جانب فيلم إيطالي آخر في التحضير بعنوان «Maria‪/‬Callas» لروبرت دورنهلم.

«ماريا» (ذِ أبارتمنت)

معالجة لاراين تختلف كونها متّصلة بالكيفية التي يحاول فيها تقديم رؤيته لشخصياته فهو يسعى دائماً إلى التقاط العمق العاطفي أكثر مما يهتم لسرد السيرة حكائياً. على ذلك، «ماريا» كما يقدّمه هنا يبقى على السطح أكثر من الدخول في عمق شخصيّته. ما يشغله في سرد الأيام الأخيرة من حياة بطلته هو التصاميم الفنية والديكوراتية وتحريك الكاميرا عبرها وهذا جيد لولا إنه يأتي على حساب تحديدٍ أفضل لمن هي ماريا كالاس.

يسرد الفيلم أحداثها الأخيرة وبعض مواقفها الشخصية والفنية لكن الحكاية يمكن لها أن تكون عن أي شخصية لمغنية وإن كانت خيالية. بطبيعة الحال، وكما بات مألوفاً، يعمد المخرج إلى مشاهد استرجاعية (الفلاشباك) بالأبيض والأسود لكن أهم عنصر في هذه الدراما هي محاولة ماريا التغلّب على ذكرياتها مع أرسطو أوناسيس (الذي تركها للزواج من جاكي كينيدي، شخصية فيلم لوراين السابق).

* عروض حالياً في مهرجان البحر الأحمر

TROIS AMIES ★⭐︎

حوارات ومشاهد تُراوح مكانها

لا يبتعد المخرج موريه في فيلمه «ثلاث صديقات» عن التيمة التي اختارها سابقاً لمعظم ما حقّقه من أفلام مثل «تغيير عنوان» (Changement d'adresse) 2007، و«هل نُقبّل» (Shall We Kiss) 2007، و«الأشياء التي نقولها، الأشياء التي نفعلها» (Les Choses qu'on dit, les Choses qu'on fait) 2020. التيمة المذكورة لا تخرج عن نطاق تداول وتناول العلاقات المتأرجحة ما بين الحب والجنس، أو الحب من دون جنس أو العكس.

«ثلاث صديقات» (موبي دَك فيلمز)

القصّة في عنوانها: 3 صديقات جوان (إنديا هير)، ريبيكا (سارا فورستييه) وأليس (كامل كوتان) والعديد من الحكايات السابقة (تشعر جوان إنها مسؤولة عن موت حبيبها السابق إريك لأنها تركته)، وفي الحكايات الحاضرة يتداولن التجارب التي مررن بها مع آخرين. لا الأحداث مهمّة ولا الحوار (يمتد بلا نهاية) يعني كثيراً. كل ذلك يَرِد مثل قراءة صفحة واحدة من مجلة إشاعات ومن دون لمسات فنية تذكر. بدورها كل لقطة تشبه، تأسيساً وإدارة. ما يسبقها وما يليها.

* عروض: حالياً في صالات فرنسية

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز