المطاعم المحيطة بمرفأ بيروت تحاول نفض الغبار والعودة إلى الحياة

أحد مطاعم المنطقة أعاد فتح أبوابه (تصوير: نبيل إسماعيل)
أحد مطاعم المنطقة أعاد فتح أبوابه (تصوير: نبيل إسماعيل)
TT
20

المطاعم المحيطة بمرفأ بيروت تحاول نفض الغبار والعودة إلى الحياة

أحد مطاعم المنطقة أعاد فتح أبوابه (تصوير: نبيل إسماعيل)
أحد مطاعم المنطقة أعاد فتح أبوابه (تصوير: نبيل إسماعيل)

لا يمكن للمارّ بمنطقة مار مخايل - الجميزة التي تضررت نتيجة الانفجار في مرفأ بيروت، إلا أن يلاحظ إصرارها على محاولة العودة إلى الحياة، فهذه المنطقة التي تحولت إلى شوارع منكوبة جرّاء الانفجار، بدأت تستعيد أنفاسها، فبعض مقاهيها ومطاعمها واستراحاتها المنتشرة في أحيائها والتي كانت مقصداً لعدد كبير من اللبنانيين، فتحت أبوابها للزبائن حتى قبل الانتهاء من أعمال الصيانة.
صحيح أن عدد المطاعم والمقاهي التي عادت إلى العمل في هذا الشارع الذي كان لا يهدأ، ليس كبيراً، لكنها تبدو واضحة بين ورشات العمل، تستقبل الزبائن وتعطي أملاً ولو «بالموجود»؛ كما يقول ريمون، الموظف في أحد المقاهي، مضيفاً في حديث مع «الشرق الأوسط»: «لا أعرف إن كان سيعود الشارع إلى سابق عهده، ولكنني أذكر كيف تناوب أصحاب المقاهي والمطاعم والمحال هنا منذ الليلة الأولى التي تلت الانفجار على حراسة ما تبقى من أملاكهم خوفاً من السرقة... أكثرنا رمم ما يستطيع على نفقته بانتظار تعويضات الحكومة لإكمال الباقي. لا نريد للشارع أن يموت. موته يعني موت مصدر رزقنا».
بعض المحال عاد إلى العمل حتى قبل مرور أسبوع على الانفجار تماماً كالمطعم والمقهى الذي يملكه سعيد الملا في وسط الجميزة، والذي فتح أبوابه للزبائن بعد 5 أيام من الانفجار... «لم يكن هناك باب خارجي بعد أو واجهة، قرّرت أن أعود سريعاً إلى العمل. امتلأ المحل ولم أكن أعرف من أين أتى هؤلاء الناس»؛ يقول الملا في حديث مع «الشرق الأوسط»، مضيفاً أن شعوراً غريباً انتابه أراد معه العودة إلى العمل، ولكنّه كان يعرف أن شيئاً تغيّر، فهو مثلاً لم يستطع حتى وضع موسيقى في المحل لشهر كامل بعد الانفجار.
لا ينكر سعيد أن العمل في المؤسسات السياحية، لا سيما المطاعم والمقاهي، لم يكن في أحسن حال، فهذا القطاع ومنذ بداية العام يعيش نكسات متتالية وصلت إلى قمّتها بعد انتشار وباء «كورونا»، ومن ثم أتى الانفجار «فزاد الطين بلّة»؛ حسب تعبيره، ولكنّه اعتاد الاستمرار والخروج من الأزمات.
وإعادة فتح المحل لا تتعلّق فقط بالجانب الاقتصادي، فالموضوع بالنسبة لسعيد «حاجة الوجود في شارع اعتاد العمل فيه» ورفضه أن يرى الشارع، الذي لم يكن يوماً إلا مليئاً بالحياة، شارعاً ميتاً منكوباً، لذلك يساهم بعودة الحياة إليه، ليس فقط من خلال إعادة فتح المحل؛ بل أيضاً من خلال تقديم مطبخه مجاناً لتحضير طعام تقوم إحدى الجمعيات بتوزيعه بشكل يومي على المتطوعين أو المنكوبين.
ليس بعيداً من محل سعيد مقهى آخر فتح أبوابه منذ نحو أسبوعين، يجلس إلى طاولاته بضعة زبائن بالكاد تستطيع أن تلمحهم من الخارج بسبب دعائم الحديد التي تسند المبنى المتضرر بشكل كبير جراء الانفجار.
مشهد المقهى الذي يفتح أبوابه وهو مدعّم بالحديد ولم تنته بعد فيه أعمال الصيانة ليس استثناء، فخلال السير في الشارع الأساسي الذي اعتاد قبل الانفجار الزحمة بسبب عدد الاستراحات والمطاعم والمقاهي فيه، قد ترى مطعماً أو مقهى يستقبل الزبائن من دون شبابيك أو أبواب، وآخر يكتفي بعدد من الكراسي التي لم يلحق بها الضرر أو التي استطاع تأمينها مؤقتاً حتى تصل إليه التعويضات.
لا يستطيع نبيل صاحب المقهى الصغير إصلاح كلّ الضرر، فهو ينتظر التعويضات التي على ما يبدو لم يحصل عليها أحد من أصحاب المؤسسات السياحية حتى اللحظة في هذه المنطقة؛ إذ يكرر كل من التقيناهم القصة نفسها عن عشرات الجمعيات والجهات التي جاءت وقامت بمسح للأضرار، ولكن أياً منها لم يعد لدفع التعويضات. ولا يعدّ نبيل أن إعادة فتح محله كانت قراراً، فهو لا يملك كثيراً من الخيارات غير الاستمرار في العمل، مع الإشارة إلى أن المقهى وغيره من محال المنطقة بدأت تشهد حركة قد تنبئ بعودة قريبة للحياة.
وحسب مسح ميداني قامت به وزارة السياحة للمؤسسات المتضررة جراء الانفجار بمختلف المناطق في بيروت، يوضح أن نسبة المؤسسات المتضررة التي تقدّم الطعام والشراب بلغت 67 في المائة، ونسبة مؤسسات الإقامة المتضررة 17 في المائة من المجموع، ونسبة الوكالات السياحية المتضررة 16 في المائة. وبلغت نسبة المؤسسات التي لحقت بها أضرار خفيفة 33 في المائة، ونسبة المؤسسات التي لحقت بها أضرار متوسطة 37 في المائة، أما المؤسسات التي لحقت بها أضرار كبيرة فبلغت نسبتها 25 في المائة. وسجلت منطقة الأشرفية أكبر عدد من المؤسسات المتضررة (من كل الدرجات)، كما سّجلت منطقة المدور أعلى نسبة «درجة أضرار كبيرة»، تليها الرميل، ثم الصيفي، ثم مار مخايل.
معظم المقاهي أو المطاعم التي عادت إلى العمل كانت تلك التي لم تصل أضرارها إلى حدّ تهدّم المبنى أو جزء منه، كما حصل مع أحد أشهر المطاعم في منطقة الجميزة مطعم «أم نزيه» الذي لا يعرف صاحبه ويليام مكلنهان إن كان سيعيد افتتاحه أم لا.
«أريد أن أعيد المطعم إلى الحياة، ولكن إذا تحسن الوضع السياسي ووضع البلد، أتابع الموضوع ولكن لا أعرف حتى اللحظة إن كنت أستطيع الإقدام على هذه الخطوة. لا أريد أن أصل إلى النتيجة نفسها مرة أخرى» يقول ويليام، مضيفاً في حديث مع «الشرق الأوسط»: «حتى إذا تحسّن الوضع، فأنا لا أستطيع إعادة فتحه وحدي. أحاول أن أجد تمويلاً، فالدمار كبير جداً. هناك مبنى كامل تهدّم وآخر متصدّع».
أما ماك، وهو الأميركي الذي جاء واستثمر في لبنان، فلا يشعر بالندم، ويقول إنه لو عادت به الأيام لعاد واستثمر في المكان نفسه، ولكنه يؤكد أنه عندما افتتح المشروع عام 2010 كان صغيراً ولم يكن يعرف «مدى عمق الفساد في لبنان وكيف يمكن أن يؤثر على حياة الناس إلى هذه الدرجة».



تكتُّم حوثي على الخسائر وتكثيف أميركي للضربات

مقاتلة أميركية تنطلق من على متن حاملة طائرات لضرب الحوثيين في اليمن (أ.ب)
مقاتلة أميركية تنطلق من على متن حاملة طائرات لضرب الحوثيين في اليمن (أ.ب)
TT
20

تكتُّم حوثي على الخسائر وتكثيف أميركي للضربات

مقاتلة أميركية تنطلق من على متن حاملة طائرات لضرب الحوثيين في اليمن (أ.ب)
مقاتلة أميركية تنطلق من على متن حاملة طائرات لضرب الحوثيين في اليمن (أ.ب)

في مستهل الأسبوع الثالث من الحملة الأميركية التي أمر بها الرئيس دونالد ترمب ضد الحوثيين، ضربت عشرات الغارات، ليل الجمعة- السبت، مواقع وثكنات محصنة ومستودعات أسلحة مفترضة في صنعاء والجوف وفي صعدة؛ حيث المعقل الرئيسي للجماعة، ضمن منحى تصاعدي للغارات التي طالت حتى الآن معظم المحافظات المختطفة في شمالي اليمن.

ومع اختفاء البيانات العسكرية الحوثية خلال اليومين الأخيرين، بخصوص تبنِّي هجمات جديدة ضد إسرائيل والقوات الأميركية في البحر الأحمر، لا تزال الجماعة المدعومة من إيران تتكتم على حجم خسائرها جرَّاء الغارات التي بلغت نحو 230 غارة جوية وبحرية خلال أسبوعين.

واعترف الإعلام الحوثي بتلقي 14 غارة على محيط مدينة صعدة، وبغارتين على مديرية سحار في محافظة صعدة، وادعت أن إحدى الغارات في محيط المدينة أدت إلى مقتل شخص وإصابة 4 آخرين بعد أن ضربت إحدى المزارع.

وفي محافظة الجوف (شمال شرقي صنعاء) أقرت الجماعة الحوثية باستقبال 8 غارات ضربت مواقع الجماعة في مديرية الحزم؛ حيث مركز المحافظة، دون الحديث عن الأضرار والخسائر.

أما في صنعاء، فقد استهدفت 8 غارات معسكر السواد في جنوبي المدينة؛ حيث يعتقد أن الضربات استهدفت مستودعات للأسلحة وثكنات ومخابئ للقيادة والسيطرة.

وفي حين لم يتحدث الجيش الأميركي عن طبيعة الأهداف المقصوفة ولا عدد الغارات، جاءت هذه الضربات بعد 44 غارة استهدفت صنعاء و5 محافظات يمنية، في ليل الخميس- الجمعة.

وتضاف الضربات إلى نحو ألف غارة وضربة بحرية أميركية وبريطانية استقبلتها الجماعة الحوثية في عهد الرئيس الأميركي جو بايدن، دون أن يحدَّ ذلك من قدرتها على الهجمات في البحر وباتجاه إسرائيل.

وكان ترمب قد أمر الجيش بتنفيذ حملة بدأت في 15 مارس (آذار) الحالي، ضد الحوثيين المدعومين من إيران، لإرغامهم على التوقف عن تهديد الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، وتوعدهم بـ«القوة المميتة» وبـ«القضاء عليهم تماماً»، دون تحديد سقف زمني لانتهاء الحملة.

وبينما تزعم الجماعة أنها تساند الفلسطينيين في غزة، كانت قد استأنفت هجماتها الصاروخية باتجاه إسرائيل منذ 17 مارس الحالي؛ حيث أطلقت نحو 9 صواريخ باليستية أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراضها جميعها دون أضرار.

لا نتائج حاسمة

وعلى الرغم من تصريحات إدارة ترمب بأن هذه الحملة ستكون مختلفة عما كانت عليه الحال في عهد إدارة بايدن، فلا تتوقع الحكومة اليمنية ولا المراقبون العسكريون نتائج حاسمة ضد الحوثيين، بسبب عدم وجود قوة على الأرض يمكنها إنهاء تهديد الجماعة بشكل نهائي.

ويرى مجلس القيادة الرئاسي اليمني أن الحل ليس في الضربات الأميركية لإنهاء التهديد الحوثي، وإنما في دعم القوات الحكومية على الأرض، وتمكينها من تحرير الحديدة وموانيها، وصولاً إلى صنعاء وصعدة، لاستعادة المؤسسات، وإنهاء الانقلاب على الشرعية.

الحوثيون يشيِّعون في صنعاء أحد عناصرهم القتلى (أ.ب)
الحوثيون يشيِّعون في صنعاء أحد عناصرهم القتلى (أ.ب)

ومنذ عودة الجماعة الحوثية للتصعيد، تبنَّت إطلاق 9 صواريخ باليستية باتجاه إسرائيل، كما تبنت مهاجمة القطع العسكرية الأميركية في شمالي البحر الأحمر، بما فيها حاملة الطائرات «ترومان» نحو 10 مرات، دون دلائل عن تأثير هذه الهجمات.

وبعد دخول الهدنة بين إسرائيل وحركة «حماس» حيز التنفيذ في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، أعلنت الجماعة التوقف عن هجماتها البحرية ونحو إسرائيل، قبل أن تقفز مجدداً للانخراط في الصراع مع تعثر المرحلة الثانية من الهدنة.

وتقول الحكومة اليمنية إن هجمات الجماعة الحوثية لا تساند الفلسطينيين؛ بل تضرهم أكثر، متهمة إياها بتنفيذ أجندة إيران في المنطقة، والتهرب من استحقاقات السلام المتعثر.

ودخل الحوثيون على خط التصعيد بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وأطلقوا نحو 200 صاروخ وطائرة مُسيَّرة تجاه إسرائيل، دون أن يكون لها أي تأثير عسكري، باستثناء مقتل شخص واحد في 19 يونيو (حزيران) الماضي، حينما انفجرت مُسيَّرة بإحدى الشقق في تل أبيب.

وتبنَّت الجماعة منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، حتى بدء هدنة غزة، مهاجمة 211 سفينة، وأدَّت الهجمات إلى غرق سفينتين، وقرصنة السفينة «غالاكسي ليدر»، ومقتل 4 بحارة.