المطاعم المحيطة بمرفأ بيروت تحاول نفض الغبار والعودة إلى الحياة

أحد مطاعم المنطقة أعاد فتح أبوابه (تصوير: نبيل إسماعيل)
أحد مطاعم المنطقة أعاد فتح أبوابه (تصوير: نبيل إسماعيل)
TT

المطاعم المحيطة بمرفأ بيروت تحاول نفض الغبار والعودة إلى الحياة

أحد مطاعم المنطقة أعاد فتح أبوابه (تصوير: نبيل إسماعيل)
أحد مطاعم المنطقة أعاد فتح أبوابه (تصوير: نبيل إسماعيل)

لا يمكن للمارّ بمنطقة مار مخايل - الجميزة التي تضررت نتيجة الانفجار في مرفأ بيروت، إلا أن يلاحظ إصرارها على محاولة العودة إلى الحياة، فهذه المنطقة التي تحولت إلى شوارع منكوبة جرّاء الانفجار، بدأت تستعيد أنفاسها، فبعض مقاهيها ومطاعمها واستراحاتها المنتشرة في أحيائها والتي كانت مقصداً لعدد كبير من اللبنانيين، فتحت أبوابها للزبائن حتى قبل الانتهاء من أعمال الصيانة.
صحيح أن عدد المطاعم والمقاهي التي عادت إلى العمل في هذا الشارع الذي كان لا يهدأ، ليس كبيراً، لكنها تبدو واضحة بين ورشات العمل، تستقبل الزبائن وتعطي أملاً ولو «بالموجود»؛ كما يقول ريمون، الموظف في أحد المقاهي، مضيفاً في حديث مع «الشرق الأوسط»: «لا أعرف إن كان سيعود الشارع إلى سابق عهده، ولكنني أذكر كيف تناوب أصحاب المقاهي والمطاعم والمحال هنا منذ الليلة الأولى التي تلت الانفجار على حراسة ما تبقى من أملاكهم خوفاً من السرقة... أكثرنا رمم ما يستطيع على نفقته بانتظار تعويضات الحكومة لإكمال الباقي. لا نريد للشارع أن يموت. موته يعني موت مصدر رزقنا».
بعض المحال عاد إلى العمل حتى قبل مرور أسبوع على الانفجار تماماً كالمطعم والمقهى الذي يملكه سعيد الملا في وسط الجميزة، والذي فتح أبوابه للزبائن بعد 5 أيام من الانفجار... «لم يكن هناك باب خارجي بعد أو واجهة، قرّرت أن أعود سريعاً إلى العمل. امتلأ المحل ولم أكن أعرف من أين أتى هؤلاء الناس»؛ يقول الملا في حديث مع «الشرق الأوسط»، مضيفاً أن شعوراً غريباً انتابه أراد معه العودة إلى العمل، ولكنّه كان يعرف أن شيئاً تغيّر، فهو مثلاً لم يستطع حتى وضع موسيقى في المحل لشهر كامل بعد الانفجار.
لا ينكر سعيد أن العمل في المؤسسات السياحية، لا سيما المطاعم والمقاهي، لم يكن في أحسن حال، فهذا القطاع ومنذ بداية العام يعيش نكسات متتالية وصلت إلى قمّتها بعد انتشار وباء «كورونا»، ومن ثم أتى الانفجار «فزاد الطين بلّة»؛ حسب تعبيره، ولكنّه اعتاد الاستمرار والخروج من الأزمات.
وإعادة فتح المحل لا تتعلّق فقط بالجانب الاقتصادي، فالموضوع بالنسبة لسعيد «حاجة الوجود في شارع اعتاد العمل فيه» ورفضه أن يرى الشارع، الذي لم يكن يوماً إلا مليئاً بالحياة، شارعاً ميتاً منكوباً، لذلك يساهم بعودة الحياة إليه، ليس فقط من خلال إعادة فتح المحل؛ بل أيضاً من خلال تقديم مطبخه مجاناً لتحضير طعام تقوم إحدى الجمعيات بتوزيعه بشكل يومي على المتطوعين أو المنكوبين.
ليس بعيداً من محل سعيد مقهى آخر فتح أبوابه منذ نحو أسبوعين، يجلس إلى طاولاته بضعة زبائن بالكاد تستطيع أن تلمحهم من الخارج بسبب دعائم الحديد التي تسند المبنى المتضرر بشكل كبير جراء الانفجار.
مشهد المقهى الذي يفتح أبوابه وهو مدعّم بالحديد ولم تنته بعد فيه أعمال الصيانة ليس استثناء، فخلال السير في الشارع الأساسي الذي اعتاد قبل الانفجار الزحمة بسبب عدد الاستراحات والمطاعم والمقاهي فيه، قد ترى مطعماً أو مقهى يستقبل الزبائن من دون شبابيك أو أبواب، وآخر يكتفي بعدد من الكراسي التي لم يلحق بها الضرر أو التي استطاع تأمينها مؤقتاً حتى تصل إليه التعويضات.
لا يستطيع نبيل صاحب المقهى الصغير إصلاح كلّ الضرر، فهو ينتظر التعويضات التي على ما يبدو لم يحصل عليها أحد من أصحاب المؤسسات السياحية حتى اللحظة في هذه المنطقة؛ إذ يكرر كل من التقيناهم القصة نفسها عن عشرات الجمعيات والجهات التي جاءت وقامت بمسح للأضرار، ولكن أياً منها لم يعد لدفع التعويضات. ولا يعدّ نبيل أن إعادة فتح محله كانت قراراً، فهو لا يملك كثيراً من الخيارات غير الاستمرار في العمل، مع الإشارة إلى أن المقهى وغيره من محال المنطقة بدأت تشهد حركة قد تنبئ بعودة قريبة للحياة.
وحسب مسح ميداني قامت به وزارة السياحة للمؤسسات المتضررة جراء الانفجار بمختلف المناطق في بيروت، يوضح أن نسبة المؤسسات المتضررة التي تقدّم الطعام والشراب بلغت 67 في المائة، ونسبة مؤسسات الإقامة المتضررة 17 في المائة من المجموع، ونسبة الوكالات السياحية المتضررة 16 في المائة. وبلغت نسبة المؤسسات التي لحقت بها أضرار خفيفة 33 في المائة، ونسبة المؤسسات التي لحقت بها أضرار متوسطة 37 في المائة، أما المؤسسات التي لحقت بها أضرار كبيرة فبلغت نسبتها 25 في المائة. وسجلت منطقة الأشرفية أكبر عدد من المؤسسات المتضررة (من كل الدرجات)، كما سّجلت منطقة المدور أعلى نسبة «درجة أضرار كبيرة»، تليها الرميل، ثم الصيفي، ثم مار مخايل.
معظم المقاهي أو المطاعم التي عادت إلى العمل كانت تلك التي لم تصل أضرارها إلى حدّ تهدّم المبنى أو جزء منه، كما حصل مع أحد أشهر المطاعم في منطقة الجميزة مطعم «أم نزيه» الذي لا يعرف صاحبه ويليام مكلنهان إن كان سيعيد افتتاحه أم لا.
«أريد أن أعيد المطعم إلى الحياة، ولكن إذا تحسن الوضع السياسي ووضع البلد، أتابع الموضوع ولكن لا أعرف حتى اللحظة إن كنت أستطيع الإقدام على هذه الخطوة. لا أريد أن أصل إلى النتيجة نفسها مرة أخرى» يقول ويليام، مضيفاً في حديث مع «الشرق الأوسط»: «حتى إذا تحسّن الوضع، فأنا لا أستطيع إعادة فتحه وحدي. أحاول أن أجد تمويلاً، فالدمار كبير جداً. هناك مبنى كامل تهدّم وآخر متصدّع».
أما ماك، وهو الأميركي الذي جاء واستثمر في لبنان، فلا يشعر بالندم، ويقول إنه لو عادت به الأيام لعاد واستثمر في المكان نفسه، ولكنه يؤكد أنه عندما افتتح المشروع عام 2010 كان صغيراً ولم يكن يعرف «مدى عمق الفساد في لبنان وكيف يمكن أن يؤثر على حياة الناس إلى هذه الدرجة».



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».