استمرار التوتر في بعلبك بين عشيرتين شيعيتين على خلفيات ثأرية

استعراضات مسلحة وقطع للطرقات وغياب أجهزة الدولة

TT

استمرار التوتر في بعلبك بين عشيرتين شيعيتين على خلفيات ثأرية

لا يزال التوتر يسيطر على منطقة بعلبك (شمال شرقي لبنان) على أثر مقتل الشاب محمد شمص على يد مجموعة مسلحة من آل جعفر بسبب حسابات ثأرية بين اثنتين من كبرى عشائر المنطقة، وشهدت المدينة وقرى قضاء بعلبك أمس توترات أمنية واستعراضات مسلحة بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، كما نقل بعض سكان المنطقة قيام شبان من آل جعفر بإقفال الطريق حاملين الرشاشات والقذائف الصاروخية.
وتعود جذور حادثة قتل محمد شمص التي حصلت يوم الأحد الماضي إلى عام 2017 حسبما يشرح مختار منطقة بوداي سليمان شمص، وذلك يوم قُتل شخص من آل جعفر وسط مدينة بعلبك على يد أخوين من آل شمص تم تسليم أحدهما إلى السلطات الأمنية (علاء) وهو لا يزال في السجن، بينما أُلقي القبض على الآخر (عباس) أثناء زيارته أخيه في السجن؛ إذ تبيّن أن هناك دعوى مقدّمة ضدّه. بعد هذا الحادث أعطي محمد؛ وهو الأخ الثالث لعلاء وعباس، الأمان من قبل آل جعفر؛ وهو ما يُعدّ حسب عادات العشائر تعهداً بعدم الثأر منه.
ويضيف المختار في حديث مع «الشرق الأوسط» أن «عباس خرج من السجن قبل أيام، ولمّا لم يستطع آل جعفر الوصول إليه للثأر، قتلوا أخاه محمد أثناء وجوده في محله في مدينة بعلبك»، مشيراً إلى أن محمد «لا علاقة له أصلاً بحادثة القتل التي حصلت منذ 3 سنوات؛ إذ كان حينها في بيروت».
ويؤكد المختار سليمان شمص أن «التوتّر لا يزال منضبطاً حتّى اللحظة»، موضحاً أن هناك محاولات لاحتواء المشكلة عبر تدخل عشائر المنطقة. أمّا فيما خصّ تدخل الأحزاب السياسية المسيطرة في المنطقة؛ وتحديداً «حركة أمل» و«حزب الله»؛ فقد أكّد شمص أنّه لم يحصل حتّى اللحظة، وأن الأمر مقتصر على العائلات والعشائر «حتى لا تتسع رقعة الخلاف».
وعدّ شمص أن المطلوب حالياً من آل جعفر تسليم القاتل، مؤكداً أن البيان الذي صدر عن آل جعفر غير كاف. وشدّد شمص على ضرورة وجود الدولة في المنطقة وأن تقوم بدورها حتى لا تتكرّر مثل هذه الحوادث.
وكان بيان صدر باسم عشيرة آل جعفر أسف لما حصل بين «عشيرتي جعفر وشمص». وجاء في البيان أن آل جعفر يعولون على «حكمة عشيرة آل شمص وفعاليات المنطقة والجهات السياسية لوضع حد لما حصل»، وأنهم مستعدون «للتجاوب مع أي مسعى يؤدي لإنهاء ما حصل».
من جهة أخرى، يقول أحد الأشخاص من آل جعفر والمطلع على المساعي التي تُبذل في إطار الحلحلة بين العشيرتين، إن آل شمص «لم يعلنوا بعد بشكل رسمي عن مطالبهم، وعندما يعلنون يُبنى على الشيء مقتضاه». وأوضح أن «هناك مساعي من قبل العشائر لمنع تدهور الوضع، لا سيما أمنياً»، ولم يستبعد حصول إشكالات مسلحة، لا سيما في ظل غياب الدولة.
- مسيرات مسلحة وسط غياب تام للدولة
ويتحدّث سكان المنطقة عن ساعات من الرعب عاشوها بعد حادثة القتل؛ إذ توجّهت مجموعات من آل جعفر إلى حي الشراونة؛ أحد أحياء مدينة بعلبك، واحتفلوا بأخذهم الثأر مطلقين الرصاص والقذائف النارية والصاروخية، كما انتشرت تسجيلات مصوّرة تُظهر مسلحين من آل شمص يجوبون مدينة بعلبك وسط غياب تام للأجهزة الأمنية اللبنانية.
ويقول أحد سكان المنطقة من آل شمص إن «غياب الدولة بات أمراً طبيعياً في مثل هذه الحوادث، فعادة ما يُحلّ الوضع في إطار العشائر وعبر تدخلات حزبية للجهات المسيطرة في المنطقة (حزب الله وحركة أمل)؛ لأن أي تدخل من دون تنسيق مع العشائر فقد يؤدي إلى إشكالات أمنية أوسع».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.