الصراعات تدمي الليرة التركية وشكوك في البيانات الرسمية

واصلت الليرة التركية مسارها المتهاوي وسط تصعيد جيوسياسي متعدد المحاور (إ.ب.أ)
واصلت الليرة التركية مسارها المتهاوي وسط تصعيد جيوسياسي متعدد المحاور (إ.ب.أ)
TT

الصراعات تدمي الليرة التركية وشكوك في البيانات الرسمية

واصلت الليرة التركية مسارها المتهاوي وسط تصعيد جيوسياسي متعدد المحاور (إ.ب.أ)
واصلت الليرة التركية مسارها المتهاوي وسط تصعيد جيوسياسي متعدد المحاور (إ.ب.أ)

سجلت الليرة التركية الأربعاء مستوى قياسيا منخفضا جديدا أمام الدولار، وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية في المنطقة. ووفقا لبيانات وكالة «بلومبرغ» فقد تراجعت الليرة بنسبة 0.9 في المائة خلال التعاملات إلى 7.8692 ليرة لكل دولار، لتفقد العملة التركية أكثر من 24 في المائة من قيمتها هذا العام، وهو ثاني أكبر تراجع لعملة في الأسواق الناشئة بعد الريال البرازيلي.
وتراجعت قيمة الليرة إلى أدنى مستوياتها خلال أسبوع بفعل القلق من احتمال عقوبات أميركية وأوروبية وسط تنامي التوتر بين أنقرة والاتحاد الأوروبي، وذلك بعدما نشرت بلومبرغ أن أنقرة ستختبر قريبا منظومة الدفاع الجوي الروسية «إس - 400» التي اشترتها العام الماضي لكنها لم تستخدمها حتى الآن، وهو ما بدا أنه تصاعد للتوتر مع الاتحاد الأوروبي.
وسبق أن لوحت واشنطن بفرض عقوبات بسبب منظومة الصواريخ «إس - 400»، وقالت «بلومبرغ» إن أنقرة ستجري اختبارا شاملا لها الأسبوع القادم. ولم يصدر تعليق عن وزارة الدفاع التركية.
وبالتزامن، تصاعدت مخاطر فرض عقوبات من الاتحاد الأوروبي على تركيا بعد أن أبلغ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن القرارات المتخذة خلال قمة للاتحاد في وقت سابق هذا الشهر «غير كافية لتجاوز الخلافات الدائرة مع اليونان وقبرص بخصوص الحقوق البحرية»، وأضاف أن الاتحاد الأوروبي «خضع لضغوط وابتزازات اليونان وإدارة جنوب قبرص».
ويأتي ذلك بالتزامن أيضا مع الموقف الروسي المعارض للاشتباكات الأخيرة في القوقاز.
وقال بيوتر ماتيس، الخبير الاستراتيجي في مؤسسة «رابوبنك»، ومقرها لندن: «إلى جانب الاشتباكات المستمرة بين أرمينيا وأذربيجان، تزايدت الاحتمالات بقيام الولايات المتحدة بفرض عقوبات على تركيا لشرائها أنظمة إس - 400 من روسيا».
ومن جهة أخرى، قال بيرول إدمير الرئيس السابق لمكتب الإحصاء التركي والمعارض السياسي حاليا، إن البيانات الاقتصادية التركية حاليا «منفصلة عن الواقع» حيث يتم اختيار مسؤولي مكتب الإحصاء بحسب معيار الولاء للحكومة؛ وليس على أساس الكفاءة والاستحقاق.
ونقلت وكالة بلومبرغ عن إدمير قوله «عندما تتلاعب بالبيانات، فإنك تسير في الطريق اليوناني» في إشارة إلى تلاعب الحكومات اليونانية بالبيانات الاقتصادية في العقد الأول من القرن الحالي مما أدى إلى تفجر أزمة مالية طاحنة في اليونان عام 2009.
وفي تصريحات منفصلة لصحيفة سوزكو التركية قال إدمير إن البيانات الوطنية الخاصة بالنمو والوظائف والتضخم «مشكوك فيها» للغاية.
من ناحيته قال مكتب الإحصاء التركي ردا على تشكيك المعارضة في بياناته، وإن كان قد رفض التعليق على اتهامات إدمير بشكل مباشر، إن نظام التدقيق والمراجعة يجعل من المستحيل على أي شخص تغيير البيانات، مضيفا أن إجراءاته تخضع للمراجعة المستمرة من جانب وكالة الإحصاء الأوروبية «يوروستات».
يذكر أن إدمير تولى رئاسة مكتب الإحصاء التركي خلال الفترة من 2011 إلى 2016. ثم شارك في تأسيس حزب التقدم والديمقراطية «ديفا» المعارض بقيادة علي باباجان رجل الاقتصاد التركي وحليف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان سابقا. ورفض إدمير مناقشة كيفية تلاعب مكتب الإحصاء في البيانات الاقتصادية بصورة محددة.



ارتفاع تقييمات الأسهم الأميركية يثير مخاوف المستثمرين من تصحيح وشيك

أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
TT

ارتفاع تقييمات الأسهم الأميركية يثير مخاوف المستثمرين من تصحيح وشيك

أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)

تتزايد المخاوف في الأسواق المالية بعد الارتفاعات الكبيرة بتقييمات الأسهم الأميركية في الأسابيع الأخيرة؛ ما يشير إلى أن السوق قد تكون على وشك تصحيح. وقد يتجه المستثمرون إلى الأسواق الأوروبية الأقل تكلفة، ولكن من غير المرجح أن يجدوا كثيراً من الأمان عبر المحيط الأطلسي؛ إذ إن الانخفاض الكبير في الأسواق الأميركية من المحتمل أن يجر أوروبا إلى الانحدار أيضاً.

تُعتبر سوق الأسهم الأميركية مبالَغاً في قيمتها، وفقاً لجميع المقاييس تقريباً؛ حيث بلغ مؤشر السعر إلى الأرباح لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، على مدار 12 شهراً، 27.2 مرة، وهو قريب للغاية من ذروة فقاعة التكنولوجيا التي سجَّلت 29.9 مرة. كما أن نسبة السعر إلى القيمة الدفترية قد بلغت أعلى مستوى لها على الإطلاق؛ حيث وصلت إلى 5.3 مرة، متجاوزة بذلك الذروة السابقة البالغة 5.2 مرة في بداية عام 2000، وفق «رويترز».

وعلى الرغم من أن التقييمات المرتفعة كانت قائمة لفترة من الزمن؛ فإن ما يثير الانتباه الآن هو التفاؤل المفرط لدى مستثمري الأسهم الأميركية. تُظهِر بيانات تدفق الأموال الصادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي أن حيازات الأسهم تشكل الآن 36 في المائة من إجمالي الأصول المالية للأسر الأميركية، باستثناء العقارات، وهو ما يتجاوز بكثير نسبة الـ31.6 في المائة التي تم تسجيلها في ربيع عام 2000. كما أظهر أحدث مسح شهري لثقة المستهلك من مؤسسة «كونفرنس بورد» أن نسبة الأسر الأميركية المتفائلة بشأن أسواق الأسهم قد وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ 37 عاماً، منذ بدء إجراء المسح.

وبالنظر إلى هذه المعطيات، فإن القلق المتزايد بين المستثمرين المحترفين بشأن احتمال التصحيح في «وول ستريت» ليس مفاجئاً.

لا مكان للاختباء

قد يتطلع المستثمرون الراغبون في تنويع محافظ عملائهم إلى الأسواق الأرخص في أوروبا. ويتداول مؤشر «ستوكس 600» الأوروبي حالياً عند خصم 47 في المائة عن مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» عند قياسه بنسب السعر إلى الأرباح، وبخصم 61 في المائة، بناءً على نسب السعر إلى القيمة الدفترية. وقد أشار بعض مديري صناديق الأسهم الأوروبية إلى أنهم يترقبون، بفارغ الصبر، انخفاض أسواق الأسهم الأميركية، معتقدين أن ذلك سيؤدي إلى تدفقات استثمارية نحو صناديقهم.

ولكن يجب على هؤلاء المديرين أن يتحلوا بالحذر فيما يتمنون؛ فعندما تشهد الأسهم الأميركية انخفاضاً كبيراً، يميل المستثمرون الأميركيون إلى سحب الأموال من الأسهم، وتحويلها إلى أصول أكثر أماناً، وغالباً ما يقللون من تعرضهم للأسواق الأجنبية أيضاً.

وعلى مدار الـ40 عاماً الماضية، في فترات تراجع الأسهم الأميركية، شهدت أسواق الأسهم الأوروبية زيادة في سحوبات الأموال من قبل المستثمرين الأميركيين بنسبة 25 في المائة في المتوسط مقارنة بالأشهر الـ12 التي سبقت تلك الانخفاضات. ومن المحتمَل أن يكون هذا نتيجة لزيادة التحيز المحلي في فترات الركود؛ حيث يميل العديد من المستثمرين الأميركيين إلى اعتبار الأسهم الأجنبية أكثر خطورة من أسواقهم المحلية.

ولن تشكل هذه السحوبات مشكلة كبيرة؛ إذا كان المستثمرون الأميركيون يمثلون نسبة صغيرة من السوق الأوروبية، ولكن الواقع يشير إلى أن هذا لم يعد هو الحال. ووفقاً لبيانات وزارة الخزانة الأميركية، فقد زادت حصة الولايات المتحدة في الأسهم الأوروبية من نحو 20 في المائة في عام 2012 إلى نحو 30 في المائة في عام 2023. كما ارتفعت ملكية الولايات المتحدة في الأسهم البريطانية من 25 في المائة إلى 33 في المائة خلال الفترة ذاتها.

ويعني الوجود المتزايد للمستثمرين الأميركيين في الأسواق الأوروبية أن الأميركيين أصبحوا يشكلون العامل الحاسم في أسواق الأسهم الأوروبية، وبالتالي، فإن حجم التدفقات الخارجة المحتملة من المستثمرين الأميركيين أصبح كبيراً إلى درجة أن التقلبات المقابلة في محافظ المستثمرين الأوروبيين لم تعد قادرة على تعويضها.

وبالنظر إلى البيانات التاريخية منذ عام 1980، عندما بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في جمع بيانات التدفقات، إذا استبعد المستثمر الأميركي والأوروبي، يُلاحظ أنه عندما تنخفض السوق الأميركية، تزيد التدفقات الخارجة من سوق الأسهم الأوروبية بمعدل 34 في المائة مقارنة بالشهرين الـ12 اللذين سبقا تلك الانخفاضات.

على سبيل المثال، بين عامي 2000 و2003، انخفضت أسواق الأسهم الأوروبية بنسبة 50 في المائة بينما هبط مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 46 في المائة، وكان ذلك نتيجة رئيسية لسحب المستثمرين الأميركيين لأموالهم من جميع أسواق الأسهم، سواء أكانت متأثرة بفقاعة التكنولوجيا أم لا.

وفي عام 2024، يمتلك المستثمرون الأميركيون حصة أكبر في السوق الأوروبية مقارنة بما كانت عليه قبل 10 سنوات، ناهيك من عام 2000. وبالتالي، فإن تأثير أي انحدار في السوق الأميركية على الأسواق الأوروبية سيكون أكثر حدة اليوم.

في هذا السياق، يبدو أن المثل القائل: «عندما تعطس الولايات المتحدة، يصاب بقية العالم بنزلة برد»، أكثر دقة من أي وقت مضى في أسواق الأسهم.