المثالية... ضغط قاتل على مشاهير اليابان

الممثلة اليابانية سي أشينا (36 عاماً)  التي انتحرت قبل أشهر قليلة (غيتي)
الممثلة اليابانية سي أشينا (36 عاماً) التي انتحرت قبل أشهر قليلة (غيتي)
TT

المثالية... ضغط قاتل على مشاهير اليابان

الممثلة اليابانية سي أشينا (36 عاماً)  التي انتحرت قبل أشهر قليلة (غيتي)
الممثلة اليابانية سي أشينا (36 عاماً) التي انتحرت قبل أشهر قليلة (غيتي)

كانت يوكو تاكوتشي تبدو وكأنها تتمتع بحياة مرفهة ظاهرياً. فقد فازت بجائزة أفضل ممثلة في اليابان ثلاث مرات، وأنجبت طفلها الثاني مؤخراً، وكانت لا تزال تتمتع بجمال ورشاقة، واحتلت الصدارة في شباك التذاكر العام الماضي واعتبرت نجمة إعلانات العلامات التجارية الكبرى.
توفيت تاكيوتشي (40 عاماً) في أواخر الشهر الماضي فيما بدا انتحاراً. لا أحد يستطيع أن يعرف تماماً ما إذا كانت قد مرت بمعاناة كامنة تحت السطح، لكن في مجتمع ياباني يقدر التحمل وإنكار الذات، فإن الكثيرين يشعرون بالضغط جراء محاولاتهم إخفاء نضالاتهم الشخصية. وبالنسبة للمشاهير الذين يعتمد نجاحهم المهني على إبراز نموذج مثالي لا تشوبه شائبة، فإن المعاناة تتضاعف لا محالة.
تاكيوتشي هي الأحدث في سلسلة من نجوم السينما والتلفزيون اليابانيين الذين انتحروا العام الحالي. فقد جاءت وفاتها بعد أقل من أسبوعين على انتحار ممثلة أخرى هي سي أشينا (36 عاماً)، وبعد شهرين من العثور على الممثل التلفزيوني الشهير هاروما ميورا (30 عاماً) ميتاً في منزله، تاركاً رسالة انتحار.
في وقت سابق من العام الحالي، انتحرت هانا كيمورا، المصارعة المحترفة ونجم برنامج «تيراس هاوس» الواقعي بعد تنمر لا هوادة فيه على وسائل التواصل الاجتماعي. وبصرف النظر عن كيمورا لم يظهر أي من المشاهير الآخرين الذين لقوا حتفهم بعد الانتحار أي علامات عامة على الضيق العاطفي.
كان لوفاة هؤلاء صدى كبير بسبب الارتفاع المقلق في حالات الانتحار بين عامة الناس في اليابان أثناء تفشي جائحة فيروس «كورونا» بعد نحو عشر سنوات تراجعت فيها أعداد المنتحرين نسبياً، وبشق الأنفس في بلد تعتبر من بين الأعلى في العالم في معدلات الانتحار. فقد أبلغت السلطات عن زيادة تقارب 16 في حالات الانتحار في أغسطس (آب)، مقارنة بالعام السابق، حيث ارتفع العدد بواقع 74 في المائة بين الفتيات والنساء المراهقات في العشرينات والثلاثينيات من أعمارهن.
في السباق ذاته، قال ياسويوكي شيميزو، مدير مركز الترويج لمكافحة الانتحار في اليابان: «نحن نشعر كمجتمع أننا لا نستطيع إظهار نقاط ضعفنا وأنه يتعين علينا الاحتفاظ بكل ذلك داخلنا. لا يقتصر الأمر على شعور الناس بعدم قدرتهم على الذهاب إلى مستشار أو معالج فحسب، بل إن هناك الكثيرين ممن يشعرون بأنهم لا يستطيعون حتى إظهار نقاط ضعفهم حتى للأشخاص المقربين منهم».
تعتبر أسباب أي انتحار فردي معقدة، إذ إن العديد من سمات التوتر التي يشعر بها اليابانيون عالمية: فهم، شأن كثيرين غيرهم، يشعرون بضغوط وقسوة مطالب وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يشعر الناس أنه يجب عليهم تنمية قصة نجاحهم الأبدي والسعادة الظاهرية التي يراها الناس.
استطرد شيميزو قائلة: «يمكن أن يكون هذا بالتأكيد سبباً للاندفاع نحو الاكتئاب، إذا كان واقعك لا يتطابق مع الصورة المنمقة التي يحتفظ بها شخص آخر عنك».
حتى بعيداً عن وسائل التواصل الاجتماعي، يميل اليابانيون إلى إبراز صوره عامة إيجابية، فهناك انقسام صارخ بين الممثل في البيت والممثل ذاته في خارج البيت، حيث تقتصر المشاعر - خاصة تلك الفوضوية - على المجال الخاص.
يشعر الناس أيضاً أنه يتعين عليهم الالتزام بالقواعد وعدم التميز بطرق يمكن أن يُنظر إليها على أنها تثقل كاهل الآخرين. بالنسبة للمشاهير، يمكن لتوقعات ملايين المعجبين أن تؤدي إلى تضخيم الضغوط المجتمعية الطبيعية.
وعلى عكس الولايات المتحدة، حيث يتحدث المشاهير الآن بصراحة أكبر عن طلب المساعدة النفسية، فإن مثل هذا السلوك يعتبر من المحرمات في اليابان التي كانت أبطأ في تطوير خدمات الصحة النفسية، رغم بعض التحسن الذي طرأ على هذا المجال. وفي السياق ذاته، قال تاماكي تسودا، منتج تلفزيوني، «إذا كنت شخصاً في دائرة الضوء واكتشفت وسائل الإعلام أنك تتلقى دعماً للصحة العقلية، فسيؤثر ذلك بشكل سيء عليك وعلى حياتك المهنية»، مضيفاً: «إذا علم الناس ولو لمرة واحدة أنك تتلقى علاجاً نفسياً، فستكون هذه هي الصورة التي سيتم وضعها على علامتك التجارية إلى الأبد. وعندما يحدث ذلك سيتراجع مقدار ما يعرض عليك تدريجياً».
كان الوباء قاسياً، خاصة بالنسبة لأولئك الذين يعملون في مجال التلفزيون، حيث تم تعليق الإنتاج التلفزيوني والأفلام أو تغييره بسبب بروتوكولات الحماية من الفيروسات. وتعليقاً على ذلك، قال تسودا: «فقد الناس في تلك الصناعة خدمات الترفيه في لحظة عندما ضرب فيروس كورونا البلاد، فقد جاءت الضربة الشديدة. الكثير من هؤلاء الممثلين باتوا عاطلين عن العمل خلال الأشهر القليلة الماضية».
في مؤتمر صحافي في اليوم التالي لوفاتها، قال كاتسونوبو كاتو، كبير أمناء مجلس الوزراء والذي يعمل مباشرة تحت رئاسة رئيس الوزراء يوشيهيدي سوجا، إنه قلق من أن التقارير عن انتحار المشاهير نفسها قد تدفع الآخرين إلى الانتحار.
أضاف، كاتو: «حتى لا يشعر الناس بالعزلة جراء مخاوفهم الخاصة، يجب أن نعمل معاً لبناء مجتمع يمكننا فيه دعم ورعاية بعضنا بعضاً».
وأفاد خبراء في قضايا الانتحار إنهم قلقون من الوعود الحكومية الغامضة حيث قالت ميتشيكو أويدا، أستاذة العلوم السياسية بجامعة «واسيدا» في طوكيو التي أجرت أبحاثاً حول الانتحار، «يقولون إنه يتعين علينا أن نخلق مجتمعاً لا يشعر فيه أحد بالوحدة. لكن كما هو معتاد في أي خطة حكومية يابانية، لا توجد خطة ملموسة. لا يمكننا تغيير المجتمع بين عشية وضحاها».

- خدمة «نيويورك تايمز»



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».