جمع السلاح في السودان... ملف قابل للانفجار

عناصر من الجيش السوداني خلال عملية إتلاف 300 ألف قطعة سلاح غير شرعي في قاعدة حجر العسل (أ.ف.ب)
عناصر من الجيش السوداني خلال عملية إتلاف 300 ألف قطعة سلاح غير شرعي في قاعدة حجر العسل (أ.ف.ب)
TT

جمع السلاح في السودان... ملف قابل للانفجار

عناصر من الجيش السوداني خلال عملية إتلاف 300 ألف قطعة سلاح غير شرعي في قاعدة حجر العسل (أ.ف.ب)
عناصر من الجيش السوداني خلال عملية إتلاف 300 ألف قطعة سلاح غير شرعي في قاعدة حجر العسل (أ.ف.ب)

يشكل جمع السلاح من الأفراد والمجموعات المسلحة في السودان أصعب ملف في اتفاق السلام الموقع، السبت الماضي، بين الحكومة والمتمردين بعد نحو 20 عاماً من الحرب الأهلية.
وقال جبريل إبراهيم، قائد «حركة العدل والمساواة» وهي واحدة من المجموعات المتمردة الموقعة على الاتفاق، إن «جمع السلاح مسألة صعبة وتتطلب جهداً جماعياً... الناس لن تسلم السلاح إلا في اللحظة التي تقتنع فيها بأن الحكومة يمكن أن تحقق لهم الأمن»، وفق ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.
ولبلوغ هذا الهدف؛ ينبغي، وفق إبراهيم، «تحقيق سلام اجتماعي». وقال: «إذا كانت لدينا حكومة ديمقراطية تستمع إلى صوت الشعب، فإن الناس سيخلصون إلى أنهم ليسوا بحاجة إلى سلاح لحماية أنفسهم».
في الخرطوم، ما زالت السلطة الانتقالية حتى الآن كياناً مختلطاً يضم عسكريين ومدنيين. وقد تولت مقاليد السلطة عقب ثورة شعبية أنهت في 2019 حكم عمر البشير الذي استمر نحو 30 عاماً. وكانت أولوية هذه السلطة الجديدة هي إبرام السلام مع المتمردين.
تحت حكم البشير، كان المتمردون الذين ينتمون إلى أقليات إثنية يكافحون من أجل توزيع أكثر عدلاً للموارد ومزيد من الحكم الذاتي لأقاليمهم. وسرى وقف إطلاق نار فعلي بين السلطة والمتمردين بعد سقوط البشير وتوقيفه وإحالته إلى المحاكمة في الخرطوم.
وذكر قائد سابق لمجموعة مسلحة أن عدد المتمردين يبلغ 50 ألفاً؛ ينتمي 15 ألفاً منهم إلى مجموعتين رفضتا الانضمام إلى اتفاق السلام الموقع في 3 أكتوبر (تشرين الأول).
وفي نهاية سبتمبر (أيلول)، أعلن الجيش تدمير 300 ألف قطعة سلاح تم تسليمها «طواعية» من قبل مدنيين.
ولكن التوجس يظل كبيراً بين سكان دافور (غرب) وجنوب كردفان والنيل الأزرق (جنوب) حيث أوقعت الحرب مئات الآلاف من القتلى.
يقول جوناس هورنر، الخبير المختص في السودان، إن «الثقة هي مفتاح جمع السلاح... إلا إن العسكريين، وثيقي الصلة بالانتهاكات التي ارتكبها نظام البشير، لم يظهروا بعد رغبة في التصدي للعنف لإقناع سكان المناطق الريفية بأن بإمكانهم البقاء بلا سلاح».
ولا يعتقد هورنر، وهو نائب مدير «إدارة القرن الأفريقي» في «مجموعة الأزمات الدولية»، أن المتمردين الموقعين الاتفاق سيسلمون كل سلاحهم. ويشير إلى أن حركتي تمرد كبيرتين لم توقعا الاتفاق.
ويتابع: «لن يلقوا السلاح ما لم تصبح السلطة مدنية تماماً، عبر إبعاد الأشخاص المرتبطين» بنظام البشير.
ويقول ياسر عرمان، الرجل الثاني في «حركة تحرير شمال السودان»، (متمردة)، الموقعة على الاتفاق، إنه «ينبغي تسليم الأسلحة إلى القوات النظامية» ولكن «يتيعن علينا بناء جيش محترف لا يتدخل في السياسة».
ومنذ استقلاله عام 1956، ظل السودان طوال نحو 6 عقود تحت حكم ديكتاتوريات عسكرية.
في جوبا، تعامل الموقعون على الاتفاق مع ملف جمع السلاح كخبراء نزع ألغام، لإدراكهم أنه قضية قابلة للانفجار؛ إذ أعدوا بروتوكولاً ينبغي احترام كل حرف فيه من أجل تطبيق الاتفاق وتجنب حرب جديدة، بحسب المفاوضين.
يقضي البروتوكول بإصلاح الجيش من خلال تشكيل «مجلس أعلى» في الأقاليم الثلاثة (دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق) خلال الأيام الـ45 المقبلة، يكلف تنفيذ الإجراءات الخاصة بنزع سلاح المتمردين ودمجهم في الجيش السوداني.
في دارفور، ينبغي أن تستغرق عملية الدمج 15 شهراً. وفي الإقليمين الآخرين؛ فإن الأمر سيجري على 3 مراحل تستغرق 39 شهراً.
وذكر الموقع الإلكتروني «غانبوليسي.أورغ» التابع لجامعة سيدني، أنه كان هناك 2.76 مليون قطعة سلاح ناري في 2017 في يد المتمردين في السودان؛ من بينها 6724 فقط مسجلة.
ويقر محمد حسن التعايشي، المتحدث باسم وفد التفاوض الحكومي، بأن «الملف الأمني في الاتفاق هو الأكثر تعقيداً». وأضاف: «يتعين علينا دمج المتمردين في الجيش الذي ينبغي إصلاحه، وجمع السلاح سيجري في الوقت الذي ينضم فيه المتمردون إلى معسكرات تدريب» القوات النظامية.
غير أن الخبير جوناس هورنر يشكك في ذلك. ويقول إن «نزع سلاح المدنيين ليس هدفاً واقعياً... ما دام ليس هناك ما يشبه سلاماً دائماً مع سلطة تحظى بالثقة، فلن يكون هناك ما يشجع المتمردين على الالتزام ببرامج الحكومة لنزع السلاح».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».