الحكومة اللبنانية الجديدة تنتظر متغيّرات فرضتها مفاوضات ترسيم الحدود مع إسرائيل

TT

الحكومة اللبنانية الجديدة تنتظر متغيّرات فرضتها مفاوضات ترسيم الحدود مع إسرائيل

يدخل لبنان مرحلة سياسية جديدة مع إطلاق الضوء الأخضر لبدء المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية لترسيم الحدود وحل الخلاف حول النقاط البحرية والبرية المتنازع عليها برعاية الأمم المتحدة وبوساطة أميركية، غير تلك المرحلة التي كانت سائدة سابقاً وأدت إلى اعتذار السفير مصطفى أديب عن عدم تشكيل الحكومة.
وكان رئيس المجلس النيابي نبيه بري قد مهّد للمرحلة الجديدة بإعلانه الخطوط العريضة لاتفاق الإطار الذي يُفترض أن يشكّل قاعدة لانطلاق المفاوضات، وهذا يستدعي التريُّث وعدم إطلاق المواقف المسبقة لقطع الطريق على حرق المراحل قبل أن يصار إلى مواكبة سير المفاوضات.
وفي هذا السياق، يدعو مصدر بارز في المعارضة إلى «توفير الحماية السياسية لرئيس المجلس والحفاظ عليه، بدلاً من إصدار الأحكام على النيات، وصولاً إلى التعاطي مع المفاوضات وقبل بدئها على أنها تهدف إلى تطبيع العلاقات اللبنانية - الإسرائيلية».
ويلفت المصدر إلى ضرورة التدقيق في رد فعل «حزب الله» ومن خلاله حليفه الإيراني لمعرفة الأسباب الكامنة وراء تبدّل موقفه باتجاه رهانه على العامل الدبلوماسي لعله يقود إلى حل الخلاف على النقاط المتنازع عليها بحرياً وبرياً، «خصوصاً أن رئيس المجلس لم يتفرّد بإعلانه اتفاق الإطار لبدء المفاوضات التي ستتولاّها قيادة الجيش اللبناني ما لم يتوصل إلى تفاهم مع حليفه (حزب الله) لقطع الطريق على من يحاول ركوب موجة المزايدة الشعبوية على بري في الساحة الشيعية».
ويسأل: «لماذا أجاز (حزب الله) لرئيس المجلس أن يتولى الإعلان عن بدء المفاوضات؟ وهل هو في حاجة إلى تقطيع الوقت بالتكافل والتضامن مع حليفه الإيراني لتمرير الاستحقاق الرئاسي الأميركي، رغم أن كبار المسؤولين في إدارة الرئيس دونالد ترمب بادروا إلى الترحيب لبدء المفاوضات؟». كما يسأل أيضاً: «عما إذا كانت لبدء المفاوضات علاقة بما يتردّد بأن (حزب الله) وإيران اختارا الجهة التي ستتولى الوساطة؛ أي واشنطن، باعتبار أنها وحدها المؤهّلة لتقديم الأثمان والأقدر على الدخول في عملية البيع والشراء بالمفهوم السياسي، وهذا ما لا تستطيع باريس تقديمه؟
لذلك يمكن استقراء إسقاط المبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان ووقف انهياره الاقتصادي والمالي من زاوية الرغبة التي يبديها (الثنائي الشيعي) ومن خلفه إيران في تطبيع العلاقات الأميركية - الشيعية من دون أن تتسبب في إقلاق النظام في سوريا لجهة إشعاره سلفاً بأنه لا نية لعقد صفقة على حسابه، أو في منأى عنه، وإلا فلماذا وافق جميع هؤلاء على استثناء مزارع شبعا المحتلة من ترسيم الحدود البرية؟».
وعليه؛ فإن مجرد استثناء المزارع من الترسيم هو رسالة لتبديد المخاوف لدى دمشق إذا كانت موجودة على خلفية تحييدها لربطها بإيجاد تسوية بين سوريا وإسرائيل.
كما أن تفويض بري من «حزب الله» يطرح مجموعة من الأسئلة عمّا إذا كان الهدف منه تقطيع الوقت أو الوصول إلى تسوية في نهاية المطاف تتيح للبنان البدء بالتنقيب عن الغاز والنفط الذي من شأنه أن يُسهم في إخراجه ولو على مراحل من أزماته المالية والاقتصادية. ناهيك بأن موافقة «حزب الله» تأتي في ظروف سياسية غير تلك التي كانت قائمة في خلال المحاولات السابقة لواشنطن في تواصلها مع بيروت وتل أبيب لتهيئة الظروف أمام بدء المفاوضات وتحديداً فيما يتعلق بالعقوبات الأميركية المفروضة عليه، وأيضاً في اضطراره للالتزام بالتهدئة في الجنوب في محاولة منه للحفاظ على قواعد الاشتباك وعدم الإخلال بها، رغم أن الانفجار الذي حصل أخيراً في بلدة عين قانا الجنوبية ولم يلقَ حتى الساعة أي رد فعل من الحزب ترافق مع تسريبات أشارت إلى أن إسرائيل بدأت تستخدم في استهداف مراكزه تكنولوجيا ذات تقنية عالية شبيهة بتلك التي تستهدف مناطق عدة في إيران التي تصر على وصف ما يحصل بأنه عمليات تخريبية.
كما أن بدء المفاوضات يعني حكماً أن تشكيل الحكومة الجديدة يأتي في ظل حصول متغيّرات لا يمكن القفز فوقها؛ بل ستكون حاضرة في مشاورات التأليف التي لم يتقرر وضعها على نار حامية وربما لربطها بالمفاوضات في ظل تعدُّد الرهانات على ما ستؤول إليه.
وفي هذا السياق، تقول مصادر سياسية بارزة لـ«الشرق الأوسط» إن اعتذار أديب عن عدم تأليف الحكومة «لا يعني أن هناك إمكانية لتجاوز السقف الذي رسمه، إلا إذا تقرر وضع المبادرة الفرنسية في الثلاجة إفساحاً في المجال أمام البحث عن أخرى بديلة، رغم أن الجميع يصرّون على التمسك بها ومن بينهم من أطلقوا عليها رصاصة الرحمة».
وتؤكد أنها تستغرب الحديث عن «وجود نية لتعويم الحكومة المستقيلة بذريعة أن المفاوضات لن تستغرق أكثر من 3 أشهر وستنتهي إلى مباشرة لبنان التنقيب عن الغاز والنفط، وهذا ما يتيح له الحصول على ضوء أخضر أميركي يدفع بصندوق النقد إلى توفير الدعم المالي، مما يسمح لها بأن تستعيد عافيتها وتستيقظ من غيبوبتها المديدة»، وتقول إن «من يلوح بتعويمها يهدف إلى تمرير رسائل لرئيس (تيار المستقبل) رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، يراد منها الضغط للموافقة على أن يتزعّم الحكومة الجديدة بشروط الآخرين، وهذا ما يرفضه بإعلانه أنه ليس في وارد الترشح لتولي رئاسة الحكومة».



الحوثيون يعلنون اقتصار هجماتهم البحرية على السفن المرتبطة بإسرائيل

جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يعلنون اقتصار هجماتهم البحرية على السفن المرتبطة بإسرائيل

جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)

أعلنت الجماعة الحوثية في اليمن أنها ستكتفي، فقط، باستهداف السفن التابعة لإسرائيل خلال مرورها في البحر الأحمر، بعد بدء سريان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بحسب رسالة بالبريد الإلكتروني أرسلتها الجماعة، الأحد، إلى شركات الشحن وجهات أخرى.

ونقل ما يسمى بـ«مركز تنسيق العمليات الإنسانية»، التابع للجماعة الحوثية، أن الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر، ستقتصر، فقط، على السفن المرتبطة بإسرائيل بعد دخول وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ.

وأضاف المركز، الذي كلفته الجماعة بالعمل حلقةَ وصل بينها وشركات الشحن التجاري، أنها توعدت الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل باستئناف الضربات على السفن التابعة لها في حال استمرار هذه الدول في هجماتها الجوية على المواقع التابعة لها والمناطق الخاضعة لسيطرتها.

وسبق للجماعة الحوثية تحذير الدول التي لديها وجود عسكري في البحر الأحمر من أي هجوم عليها خلال فترة وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وتوعدت في بيان عسكري، أنها ستواجه أي هجوم على مواقعها خلال فترة وقف إطلاق النار في غزة، بعمليات عسكرية نوعية «بلا سقف أو خطوط حمراء».

لقطة أرشيفية لحاملة الطائرات الأميركية هاري ترومان التي أعلن الحوثيون استهدافها 8 مرات (رويترز)

كما أعلنت الجماعة، الأحد، على لسان القيادي يحيى سريع، المتحدث العسكري باسمها، استهداف حاملة الطائرات أميركية هاري ترومان شمال البحر الأحمر بمسيرات وصواريخ لثامن مرة منذ قدومها إلى البحر الأحمر، بحسب سريع.

وسبق لسريع الإعلان عن تنفيذ هجوم على هدفين حيويين في مدينة إيلات جنوب إسرائيل، السبت الماضي، باستخدام صاروخين، بعد إعلان سابق باستهداف وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب بصاروخ باليستي، في حين اعترف الجيش الإسرائيلي باعتراض صاروخين أُطْلِقا من اليمن.

موقف جديد منتظر

وفي وقت مبكر من صباح الأحد كشفت وسائل إعلام تابعة للجماعة الحوثية عن استقبال 4 غارات أميركية، في أول ساعات سريان «هدنة غزة» بين إسرائيل، و«حركة حماس».

ويتوقع أن تكون الضربات الأميركية إشارة إلى أن الولايات المتحدة ستواصل تنفيذ عملياتها العسكرية ضد الجماعة الحوثية في سياق منعزل عن التطورات في غزة واتفاق الهدنة المعلن، بخلاف المساعي الحوثية لربط العمليات والمواجهات العسكرية في البحر الأحمر بما يجري في القطاع المحاصر.

ومن المنتظر أن تصدر الجماعة، الاثنين، بياناً عسكرياً، كما ورد على لسان سريع، وفي وسائل إعلام حوثية، بشأن قرارها اقتصار هجماتها على السفن التابعة لإسرائيل، والرد على الهجمات الأميركية البريطانية.

كما سيلقي زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي خطاباً متلفزاً، بمناسبة بدء اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وزعم سريع، السبت الماضي، وجود رغبة لدى الجماعة لوقف هجماتها على إسرائيل بمجرد دخول وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ، وإيقاف الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر؛ إذا توقفت الولايات المتحدة وبريطانيا عن مهاجمة أهداف في اليمن.

كما أكّد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الأسبوع الماضي، أن الهجمات على إسرائيل ستعود في حال عدم احترام اتفاق وقف إطلاق النار.

ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) من العام قبل الماضي تستهدف الجماعة الحوثية سفناً في البحر الأحمر بزعم تبعيتها لإسرائيل، حيث بدأت باحتجاز السفينة جالكسي ليدر التي ترفع علم جزر الباهاما في المياه الدولية، والتي لا تزال، وأفراد طاقمها البالغ عددهم 25 فرداً، قيد الاحتجاز لدى الجماعة.

السفينة «غالاكسي ليدر» التي تحتجزها الجماعة الحوثية منذ 14 شهراً (رويترز)

وأتبعت الجماعة ذلك بتوسع عملياتها لتشمل السفن البريطانية والأميركية، بصواريخ باليستية وطائرات مسيَّرة في المياه القريبة من شواطئ اليمن بزعم دعم ومساند سكان قطاع غزة ضد الحرب الإسرائيلية.

وتسببت تلك الهجمات في تعطيل جزء كبير من حركة التجارة الدولية، وأجبرت شركات الشحن والملاحة على تغيير مسار السفن التابعة لها، واتخاذ مسار أطول حول جنوب قارة أفريقيا بدلاً من عبور قناة السويس.

وأدى كل ذلك إلى ارتفاع أسعار التأمين وتكاليف الشحن وزيادة مدد وصولها، وبث مخاوف من موجة تضخم عالمية جديدة.

لجوء إلى التخفي

ويلجأ قادة الجماعة إلى الانتقال من مقرات إقامتهم إلى مساكن جديدة، واستخدام وسائل تواصل بدائية بعد الاستغناء عن الهواتف المحمولة والأجهزة الإلكترونية، رغم أنهم يحيطون أنفسهم، عادة، باحتياطات أمنية وإجراءات سرية كبيرة، حيث يجهل سكان مناطق سيطرتهم أين تقع منازل كبار القادة الحوثيين، ولا يعلمون شيئاً عن تحركاتهم.

أضرار بالقرب من تل أبيب نتيجة اعتراض صاروخ حوثي (غيتي)

وشهدت الفترة التي أعقبت انهيار نظام الأسد في دمشق زيادة ملحوظة في نقل أسلحة الجماعة إلى مواقع جديدة، وتكثيف عميات التجنيد واستحداث المواقع العسكرية، خصوصاً في محافظة الحديدة على البحر الأحمر.

كما كشفت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، خلال الأيام الماضية أن الاتصالات بقيادة الصف الأول للجماعة المدعومة من إيران لم تعد ممكنة منذ مطلع الشهر الحالي على الأقل، نتيجة اختفائهم وإغلاق هواتفهم على أثر التهديدات الإسرائيلية.

وأنشأت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا في ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه، تحالفاً عسكرياً تحت مسمى تحالف الازدهار، لمواجهة الهجمات الحوثية وحماية الملاحة الدولية، وفي يناير (كانون الثاني) الماضي بدأ التحالف هجماته على المواقع العسكرية للجماعة والمنشآت المستخدمة لإعداد وإطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة.

وأطلق الاتحاد الأوروبي، في فبراير (شباط) الماضي، قوة بحرية جديدة تحت مسمى «خطة أسبيدس»، لحماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وحدد مهامها بالعمل على طول خطوط الاتصال البحرية الرئيسية في مضيق باب المندب ومضيق هرمز، وكذلك المياه الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب وخليج عمان والخليج، على أن يكون المقر في لاريسا اليونانية.

احتفالات حوثية في العاصمة صنعاء بوقف إطلاق النار في غزة (إعلام حوثي)

وتزامنت هجمات الجماعة الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر مع هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية على مدن ومواقع إسرائيلية، ما دفع سلاح الجو الإسرائيلي للرد بضربات جوية متقطعة، 5 مرات، استهدف خلالها منشآت حيوية تحت سيطرة الجماعة.

وشملت الضربات الإسرائيلية ميناء الحديدة وخزانات وقود ومحطات كهرباء في العاصمة صنعاء.

ونظمت الجماعة الحوثية في العاصمة صنعاء، الأحد، عدداً من الاحتفالات بمناسبة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، رفعت خلالها شعارات ادعت فيها أن عملياتها العسكرية في البحر الأحمر وهجماتها الصاروخية على الدولة العبرية، أسهمت في إجبارها على القبول بالهدنة والانسحاب من القطاع.

وتأتي هذه الاحتفالات مترافقة مع مخاوف قادة الجماعة من استهدافهم بعمليات اغتيال كما جرى مع قادة «حزب الله» اللبناني خلال العام الماضي، بعد تهديدات إسرائيلية باستهدافهم، وسط توقعات بإصابة قادة عسكريين كبار خلال الضربات الأميركية الأخيرة في صنعاء.