سوق «الراسترو» في مدريد.. نزهة في قلب التاريخ

يعود تاريخ إنشائها للقرن الخامس عشر

نظم البائعون أنفسهم في متاجر ظل تخطيطها كما هو إلى يومنا هذا
نظم البائعون أنفسهم في متاجر ظل تخطيطها كما هو إلى يومنا هذا
TT

سوق «الراسترو» في مدريد.. نزهة في قلب التاريخ

نظم البائعون أنفسهم في متاجر ظل تخطيطها كما هو إلى يومنا هذا
نظم البائعون أنفسهم في متاجر ظل تخطيطها كما هو إلى يومنا هذا

لا توجد مدينة في أوروبا تخلو من سوق تاريخية لها باب سحري ينفتح على عالم مختلف. هذا النوع من الأسواق، حيث كل شيء معروض للبيع والشراء، يسمى في مدريد «الراسترو» أو «المجزر»؛ ويوجد في قلب المدينة بالقرب من ميدان كاسكورو. من الصعب معرفة متى كانت أول مرة شغل فيها البائعون هذه الشوارع في المدينة على وجه التحديد، لكن أول سجل مكتوب عن هذه السوق يعود تاريخه إلى أواخر القرن الخامس عشر، عندما افتتح مجلس مدريد عام 1497 مجزرا في هذا الجزء من المدينة، وكما قلنا تمثل هذه المنطقة قلب المدينة وواحدة من شوارعها القديمة، لكن في القرن الخامس عشر كانت هذه الشوارع المتقاطعة من ضواحي المدينة خلال حقبة القرون الوسطى. وخلال القرن الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر، وفي ظل عمل المجزر، كانت تعرف هذه المنطقة بكونها مكانا لذبح الحيوانات، وبدأت الأعمال التي تتعلق باللحم والجلود في الازدهار. وطبقا لأكثر النظريات رسوخا بشأن سبب إطلاق هذا الاسم على تلك الأسواق، تعود التسمية إلى الآثار التي كانت تخلفها الحيوانات في طريقها نحو المجزر.
وفي منتصف القرن السابع عشر كان أي مواطن في أي جزء من هذا الحي يستطيع العثور على محل لتصنيع اللحم أو الفراء أو الجلود، أو متاجر الأحذية والسيور الجلدية والسروج والشموع. وتم نقل المجزر القديم آنذاك، لكن إلى شارع آخر، وشرع المجلس في بناء مجزر آخر محله بالقرب من بويرتا دي توليدو في نهاية السوق الحالية.
وكان ذلك المجزر أكبر من القديم، حيث كان يتيح ذبح الأغنام والأبقار والماعز، بل وحتى الثيران التي كانت تقتل في حلبة المصارعة.
واستمرت عمليات تجديد وتوسيع المجزرين حتى عام 1928، أي منذ 86 عاما فقط، عندما نقل مجلس المدينة المجزر إلى ضاحية في الجنوب. لكن في ذلك الوقت، تحول ذلك الحي إلى سوق كبيرة تضم أشياء تفوق الخيال وتقام كل يوم أحد، وهو يوم العطلة في إسبانيا الذي يأتي فيه الناس إلى المدينة من كل حدب وصوب لبيع وشراء كل شيء.
في القرن السابع عشر بدأ العمل في إقامة منصات لبيع الطعام والأدوات بل وحتى المسروقات وأيضا المخابز. وحين بدأت تلك المنصات في الانتشار في بلازويلا ديل راسترو وريبيرا دي كورتيدوريس، اتخذ المجلس قرارا بنقل مدابغ الجلود من المدينة للحيلولة دون تلوث مياه نهر مانزاناريس. مع ذلك لا يزال الشارع محتفظا باسم ريبيرا دي كورتيدوريس ويعد واحد من أهم الشوارع في الراسترو.
بعد ذلك بقرن، أصبح هذا المكان واحدا من أهم أسواق المدينة. ووصل إلى الحي بائعون آخرون مثل تجار التحف والأشياء القديمة وبدأت متاجر أخرى تبيع الأثاث والأشياء النفيسة والملابس والحلي والكتب القديمة تغزوه. ونظم البائعون أنفسهم في متاجر ظل تخطيطها كما هو إلى يومنا هذا، حيث يمكن زيارة متاجر بيع التحف والأشياء القديمة التي توجد في الباحات القديمة والبحث فيها عن كنوز حقيقية أصلية سواء كانت كتبا أو أدوات منزلية، فضلا عن اللوحات وقطع الأثاث والزينة. من الحوادث الطريفة في مايو (أيار) عام 1931، بعد إعلان النظام الجمهوري في إسبانيا، عُرضت في هذه السوق سيارة جميلة كانت مملوكة للأميرة إيزابيل مقابل 500 بيزيتا أي نحو 3 يوروات. واستمر نشاط المجازر خلال الأسبوع الحالي، لكن في صباح أيام الأحد غزت مجموعة كبيرة من المنصات السوق مقدمة بذلك سوقا يمتزج فيها الأصلي بالخردة. ويعيش هذا البحث عن الأشياء القيمة في نفوس الآلاف من السكان المحليين والأجانب الذين يتدفقون على السوق كل يوم أحد بحثا عن شيء مميز.
ومنذ عام 1970 انتقل كثير من الحرفيين إلى هذه الشوارع حيث أقاموا منافذ لبيع إنتاجهم الفني. وزاد مع مجيئهم الزائرون الذين انضموا إلى هواة جمع الطوابع والعملات والملصقات والكتب الذين يبحثون عن أشياء مميزة لا يمكن إيجادها في المتاجر الأخرى. في الواقع، لقد احتفظت الشوارع بطابع القرون الوسطى وتُعرف بعض الشوارع باسم شارع بائعي الكتب، على سبيل المثال، أو شارع العملات أو التحف.
وإذا نظرنا إلى خريطة صغيرة لأهم الشوارع في هذه السوق نجد أمامنا: شارع فراي سافيرينو غونزاليس، الذي يعرف باسم شارع الطيور، وتباع فيه أنواع مختلفة من الحيوانات ويمكن العثور فيه على بعض المتاجر المتخصصة. وأيضا هناك شارع كايتانو الذي يعرف باسم شارع الرسامين، حيث يمكن شراء لوحات أو مواد للرسم. وهناك شارع روداس، وميدان الجنرال فارا ديل ري، وميدان كامبيلو ديل نويفو موندو، حيث يمكن شراء وبيع المجلات وبطاقات التبادل وألعاب الورق، وهناك شارع كارنيرو وكارلوس أرنيتشيس، حيث تباع الكتب القديمة.
كذلك من اللطيف القيام بنزهة على الأقدام في شارع إمباجادوريز الذي اتخذ هذا الاسم لتعدد الدبلوماسيين الذين لجأوا إلى هذا المكان على أطراف مدريد خلال فترة انتشار الوباء إبان حكم الملك جون الثاني. أما الآن، فيعد الشارع واحدا من الشوارع الرئيسية في الحي. وإذا كان الراسترو مكانا متميزا في سوق يعود تاريخها إلى القرون الوسطى واحتفظت بمكانها على مدى 5 عقود، فمن المحال عدم تخيل الحانات التي نشأت بالقرب من تلك المتاجر. ويوجد الآن شارع للمأكولات المختلفة الذي يمكن أن يستمتع الزائر فيه بالتنقل من مكان لآخر. وهناك بعض الأماكن الصغيرة التي لا تزال تحتفظ بطابعها التاريخي، حيث يمكن الاستمتاع بتناول المقبلات أو وجبة غداء. وعادة ما تكون تلك الأماكن مزدحمة صباح يوم الأحد، لكن الأمر يستحق العناء، حيث يمكنك الاستمتاع بروح المكان مع السكان المحليين والأجانب الذين يفضلون تناول الوجبات الخفيفة على التسوق.
وحاول مجلس مدينة مدريد، خلال العقود القليلة الماضية، تنظيم أماكن البيع في تلك الشوارع الضيقة لضمان الحفاظ على شكل محدد. وهناك نحو ألف منصة بيع حاليا في تلك الشوارع، وكذلك هناك كثير من المتاجر التي تعمل خلال باقي أيام الأسبوع.
وأفضل طريقة للوصول إلى تلك السوق هي التيه وسط الشوارع والسير بهدوء وزيارة الأماكن المثيرة للاهتمام.



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.