ثورة «الطعام المختبري»: «تطبيب ذاتي» بأغذية مطبوعة

الطباعة التجسيمية في عالم المستقبل

ثورة «الطعام المختبري»: «تطبيب ذاتي» بأغذية مطبوعة
TT

ثورة «الطعام المختبري»: «تطبيب ذاتي» بأغذية مطبوعة

ثورة «الطعام المختبري»: «تطبيب ذاتي» بأغذية مطبوعة

يتوقع الخبراء أن تتمتع الطباعة الثلاثية الأبعاد (التجسيمية) بتأثيرٍ مهم على الصناعة الناشئة للحوم... الخالية من اللحوم! ولكننا لا زلنا في المرحلة الأولى من الثورة الغذائية.

طعام مختبري
تتألف الصورة الكبرى لطعام العالم من المشهد الغذائي العام الذي أنتجته الثورة الصناعية، الثورة التي أدت إلى نشوء النظام الغذائي الحالي الذي يعتمد على السوبرماركت والسلاسل الغذائية والعلامات التجارية. وكذلك المشهد من الثورة الخضراء، التي وسعت الإنتاج الزراعي في الخمسينات من القرن الماضي. وكذلك المشهد من تطويرات الصناعة البيولوجية، التي شملت حقن اللحوم بالهورمونات وتربية الدجاج في الأقفاص طوال حياته وغيرها من الممارسات.
ومن المتوقع أن تضم هذه الصورة الكبرى قريباً نقلة نوعية جديدة في الإنتاج الغذائي: الطعام المختبري.
ساهمت الثورتان الصناعية والخضراء في وضع أسس صناعة الغذاء للعالم الصناعي، بينما أدت الثورة البيولوجية إلى خفض سعر البروتينات الحيوانية التي كانت شحيحة في ذلك الوقت وحولت ذبح الحيوانات إلى صناعة. ومع تنامي التركيز على الأخلاقيات والصحة والأصول الطبيعية للمنتجات، باتت اتجاهات غذائية كثيرة تشدد على الحاجة إلى أطعمة أكثر فعالية وأخلاقية.
اليوم، وبفضل التطور التقني، بات بالإمكان صناعة بدائل أقل كلفة ولكن أكثر صحة وأشهى طعماً من الأطعمة المتوفرة في أسواقنا. إلا أن تسويق هذه البضائع مباشرة للمستهلك لتحفيز الطلب بدل الاعتماد على وضعها في محلات السوبرماركت ساهم في اختلال نظام هذه الأخيرة.
ولكن الحقيقة هي أن مستوى الابتكار التقني الموظف اليوم في صناعة الغذاء عادي جداً لأنه يركز على الترويج المؤثر، وقيمة الابتكار، من خلال رسم صورة جميلة ومقنعة للشركات في أذهان الجماهير.
ويعتقد المراقبون أن الطباعة الثلاثية الأبعاد ستكون تقنية أساسية في صناعة غذاء مختبري شبيه بالأطعمة المتوفرة حالياً ولكنه أشهى طعماً وأفضل تركيبة وأكثر فائدة. وإذا توصلنا لابتكارات محتملة يمكن أن يتبناها مناهضو الغذاء العصري المبتكر، قد نرى للطباعة الثلاثية الأبعاد دوراً مؤثراً في سيناريوهات أخرى أيضاً.

واسطات غذائية
يعلم الجميع أن الكثير من الأشياء يمكن أن تتحول إلى «سوريمي» surimi (عجينة مصنوعة من السمك المطحون أو أي نوع آخر من اللحم المفروم تصبح مثل الجيلاتين يمكن إضافة مختلف البهارات إليه – تدخل في أغذية يتناول الأميركيون نحو 60 مليون كلغم منها سنويا).
• العجائن. تساعد مواد الواسطات الغذائية، مثل الردغة (العجينة الطرية المتماسكة) والأطعمة المعجونة، في تحويل المكونات الزهيدة إلى سلع أفضل عبر إضافة مكونات معالجة أو متممة. وتصلح فكرة السوريمي لاعتمادها كمنتج نهائي، ولكنها أيضاً قابلة للاستخدام في الكثير من الأطعمة كوسيط مصنوع بالطباعة الثلاثية الأبعاد أو التقنيات المساعدة.
قد تلعب الطباعة الثلاثية الأبعاد دوراً ممتازاً في توفير عوامل تركيبية أو صناعة شكلٍ نهائي لإضفاء النسيج وتحويل المكونات. تصوروا مثلاً استبدال زيت النخيل أو تخفيف درجة حرارة معالجة أي زيت من خلال إضافة كريستالات (بلورات) محددة مستخلصة من مادة أخرى.
• أغذية وخمائر سريعة. توجد أيضاً مادة البكتين التي تُطبع بأشكال مختلفة لتُصبح صالحة للاستخدام في لحظة معينة على شكل مادة معالجة أو منتجٍ نهائي. على سبيل المثال، يمكن مزج الحامض والسكر في وقت متأخر مع البكتين ضمن عملية معالجة صناعية بعد تعديل تحرير مكوناته (البكتين) من خلال الطباعة الثلاثية الأبعاد، في عماية مشابهة لما يجري أثناء تنفيذ التغييرات التركيبية للأدوية المطبوعة.
قد يؤدي هذا الأمر إلى تأثيرات متزايدة وحاجة أقل للمواد أو للمعالجة السريعة كما في حالة الخميرة التي يمكن أن تنتج بشكل جديد لتسريع انطلاق تفاعلها في العجينة، مثلاً.
يمكننا أيضاً أن نتوقع أشكالاً جديدة من الشوكولاته قد تقدم لنا «نكهات متفجرة» أو تطيل مدة الشعور بطعمها في الفم أو زيادة قرمشة المنتج المصنوع منها، وقد نرى الكراميل موضوعاً في قلب كرة من الطحين أو مع مجموعة من الكريات الصغيرة المصنوعة من مواد مختلفة في الآيس كريم، وقد نتمكن أيضاً من هندسة تأثيرات الكعكة مع مواد تذوب أو تتسرب في وقت يُحدد مسبقاً، أو طباعة حبوب صغيرة لتسريع أو إبطاء ذوبان مادة ما.

مذاقات جديدة
• بلورات لطَعم جديد. يتيح توظيف الطباعة الثلاثية الأبعاد في صناعة الغذاء المختبري تغيير الشكل الذي يتحول إليه السكر والملح، بحيث يمكن جعل الغذاء يتكون بكيمة سكر أقل ولكن بالطعم الحلو نفسه.
• تكلس السكر. يمكن لتكلس السكر تحديداً أن ينتتج عدة مكعبات سكر من أشكالٍ مختلفة وأن يغير طعم السكر والكراميل بشكل جذري.
• النوغا. قد تكون النوغا الصناعية (منتج يصنع من السكر أو العسل والمكسرات وبياض البيض) مهملة اليوم ولكن هذا المنتج لعب دوراً بارزاً جدا في سيطرة شركتي «مارس» و«هيرشي» على العالم، حيث إن أشهر ألواح الحلوى كـ«ميلكي واي» و«سنيكرز» و«بيبي روث» و«ثري ماسكتيرز» و«باي داي» كانت تحتوي على النوغا.
خلال فترة الكساد الكبير، ازدادت شعبية السكروز الغازي المهوى مع شراب الذرة بإضافة بياض البيض ومسحوق جيلاتين الحليب وفتحت شهية المستهلكين دون كلفة. أما اليوم، فيمكن لنوعية أفضل من النوغا المصنوعة بتطوير إضافي ونكهة أكثر عصرية أن تحدث تغييراً كبيراً في أقسام بيع الحلوى في المتاجر.
• العوامل المكثفة. تؤدي تعديلات تركيبة العوامل المكثفة (المعززة للتماسك والتثخين) كـ«الزانثان» أو الصمغ أو الجيلاتين إلى تغييرات في تركيبة المنتج داخل الفم أو توليد إحساس مختلف كلياً به على اللسان. قد تساهم الطباعة الثلاثية الأبعاد في صناعة أشكالٍ جديدة وتحرير عناصر هذه العوامل وإنتاج الغروانيات المائية.
• الهلاميات المائية التامة غذائياً. يمكن استخدام الأغار Agar وحمض الألغينيك وغيرهما من السكريات المتعددة لصناعة الهلام المائي، وإضافة التركيبات الجديدة المطبوعة إلى هذه الهلاميات لتحسين طعمها وتدعيمها بأغذية معينة. لهذا السبب، يركز الكثير من أعمال الطباعة الحيوية اليوم على الهلاميات المائية.

أغذية موجهة
• الأطعمة التي تستهدف فئة عمرية محددة. من خلال العملية نفسها، تساعد الطباعة الثلاثية الأبعاد في صناعة أطعمة بأشكال مختلفة أو مدعمة بأغذية متعددة تستهدف فئات محددة، كتقليل الملح لكبار السن وإزالة السكر لمرضى السكري بطريقة مضمونة.
• تغذية فردية. تعمل شركة «أن ريتش ثري دي» (AnRich3D) الناشئة على فكرة إنتاج غذاء مفصل فرديا حسب الطلب باستخدام الطباعة الثلاثية الأبعاد، وفقا لموقع «3 دي برنت. كوم». قد يتجلى هذا العمل على شكل صناعة تناسب حاجة معينة أو توصل غذاء محددا يحتاجه الإنسان في وقت يمارس فيه نشاطا ما.
• أطعمة خاصة مصنعة بكميات كبيرة. تعمل الشركات ذات العلامات التجارية والأسماء على إنتاج سلع غذائية مخصصة بأعداد كبيرة، ولكن التخصيص الكمي الهائل في المجموعات والنكهات الفردية في الأطعمة سيصبح خياراً ممكناً ومطروحاً بدوره بفضل الطباعة الثلاثية الأبعاد.
• أطعمة طبية. تستخدم الطباعة الثلاثية الأبعاد في صناعة الأطعمة التي تحتوي على جرعات مختلفة من الأدوية في داخلها، لتتيح لكم وضع حبة الدواء في لوح الحلوى مثلاً بجرعة تناسبكم أنتم فقط. علاوة على ذلك، تسمح التقنية بتحديد جرعة الدواء بحسب المرحلة التي تعيشونها من المرض. وكانت شركة «نوريشد» قد بدأت فعلاً في طباعة فيتامينات خاصة وبيعها بموجب خدمة اشتراك.
• تسهيل المضغ. تتيح الطباعة الثلاثية الأبعاد أيضاً صناعة أطعمة بتركيبات سهلة المضغ تستهدف مجموعات معينة ككبار السن.



«إعادة التحريج»... عوائد إيجابية للمجتمعات الأفريقية

دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
TT

«إعادة التحريج»... عوائد إيجابية للمجتمعات الأفريقية

دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)

شهدت السنوات الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في الاهتمام بمبادرات «إعادة التحريج» بصفتها استراتيجية فعّالة لمواجهة آثار تغيّر المناخ وتحسين سبل معيشة السكان المحليين.

«إعادة التحريج»

تعني «إعادة التحريج»، وفق الأمم المتحدة، استعادة الأراضي التي كانت مغطاة بالغابات من خلال زراعة أشجار جديدة لتعويض الغطاء الحرجي المفقود، بخلاف التشجير الذي يركّز على زراعة أشجار في مناطق لم تكن غابات أصلاً.

وتهدف هذه العملية إلى معالجة تحديات بيئية كبيرة، مثل: التغير المناخي وتآكل التربة، كما تعزّز التنوع البيولوجي، فضلاً عن فوائدها البيئية، مثل تحسين جودة الهواء. وتُسهم «إعادة التحريج» في خلق فرص عمل وتحسين الأمن الغذائي.

ومن أبرز هذه المبادرات «تحدي بون» (Bonn Challenge)، الذي أُطلق عام 2011 بوصفه حملة عالمية، تهدف إلى إعادة تأهيل 350 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة والغابات بحلول عام 2030.

وتشمل هذه المبادرة أساليب متعددة؛ مثل: الزراعة المكثفة لتكوين غابات جديدة لأغراض بيئية أو إنتاجية، والزراعة المختلطة التي تدمج الأشجار مع المحاصيل، أو تربية الحيوانات لزيادة الإنتاجية، بالإضافة إلى التجدد الطبيعي حيث تترك الطبيعة لاستعادة الغابات ذاتياً دون تدخل بشري.

وفي دراسة أُجريت من قِبل فريق بحث دولي من الدنمارك وكندا والولايات المتحدة، تم تحليل تأثير «إعادة التحريج» في تحسين مستويات المعيشة لدى 18 دولة أفريقية، ونُشرت النتائج في عدد 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، من دورية «Communications Earth & Environment».

واعتمدت الدراسة على بيانات أكثر من 200 ألف أسرة بين عامي 2000 و2015. واستخدم الباحثون أساليب إحصائية دقيقة لتحديد العلاقة الإيجابية بين إعادة التحريج وتحسّن مستويات المعيشة.

واستندوا إلى مؤشرات متنوعة لقياس الفقر تشمل التعليم والصحة ومستويات المعيشة؛ حيث أظهرت النتائج أن زراعة الأشجار أسهمت بشكل مباشر في تحسين الدخل وتوفير فرص عمل، بالإضافة إلى آثار اقتصادية غير مباشرة. كما أظهرت أن مناطق زراعة الأشجار كان لها تأثير أكبر من مناطق استعادة الغابات الطبيعية في تخفيف حدة الفقر.

يقول الباحث الرئيس للدراسة في قسم علوم الأرض وإدارة الموارد الطبيعية بجامعة كوبنهاغن، الدكتور باوي دن برابر، إن الدراسة تطرح ثلاث آليات رئيسة قد تُسهم في تقليص الفقر، نتيجة لتوسع مزارع الأشجار أو استعادة الغابات.

وأضاف، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن الآليات تتمثّل في توفير الدخل من خلال بيع منتجات الغابات، مثل: المطاط أو زيت النخيل، ما يسمح للأسرة بزيادة مواردها المادية. كما أن زراعة الأشجار قد تؤدي إلى خلق فرص عمل للسكان المحليين، في حين يمكن أن تُسهم مناطق التجديد البيئي في تحسين الظروف البيئية، ما يفيد الأسر المحلية من خلال النباتات والحيوانات التي يمكن بيعها وتوفير دخل إضافي للسكان.

ووفقاً لنتائج الدراسة، هناك مؤشرات من بعض البلدان؛ مثل: أوغندا، وبنين، أظهرت زيادة في النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار مقارنة بتلك التي لا تحتوي عليها.

تأثيرات الاستدامة

كما أشارت الدراسة إلى أن برامج التشجير في أفريقيا التي تهدف إلى استعادة أكثر من 120 مليون هكتار من الأراضي عبر مبادرات، مثل: «السور الأخضر العظيم»، و«الأجندة الأفريقية لاستعادة النظم البيئية»، تمثّل جهداً كبيراً لمكافحة الفقر وتدهور البيئة.

وتُسهم نتائج الدراسة، وفق برابر، في النقاش المستمر حول استدامة تأثيرات زراعة الأشجار في التنوع البيولوجي والمجتمعات المحلية، من خلال تسليط الضوء على الفوائد المحتملة لهذه المبادرات عندما يتمّ تنفيذها بشكل مدروس ومتوازن. كما أظهرت أن مبادرات زراعة الأشجار، مثل «تحدي بون»، يمكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية للمجتمعات المحلية، سواء من حيث تحسين مستوى المعيشة أو تعزيز التنوع البيولوجي.

وتوصي الدراسة بأهمية مشاركة المجتمعات المحلية في هذه المبادرات بصفتها شرطاً أساسياً لضمان استدامتها ونجاحها، فالتفاعل المباشر للمجتمعات مع المشروعات البيئية يزيد من تقبلها وفاعليتها، مما يعزّز فرص نجاحها على المدى الطويل.