«صراع الطاقة»... صخب متجدد في شرق المتوسط

تركيا تروّج لاعتراف أممي باتفاقها مع «الوفاق»... ومصر تتعهد حماية حقوقها

TT

«صراع الطاقة»... صخب متجدد في شرق المتوسط

لم تكد حمى التصريحات والمواقف المشتعلة في محيط شرق البحر المتوسط تخفت حتى عاد الصخب مجدداً ليؤكد الحقائق التي يصعب تجاوزها بشأن الصراع في المنطقة، وتحديداً عبر المياه التي تُغطي كنزاً مُغرياً من مكامن الطاقة المهمة.
وأظهرت المواقف الرسمية الأحدث لمسؤولين مصريين وأتراك مستوى التباين الواضح والخلاف العميق بين الدولتين، اللتين تُعدان الأبرز فاعلية في النطاق الجغرافي لحقول «الغاز»، إذا استُبعدت - نظرياً - القوى الدولية الأخرى ذات المصالح بالملف نفسه.
وبعد إشارات ودعوات أطلقتها أنقرة عبر مستويات عدة لـ«تفاهم» بشأن المصالح في المتوسط مع القاهرة، التي استقبلت هذه المساعي بتحفظ وتشكيك، عادت تركيا إلى مواقفها المعتادة في الملف نفسه، معلنة عبر ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي، أن اتفاق مصر واليونان لترسيم الحدود البحرية «يضر بمصالح تركيا»، وفق تقديره، بل وزاد مهاجماً بحدة النظام السياسي المصري القائم.
لكن ليس هذا فقط ما عبرت عنه أنقرة في الملف ذاته، بل إنها أتبعته بإعلان وزارة الدفاع التركية الجمعة الماضي، أن «الأمم المتحدة سجلت لديها الاتفاق البحري، الذي تم توقيعه العام الماضي بين أنقرة وحكومة الوفاق الليبية المعترف بها دولياً»، وهو الاتفاق الذي يحظى باعتراض دول عدة في محيط شرق المتوسط، ويرفضه كذلك مجلس النواب الليبي المنتخب.
القاهرة بدورها لم يبدُ موقفها متغيراً، فكما رهنت قبل أسابيع تعاطيها مع الإفادات التركية المتعلقة بـ«التفاهم» بضرورة تحولها من «الأقوال إلى الأفعال»، جددت على لسان وزير خارجيتها، سامح شكري، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره المجري بيتر سيارتو في القاهرة الخميس الماضي، التأكيد على أن «التصريحات التركية فيها كثير من التناقض. فنحن نرى بخصوص اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان تصريحاً يتضمن اعتراضاً على هذه الاتفاقية، ثم يدلون بتصريح يقولون فيه إن اتفاقية ترسيم الحدود لا تؤثر على المصالح التركية».
وعلى جانب آخر، عبرت «الإشكاليات العميقة» الأخرى أمام دعوات التفاهم بين القاهرة وأنقرة عن نفسها بوضوح، عبر وزير الخارجية المصرية، الذي تساءل عن أسباب «احتضان تركيا للتنظيمات الإرهابية، التي تعمل على زعزعة الاستقرار في مصر من خلال بث أكاذيب، وكذلك الوجود العسكري فى دول عربية دون سند شرعي».
وبغض النظر عن عمق الخلاف القائم أصلاً منذ سنوات بين نظامي الحكم في البلدين، فإنه لا يمكن عند محاولة تحليل أسباب عودة التصعيد التركي، استبعاد التطور المهم والكبير، الذي مثله إعلان تأسيس «منتدى غاز شرق المتوسط» كمنظمة إقليمية في 22 سبتمبر (أيلول) الماضي، تضم دولاً عدة، بينها 3 من أعضاء الاتحاد الأوروبي، والذي تواكبت التصريحات التركية «الهادئة» مع اقتراب إعلانه، ما يشير إلى مسعى أنقرة للحاق به.
ولعل القارئ المدقق لبيان تأسيس المنتدى يقرأ من بين سطوره تلك الإشارة إلى تركيا، دون تسميتها، إذ إنه اشترط في معرض التطلع لعضوية دول أخرى أن «تتماشى مع أهدافها (...) مع التأكيد على رفض أي أعمال عنف تشكل عائقاً لتحقيق رخاء المنطقة». كما أنه يستهدف «تعزيز الاستقرار والازدهار الإقليمي، وخلق مناخ من الثقة وعلاقات حسن الجوار».
وبالنظر إلى طبيعة تلك الشروط كأساس لتقدم أي دولة لطلب عضوية «منتدى غاز شرق المتوسط»، فإنه لا توجد دولة يوجه لها أعضاء المنتدى تهم «زعزعة الاستقرار، والإضرار بحُسن الجوار، خصوصاً في النطاق البحري» سوى تركيا، وبالتالي بدا الإعلان عن تأسيس هذه المنظمة الإقليمية المهمة والضرورية في الخطط المستقبلية لعمليات التنقيب خصماً من احتمالات حضور أنقرة كفاعل إقليمي في ملف الطاقة، وابتعاداً عن اعتبارها طرفاً يمكنه إبرام اتفاقيات مع الشركات العملاقة العاملة في مجالات التنقيب.
وإذا كانت المواقف الأوروبية باتت تقترب من فرض عقوبات على تركيا «إذا واصلت التنقيب عن النفط والغاز في مناطق متنازع عليها في شرق البحر المتوسط»، وتحديداً قبالة قبرص، وحددت شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل لمراجعة مدى التزام أنقرة؛ فإن القاهرة هي الأخرى بدت حريصة على إظهار الردع، وقالت خارجيتها إن القاهرة «لم ولن تفرط في حبة رمل واحدة من ترابها الوطني في أي مرحلة، ولم ولن تفرط في نقطة واحدة من مياهها؛ سواء كانت الإقليمية أو المنطقة الاقتصادية الخالصة لها».
وكان ذلك إشارة على ما يبدو إلى «تداخل» إحدى المناطق الاقتصادية الخالصة، التابعة لمصر، مع خطط تركية لخطط المسح (قبل التنقيب) في مياه المتوسط.
وأبدت القاهرة في أغسطس (آب) الماضي، اعتراضها على «الإنذار الملاحي الصادر من تركيا بقيام إحدى سفنها لأعمال المسح»، مؤكدة أن هناك «تداخلاً بالنقطة رقم (8) الواردة بالإنذار الملاحي (التركي) مع المنطقة الاقتصادية الخالصة المصرية».
وفي ضوء المعطيات الراهنة لأطراف التفاعل في النطاق البحري لمنطقة شرق المتوسط، فإنه من غير المستبعد أن تزداد الأحداث صخباً من قبل أنقرة، ما لم يحدث تغيير نسبي في مواقف قوى دولية أخرى، وأخصها الولايات المتحدة عبر إظهار الردع لتركيا، وهو ما لا يتوقع حدوثه قبل إتمام الانتخابات الأميركية المقررة الشهر المقبل.



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.