لبنان وإسرائيل يترقبان بدء مفاوضات حول الحدود المتنازع عليها

مسؤولون لبنانيون رفقة مسؤول قوات الأمم المتحدة في لبنان الجنرال ستيفانو دل كول (إ.ب.أ)
مسؤولون لبنانيون رفقة مسؤول قوات الأمم المتحدة في لبنان الجنرال ستيفانو دل كول (إ.ب.أ)
TT

لبنان وإسرائيل يترقبان بدء مفاوضات حول الحدود المتنازع عليها

مسؤولون لبنانيون رفقة مسؤول قوات الأمم المتحدة في لبنان الجنرال ستيفانو دل كول (إ.ب.أ)
مسؤولون لبنانيون رفقة مسؤول قوات الأمم المتحدة في لبنان الجنرال ستيفانو دل كول (إ.ب.أ)

أعلن كلّ من لبنان وإسرائيل أمس (الخميس) التوصل إلى تفاهم حول بدء مفاوضات برعاية الأمم المتحدة بشأن حدودهما البحرية المتنازع عليها، فيما وصفته واشنطن بأنه «تاريخي» بين الدولتين اللتين تُعدّان في حالة حرب.
وأشار مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شنكر إلى أن هذه المحادثات ستبدأ في أسبوع 12 أكتوبر (تشرين الأول) ، بحسب ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».
وقال رئيس البرلمان اللبناني نبيه برّي في مؤتمر صحافي: «فيما يخص مسألة الحدود البحرية، سيتم عقد اجتماعات بطريقة مستمرة في مقر الأمم المتحدة في الناقورة تحت راية» المنظمة الدولية. وأوضح أنّ «الاجتماعات (ستعقد) برعاية فريق المنسق الخاص للأمم المتحدة لشؤون لبنان».
وأضاف: «طلِبَ من الولايات المتحدة من قبل الطرفين، إسرائيل ولبنان، أن تعمل كوسيط ومسهّل لترسيم الحدود البحرية وهي جاهزة لذلك». وأعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في بيان أنّ هذا الاتفاق «ثمرة جهود دبلوماسية حثيثة استمرت لنحو ثلاث سنوات».
ولم يُشِر رئيس البرلمان اللبناني إلى تاريخ بدء المحادثات. وقالت إسرائيل من جانبها إنّ المباحثات ستكون «مباشرة»، وستبدأ عقب انتهاء «عيد العرش» (سوكوت) في 10 أكتوبر (تشرين الأول)، وفق بيان صدر عن مكتب وزير الطاقة يوفال شتاينتز.
لكن مستشار رئيس البرلمان اللبناني علي حمدان أوضح أنّ الفريقين سيجلسان «في القاعة ذاتها، ولكن لن يكون هناك تخاطب مباشر بينهما، وإنّما عبر الفريق الأممي ولذا أقول إنّها ليست مباشرة».
في 2018 وقّع لبنان أول عقد له للتنقيب البحري عن الغاز والنفط في المربعين «4» و«9» مع اتحاد شركات يضم «توتال» و«إيني» و«نوفاتيك». وجزء من المربع «9» يعدّ محل نزاع بين لبنان وإسرائيل.
بدوره، شكر وزير الخارجية الإسرائيلي غابي إشكنازي، في بيان، نظيره الأميركي «مايك بومبيو وفريقه على جهودهم المتفانية التي أدت إلى بدء المحادثات المباشرة بين إسرائيل ولبنان». وقال شنكر، أمس (الخميس)، إن الحدود البرية ستكون موضوع مناقشات منفصلة. وصرّح: «نرحّب (...) بالخطوات الجديدة التي اتّخذها الطرفان لاستئناف المناقشات على مستوى الخبراء بشأن النقاط العالقة» المرتبطة بالخط الأزرق الذي يفصل لبنان وإسرائيل «بهدف التوصل إلى اتفاق بشأن هذه القضية». وشدد المسؤول الأميركي على أن هذا الأمر يتعلق «بشق منفصل و(...) بمناقشات يجب إجراؤها بين الإسرائيليين واللبنانيين و(اليونيفيل)» في إشارة إلى القوات الأممية.
من جهته، أكد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة يان كوبيتش أنه ستحصل «مناقشات حول ترسيم الحدود البحرية»، مشيراً إلى أن «سلسلة منفصلة من المحادثات حول الخط الأزرق، ستُجرى أيضاً». ولاحقاً، رحّب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بيان، بالاتفاق على إطلاق مفاوضات حول «ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وإسرائيل، التي ستستضيفها الأمم المتحدة في مقر قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) في الناقورة».
وأشار الأمين العام للأمم المتحدة في بيانه إلى «الجهود الدبلوماسية المتواصلة (التي تبذلها) الولايات المتحدة لتسهيل» التوصل إلى هذا الاتفاق، مؤكدا عزم بعثة الأمم المتحدة «على دعم العملية على النحو الذي يطلبه الطرفان وفي إطار قدرتها وولايتها».
وكانت الحكومة الإسرائيلية أعلنت في مايو (أيار) 2019 أنّها وافقت على بدء مباحثات مع لبنان برعاية الولايات المتحدة لحل النزاع الحدودي.
وقام المسؤولون الأميركيون بجولات مكوكية بين الدولتين منذ نحو عقد في محاولة لفتح المجال أمام إجراء ترسيم حدودي.
وفي 8 سبتمبر (أيلول) ، أشار شنكر إلى «تقدّم» على صعيد بدء المباحثات، مبدياً أمله في «العودة إلى لبنان وتوقيع هذا الاتفاق في الأسابيع المقبلة».
وإضافة إلى النزاع بخصوص مساحة تمتد لنحو 860 كلم مربع، ستتناول المباحثات أيضاً «الحدود البرية على أساس الخط الأزرق». ورحّبت قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل) بالتفاهم، مؤكدة الاستعداد «لتقديم كل الدعم الممكن للأطراف وتسهيل الجهود لحل هذه المسألة».
ويُعدّ حل النزاع حيوياً بالنسبة إلى لبنان الذي يعاني منذ عام أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ عقود. وقالت الخبيرة اللبنانية لوري هايتايان إنّ «ترسيم الحدود (البحرية) ضروري لأنّه سيسهل العمل في المربع رقم (9)، ومن شأنه أن يثير اهتمام شركات دولية بالنسبة للمربع (8) الذي يقع أكثر من نصفه في المنطقة المتنازع عليها».
ولبنان المتخلف منذ مارس (آذار) عن دفع مستحقات متوجبة، مهتم بأعمال التنقيب خاصة أن الأعمال الأولى في المربع (4) أظهرت آثاراً للغاز، ولكن بكمية غير كافية للاستغلال التجاري». وتعلّق السلطات اللبنانية آمالاً واسعة على اكتشافات محتملة من شأنها المساهمة في النهوض الاقتصادي من جديد.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم