تحذير أممي من الاستسلام لخيار «الدولة الواحدة»

واشنطن تدعو إلى اغتنام فرص السلام الأوسع التي توفرها «اتفاقيات إبراهيم»

TT

تحذير أممي من الاستسلام لخيار «الدولة الواحدة»

حذر منسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف من أن «عوامل عدم الاستقرار» في المنطقة يمكن أن تدفع الفلسطينيين والإسرائيليين في اتجاه القبول بـ«واقع الدولة الواحدة» لاستمرار الاحتلال والنزاع.
وكان ملادينوف يتحدث خلال الجلسة الشهرية لمجلس الأمن عن «الحالة في الشرق الأوسط بما في ذلك المسألة الفلسطينية»، إذ قال: «نحن الآن في لحظة محورية في البحث عن السلام، إذ تهدد عدة عوامل مزعزعة للاستقرار بدفع الفلسطينيين والإسرائيليين نحو واقع الدولة الواحدة التي يطول فيها أمد الاحتلال والنزاع». وأضاف: «لا أزال ملتزماً دعم الطرفين لحل النزاع، وإنهاء الاحتلال، بما يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، والقانون الدولي، والاتفاقات الثنائية، سعياً لتحقيق رؤية دولتين، إسرائيل ودولة فلسطينية مستقلة وديمقراطية متصلة وقابلة للحياة وذات سيادة على أساس خطوط ما قبل 1967، وبحيث تكون القدس عاصمة للدولتين». وكرر دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لأعضاء الرباعية والشركاء العرب الرئيسيين، والقيادتين الإسرائيلية والفلسطينية من أجل «إعادة الانخراط على وجه السرعة في الجهود المبذولة لتعزيز هدف حل الدولتين المتفاوض عليه قبل فوات الأوان».
وكذلك حذر ملادينوف من استمرار العنف من المستوطنين الإسرائيليين، مذكراً بأنه «يتعين على إسرائيل، كقوة احتلال، أن تضمن سلامة وأمن السكان الفلسطينيين ومحاسبة مرتكبي الهجمات ضد الفلسطينيين». وشدد على أنه «يتعين على القوات الإسرائيلية أن تمارس أقصى درجات ضبط النفس، ولا يجوز لها استخدام القوة المميتة إلا عندما لا يمكن تجنبها من أجل حماية الأرواح». وحول خطط الضم الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية، قال إن تعليق إسرائيل لخطط ضم أجزاء من الضفة الغربية أدى إلى «إزالة تهديد خطير كان من الممكن أن يقلب السلام والاستقرار الإقليمي»، منبهاً إلى أن «الخطر لا يزال قائماً (…) وأشعر بقلق بالغ من المناقشات الأخيرة في الكنيست الإسرائيلي الذي أظهر ضغطاً متزايداً ضد الفلسطينيين الذين يعيشون في المنطقة (جيم)». وعبر أيضاً عن «قلق عميق إزاء الارتفاع الخطير في عمليات هدم ومصادرة المباني المملوكة للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك شرق القدس»، مطالباً إسرائيل بـ«وقف هذه السياسة على الفور تماشياً مع التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي».
وتطرق ملادينوف إلى المصالحة الفلسطينية، مشيراً إلى أنه في 3 سبتمبر (أيلول) شهد «للمرة الأولى منذ زهاء عشر سنوات» عقد اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أول اجتماع لها مع زعماء كل الفصائل الفلسطينية. وأضاف أن المتحدثين الفلسطينيين في الاجتماع «ركزوا على الحاجة لاستعادة الوحدة وإصلاح منظمة التحرير، فيما أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس موقفه المعلن باستعداده لبدء المفاوضات مع إسرائيل برعاية أممية أو دولية، داعياً إلى المقاومة الشعبية لمواجهة تهديد ضم الأراضي الفلسطينية من قبل إسرائيل». وأشار إلى أن جائحة «كوفيد - 19»، وتعليق التنسيق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، رداً على الخطط الإسرائيلية بضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، ساهما في تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والسياسية في غزة وأثرا على الوضع الصحي والاقتصادي - الاجتماعي في الضفة الغربية المحتلة. ولاحظ أن الفلسطينيين «يطالبون بكسر احتكار رعاية الولايات المتحدة للمفاوضات مع الاحتلال، بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب في ديسمبر (كانون الأول) 2017، الاعتراف بمدينة القدس عاصمة للاحتلال، ونقل سفارة بلاده إليها. وجراء رفض الاحتلال الإسرائيلي وقف الاستيطان والقبول بحدود ما قبل حرب يونيو (حزيران) 1967 أساساً لحل الدولتين، توقفت مفاوضات التسوية منذ أبريل (نيسان) 2014». وتحدثت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت مشيرة إلى «اتفاقات إبراهيم» لتدعو القادة الفلسطينيين «المدينين لشعبهم برفض العنف، واغتنام فرص السلام الأوسع التي توفرها (اتفاقات إبراهيم)، والعمل مع إسرائيل لحل قضاياهم التي طال أمدها». وأملت في أن «تتمكن الدول العربية الأخرى من البناء على الاتفاقات مع تشجيع الفلسطينيين على إجراء محادثات مباشرة مع إسرائيل».
ولفتت إلى اجتماع غير رسمي تنظمه بلادها مع دولة الإمارات العربية المتحدة لعقد جلسة إحاطة مع أعضاء مجلس الأمن لمناقشة اتفاقات السلام، مضيفة أن «هذا الإيجاز سيوفر فرصة للنقاش الصريح حول كيف يمكن أن تكون هذه الاتفاقيات بمثابة نقطة انطلاق لكسر الجمود بشأن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم