اليمين الاستيطاني يطالب باعتقال الأطفال الفلسطينيين الذين يقذفون الحجارة

يتهم الجيش الإسرائيلي بالخنوع

طفلان في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين بقطاع غزة (رويترز)
طفلان في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين بقطاع غزة (رويترز)
TT

اليمين الاستيطاني يطالب باعتقال الأطفال الفلسطينيين الذين يقذفون الحجارة

طفلان في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين بقطاع غزة (رويترز)
طفلان في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين بقطاع غزة (رويترز)

أطلقت حركة يمينية استيطانية متطرفة تدعى «المنتدى القانوني لأجل إسرائيل»، حملة ضد الجيش الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية المحتلة، تتهمه فيها بالتساهل وحتى الخنوع أمام الفلسطينيين الذين يقذفون الحجارة على جنوده وعلى المستوطنين، وطالبت بتشديد القبضة الحديدية على الفتية الفلسطينيين وعدم التردد في اعتقالهم وتقديمهم للقضاء وتغريم أهاليهم بمبالغ كبيرة كي يرتدعوا.
وقال المحامي يوتام إيال، مدير عام هذه الحركة، المعروف بالمعارك التي يخوضها ضد ممثلي الدولة العميقة في إسرائيل، خصوصاً المؤسستين القضائية والعسكرية، إنه «على الرغم من الاعتراف بأن قذف الحجارة هو اعتداء خطير من شأنه أن يؤدي إلى القتل، وحصل أن أدى فعلاً إلى القتل في الماضي، واعتباره إرهاباً بكل معنى الكلمة، فإن الجيش المتحكم بسلطة إنفاذ القانون في المناطق (الفلسطينية المحتلة) لا يترجم رأيه هذا للغة الفعل، ويتساهل مع الفلسطينيين».
كانت الحركة قد نشرت إحصائيات مفادها أنه في سنة 2019 وقعت 1469 حادثة قذف حجارة من فلسطينيين في الضفة الغربية باتجاه الجنود والمستوطنين، لكنّ السلطات الأمنية فتحت 169 ملف تحقيق واعتقلت 17 شخصاً فقط. وأن الوضع لم يتغير في السنة الجارية، ومع أنها لم تنتهِ بعد فقد وقعت خلالها 1033 حادثة قذف حجارة وتم فتح 116 ملفاً واعتقال 12 شخصاً. ورأت الحركة في هذه الأرقام دليلاً على تقاعس الجيش، وقالت إن بعض هذا التقاعس ناتج عن الفوضى في عمل الجيش.
ويحذر الفلسطينيون من هذه الحملة قائلين إن الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، كان قد سن قانوناً في سنة 2015 يعد قذف الحجارة إرهاباً ويحاكم عليه وفق بند «الشروع بالقتل» ويفرض عقوبة تصل إلى 20 عاماً على من يدان ويتسبب بأضرار. وقالت منظمة «بتسيلم» الإسرائيلية لحقوق الإنسان إن هذه الحملة الاستيطانية جاءت لتغطي على عدة حقائق تدين المتطرفين المستوطنين؛ فأولاً، المستوطنون أنفسهم يمارسون قذف الحجارة على الفلسطينيين ولا تتم محاسبتهم. والإحصائيات المذكورة لا تتطرق إلى قيام جنود الجيش الإسرائيلي بإطلاق الرصاص على قاذفي الحجارة الفلسطينيين، وفي كثير من الأحيان يتسبب ذلك في حوادث قتل. وقدمت المنظمة مثلاً على ذلك «حصل في قرية كفل حارس في محافظة سلفيت، يوم 9 يوليو (تموز) الماضي، إذ قام جنود الاحتلال بمطاردة اثنين من الفتية وهُم يطلقون النّيران نحوهما ويهدّدون حياتهما دون أي مبرّر. وقد تمكّن أحد الفتيين من الفرار وأصيب الآخر في رجله مما استدعى إخضاعه لعمليّة جراحيّة. وفي الحادثة نفسها قُتل أحد سكّان القرية ويُدعى إبراهيم أبو يعقوب (34 عاماً). وحسب نتائج التحقيق الذي أجرته (بتسيلم) تبين أنّ يعقوب كان يمرّ من المكان راجلاً برفقة صديقه هيثم حامد (35 عاماً) إذ اعتاد الاثنان الخروج للمشي كلّ مساء. عرّج يعقوب وصديقه على الناحية الجنوبيّة من القرية إلى منزل صديقهما ليعرضا عليه الانضمام إليهما ولمّا لم يجداه في المنزل عادا أدراجهما لينطلقا في نزهتهما في الناحية الشماليّة من القرية. وكان الجنود على بُعد نحو 200 متر منهما عندما أطلقوا النار فأصابوا إبراهيم. وقد وجد الأطبّاء أنّ الرّصاصة أصابت إبراهيم بين لوْحَي الكتف وخرجت من عنقه. نفّذ الأطبّاء إجراءات إنعاش استمرّت نصف السّاعة لكنّها باءت بالفشل وتوفّي إبراهيم متأثّراً بجراحه».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟