سيذكر الكويتيون طويلاً الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، باعتباره أكثر الأمراء عفوية وبساطة. طريقته جعلته بعيداً عن التكلف والرسمية، والحياة الباذخة، رغم أنه عاش عمره في العمل السياسي والدبلوماسي.
العفوية جزء رئيسي من شخصية الأمير الراحل، وبهذه العفوية تمكن من الولوج إلى قلوب شعبه الذي وجد في بساطته وعفويته حضناً أبوياً يقترب من عامة الناس ويعيش وسطهم من دون فوارق الحكم والثروة والسلطة.
تلك العفوية شاهدها الناس باستمرار في زيارات الأمير غير الرسمية والخالية من البروتوكولات الرسمية للديوانيات والمجالس وبيوت العزاء وصالات الزفاف. وفي ذاكرة الكويتيين لقطات معبرة مثل دخول الأمير فجأة لمجلس عزاء لتقديم واجب العزاء في راحل من عامة الناس، أو حضوره مراسم زواج والشهادة على العقد. كما أصبحت زياراته المتكررة للديوانيات والمقاهي الشعبية، وديوانيات أصحاب المهن كديوانية «القلاليف» وديوانية الاتحاد الكويتي لصيادي السمك، ومقهى القبلة الشعبي، وديوانية «الوطية» للصيادين، خصوصاً في شهر رمضان، عادة سنوية.
في مناسبات متكررة، كسر الأمير البروتوكول ليقرب شخصية علمية أو أدبية أو صديقاً قديماً في المجلس أو عند التقاط الصور التذكارية، رغم وجود مسؤولين كبار في العائلة الحاكمة والحكومة. وكان يتعين ألا يقرأ أحد الإجراء بعيداً عن العفوية المعهودة للأمير.
وعلى هذا الأساس أيضاً، صدرت تصريحات كثيرة حملت نيات طيبة، ورغبة صادقة في أن يسود الوئام والتفاهم بين فرقاء لم تنضج بعد ظروف مصالحتهم، وكانت عفوية الأمير تعطي جرعة تفاؤل قبل أوانها.
بسبب حبه للبساطة والابتعاد عن التكلف، كان أمير الكويت الذي يُعد واحداً من أكبر أثرياء العالم، يختار الصومال مكاناً لقضاء إجازته بعيداً عن صخب الحياة الباذخة في منتجعات العالم. في حواره التلفزيوني مع الإعلامي الكويتي يوسف الجاسم (الرئيس الحالي لمجلس إدارة (الخطوط الجوية الكويتية)، قال إنه اختار الصومال لأنها «البلد الوحيد الذي يخلو من أي تعقيدات، حيث يمكنك أن تذهب بأي لباس تختار، حتى لو كان وزارا (لباس تقليدي في الخليج)، ودشداشة (الثوب) ولن يسأل عنك أحد».
وبعد انهيار الأمن والاستقرار في الصومال، عرّج نحو الساحل العماني، حيث كان الشيخ صباح الأحمد يقضي بضعة أيام من إجازته كل عام في قرية صغيرة قرب صلالة، يقضيها في صيد الأسماك.
الشيخ صباح الأحمد كان من هواة الصيد، إذ يهوى «الحداق» وهو الصيد بالسنارة، وهو يذكر قصة أنه كان يصطاد الأسماك في عرض البحر، حين علقت السنارة بقفص للصيد وعندما سحب السنارة وجد القفص مليئاً بالأسماك، فما كان منه إلا أن أخذ تلك الأسماك ووضع مبلغاً من المال في قنينة ماء فارغة، وأحكم إغلاقها ووضعها في القفص تعويضاً لأصحابها.
كان الشيخ صباح الأحمد يقول إن فلسفته في الحياة، أن يعيش من دون تكلف بعيداً عن الأذى وفي صحة جيدة. «أنا دائماً أستعمل هذه الطريقة وأنصح أي إنسان ألا تغره فلوسه أو يغره جاهه. كل هذا لا يفيده بشيء. ما يفيده إلا نياته الطيبة وبساطته مع نفسه ومع الناس الآخرين».
- حياة عائلية مسكونة بالأحزان
ولد الشيخ صباح الأحمد في مدينة الجهراء شمال غربي الكويت العاصمة في 16 يونيو (حزيران) 1929، وعاش طفولته تلك في الجهراء التي كانت عبارة عن قرية زراعية في كنف أخواله آل العيّار. والدته هي منيرة عثمان السعيد العيار، وكانت يتيمة لم ينجب والدها عثمان حمد العيار غيرها فاحتضنها عمّها مبارك الحمد العيّار.
في سنّ الرابعة من عمره، انتقل إلى قصر السيف في العاصمة الكويت، حيث تربى مع أخيه الشيخ جابر الأحمد في كنف والدة الشيخ جابر الشيخة بيبي السالم الصباح. تزوج في ريعان شبابه من الشيخة فتوح السلمان الحمود الصباح، في أربعينات القرن العشرين، وهي ابنة عم والده أحمد الجابر الصباح.
وتوفيت زوجته قبل الغزو العراقي للكويت، ولم يتزوّج بعدها. لديه منها بنت واحدة هي سلوى التي توفيت عام 2002 بعد إصابتها بسرطان الثدي، وثلاثة أبناء، أكبرهم الشيخ ناصر، ثم حمد، وأحمد الذي توفي صغيراً في حادث عام 1969.
لذلك، كان الأمير على موعد مع الحزن الدفين منذ توفيت والدته وهو في مقتبل العمر، ثم وفاة والدته الثانية التي ربته الشيخة بيبي السالم، ووفاة زوجته الشيخة فتوح السلمان، وبقي بعدها من دون زواج، ثم جاءت وفاة ابنه أحمد، ومن خلفها وفاة ابنته الوحيدة سلوى.
صباح الأحمد... حياة من العفوية والأحزان العائلية
صباح الأحمد... حياة من العفوية والأحزان العائلية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة