رحيل غاريث بيل عن ريال مدريد جلب السعادة لجميع الأطراف

النادي الإسباني يتنفس الصعداء... والنجم الويلزي ترك مقاعد البدلاء... وجماهير توتنهام متفائلة بعودته

بيل وجماهير ريال مدريد التي رددت اسمه قبل أن تطالب برحيله (غيتي)
بيل وجماهير ريال مدريد التي رددت اسمه قبل أن تطالب برحيله (غيتي)
TT

رحيل غاريث بيل عن ريال مدريد جلب السعادة لجميع الأطراف

بيل وجماهير ريال مدريد التي رددت اسمه قبل أن تطالب برحيله (غيتي)
بيل وجماهير ريال مدريد التي رددت اسمه قبل أن تطالب برحيله (غيتي)

ربما يكون أكثر شيء مثير للحزن في رحيل النجم الويلزي غاريث بيل عن ريال مدريد هو أنه لا أحد يشعر بالحزن على الإطلاق! وبدلاً من ذلك، هناك شعور بالغضب وخيبة الأمل، لكن الشعور السائد هو «الارتياح»، كأن لسان حال الجميع يقول: «لقد رحل أخيراً! هذا أمر جيد سيمكننا جميعاً من المضي قدماً في حياتنا!». وفي الحقيقة، لا يمكن أن يكون هناك شخص أكثر سعادة بهذه الخطوة من غاريث بيل نفسه، الذي بات بإمكانه الآن المشاركة في المباريات من جديد، وربما العودة لسابق مستواه وإمتاعنا بقدراته وفنياته الهائلة داخل المستطيل الأخضر مرة أخرى، بعد الفترة الصعبة التي عاشها في ريال مدريد مؤخراً. والآن، انتهت مسيرة اللاعب الويلزي مع النادي الملكي، بعدما حصل معه على أربع بطولات أوروبية ولقبين للدوري الإسباني الممتاز وسجل أكثر من 100 هدف.
وفي المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا في كييف عام 2018، كان بيل يجلس على مقاعد البدلاء قبل أن يدفع به المدير الفني للفريق الملكي، زين الدين زيدان، في المباراة ليسجل هدفاً استثنائياً ويعزز فوز فريقه بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة الرابعة خلال خمس سنوات، في مسيرة استثنائية لم تتكرر منذ 50 عاماً كاملة. وكان بيل قد قضى فصل الربيع السابق بأكمله وهو بعيد عن التشكيلة الأساسية للفريق، وبالتالي كان يشعر بحزن عميق ولم يكن قادراً على فهم الأسباب التي أدت إلى إبعاده. لذلك، أعلن النجم الويلزي، وهو يرتدي ميدالية الفوز بلقب دوري أبطال أوروبا، أنه يفكر في الرحيل عن ريال مدريد. لقد بدا الأمر آنذاك كأنه تهديد من جانب بيل، ولم يكن جمهور النادي الملكي يرحب بتلك الخطوة في ذلك الوقت، لكن خلال العام الماضي أو أكثر، كان جمهور ريال مدريد يتمنى حدوث تلك الخطوة!
ولو كان بيل قد رحل عن صفوف ريال مدريد عقب الفوز بلقب دوري أبطال أوروبا مباشرة، فإنه كان سيحظى بوداع يليق به من جمهور النادي، لكن الأمر اختلف تماماً بعد مرور عامين! لقد كان العام الماضي - بل وربما العامين الماضيين - للنسيان بالنسبة للاعب الويلزي، وبالتالي كان هناك تصميم على ألا تمتد هذه الفترة السيئة لعام ثالث، وهو الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى رحيل بيل إلى توتنهام.
وخلال الصيف الماضي، تراجع ريال مدريد عن السماح للاعب الويلزي بالانتقال إلى الدوري الصيني وانهار كل شيء في اللحظات الأخيرة. وقال زين الدين زيدان عن بيل آنذاك: «لو رحل غداً، فسيكون ذلك أفضل كثيراً». ومن المؤكد أن ريال مدريد يندم الآن على عدم الموافقة على رحيله آنذاك، خصوصاً أنه يكلف خزينة النادي 17 مليون يورو سنوياً.
قد يكون من الصعب في بعض الأحيان أن نفهم عدم رغبة بيل في تحمل بعض الخسائر المالية من أجل العودة للعب كرة القدم، لكن من الجيد أنه لم يفكر بهذه الطريقة هذه المرة، خصوصاً أن عودته إلى توتنهام تعد الخطوة المثالية بالنسبة له في الوقت الحالي. وبالنسبة لريال مدريد، قد لا تكون هذه الخطوة بمثابة حل رائع، لكنها أفضل الحلول المتاحة على أي حال. وفي نهاية المطاف، انتهت العلاقة بين بيل وريال مدريد بشكل غير سعيد، خصوصاً أن اللاعب الويلزي كان يهدد دائماً بالبقاء وتكبيد خزينة النادي هذا المقابل المادي الكبير، رغم رغبته الداخلية في الرحيل من أجل ممارسة كرة القدم. ورغم أن بيل لم يكن مستعداً لتحمل أي خسائر مالية، فإنه كان يسعى دائماً للبحث عن طريق للخروج من «سانتياغو برنابيو»، وقد وجده أخيراً إلى توتنهام. أما بالنسبة لريال مدريد، فإن هذه الخطوة قد وفرت كثيراً للنادي الذي كان يدفع راتباً فلكياً للاعب الويلزي، كما أنها جنبت النادي الدخول في مشكلة مع اللاعب لموسم آخر.
من المؤكد أنه لا يوجد أي شخص يريد سماع هذا الأمر الآن، لكن من الناحية النظرية فإن بيل سيعود إلى ريال مدريد في يوليو (تموز) المقبل بعد نهاية فترة إعارته. ولو ظل زيدان في منصبه حتى ذلك الوقت، فإنه لن يرحب بعودة بيل بكل تأكيد، وهو الأمر الذي ينطبق على معظم المسؤولين في النادي الإسباني. وإذا نظرنا إلى الإحصائيات الخاصة باللاعب الويلزي مع ريال مدريد سنجد أنه حقق نجاحاً كبيراً هناك. ورغم ذلك، لا يشعر أي شخص في النادي الإسباني بالحزن على رحيله، ولم يتحدث أي شخص عن أنه كان أسطورة من أساطير النادي. وبدلاً من ذلك، هناك شعور بالمرارة والاستياء والراحة على رحيل بيل بعدما وصلت العلاقة بينه وبين ريال مدريد إلى طريق مسدودة. وفور الإعلان عن الصفقة، جاء العنوان الرئيسي لصحيفة «آس» الإسبانية يقول: «وداعاً بيل». وأضافت الصحيفة: «بيل كلف خزينة ريال مدريد 101 مليون يورو، ورحل بعدما ترك وراءه مجموعة صغيرة من الأهداف الحاسمة، وتاريخاً طبياً طويلاً بسبب الإصابات، وكثيراً من الجدل خارج الملعب بشكل لم يكن يريده ريال مدريد. إن كل دقيقة لعبها غاريث بيل كلفت ريال مدريد 23.800 يورو!».
وتشمل هذه «المجموعة الصغيرة من الأهداف الحاسمة» ثلاثة أهداف في نهائي دوري أبطال أوروبا - اثنان من هذه الأهداف الثلاثة كانا هدفي الفوز - بالإضافة إلى ركلة جزاء في المباراة النهائية الثالثة لدوري أبطال أوروبا. وكان من بين هذه الأهداف أيضاً هدف ربما يمكن تصنيفه على أنه أفضل هدف في المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا على مر التاريخ. كما تشمل هذه «المجموعة الصغيرة من الأهداف الحاسمة» هدفاً ربما يكون الأفضل في تاريخ المباريات النهائية لكأس ملك إسبانيا. وعلاوة على ذلك، سجل بيل في مرمى الغريم التقليدي برشلونة في مباريات الكلاسيكو، كما بلغت حصيلته التهديفية مع ريال مدريد 105 أهداف و68 تمريرة حاسمة في 251 مباراة. وكانت المشكلة الأساسية التي تواجه اللاعب تتمثل في عشقه للعبة الغولف، وليس الخروج من منزله حتى وقت متأخر من الليل، وعدم إتقانه للغة الإسبانية، وهي أمور لا تمثل «جرائم بشعة» في حقيقة الأمر. أما بالنسبة للنواحي المالية، فإن عدم الدفع باللاعب في المباريات كان يعني أنه يكلف خزينة النادي أكثر بكثير من 23.800 يورو عن كل دقيقة لعب!
قد يكون الحكم على اللاعب بهذه الطريقة شيئاً سخيفاً، لكن الشيء المؤكد الآن يتمثل في أنه لم يعد هناك كثير من الأشخاص الذين يرغبون في الإبقاء على بيل في مديد. وحتى أولئك الذين كانوا يدافعون عنه ويصرون على أنه كان جيداً أو متميزاً، كانوا يرغبون في رحيله عن «سانتياغو برنابيو» بعدما وصلت الأمور إلى طريق مسدودة. ولا يمكن لأحد أن يشكك في أن هذه الخطوة كان يجب أن تحدث الآن، أو أنها كانت مفاجئة، كما لا يمكن لأحد أن ينكر الحقيقة الواضحة المتمثلة في أن المشجعين متفقون تقريباً على أنهم سعداء برؤيته يرحل، لدرجة أنه لا يوجد من يدافع عنه الآن. إن هذه الخطوة تبدو حتمية الآن، رغم أنه كان يمكن تجنبها في وقت ما، لكن الواضح أنه لم يكن هناك أي شخص كان يحاول تجنب الوصول إلى هذه النقطة، كما لم يكن هناك كثير من الجهد لحماية الإرث الذي تركه اللاعب في «سانتياغو برنابيو». ومن الواضح أنه لم يكن هناك أي حماس من قبل ريال مدريد أو بيل نفسه لتحسين العلاقة بين الطرفين. في الحقيقة، كانت الأشهر القليلة الماضية «خاوية» مثل المدرجات التي كان يجلس فيها بيل بمفرده أثناء المباريات التي كان يخوضها فريقه.
وجاء العنوان الرئيسي لصحيفة «ماركا» الإسبانية في اليوم التالي لرحيله يقول: «زيدان يحصل على ما يريده». لقد تدهورت علاقته مع بيل ووصلت إلى الحضيض لفترة طويلة، ورفض كل محاولات المسؤولين في النادي الملكي من أجل التصالح مع اللاعب، خصوصاً أن المدير الفني الفرنسي لم يرَ من بيل الالتزام الذي كان يريده، أو المستويات التي تجعله يتراجع عن موقفه ويمنحه مزيداً من الفرص. وفي بعض الأحيان، كان بيل يشعر بأن هناك قدراً كبيراً من العناد تجاهه، وربما حتى الانتقام منه.
وبعد المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا في كييف، لم يرحل بيل، لكن زيدان وكريستيانو رونالدو هما من رحلا. وكان بيل يعرف أن عودة زيدان مرة أخرى ستكون سيئة للغاية بالنسبة له. لكن حتى في الفترة التي كان فيها زيدان بعيداً عن النادي، لم يقدم بيل المستويات التي تجعله عنصراً أساسياً لا يمكن المساس به في الفريق، ولم يتمكن من ملء الفراغ الكبير الذي تركه رونالدو في موسم 2018 - 2019، وربما تحمل كثيراً من اللوم والانتقادات بعد تراجع مستوى ونتائج الفريق بشكل ملحوظ خلال تلك الفترة، وشعر بأنه أصبح كبش الفداء. وبعد ذلك، حاول بيل أن يرحل عن النادي لكنه فشل في ذلك بعد أن وجد كل الأبواب قد أغلقت في وجهه، وكان الموسم التالي أسوأ، ولم يشارك سوى مرات معدودة حتى نهاية موسم 2019 - 2020.
وحتى عندما كان يشارك في المباريات في بداية الموسم الماضي، اعترف بأنه لم يكن سعيداً. وبدأ اللاعب الويلزي يخرج من تشكيلة الفريق، ومن كل الحسابات تقريباً في النادي. وفي النهاية، لم يكن يسافر حتى مع الفريق، بناءً على طلبه: لماذا يزعج نفسه ويسافر مع الفريق، وهو يعرف تماماً أنه لن يكون له أي دور داخل الملعب؟ لقد قرر أن ينسحب بعدما شعر أنه لم يعد جزءاً من الفريق. لقد كان بيل يريد فقط أن يتجاوز هذه المرحلة الصعبة، لكنه دخل في تحدٍ أيضاً مع المدير الفني ومع رئيس النادي ومع جميع المسؤولين. ولم يشارك بيل في التشكيلة الأساسية لريال مدريد سوى مرة واحدة فقط بعد استئناف الموسم. وحتى عندما لعب، كان هناك شعور بأنه لم يكن موجوداً بالفعل!
وبعد مباراة ويلز والمجر في تصفيات كأس الأمم الأوروبية 2020 نهاية العام الماضي، احتفل بيل مع زملائه في المنتخب بحمل العلم الويلزي وعليه عبارة «ويلز، الغولف، ريال مدريد، بهذا الترتيب»، في إشارة إلى أغنية أطلقتها الجماهير الويلزية، تشير إلى أن جناح ريال مدريد يضع ريال مدريد في آخر اهتماماته. ربما كانت هذه العبارة مزحة، لكنها عبرت عن شيء ملموس، وأدت إلى حالة من الغضب الشديد بعدما شعر جمهور ريال مدريد بالإهانة. وفي الوقت الحالي، لا يرى جمهور النادي الإسباني أي سبب يجعلهم يشعرون بالحزن لرحيل اللاعب، أو حتى بالسعادة لقدومه يوماً ما!
لكن الوضع في لندن سيكون مختلفاً تماماً، حيث سيكون لدى بيل فرصة كبيرة للعودة من جديد. وبالنسبة لتوتنهام، فإن مالك النادي، دانيال ليفي، كانت لديه رغبة هائلة في إعادة التعاقد مع اللاعب الويلزي، الذي ربما يكون أفضل لاعب ارتدى قميص توتنهام خلال العشرين عاماً الماضية، على الرغم من أن عدم مشاركة بيل بشكل مستمر خلال الفترة الماضية يجعل من الصعب الحكم على ما إذا كان لا يزال قادراً على اللعب على هذا المستوى العالي أم لا. ومع ذلك، فإن سبب ابتعاده عن الملاعب والعروض التي كان يقدمها في المرات القليلة التي كان يشارك فيها في الآونة الأخيرة تبعثان على التفاؤل. ومن المؤكد أن بيل يرغب في إثبات أنه ما زال قادراً على العطاء وأنه لم يكن المسؤول عن غيابه المستمر عن التشكيلة الأساسية لريال مدريد. والآن، سوف يلعب بيل تحت قيادة المدير الفني البرتغالي جوزيه مورينيو الذي أكد أكثر من مرة رغبته في الحصول على خدمات النجم الويلزي، كما أنه سيجد مساندة كبيرة من جمهور توتنهام الذي كان دائماً يقف خلفه ويتغنى باسمه. وعلاوة على ذلك، سيحصل بيل على فرصة أكبر للمشاركة في المباريات وإثبات أنه ما زال لاعباً من الطراز الرفيع.
وفي الأيام الأخيرة الحزينة له مع النادي الملكي، كان بيل يجلس في المدرجات ويبتسم عندما تركز عليه الكاميرات لأنه لم يكن هناك أي شيء آخر يمكنه القيام به. وكانت آخر مرة تطأ فيها أقدامه الملعب بقميص ريال مدريد في ملعب التدريب في ظل غياب الجماهير. وحتى خلال احتفال الفريق بالحصول على لقب الدوري الإسباني الممتاز ظهر اللاعب الويلزي يقف بعيداً عن باقي اللاعبين دون اهتمام لأنه يشعر من داخله بأنه لم يشارك في هذا الإنجاز. وبالتالي، كان لدى بيل شعور منذ فترة طويلة للغاية بأنه لم يعد جزءاً من الفريق، لكنه الآن عاد إلى النادي الذي تألق معه من قبل وسوف يحظى بدعم كبير من مورينيو ومن جمهور النادي، وبالتالي فإن كل الظروف مهيأة أمامه لكي يثبت أنه ما زال لاعباً من الطراز العالمي، وأن زيدان كان مخطئاً عندما لم يكن يعتمد عليه بشكل أساسي.


مقالات ذات صلة

البرازيلي الشاب إندريك ينضم إلى ريال مدريد

رياضة عالمية البرازيلي إندريك يحتفل بتوقيعه لريال مدريد (أ.ف.ب)

البرازيلي الشاب إندريك ينضم إلى ريال مدريد

انهمرت دموع المهاجم البرازيلي إندريك فخرا، بعدما وقَّع عقداً لمدة ست سنوات مع ريال مدريد.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
رياضة سعودية إيميريك لابورت (رويترز)

ريال مدريد يفكر في لابورت... والنصر: لا توجد اتصالات

كانت هناك محادثات داخلية في ريال مدريد، الأسبوع الماضي، حول وضع إيميريك لابورت لاعب النصر السعودي؛ حيث يفكر النادي الإسباني بخياراته في مركز قلب الدفاع.

نواف العقيّل (الرياض)
رياضة عالمية ناتشو فرنانديز (رويترز)

الريال يودع لاعبه ناتشو فرنانديز الأربعاء

أعلن نادي ريال مدريد الإسباني عن إقامة حفل وداعي لقائده السابق ناتشو فرنانديز يوم الأربعاء المقبل.

نواف العقيّل (الرياض)
رياضة سعودية بنزيمة وخلفه مشجعون يلتقطون الصور بهواتفهم (نادي الاتحاد)

كريم بنزيمة: نعمل على بناء اتحاد قوي… ونريد «الدوري السعودي»

كشف المهاجم الفرنسي كريم بنزيمة إنه يشعر باطمئنان مع فريقه الاتحاد الذي ينافس في الدوري السعودي للمحترفين لكرة القدم.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
رياضة عالمية ليني يورو فضّل الانضمام لمانشستر يونايتد على ريال مدريد (أ.ف.ب)

ماذا بعد فشل ريال مدريد في التعاقد مع ليني يورو؟

قبل تحليل ما يعنيه تعاقد مانشستر يونايتد مع ليني يورو بالنسبة لريال مدريد، يجب أن نؤكد على شيء ما: هذا النوع من القرارات ليس عاديًا، بل على العكس تماماً.

ذا أتلتيك الرياضي (مدريد)

عراقي فقد بصره يحقّق حلمه بتأسيس أول فريق كرة قدم للمكفوفين (صور)

أعضاء الفريق (أ.ف.ب)
أعضاء الفريق (أ.ف.ب)
TT

عراقي فقد بصره يحقّق حلمه بتأسيس أول فريق كرة قدم للمكفوفين (صور)

أعضاء الفريق (أ.ف.ب)
أعضاء الفريق (أ.ف.ب)

قبل 16 عاماً، فقد عثمان الكناني بصره فألمّ به خوف من فقدان صلته بكرة القدم التي يهواها منذ صغره. لكن إصراره على عدم الاستسلام دفعه إلى توظيف شغفه في تأسيس أوّل فريق للمكفوفين في العراق وإدارة شؤونه.

ويقول الرجل الذي يبلغ حالياً 51 عاماً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «عندما فقدت بصري، عشت سنة قاسية، نسيت فيها حتى كيفية المشي، وأصبحت أعتمد في كل شيء على السمع».

أعضاء الفريق (أ.ف.ب)

في عام 2008، فقد المدير السابق لمكتبة لبيع الكتب واللوازم المدرسية، البصر نتيجة استعمال خاطئ للأدوية لعلاج حساسية موسمية في العين، ما أدّى إلى إصابته بمرض الغلوكوما (تلف في أنسجة العصب البصري).

ويضيف: «ما زاد من المصاعب كان ابتعادي عن كرة القدم». ودام بُعده عن رياضته المفضّلة 8 أعوام.

شكّل الكناني فريقاً لكرة الهدف حيث يستخدم اللاعبون المكفوفون أيديهم لإرسال الكرة إلى الهدف (أ.ف.ب)

لكن بدعم «مؤسسة السراج الإنسانية» التي شارك في تأسيسها لرعاية المكفوفين في مدينته كربلاء (وسط) في 2016، شكّل الكناني فريقاً لكرة الهدف، حيث يستخدم اللاعبون المكفوفون أيديهم لإرسال الكرة إلى الهدف.

وظلّ يلعب مع هذا الفريق حتى شكّل في عام 2018 فريقاً لكرة القدم للمكفوفين وتفرّغ لإدارة شؤونه.

ويتابع: «أصبحت كرة القدم كل حياتي».

واعتمد خصوصاً على ابنته البكر لتأمين المراسلات الخارجية حتى تَواصلَ مع مؤسسة «آي بي إف فاونديشن (IBF Foundation)» المعنيّة بكرة القدم للمكفوفين حول العالم.

يتّخذ الفريق من ملعب مخصّص للعبة خماسي كرة القدم في بغداد مكاناً لتدريباته 3 مرات أسبوعياً (أ.ف.ب)

وكانت «الفرحة لا توصف» حين منحته المؤسسة في عام 2022 دعماً ومعدات من أقنعة تعتيم للعيون وكُرات خاصة.

ويوضح: «هكذا انطلق الحلم الرائع».

ويؤكّد أن تأسيس الفريق أتاح له «إعادة الاندماج مع الأصدقاء والحياة»، قائلاً: «بعد أن انعزلت، خرجت فجأة من بين الركام».

4 مكفوفين... وحارس مبصر

وانطلق الفريق بشكل رسمي مطلع العام الحالي بعدما تأسّس الاتحاد العراقي لكرة القدم للمكفوفين في نهاية 2023، وتشكّل من 20 لاعباً من محافظات كربلاء وديالى، وبغداد.

ويستعد اليوم لأوّل مشاركة خارجية له، وذلك في بطولة ودية في المغرب مقرّرة في نهاية يونيو (حزيران).

ويتّخذ الفريق من ملعب مخصّص للعبة خماسي كرة القدم في بغداد، مكاناً لتدريباته 3 مرات أسبوعياً. ومن بين اللاعبين 10 يأتون من خارج العاصمة للمشاركة في التمارين.

يصيح اللاعبون بكلمة «فوي» («أنا أذهب» بالإسبانية) بغية تحديد أماكن وجودهم في الملعب (أ.ف.ب)

ومدّة الشوط الواحد 20 دقيقة، وعدد اللاعبين في المباراة 5، منهم 4 مكفوفون بالكامل بينما الحارس مبصر.

وخلال تمارين الإحماء، يركض اللاعبون في مجموعات من 4 ممسكين بأذرع بعضهم مع أقنعة على أعينهم.

وتتضمّن قواعد لعبة كرة القدم للمكفوفين كرات خاصة، ينبثق منها صوت جرس يتحسّس اللاعب عبره مكان الكرة للحاق بها.

ويقوم كلّ من المدرّب والحارس بتوجيه اللاعبين بصوت عالٍ.

يبلغ طول الملعب 40 متراً وعرضه 20 متراً (أ.ف.ب)

بعد ذلك، يأتي دور ما يُعرف بالمرشد أو الموجّه الذي يقف خلف مرمى الخصم، ماسكاً بجسم معدني يضرب به أطراف المرمى، لجلب انتباه اللاعب وتوجيهه حسب اتجاه الكرة.

ويصيح اللاعبون بكلمة «فوي» («أنا أذهب» بالإسبانية) بغية تحديد أماكن وجودهم في الملعب لئلّا يصطدموا ببعضهم.

وحين يمرّ بائع المرطبات في الشارع المحاذي للملعب مع مكبرات للصوت، تتوقف اللعبة لبضع دقائق لاستحالة التواصل سمعياً لمواصلة المباراة.

تمارين الإحماء لأعضاء الفريق (أ.ف.ب)

وبحسب قواعد ومعايير اللعبة، يبلغ طول الملعب 40 متراً وعرضه 20 متراً، بينما يبلغ ارتفاع المرمى 2.14 متر، وعرضه 3.66 متر (مقابل ارتفاع 2.44 متر، وعرض 7.32 متر في كرة القدم العادية).

لا تردّد... ولا خوف

وخصّصت اللجنة البارالمبية العراقية لألعاب ذوي الاحتياجات الخاصة راتباً شهرياً للاعب قدره ما يعادل 230 دولاراً، وللمدرب ما يعادل تقريباً 380 دولاراً.

لكن منذ تأسيس الفريق، لم تصل التخصيصات المالية بعد، إذ لا تزال موازنة العام الحالي قيد الدراسة في مجلس النواب العراقي.

ويشيد رئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم للمكفوفين طارق الملا (60 عاماً) بالتزام اللاعبين بالحضور إلى التدريبات «على الرغم من الضائقة المالية التي يواجهونها».

اللاعبون يملكون روح الإصرار والتحدي (أ.ف.ب)

ويوضح: «البعض ليست لديه موارد مالية، لكن مع ذلك سيتحمّلون تكاليف تذاكر السفر والإقامة» في المغرب.

ويضيف: «أرى أن اللاعبين لديهم إمكانات خارقة لأنهم يعملون على مراوغة الكرة وتحقيق توافق عضلي عصبي، ويعتمدون على الصوت».

ويأمل الملّا في أن «تشهد اللعبة انتشاراً في بقية مدن البلاد في إطار التشجيع على ممارستها وتأسيس فرق جديدة أخرى».

ودخل الفريق معسكراً تدريبياً في إيران لمدة 10 أيام، إذ إن «المعسكر الداخلي في بغداد غير كافٍ، والفريق يحتاج إلى تهيئة أفضل» للبطولة في المغرب.

وعلى الرغم من صعوبة مهمته، يُظهر المدرّب علي عباس (46 عاماً) المتخصّص بكرة القدم الخماسية قدراً كبيراً من التفاؤل.

خلال تمارين الإحماء يركض اللاعبون في مجموعات من 4 ممسكين بأذرع بعضهم مع أقنعة على أعينهم (أ.ف.ب)

ويقول: «اللاعبون يملكون روح الإصرار والتحدي، وهذا ما يشجعني أيضاً».

ويشير عباس، الذي يكرس سيارته الخاصة لنقل لاعبين معه من كربلاء إلى بغداد، إلى أن أبرز صعوبات تدريب فريق مثل هذا تتمثل في «جعل اللاعبين متمرّسين بالمهارات الأساسية للعبة لأنها صعبة».

وخلال استراحة قصيرة بعد حصّة تدريبية شاقّة وسط أجواء حارّة، يعرب قائد الفريق حيدر البصير (36 عاماً) عن حماسه للمشاركة الخارجية المقبلة.

ويقول: «لطالما حظيت بمساندة أسرتي وزوجتي لتجاوز الصعوبات» أبرزها «حفظ الطريق للوصول من البيت إلى الملعب، وعدم توفر وسيلة نقل للاعبين، والمخاوف من التعرض لإصابات».

ويطالب البصير الذي يحمل شهادة في علم الاجتماع، المؤسّسات الرياضية العراقية الحكومية «بتأمين سيارات تنقل الرياضيين من ذوي الاحتياجات الخاصة إلى أماكن التدريب للتخفيف من متاعبهم».

ويضيف: «لم تقف الصعوبات التي نمرّ بها حائلاً أمامنا، ولا مكان هنا للتردد، ولا للخوف».