ما الذي يجعل حديقة تجمع أشكالاً من نباتات العالم تتحول إلى حضن دافئ لشلالات من الأحجار الكريمة والبلورات النادرة؟ هذا ما خطر على البال عند زيارة المعرض المقام في حديقة النباتات الواقعة في الدائرة الخامسة من باريس. لقد كان مخططاً له أن يستقبل الجمهور في الربيع الماضي. لكن «كورونا» الملعونة عصفت بالمواعيد وأفشلت بطاقات الدعوة. لكن الموجة الأولى عبرت وخرج الباريسيون من السبات الذي كان مقرراً عليهم بحكم الخشية وبقوة القانون، وها هي جاذبية «الأحجار النفيسة» تدعوهم للغوص في عالمها من خلال معرض يستمر حتى منتصف يونيو (حزيران) 2021.
دائماً ما ارتبطت المجوهرات بأشكال الطبيعة واستلهمت تصاميمها من النبات والطيور والثعابين والفهود. لكن هذا المعرض الذي يعتمد في جانب كبير منه على إبداعات الجواهرجي فان كليف آند أربلز، يعود بزائريه إلى ما قبل فنون الصياغة الحديثة ومهارات قطع الأحجار الكريمة وصقلها وتحويلها إلى حلي. إنه يجمع ما بين الجيولوجيا والإبداع البشري، ويستعرض أشكالاً من التحجرات والبلورات الطبيعية تكونت عبر تراكمات العصور. وبهذا، فإن هواة علوم الطبيعة يجدون في هذه المعروضات ضالتهم مثلما يجد فيها عشاق الحلي ما بشبع نهمهم للجمال.
كيف تكونت الكرة الأرضية؟ وكم من قرون مرت عليها وراكمت طبقاتها حتى أطلعت المعادن والأحجار الكريمة مثلما تطلع الأزهار ذات الألف لون ولون؟ يتألف المعرض من ثلاثة أقسام، الأول تاريخي علمي يروي حكاية الأرض منذ نشوئها وتطور مهارات الإنسان في الاستفادة من مكوناتها، والثاني يتتبع حكاية التحول من البلورات والمعادن إلى الأحجار الكريمة وما يطرأ على الصخور والحصى في أعماق الأرض، قبل أن تتدخل يد الإنسان فيها وفي تحولاتها لكي تصقل يد الصانع المواد الموجودة في الطبيعة وتحيلها متعة للبصر وعنصراً من عناصر الزينة والثروة. أما القسم الثالث، فهو يؤدي التحية لباريس باعتبارها مركزاً رئيسياً للمعرفة وللمهارات اليدوية ولنشر فنون صياغة المجوهرات في العالم من خلال ورشاتها وبراعة مصمميها.
يتفرج الزائر على مختارات من الأحجار الباهرة في ألوانها. ويطالع بانوراما واسعة مما أبدعته مصادفات الطبيعة من تصاميم عفوية تعجز عنها مخيلات البشر. أما الواجهات الزجاجية الأربعون المخصصة لعرض ما استلهمه المصممون من كائنات الطبيعة، فإنها تعرض 250 قطعة من أشهر القطع التي تحمل توقيع فان كليف آند أربلز. وهي علامة فرنسية رأت النور عام 1906، وسرعان ما احتلت مكانتها في صدارة نادي الجواهرجية الكبار.
يخيل للمتفرج أنه في حلم مدهش فلا يعود يعرف أين يولي بصره أمام أشكال من القلائد والأقراط الطويلة ودبابيس الصدر والتحف المنضدية. فعلى صخرة من الكوارتز الأزرق، تقف هضبة من أحجار اللازورد التي تتخللها زهيرات الدفلى. وهناك دمعة كبيرة من الماس يحار الرائي في تفسير ألوانها، إلى جانب خاتم رائع من التورمالين، وقلادة هندية من الذهب الأصفر والأبيض، تنعقد عليها كمائم الأجحار في صفوف كثيرة. هذا إلى جانب الدبوس التحفة من الماس والياقوت الذي أنتجته الدار خصيصاً لهذا المعرض الذي استغرق التحضير له سنتين من الجهد الجماعي و6400 ساعة من العمل. ولكي يكتمل السحر، ينصح الدليل زائر المعرض بأن يترك عينيه تشبعان من بريق الماس واللآلئ، وأذنيه تتنصتان إلى غزل الياقوت الناري وهو يبوح بحبه للزمرد الأخضر. فالمعرض، في نهاية المطاف، هو سويعة رائقة بصحبة جمالات الطبيعة، بعيداً عما في هوائها من تلوث ومخاطر وجوائح وأوبئة.
دعوة باريسية للتنصت على مغازلات الزمرد والياقوت
معرض «الأحجار النفيسة» يفتح أبوابه في حديقة النباتات
دعوة باريسية للتنصت على مغازلات الزمرد والياقوت
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة