السودانيون يتوافقون على ترشيد دعم المحروقات للنهوض بالاقتصاد

حمدوك أكد أن توصيات المؤتمر الاقتصادي» ستسهم في تنمية البلاد

جانب من فعاليات المؤتمر الاقتصادي في الخرطوم (أ.ف.ب)
جانب من فعاليات المؤتمر الاقتصادي في الخرطوم (أ.ف.ب)
TT

السودانيون يتوافقون على ترشيد دعم المحروقات للنهوض بالاقتصاد

جانب من فعاليات المؤتمر الاقتصادي في الخرطوم (أ.ف.ب)
جانب من فعاليات المؤتمر الاقتصادي في الخرطوم (أ.ف.ب)

خرج المؤتمر الاقتصادي القومي، الذي انتهت فعالياته أمس، بضرورة دعم توجهات الحكومة الانتقالية في السودان، عبر الاستمرار في سياسات ترشيد دعم المحروقات لتخفيف العبء على الميزانية، على الرغم من تحفظات أحزاب التحالف الحاكم، الذي يعارض بشدة توجه الحكومة نحو سياسة رفع الدعم.
واختتمت أمس فعاليات المؤتمر الاقتصادي التي استمرت ثلاثة أيام، بمشاركة السلطة التنفيذية وقوى إعلان الحرية والتغيير، المرجعية السياسية للحكومة الانتقالية، وعدد كبير من الخبراء الاقتصاديين والأكاديميين ومنظمات المجتمع المدني، وممثلين لولايات البلاد.
وقال رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، عقب تسلمه التوصيات، إن مخرجات المؤتمر الاقتصادي «ستساهم بشكل كبير في خطة التنمية الشاملة، التي تعمل الحكومة على تنفيذها»، ودعا إلى إدارة الخلافات بما يمكّن من تحقيق مصلحة البلاد. مقترحاً تحويل اللجنة التحضيرية للمؤتمر، وإضافة عدد من الخبراء لتمثل آلية قصد متابعة تنفيذ توصيات المؤتمر.
وأضاف حمدوك موضحاً، أن المؤتمر «أتاح فرصة ذهبية للسودانيين بمختلف مكوناتهم للتشاور، ومناقشة القضايا طويلة الأمد، واتخاذ قرارات صارمة لتنفيذها بهدف الخروج من الأزمة الاقتصادية التي تواجه البلاد». معتبراً أن عقد المؤتمر الاقتصادي الأول في البلاد «فرصة لتلاقي الأفكار، وبداية لطريق صعبة وطويلة»، وشدد في هذا السياق على ضرورة الصبر على الخلافات، باعتبارها التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومة والقوى السياسية التي تمثل قوى الثورة.
كما دعا حمدوك إلى تقييم تجربة المؤتمر، باعتباره أول فعالية وطنية تجمع كل قطاعات الشعب السوداني، مشيراً إلى أن السودانيين ينتظرهم عقد المؤتمر الدستوري، الذي ستناقش فيه القضايا المصيرية للبلاد.
ومن أهم التوصيات، التي توافق عليها المؤتمرون، ضرورة اتخاذ قرارات اقتصادية عاجلة وحاسمة لإزالة التشوهات الهيكلية للاقتصاد الكلي، وتحقيق التنمية المتوازنة لكل الأقاليم، بالإضافة إلى الاهتمام بمعاش الناس. كما شدد المؤتمر على ولاية وزارة المالية على المال العام، وإخضاع الشركات التابعة للأجهزة الأمنية الجيش والشرطة للوزارة، وهي القضية التي أثارت خلافات بين المكونين المدني والعسكري في السلطة الانتقالية.
من جانبه، قال آدم حريكة، نائب رئيس المؤتمر ومستشار رئيس الوزراء الاقتصادي، إن التوجه العام للتوصيات التي تم التوافق عليها في المؤتمر «هو مواصلة السياسات في المرحلة المقبلة، بالشراكة مع مؤسسات الدولة». مشيراً إلى أن المؤتمر، الذي امتد لثلاثة أيام، توصل إلى الكثير من التوصيات بشأن إدارة الاقتصاد خلال المرحلة المقبلة، وأبرزها التأكيد على مطلب أن تؤول كل الشركات الأمنية لوزارة المالية، والاستمرار في مكافحة غسل الأموال ومكافحة الأنشطة الإرهابية.
كما أوضح حريكة، أن المؤتمر «شدد على دور الدولة في الشأن الاقتصادي، من خلال التدخل لإزالة الإشكالات الهيكلية كافة، التي ساهمت في تعميق الأزمة الاقتصادية، ومراجعة الشركات الحكومية، ووضع يد الدولة على الذهب». وقال حريكة بهذا الخصوص «من التوصيات التي دار حولها نفاش مستفيض، شكل العلاقة بين الحكومة التنفيذية وحاضنتها السياسية قوى الحرية التغيير، ومدى التوافق حول السياسات الاقتصادية خلال المرحلة المقبلة، إضافة إلى العلاقة مع شركاء السودان والمؤسسات المالية».
وأقرت توصيات المؤتمر استمرار الدولة في الدعم المباشر للأسر، وترشيد الإنفاق الحكومي، وإلزام الدولة بتبني مشروعات زراعية تعاونية للمساهمة في رفع دخل المواطنين، والحد من حدة الفقر. وفي هذا السياق قال حريكة، إن المؤتمرين اتفقوا على تحجيم تمويل الدولة من المصارف، وفق السياسات العامة دون استثناء، وزيادة الضرائب الصناعية.
كما أوصى المؤتمر بتوفير 200 ألف وظيفة للشباب لتوفير سبل كسب العيش الكريم لهذه الفئات، التي تعتمد البلاد على قدراتها للنهوض بالاقتصاد.
وسبق المؤتمر عقد 13 ورشة قطاعية شارك فيها خبراء ومختصون لوضع السياسات الاقتصادية العامة للبلاد، وتم اعتماد توصيات الورش ضمن المخرجات كموجهات عامة للمساهمة في حل الأزمة الاقتصادية للسودان.
في سياق ذلك، وقّع الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وعدة دول اتفاقاً بنحو 190 مليون دولار يمنح مساعدات مالية مباشرة للأسر الفقيرة في السودان، على ما أفادت وكالة الأنباء الرسمية في البلاد ليلة أول من أمس.
وذكر البنك الدولي، أن برنامج دعم الأسرة بالسودان (ثمرات)، الذي تقوده وتنفذه الحكومة يرمي لمنح نحو كل من 32 مليون شخص، أي نحو 80 في المائة من السكان 500 جنيه سوداني (9 دولارات بسعر الصرف الرسمي) وذلك شهرياً لمدة عام.
وذكرت وكالة السودان للأنباء (سونا)، أن المدفوعات المباشرة لنصف مليون شخص في عدد من ولايات البلاد ستنطلق في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، موضحة أن البرنامج سيتوسع تدريجياً خلال عامين بكلفة إجمالية 1.9 مليار دولار.
وقال الاتحاد الأوروبي في بيان، إن مساهمة التكتل والبنك الدولي تصل إلى 110 ملايين دولار، في حين تصل مساهمات فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وإسبانيا والسويد إلى 78.2 مليون دولار.
وجرت مراسم التوقيع في الخرطوم بحضور رئيس الوزراء عبد الله حمدوك. وقالت وزيرة المالية والتخطيط الاقتصادي المكلفة، هبة محمد علي، إن البرنامج «إحدى أولويات الحكومة الانتقالية في السودان... وهو يسهم في رفع المعاناة على المدى القصير عن كاهل المواطن، ويهيئ البلاد للإصلاح السياسي والاقتصادي الضروري».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.