مراسلون إعلاميون لـ «الشرق الأوسط»: محطات فضائية تستخدم صحافيين استخباراتيا

المراسل الحربي معرض للموت كل لحظة

المخاطر التي يتعرض لها المراسل الإعلامي قد تؤدي به لدفع حياته ثمنا للقيام بتلك الرسالة الإعلامية
المخاطر التي يتعرض لها المراسل الإعلامي قد تؤدي به لدفع حياته ثمنا للقيام بتلك الرسالة الإعلامية
TT

مراسلون إعلاميون لـ «الشرق الأوسط»: محطات فضائية تستخدم صحافيين استخباراتيا

المخاطر التي يتعرض لها المراسل الإعلامي قد تؤدي به لدفع حياته ثمنا للقيام بتلك الرسالة الإعلامية
المخاطر التي يتعرض لها المراسل الإعلامي قد تؤدي به لدفع حياته ثمنا للقيام بتلك الرسالة الإعلامية

كشف مراسلون إعلاميون من مواقع عملهم في مناطق الصراعات الساخنة، لـ«الشرق الأوسط»، عن حجم المخاطر الكبيرة والمعاناة الشديدة التي يتكبدونها وتهدد حياتهم مقابل تأديتهم لمهام عملهم، وأكدوا أن هناك قنوات فضائية تستخدم مراسلين استخباراتيا.
فمع زيادة أهمية رسالة الإعلاميين ودورهم في نقل المعلومات من موقع الحدث إلى ملايين المشاهدين في لحظات زادت احتمالات المخاطر التي يتعرض لها المراسل الإعلامي، وبما قد يؤدي به لدفع حياته ثمنا للقيام بتلك الرسالة الإعلامية. وقد شهدت السنوات الأخيرة سقوط عدد كبير من الإعلاميين في مواقع عملهم ما بين جرحى وقتلى، إلى جانب تعرض بعضهم لمخاطر أخرى كعمليات الاختطاف والتهديد بالقتل، بخلاف بعض المضايقات الأمنية التي يواجهونها أثناء ممارستهم لعملهم.
وتعد سوريا حاليا أخطر مكان بالعالم على عمل المراسلين، وذلك بحسب ما أعلنته منظمة «صحافيون بلا حدود» مع تدهور الأوضاع الأمنية فيها منذ اندلاع الصراع قبل ثلاثة أعوام تقريبا. وقد وثق المركز السوري للحريات الصحافية في رابطة الصحافيين السوريين سقوط العديد من المراسلين والصحافيين قتلى، والذين تجاوز عددهم 248 إعلاميا منذ بداية «الثورة» في مارس (آذار) 2011، كان من بينهم محمد سعيد مراسل قناة «العربية» الذي قتل على يد ملثمين مجهولين في ريف حلب، والأميركية ماري كولفين مراسلة «الصنداي تايمز» التي قتلت مع المصور الفرنسي ريمي أوشيلك في حمص، ومراسل قناة «الجزيرة» محمد المسالمة الشهير بمحمد الحوراني الذي قتل بمدينة درعا. كما قتل الصحافي البلجيكي إيف ديباي برصاص قناص كان متمركزا على مبنى السجن المركزي في حلب، والإعلامي أمجد السيوفي أثناء القصف على الغوطة الشرقية في ريف دمشق.
وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد أشارت إلى أن عام 2012 شهد مقتل 112 إعلاميا من بينهم 4 نساء، هذا بجانب تعرض الإعلاميين لمشاكل كثيرة تصل إلى درجة التعذيب إذا ما تم اعتقالهم من قبل قوات النظام السوري، حيث أعلنت الشبكة عن وجود أكثر من 600 ناشط إعلامي وصحافي في عداد المختفين أو المخطوفين، وأن هناك 4 إعلاميين ماتوا بسبب تعرضهم للتعذيب.
وفي تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، كشف المراسل الحربي والمصور النرويجي من أصل عربي شهاب البادي عن حجم المخاطر التي تعرض لها في سوريا والعراق، قائلا «أعمل في مناطق الحروب لحساب مؤسسات إعلامية وصحافية مختلفة، منها الـ(بي بي سي) و(رويترز)، وحسب ما يطلب مني تكون وجهتي في التحرك. وقد عدت لتوي منذ أيام من رحلة عمل في لبنان سبقتها زيارات للعراق وسوريا عشت خلالها كل الأحداث الساخنة في سوريا على الطبيعة، وأطول فترة قضيتها كمراسل كانت في العراق. وندخل تلك الأماكن الساخنة بطرق غير نظامية وعلى مسؤوليتنا، وطبعا أدخل دون سلاح أو أي وسيلة للحماية، وليس معي سوى أدواتي الإعلامية.
وكشف البادي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك دروسا يتم تدريب المراسلين من خلالها على مواجهة الخطر وكيفية العمل في مناطق الحروب، وهذه تمتد لأسبوعين ولا تتم إلا في المؤسسات الإعلامية الكبرى فقط. وعن أخطر المواقف التي تعرض لها كمراسل إعلامي قال البادي: «كان ذلك أثناء الحرب الطائفية عام 2005 - 2006 في العراق، ووقتها كنت أعمل مخرجا في قناة (بغداد الفضائية). كانت بغداد أيامها محرقة بما تعنيه الكلمة، وقتل في تلك الفترة أكثر من 100 صحافي. كما أن بعض المحطات الفضائية صارت تستخدم الصحافيين استخباراتيا». وقال البادي لـ«الشرق الأوسط»: «أعتقد أن المراسل العربي والأجنبي متساويان في التعرض للخطر، ولكن الفارق الوحيد أن المراسل الأجنبي المحترف يتقاضى أجرا عاليا وتأمينا مرتفعا وله دولة يمكن أن تدفع له فدية في حالة تعرضه للاختطاف بعكس الإعلامي العربي».
وقد كشف تقرير مرصد الحريات الصحافية بالعراق الذي وثق الانتهاكات للفترة ما بين 3 مايو (أيار) 2013 و٣ مايو 2014، أن محافظات نينوى والأنبار وديالى هي الأسوأ بالنسبة لعمل الصحافيين والمراسلين الإعلاميين العراقيين والأجانب فيها. ووفقا لهذا التقرير قتل نحو 20 صحافيا وإعلاميا يعملون بالعراق، منهم مراسل قناة «العراقية» إبراهيم الكاتب متأثرا بجروح أُصيب بها في انفجار سيارة مفخخة أثناء تأديته واجبه بقضاء أبو غريب غرب بغداد، وبلغ إجمالي الانتهاكات ضد الإعلاميين هناك خلال تلك الفترة 328 انتهاكا، منها 103 حالات احتجاز واعتقال، و162 حالة منع وتضييق، و63 حالة اعتداء بالضرب، و4 هجمات مسلحة، و71 ملاحقة قضائية، و4 حالات إغلاق ومصادرة.
ويشير تقرير «مراسلون بلا حدود» إلى أن العراق لا يزال يتصدر مؤشرات الإفلات من العقاب خلال العقد الفائت حيث قتل فيه 274 صحافيا ومراسلا عراقيا وأجنبيا منذ عام 2003 وحتى الآن. ومن أبرز ضحايا تلك الفترة من الإعلاميين أطوار بهجت مراسلة قناة «العربية» التي قتلت مع زميليها المصور ومهندس الصوت وهم في سامراء، وياسر فيصل الجميلي مصور وكالة «رويترز» الذي قتل بعد اختطافه على يد متشددين أثناء تغطيته للأحداث بإدلب.
وتستمر حالات قتل الإعلاميين بالعراق بمختلف المحطات والقنوات، ففي قناة «بغداد الفضائية» قتل وضاح الحمداني، مراسل القناة، بإطلاق الرصاص عليه أيضا. وخلال تصويره لوقائع اشتباكات مسلحة بين قوات الأمن وعشيرة البوسودة جنوب غربي الرمادي، قتل المصور عمر الدليمي. كذلك قتل مصور قناة «الفلوجة الفضائية» فراس محمد عطية إثر انفجار عبوة ناسفة خلال مرافقته لعناصر أمنية بالرمادي أيضا.
ومن المشرق العربي إلى غربه لا تقل الأمور خطورة في ليبيا عن سوريا والعراق بالنسبة للمراسلين، ففي الذكرى الثالثة لسقوط نظام القذافي نددت منظمة «مراسلون بلا حدود» بالانتهاكات المرتكبة ضد الصحافيين ومراسلي وسائل الإعلام في ليبيا، بعد أن تزايدت حالات الاعتداء عليهم. وقال بيان للمنظمة إن سبعة صحافيين تم اغتيالهم منذ سقوط نظام القذافي، وتم تسجيل 37 حالة خطف و127 اعتداء أو هجوما، فيما احتلت ليبيا المركز 137 من أصل 180 بلدا في التصنيف الأخير لحرية الإعلام. وحذرت المنظمة من عدم الاستقرار المستشري في البلاد وخطورة تأثيره على الصحافيين والإعلاميين في ليبيا حيث يتعرضون للاضطهاد والاعتداء، بل القتل في بعض الحالات كما حدث في حالة اغتيال الصحافي الفلسطيني عز الدين قوصاد مقدم البرامج في فضائية «ليبيا الحرة» في مدينة بنغازي. وكذلك مقتل مصور وكالة «فساطو» الإخبارية صالح عياد حفيانة نتيجة إصابته خلال تغطيته للأحداث الواقعة بمنطقة غرغور في ليبيا.
ويستمر نزيف دماء المراسلين الإعلاميين في كل مكان بالعالم لكنه لا يجف أبدا في الأراضي الفلسطينية المحتلة بحكم المواجهة اليومية مع الاحتلال والتي تسفر دائما عن ضحايا، ومنهم المراسلون الإعلاميون.. وعلى سبيل المثال قتل رامي ريان، مصور الشبكة الفلسطينية للصحافة والإعلام، أثناء تغطيته للقصف الجوي الإسرائيلي على الشجاعية.. ومن قبل أصيب المصور معاذ حامد، مراسل «الأناضول»، ومعه مصور وكالة الصحافة الفرنسية عباس مومني، برصاص مطاطي في القدم خلال مواجهات في النبي صالح غرب رام الله، في دلالة واضحة على عدم الاكتراث بحماية المراسل الإعلامي الذي يؤدي وظيفته.
الناشطة الإعلامية الفلسطينية هدى فاضل نعيم لها تجربة مهمة كمراسلة في المناطق الساخنة، وقالت في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: «بدأت عملي مبكرا وعمري 18 سنة كمصورة حرة لخدمة القضية الفلسطينية، ثم مارست عملي كمراسلة أيضا وفي الوقت نفسه أقدم رسائل إعلامية لجهات متعددة محلية ودولية وأركز في كل أعمالي على قضية بلدي، وأبرز ما قدمته كان تغطية إعلامية لحربي 2008 و2014 والمعروفتين بحربي السجيل والعصف المأكول. أما عن الخوف من مخاطر المهنة كمراسلة حربية فهي كلمة لا أعرفها لأننا جميعا كفلسطينيين نتعرض لهذا الخطر بشكل دائم في ظل الاحتلال، فنحن نتعرض لهجمات متكررة لعدو غدار لا يؤتمن ولا يراعي أي حقوق سواء كانت لصحفي أو إعلامي أو حتى طبيب يسعف الجرحى».
وتضيف هدى «أتذكر أن من أخطر المواقف التي واجهتني كمراسلة إعلامية أثناء تصوير مسيرة الانتفاضة الثالثة التي حدثت في ذكرى النكبة قبل ثلاثة أعوام، حيث كنت قريبة جدا من جنود الاحتلال الذين كانوا يطلقون القذائف والرصاص بشكل عشوائي مما أصاب كثيرا من زملائي الإعلاميين وكان الموت قريبا مني جدا. والحقيقة أن العمل في فترات العدوان على الفلسطينيين مهمة صعبة وخطيرة، ولكل يوم من أيامه حكاية عن مخاطرة جديدة، لكني اعتدت الأمر كرسالة أقدمها لقضية بلدي وأتحمل المسؤولية كاملة من أجلها حينما أتخذ القرار بالخروج من بيتي تحت نيران القصف وأختار المكان الذي أكون موجودة فيه لنقل الرسالة الإعلامية للمتلقي، وربما أكون في يوم من الأيام هدفا لتلك النيران لكن هذا لا يثنيني عن أداء رسالتي».



استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».