جولة مع الإعلام الألماني... ومؤسساته الشعبية المؤثرة

من أبرزها مطبوعات إمبراطورية«أكسل شبرينغر»

مجلة {دير شبيغل}
مجلة {دير شبيغل}
TT

جولة مع الإعلام الألماني... ومؤسساته الشعبية المؤثرة

مجلة {دير شبيغل}
مجلة {دير شبيغل}

«لدي أمور أهم أفعلها»، جملة تحوّلت أغنية راب ومحط كلام ونقاشات لأسابيع في ألمانيا بنهاية مايو (أيار) الماضي، وانتشرت بعدما كتبها كريستيان دروتسدن، رئيس قسم الأمراض الوبائية في مستشفى شارتييه الجامعي، تعليقاً على رسالة إلكترونية تلقاها من صحافي في جريدة «بيلد» اليومية.
الصحافي طلب منه رداً خلال ساعة واحدة على مجموعة من الأسئلة تشكك بدراسة نشرها تتعلق بفيروس «كوفيد - 19»، مقتبساً أقوالاً من علماء آخرين. إلا أنه عوضاً عن الرد نشر الطبيب الذي تحول «نجماً» منذ أزمة الجائحة الرسالة مع تعليق أنهاه بـ«لدي أمور أهم أفعلها». ولقد بدأ رده هذا حرباً كلامية بين أكثر صحف ألمانيا انتشاراً، وأكبر «نجم» في ألمانيا منذ أزمة «كوفيد - 19». ومع أن الجدل انتهى لمصلحة الطبيب وتسبب في انتقادات للصحيفة التي يزيد عدد قرائها على المليون و300 ألف قارئ، فإنه أظهر مدى قدرة تأثير الصحف في ألمانيا.
عدد هائل من الصحف اليومية تصدر في ألمانيا، يزيد على الـ1500 صحيفة محلية ووطنية، إضافة الى مجموعة من المجلات الأسبوعية السياسية والمتخصصة. ورغم أن الجزء الأكبر من هذه الصحف والإصدارات محلية الهوية، تصدر لقراء كل ولاية من الولايات الـ16، فإن الجزء الصغير الوطني يتمتع بقدرة كبيرة على التأثير.

صحيفة «بيلد»
تتصدر هذه الصحف الوطنية صحيفة «بيلد» الشعبية التي تصدر بقطع صغير (حجم تابلويد)، ويحمل موقعها على الإنترنت بعض القصص المدفوعة. كما أن جزءاً كبيراً من محتوى موقع الصحيفة على الإنترنت هو فيديوهات إخبارية أو ترفيهية أو رياضية، باتت هي عامل الجذب الأساسي لموقع الصحيفة. وخلال العام الماضي أطلقت «بيلد» قناة تلفزيونية تبثها على الموقع تستقطب عدداً كبيراً من المشاهدين.
وعلى الرغم من وجود صحف وطنية أخرى في ألمانيا، مثل «سودويتشه تزايتونغ» و«فرانكفورتير ألغماينه» و«دي فيلت» وغيرها، فإن «بيلد» تعد في الطليعة بفارق قراء كبير، حتى يقول كثيرون إنها من دون منافس حقيقي. وقد تكون دار النشر المسؤولة عن إصدار هذه الصحيفة، وهي دار «أكسل شبرينغر»، هي إحدى دور نشر الصحف القلائل في العالم التي تجني أرباحاً كبيرة من بيع الصحف، في حين تتهاوى مبيعات الصحف الورقية في معظم العالم. وللعلم، تملك دار نشر «أكسل شبرينغر» صحفاً أخرى وطنية مثل صحيفة «دي فيلت» التي تعد صحيفة نافذة ميولها يمينية محافظة.
من ناحية ثانية، في حين يصر رئيس تحرير «بيلد» الشاب جوليان رايشلت، الذي يبلغ من العمر 40 سنة، على أن صحيفته لا تهدف لجذب قراء اليمين المتطرف، فإن كثيراً من محتواها يحمل طابع التمييز ضد الأجانب. فالصحيفة مثلاً تنشر بشكل مكثف ومستمر عما يعرف بـ«العشائر العربية» في ألمانيا، وهم لاجئون قدموا إلى ألمانيا في السبعينات والثمانينات من لبنان، حيث كانوا لاجئين هناك أيضاً من دون أوراق.
كذلك تسهم تغطية «بيلد» لقصص هذه «العشائر» التي تحول عدد كبير من أفرادها إلى «مافيات»، بتعزيز الصورة النمطية عن العرب أو الألمان من أصول عربية، خصوصاً فيما يتعلق بتورطهم بالجرائم وتعلقهم بالتقاليد الشرقية ورفضهم للثقافة الألمانية.
ولكن في المقابل، تتخذ الصحيفة مواقف سياسية حادة، من بشار الأسد مثلاً الذي تصفه بـ«المجرم»، ومن النظام الإيراني كذلك. وربما سبب ذلك أن رئيس التحرير الحالي كان مراسلاً حربياً في سوريا، ما جعل موقف الصحيفة ليناً تجاه اللاجئين، وهو ما فاجأ البعض ودفعهم حتى لاتهام الصحيفة الشعبوية بـ«النفاق».
أما على جبهة السياسة الدولية، فتعتمد «بيلد» خطاباً معادياً لروسيا والصين. وفي خضم أزمة «كوفيد - 19»، مثلاً، نشر رئيس تحريرها مقالاً جرى تداوله على نطاق واسع في العالم، طالب فيه الصين بتعويضات مالية عن الخسائر التي لحقت بالاقتصادين الألماني والعالمي تسببت بها الفيروس.

«دي فيلت» و«دير شبيغل»
صحيفة «دي فيلت»، التابعة لدار النشر نفسها «أكسل شبيرنغر»، أكبر دار نشر صحف في أوروبا، تعد صحيفة محافظة كذلك، غير أنها أكثر رصانة. وتهتم هذه الصحيفة بأخبار الشرق الأوسط بشكل كبير، وكانت قد نشرت أكثر من قصة تتعلق بحزب الله وتاريخه مع تخزين نيترات الأمونيوم في أوروبا.
ولا شك في أن اهتمام الصحافة الألمانية بأخبار الشرق الأوسط ازداد باطراد منذ موجة اللاجئين السوريين الكبيرة إلى ألمانيا عام 2015، إذ إن قصص اللاجئين السوريين في ألمانيا تأخذ حيزاً يومياً من تغطية الصحافة، وكذلك متابعات لقصص من الشرق الأوسط حول سوريا ولبنان وحزب الله. وفي الشهر الماضي مثلاً، نشرت صحيفة «دي تسايت»، وهي صحيفة ليبرالية يسارية تتخذ من مدينة هامبورغ مقراً لها، موضوعاً مطولاً حول تمويل مسؤولين قطريين لحزب الله، استناداً إلى معلومات استخباراتية حصلت عليها.
والواقع أن اهتمام الصحف والمجلات الألمانية بقصص حزب الله أقدم من تاريخ دخول اللاجئين السوريين إلى ألمانيا. ذلك أنه في عام 2009، بعد أسابيع قليلة على افتتاح العمل بالمحكمة الخاصة بلبنان في لاهاي، نشرت مجلة «دير شبيغل» العريقة مقالاً يكشف أن المحكمة استنتجت أن حزب الله هو من اغتال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وليس سوريا. وكانت تلك المرة الأولى التي تكشف فيها معلومات كهذه، ويتهم فيها حزب الله مباشرة باغتيال الحريري.
وهنا قد يكون اهتمام الصحافة الألمانية بحزب الله نابعاً من تاريخ ألمانيا نفسه، وكذلك من تاريخ حزب الله الذي نفذ عمليات إرهابية في أوروبا منذ تأسيسه. وهو حاضر بقوة في أوروبا وألمانيا خاصة التي يستغل فيها منذ سنوات القوانين اللينة في مكافحة تبييض الأموال والجريمة المنظمة، لتسيير عملياتها انطلاقاً من أراضيها، علماً بأن الداخلية الألمانية حظرت نشاطاته في ألمانيا في أبريل (نيسان) الماضي.

فضائح ومشاكل
على صعيد آخر، رغم التأثير الكبير للصحف الألمانية وبعض المجلات، خصوصاً «دير شبيغل»، فإن تاريخاً لم يخلُ من الفضائح التي لطخت سمعتها لفترة. اسم «بيلد»، مثلاً، ارتبط لفترة طويلة بمحاولة قتل رودي دوتشكه «رودي الأحمر»، الناشط السياسي الماركسي من قادة ثورة الطلاب خلال الستينات في ألمانيا. ففي عام 1968، أطلق يميني متطرف النار على دوتشكه الذي نجا من محاولة الاغتيال، غير أنه أصيب في رأسه وتوفي بعد 11 سنة بسبب نزيف مرتبط بإصابته. وقبل يومين من محاولة اغتياله، كانت صحيفة «بيلد»، التي قادت حينذاك «ثورة» ضد الشيوعية واليساريين، قد وصفت دوتشكه بأنه «عدو الدولة رقم 1». وقبل ذلك نشرت قصة عنوان «أوقفوا دوتشكه الآن!».
كل هذه القصص التي نشرتها «بيلد» دفعت كثيرين إلى تحميلها مسؤولية محاولة قتل عالم الاجتماع الماركسي بالتحريض على قتله. وخرجت تظاهرات واسعة ضد الصحيفة إثر محاولة اغتياله.
أيضاً، مجلة «دير شبيغل» واجهت فضيحة كبيرة أخيراً كادت تقضي على سمعتها، عندما أعلنت قبل سنتين طرد صحافي يعمل لديها اسمه كلاوس ريلوتيوس، كان يعد أحد نجومها الصاعدين، بعدما اكتشفت أنه يخترع شخصيات لتقاريره ويؤلف عنها أقوالاً. وما تسبب بضرر أكبر لسمعة المجلة، التفاصيل التي أحاطت بالفضيحة، خصوصاً لجهة عدم تصديق المسؤولين في التحرير لأحد الكتاب القدامى عندما اشتكى لهم من أن «النجم» ريلوتيوس يقتبس أقوالاً غير موجودة لشخصيات خيالية. وللعلم، كان ريلوتيوس آنذاك قد حاز على عدة جوائز عن قصص كتبها من المفترض أنها كانت تحقيقات ميدانية، قبل أن يتبين لاحقاً أن أجزاء كبيرة منها كانت روايات من خياله. ولكن المجلة نجحت في تخطي أزمتها هذه، ربما عبر اعترافها السريع وتعاطيها مع الأزمة من دون محاولة التستر عليها.
ورغم فضيحة «دير شبيغل» هذه، فإن الصحف الألمانية مجتمعة بإيمانها بضرورة مواجهة الأخبار الزائفة، خصوصاً في وقت تزداد فيه المنصات الاجتماعية التي يكثر نشر شائعات تتحول بسرعة إلى حقائق.
فمنذ انتشار «كوفيد - 19» - على سبيل المثال، كانت تغطية الصحف لإدارة الحكومة للأزمة إيجابية بشكل عام، حتى إن بعض الصحف كان يقارن بشيء من الفخر، بين تعاطي ألمانيا مع انتشار الجائحة وتعاطي الدول الأوروبية الأخرى.
ومع أن الصحف تغطي التظاهرات الأسبوعية التي تخرج في مدن كثيرة اعتراضاً على إجراءات الإغلاق والعزل والاحتياطات للحد من انتشار الفيروس، فإنها لم تتبنَ أياً من هذه المواقف، بل على العكس كثفت من نشر تقارير طبية حول مدى خطورة الفيروس وأهمية إجراءات الوقاية. وهناك تجدر الإشارة إلى أن عدداً من الصحف كتب بسخرية عن نظريات المؤامرة المنتشرة بين أولئك الذين ينكرون وجود الفيروس ومؤيدي اليمين المتطرف الذين يخرجون في التظاهرات الأسبوعية.
أخيراً، وبصفة عامة، تتمتع الصحف والإعلام الألماني بمجال حرية واسع، يصل إلى حد قبول التجريح والتشهير بعناصر الشرطة، كما اتهم وزير الداخلية هورست زيهوفر صحيفة «تاز» قبل بضعة أسابيع، بعد نشر مقال يشبه عناصر الشرطة بالقمامة. ومع أن وزير الداخلية أعلن نيته مقاضاة الصحيفة في البداية، فإنه سرعان ما تراجع - على ما يبدو - بعد حديث مع المستشارة أنجيلا ميركل. وصوّرت الصحف تراجعه على أنه انتصار لحرية الرأي. حرية رأي لا يحدها إلا قانون يمنع نشر مواد وصور تمجّد النازية والحقبة السوداء في ألمانيا.



رئيسة «منتدى مصر للإعلام» تُحذر من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار

نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
TT

رئيسة «منتدى مصر للإعلام» تُحذر من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار

نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)

في ظل صراعات وحروب إقليمية متصاعدة وتطورات ميدانية متسارعة، لعب الإعلام أدواراً عدة، سبقت في بعض الأحيان مهمات القوات العسكرية على الأرض؛ ما ألقى بظلال كثيفة على وسائل الإعلام الدولية. تزامن ذلك مع زيادة الاعتماد على «المؤثرين» ونجوم مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار؛ ما دفع رئيسة «منتدى مصر للإعلام»، نهى النحاس، إلى التحذير من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار.

وفي حوارها مع «الشرق الأوسط»، عدّت نهى دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار «خطأً مهنياً»، وقالت إن «صُناع المحتوى و(المؤثرين) على منصات التواصل الاجتماعي يقدمون مواد دون التزام بمعايير مهنية. ودمجهم في غرف الأخبار كارثة مهنية».

وأشار تقرير نشره «معهد رويترز لدراسات الصحافة»، أخيراً، إلى «نمو في الاعتماد على مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار». ومع هذا النمو باتت هناك مطالبات بإدماج صناع المحتوى في غرف الأخبار. لكن نهى تؤكد أن الحل ليس بدمج المؤثرين، وتقول: «يمكن تدريب الصحافيين على إنتاج أنواع من المحتوى تجذب الأجيال الجديدة، لكن يجب أن يكون صانع المحتوى الإعلامي صحافياً يمتلك الأدوات والمعايير المهنية».

وتعد نهى «الإعلام المؤسسي أحد أبرز ضحايا الحروب الأخيرة»، وتقول إن «الإعلام استُخدم باحة خلفية للصراع، وفي بعض الأحيان تَقدمَ القوات العسكرية، وأدى مهمات في الحروب الأخيرة، بدءاً من الحرب الروسية - الأوكرانية وصولاً إلى حرب غزة».

وتبدي نهى دهشتها من الأدوار التي لعبها الإعلام في الصراعات الأخيرة بعد «سنوات طويلة من تراكم النقاشات المهنية ورسوخ القيم والمبادئ التحريرية».

وتاريخياً، لعب الإعلام دوراً في تغطية الحروب والنزاعات، وهو دور وثّقته دراسات عدة، لكنه في الحروب الأخيرة «أصبح عنصراً فاعلاً في الحرب؛ ما جعله يدفع الثمن مرتين؛ أمام جمهوره وأمام الصحافيين العاملين به»، بحسب نهى التي تشير إلى «قتل واغتيال عدد كبير من الصحافيين، واستهداف مقرات عملهم في مناطق الصراع دون محاسبة للمسؤول عن ذلك، في سابقة لم تحدث تاريخياً، وتثبت عدم وجود إرادة دولية للدفاع عن الصحافيين».

وتقول نهى: «على الجانب الآخر، أدت ممارسات مؤسسات إعلامية دولية، كانت تعد نماذج في المهنية، إلى زعزعة الثقة في استقلالية الإعلام»، مشيرة إلى أن «دور الإعلام في الحروب والصراعات هو الإخبار ونقل معاناة المدنيين بحيادية قدر المستطاع، لا أن يصبح جزءاً من الحرب وينحاز لأحد طرفيها».

نهى النحاس

وترفض نهى «الصحافة المرافقة للقوات العسكرية»، وتعدها «صحافة مطعوناً في صدقيتها»، موضحة أن «الصحافي أو الإعلامي المرافق للقوات ينظر للمعركة بعين القوات العسكرية التي يرافقها؛ ما يعني أنه منحاز لأحد طرفَي الصراع». وتقول: «عندما ينخرط الصحافي مع جبهة من الجبهات لا يعود قادراً على نقل الحقائق».

وضعت الحروب الأخيرة الصحافيين في غرف الأخبار «أمام واقع جديد جعل أصواتهم غير مسموعة في مؤسساتهم، في بعض الأحيان»، وتوضح نهى ضاربة المثل بالرسالة المفتوحة التي وقّعها عدد من الصحافيين في صحيفة «لوس أنجليس تايمز» الأميركية ضد تغطية حرب غزة وتجاهل قتل عدد كبير من الصحافيين، والتي أدت في النهاية إلى إيقافهم عن تغطية حرب غزة.

زعزعت الانحيازات الإعلامية في التغطية، الثقة في استقلالية الإعلام، وأفقدت مؤسسات إعلامية كبرى مصداقيتها، بعد أن كانت حتى وقت قريب نماذج للالتزام بالمعايير المهنية. ورغم ما فقدته مؤسسات الإعلام الدولية من رصيد لدى الجمهور، لا تتوقع نهى أن «تقدم على تغيير سياستها؛ لأن ما حدث ليس مجرد خطأ مهني، بل أمر مرتبط بتشابك مصالح معقد في التمويل والملكية». ولفتت إلى أن «الحروب عطّلت مشروعات التطوير في غرف الأخبار، وأرهقت الصحافيين نفسياً ومهنياً».

وترى أن تراجع الثقة في نماذج الإعلام الدولية، يستدعي العمل على بناء مدارس إعلامية محلية تعكس الواقع في المجتمعات العربية، مشيرة إلى وجود مدارس صحافية مميزة في مصر ولبنان ودول الخليج لا بد من العمل على تطويرها وترسيخها بعيداً عن الاعتماد على استلهام الأفكار من نماذج غربية.

بناء تلك المدارس الإعلامية ليس بالأمر السهل؛ فهو بحسب نهى «يحتاج إلى نقاش وجهد كبير في التعليم وبناء الكوادر وترسيخ الإيمان بالإعلام المستقل». وهنا تؤكد أن «استقلالية الإعلام لا تعني بالضرورة تمويله من جهات مستقلة، بل أن تكون إدارته التحريرية مستقلة عن التمويل قدر الإمكان»، مشددة على أن «التمويل العام لوسائل الإعلام مهم ومرحّب به، لا سيما في لحظات الاستقطاب السياسي؛ حتى لا يلعب المال السياسي دوراً في تخريب مصداقية المؤسسة».

غيّرت الحروب غرف الأخبار وألقت بظلالها على طريقة عملها، لتعيد النقاشات الإعلامية إلى «الأسس والمعايير والأخلاقيات»، تزامناً مع تطورات تكنولوجية متسارعة، ترى نهى أنها «ضرورية لكن كأدوات لإيصال الرسالة الإعلامية بفاعلية».

من هذا المنطلق، ترفض نهى التوسع في مناقشة قضايا الذكاء الاصطناعي على حساب القضايا المهنية، وتقول: «نحتاج إلى إعادة تثبيت وترسيخ القواعد المهنية، ومن ثم الاهتمام بالأدوات التي تسهل وتطور الأداء، ومن بينها الذكاء الاصطناعي الذي لا يمكن إنكار أهميته».

وتضيف: «إذا كان الأساس به خلل، فإن الأداة لن تعالجه؛ لذلك لا بد من مناقشات في غرف الأخبار حول الأسس المهنية لاستعادة الجمهور الذي انصرف عن الأخبار».

وبالفعل، تشير دراسات عدة إلى تراجع الاهتمام بالأخبار بشكل مطرد، تزامناً مع تراجع الثقة في الإعلام منذ جائحة «كوفيد-19»، وتزايد ذلك مع الحرب الروسية - الأوكرانية. ووفقاً لمعهد «رويترز لدراسات الصحافة»، فإن «نحو 39 في المائة من الجمهور أصبحوا يتجنبون الأخبار».

وهنا تقول نهى إن «الثقة تتراجع في الإعلام بشكل مطرد؛ لأن الجمهور يشعر أن صوته لم يعد مسموعاً، إضافة إلى تشبع نسبة كبيرة من الجمهور بأخبار الحرب، إلى حد مطالبة البعض بنشر أخبار إيجابية». وتضيف أن «هذا التراجع امتزج مع صعود منصات التواصل التي أصبحت يُخلط بينها وبين الإعلام المؤسسي، لا سيما مع ما قدمته من متابعات للحروب والصراعات الأخيرة».

وتشير رئيسة «منتدى مصر للإعلام» إلى أن «الحروب الأخيرة في أوكرانيا وغزة وضعت أعباء مالية، وفرضت محتوى مختلفاً على المؤسسات الإعلامية أدى إلى زيادة تجنب الجمهور للأخبار»، بحسب ما جاء في دراسة نشرها معهد «رويترز لدراسات الصحافة»؛ ما يستلزم البحث عن وسائل لإعادة جذبه، أو لـ«غرفة أخبار ثالثة» كما فعلت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، مستهدفة «جذب مزيد من القراء وزيادة الموارد».

وتستهدف «غرفة الأخبار الثالثة» إنشاء محتوى خاص لمنصات التواصل الاجتماعي، ومقاطع فيديو قصيرة تتناول موضوعات متنوعة لجذب الأجيال المرتبطة بالهواتف الذكية.

ويعد التدريب واحداً من أدوار المنتديات الإعلامية، ومن بينها «منتدى مصر للإعلام». وأوضحت نهى، في هذا المجال، أن «المنتديات الإعلامية هي تعبير عن الواقع الإعلامي لدولةٍ أو منطقةٍ ما، ونقطة تلاقٍ لمناقشة قضايا ومعارف مهنية، وملاحقة التطورات التكنولوجية».

وكان من المقرر عقد النسخة الثالثة من «منتدى مصر للإعلام» نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لكن تم تأجيلها «بسبب الأحداث المتلاحقة والمتسارعة في المنطقة والتي كانت ستؤثر على حضور بعض ضيوف (المنتدى)»، بحسب نهى التي تشير إلى أنه «سيتم عقد النسخة الثالثة من (المنتدى) منتصف 2025».

وتوضح أنه «يجري حالياً مراجعة أجندة (المنتدى) وتحديثها وتغييرها استعداداً للإعلان عنها في الربع الأول من العام المقبل»، مشيرة إلى أنه لم يتم الاستقرار بعدُ على عنوان النسخة الثالثة، وإن كان هناك احتمال للإبقاء على عنوان النسخة المؤجلة «يمين قليلاً... يسار قليلاً!».

وتقول نهى إن «منتدى مصر للإعلام» سيركز كعادته على المناقشات المهنية والتدريبات العملية، لا سيما «منصة سنة أولى صحافة» المخصصة لتقديم ورش تدريبية لطلاب الإعلام تتناول الأساسيات والمعايير المهنية.

وتختتم حديثها بالتأكيد على أن الالتزام بالمعايير المهنية هو الأساس لبقاء الإعلام المؤسسي، مجددة الدعوة لفتح نقاشات جادة بشأن مأسسة نماذج إعلام محلية في المنطقة العربية.