انتقاد السراج لاستعانته بـ«مطلوب دولي» لفض اشتباكات طرابلس

وسط عجز حكومة «الوفاق» وقلق البعثة الأممية

ميليشيات موالية لحكومة الوفاق تقوم بدورية في منطقة أبو قرين (رويترز)
ميليشيات موالية لحكومة الوفاق تقوم بدورية في منطقة أبو قرين (رويترز)
TT

انتقاد السراج لاستعانته بـ«مطلوب دولي» لفض اشتباكات طرابلس

ميليشيات موالية لحكومة الوفاق تقوم بدورية في منطقة أبو قرين (رويترز)
ميليشيات موالية لحكومة الوفاق تقوم بدورية في منطقة أبو قرين (رويترز)

دخل صلاح بادي، زعيم أبرز ميليشيات مصراتة المسلحة، والمطلوب دولياً بتهمة ارتكاب «جرائم حرب»، على خط الوساطات المحلية لوقف القتال بين عناصر الميليشيات الموالية لحكومة «الوفاق» الليببية، برئاسة فائز السراج، في العاصمة طرابلس، بعد إخفاقها في كبح جماحها، في وقت أعربت فيه بعثة الأمم المتحدة في ليبيا عن قلقها إزاء الاشتباكات، التي شهدتها تاجوراء أول من أمس.
وبعد فشل صلاح النمروش، وزير الدفاع بالحكومة، في وقف القتال، ظهر بادي في لقطات مصورة خلال اجتماع محلي يخاطب فيه قادة من كتيبتي «الضمان» و«أسود تاجوراء» وأعيان من المنطقة، حيث وقعت الاشتباكات، التي تمثل حرجاً سياسياً للحكومة، التي تدعي سيطرتها على الميليشيات التابعة لها.
وانتقدت وسائل إعلام محلية استعانة حكومة السراج بجهود بادي، المنتمي إلى مدينة مصراتة (غرب)، لحل النزاع في العاصمة طرابلس، حيث سبق أن تورط في شن هجمات دامية على مطارها الدولي عام 2014، وهو يقود ميليشيات ما يسمى «لواء الصمود»، الذراع المسلحة لتنظيم الإخوان في ليبيا.
ونقلت وسائل إعلام محلية، موالية لحكومة «الوفاق»، عن مصادر سماع أصوات انفجارات في قاعدة براك الشاطئ العسكرية، التابعة لـ«الجيش الوطني» التي يقودها المشير خليفة حفتر، ناجمة عما وصفته بتجريب عناصر من مرتزقة «فاغنر» قادمة من الجفرة، لبعض أنواع الأسلحة.
وتزامن هذا التطور مع تأكيد ستيفاني ويليامز، رئيسة بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا بالإنابة، في تصريحات تلفزيونية أمس، استمرار دخول معدات عسكرية بشكل يومي إلى ليبيا، وحثت على «أهمية مغادرة القوات الأجنبية والمرتزقة خلال 90 يوماً من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار».
وبعدما اعتبرت أن مدينة سرت استراتيجية بسبب حقول النفط، دعت ستيفاني إلى حماية البنية التحتية للنفط، بالإضافة إلى المدينة والمناطق المأهولة الأخرى في وسط البلاد، معتبرة أن الانتخابات ستعالج أزمة الشرعية في ليبيا، مشيرة إلى أنه ستتم عملية مراجعة دورية للبنك المركزي في العاصمة طرابلس.
وكانت البعثة الأممية قد دعت مساء أول من أمس، إلى «وقف فوري» للأعمال العدائية في طرابلس، وذلك على خلفية الاشتباكات التي شهدتها تاجوراء، وقالت في بيانها إنها «تتابع بقلق بالغ الاشتباكات بالأسلحة الثقيلة بين مجموعتين مسلحتين في تاجوراء بطرابلس، ما أسفر عن إلحاق أضرار بالممتلكات الخاصة، وتعريض حياة المدنيين للخطر»، داعية إلى «وقف فوري للأعمال العدائية»، وذكّرت جميع الأطراف بالتزاماتهم بموجب القانون الدولي الإنساني، معتبرة أن «هذه الاشتباكات المسلحة تؤكد مرة أخرى الحاجة الملحة لضرورة إصلاح قطاع الأمن في ليبيا».
وكانت وزارة الدفاع بحكومة «الوفاق» قد أمرت بحل كتيبتي «الضمان» و«أسود تاجوراء» المتنازعتين، وإحالة قادتهما إلى التحقيق عقب وقوع اشتباكات دامية.
في شأن آخر، أعلن فتحي باشاغا، وزير الداخلية بحكومة «الوفاق»، عن عودة السفارة الهولندية للعمل من العاصمة طرابلس بشكل جزئي، وقال إنه أكد للسفير الهولندي لارس تومرز، خلال محادثات بينهما، استعداد الإدارة العامة للأمن الدبلوماسي تأمين عمل السفارات والبعثات الدبلوماسية.
وأوضح باشاغا في تغريدة له عبر موقع «تويتر»، أن الاجتماع ناقش خططه لإرساء الأمن المهني، وفرص التعاون المشترك في مجالي التدريب وتبادل المعلومات، لافتاً إلى أنه شكر السفير على دور هولندا في دعم ملفات حقوق الإنسان، وتكوين لجنة تقصٍ للحقائق التي وقعت بالبلاد.
من جهة أخرى، شجعت البعثة الأممية رؤساء بلديات ليبية، تم انتخابهم مؤخراً، على ضمان المشاركة الفعالة للنساء والجماعات الأقل تمثيلاً في الانتخابات، وهنأت في بيان لها «رؤساء البلديات المنتخبين بطريقة ديمقراطية، الذين تم تنصيبهم مؤخراً في غات وككلة ومصراتة».
وجددت البعثة التأكيد في بيان مساء أول من أمس، على «دعمها القوي للشعب الليبي في إجراء الانتخابات البلدية، وتعزيز الحكم المحلي، ودعمها للجنة المركزية لانتخابات المجالس البلدية لدورها الحيوي في ضمان إجراء الانتخابات البلدية بشكل ديمقراطي، ومن خلال عملية شاملة وذات مصداقية».
وانطلقت مؤخراً العملية الانتخابية للمجالس البلدية في ليبيا، وستستمر مرحلتها الأولى حتى نهاية الشهر الجاري، فيما تستعد أكثر من 100 بلدية ليبية لتنظيم انتخابات جديدة لمجالسها في الدورة الثانية خلال العام الجاري، حيث انتهت ولاية معظمها، التي تبلغ 4 أعوام، غير قابلة للتجديد بموجب القانون.
وتتواصل العملية الانتخابية البلدية في عدد من المدن الليبية، على الرغم من التداعيات التي أفرزتها جائحة «كوفيد - 19» والتهديدات الأمنية، التي تسببت في إيقاف الانتخاب في بعض مدن الجنوب.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.