نهاية متشائمة لـ«معركة البقاء» في مسرحية «العمى» المصرية

العرض مقتبس من رواية للأديب البرتغالي خوسيه ساراماجو

مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية
TT

نهاية متشائمة لـ«معركة البقاء» في مسرحية «العمى» المصرية

مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية

تبدو المدنية الحديثة مزهوة بتحضرها ورقيها وكأنها مدينة فاضلة لا صوت يعلو فيها فوق صوت حقوق الإنسان، لكن ماذا لو تعرضت لكارثة كبرى عصفت بالأخضر واليابس وجعلت ضرورات الحياة الأساسية غير موجودة إلا بشق الأنفس؟ مسرحية «العمى» التي عرضت أخيراً ضمن فعاليات مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، وتعرض حاليا على قناة «صوت طنطا» بموقع «يوتيوب»، ويتوقع عرضها ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح في شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، تقدم إجابة حاسمة عن هذا التساؤل، فالبشر بحسب صناع العمل سوف يرتدون إلى عصر بدائي يتصارعون فيه على الطعام والشراب من دون رحمة أو شفقة فالقوي يدهس الضعيف في معركة البقاء فيها للأقوى كما تصبح النجاة من الموت هدفا مقدسا يباح في سبيل تحقيقه التنازل عن الشرف والكرامة.
العمل مأخوذ عن رواية شهيرة بنفس الاسم للكاتب البرتغالي الحاصل على جائزة نوبل خوسيه ساراماجو «1922 - 2010» وقد تم تحويل الرواية لفيلم كندي من بطولة النجمة جوليان مور كما تم تحويلها إلى أوبرا ومسرحيات حول العالم، وسبق تحويلها لعرض مسرحي إذاعي مصري بـ«البرنامج الثقافي» بطولة ندى بسيوني وإخراج هشام محب مدته 17 دقيقة، لكنها المرة الأولى التي يتم تحويلها إلى عمل مسرحي يقدم مباشرة على خشبة المسرح.
يتناول العرض الذي يمتد لما يقرب من ساعتين قصة مدينة يجتاحها وباء غامض ينتقل بطريق العدوى ويفقد المريض قدرته على الإبصار. يتقاتل الناس بوحشية على الطعام وتنهار مؤسسات المجتمع، يتم احتجاز جميع المصابين في عنابر قذرة بمستشفيات شبه مهجورة بعد أن أصبحت سلطة السجن التي تمارس إجراءات الحجر الصحي بعنف يصل إلى حد إطلاق الرصاص الحي هي السلطة الوحيدة المتبقية. يحافظ العرض على روح النص الأصلي المتمثلة في إبقاء المدينة التي اجتاحها مبهمة دون تحديد لاسم أو جغرافيا حتى تظل رمزاً للمدنية الحديثة.
وبينما تأتي النهاية في الرواية متفائلة حيث يختفي الوباء فجأة كما ظهر فجأة ويعود الناس للإبصار مرة أخرى، تأتي النهاية في المسرحية متشائمة حيث يظل الوباء متفشياً ما يضطر مجموعة العميان أو السجناء إلى الهرب من دون وجهة محددة أو أمل في النجاة.
ملابس العميان جاءت جميعا باللون البرتقالي ما يوحي بسجناء على وشك تنفيذ حكم الإعدام، فيما برع الديكور في استكمال صورة قاسية لبشر تحول المركز الذي يفترض أن يقدم لهم الرعاية نفسياً وصحيا إلى ما يشبه مركز اعتقال.
المسرحية إنتاج وتنفيذ فرقة قصر ثقافة طنطا (دلتا مصر)، ومن اللافت أن جميع أعضاء الفرقة من الهواة، باستثناء أربعة محترفين فقط، هم الدراماتورج الشاب أحمد عصام، المخرج سعيد المنسي، مصمم الديكور والملابس محمود الغريب، مؤلف الموسيقى صادق ربيع. ويحسب للمخرج قدرته على السيطرة على 23 ممثلا داخل حيز صغير للغاية وتوجيه أدائهم ليأتي مقنعا بعيدا عن الإغراق في الميلودراما والمبالغة في إظهار الطابع المأساوي.
وبحسب الناقد المسرحي يسري حسان، فإن العرض في مجمله جيد وجاد مؤكداً أن المسرحية أيضا تعد مثالا حيا على قدرة الهيئات الحكومية الثقافية على إنتاج أعمال رائعة رغم أنها تعاني من نقص الميزانيات المالية كما تفتقر إلى المتابعة الإعلامية.
وعن سبب اختيار رواية «العمى» لخوسيه ساراماجو لتحويلها إلى نص مسرحي، يقول المخرج سعيد المنسي، لـ«الشرق الأوسط» إنه دائما ما تشغله فكرة مصير الإنسان ومدى قدرته على الاحتفاظ بإنسانيته في مواجهة الأزمات الكبرى، مشيراً إلى أن هذا النص الروائي تحديدا مليء بالرموز والدلالات القوية في هذا السياق.
وما إذا كان الجو المقبض للنص قد جعله يتخوف من رد فعل الجمهور، يؤكد مخرج العرض أنه انتابه بالفعل مثل تلك المخاوف ولكنها سرعان ما تبددت بعد العرض الأول حيث انفعل الحضور بقوة وتفاعلوا مع العمل طوال الوقت بشكل أكثر من رائع، بحسب المنسي، الذي لفت إلى إمكانية عرض المسرحية ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح، وتمثيل الهيئة العامة لقصور الثقافة، في شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل.


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)

انطلاق «بيروت للأفلام الفنية» تحت عنوان «أوقفوا الحرب»

انطلاق مهرجان بيروت للأفلام الفنية (المهرجان)
انطلاق مهرجان بيروت للأفلام الفنية (المهرجان)
TT

انطلاق «بيروت للأفلام الفنية» تحت عنوان «أوقفوا الحرب»

انطلاق مهرجان بيروت للأفلام الفنية (المهرجان)
انطلاق مهرجان بيروت للأفلام الفنية (المهرجان)

تُثابر أليس مغبغب منظمة مهرجان «بيروت للأفلام الفنية» (باف) على تجاوز أي مصاعب تواجهها لتنظيم هذا الحدث السنوي، فترفض الاستسلام أمام أوضاع مضطربة ونشوب حرب في لبنان. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «علينا الانتصاب دائماً ومواجهة كل من يرغب في تشويه لبنان الثقافة. نعلو فوق جراحنا ونسير بثباتٍ للحفاظ على نبض وطن عُرف بمنارة الشرق. كان علينا أن نتحرّك وننفض عنّا غبار الحرب. ندرك أن مهمتنا صعبة، ولكننا لن نستسلم ما دمنا نتنفس».

الصورة وأهميتها في معرض العراقي لطيف الآني (المهرجان)

انطلقت في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي فعاليات مهرجان «بيروت للأفلام الفنية»، ويحمل في نسخته العاشرة عنوان «أوقفوا الحرب»، وتستمر لغاية 6 ديسمبر (كانون الأول). يعرض المهرجان 25 فيلماً، ويقيم معرض صور فوتوغرافية. ويأتي هذا الحدث بالتوازي مع الذكرى الـ50 للحرب الأهلية اللبنانية، وتجري عروضه في المكتبة الشرقية في بيروت.

وتتابع مغبغب: «رغبنا في لعب دورنا على أكمل وجه. صحيح أن كل شيء حولنا يتكسّر ويُدمّر بفعل حرب قاسية، بيد أننا قررنا المواجهة والمقاومة على طريقتنا».

تقع أهمية النسخة الـ10 بتعزيزها لدور الصورة الفوتوغرافية. ويحمل افتتاحه إشارة واضحة لها. فأُطلق في 25 نوفمبر معرض هادي زكاك عن صالات السينما في مدينة طرابلس، يحمل عنوان «سينما طرابلس والذاكرة الجماعية»، وذلك في المكتبة الشرقية في العاصمة بيروت. ويسلّط المعرض الضوء على هذه المدينة الثقافية بأسلوبه. كما عرض المهرجان في اليوم نفسه الوثائقي «أسرار مملكة بيبلوس» لفيليب عرقتنجي. وقد نال عنه مؤخراً جائزة لجنة التحكيم الكبرى في الدورة الـ24 لمهرجان السينما الأثرية (FICAB) في مدينة بيداسوا الإسبانية.

يُختتم المهرجان بالفيلم اللبناني «وعاد مارون بغدادي إلى بيروت»

وفي السابعة مساءً، اختُتم أول أيام الافتتاح بعرض المهرجان لفيلم هادي زكاك «سيلّما»، ويوثّق فيه سيرة صالات السينما في طرابلس، يومَ كانت السينما نجمة شعبيّة في المدينة الشماليّة.

وكما بداية المهرجان كذلك ختامه يحمل النفحة اللبنانية، فيعرض في 6 ديسمبر (كانون الأول) فيلم فيروز سرحال «وعاد مارون بغدادي إلى بيروت»، وذلك في الذكرى الـ30 لرحيله. في الفيلم زيارة أماكن عدّة شهدت على حياة بغدادي وأعماله، والتقاء بالمقربين منه لتمضية يوم كامل معهم في بيروت، حيث يسترجعون مسيرة بغدادي المهنية في ذكريات وصور.

وتشير مغبغب، في سياق حديثها، إلى أن المهرجان ولّد حالة سينمائية استقطبت على مدى نسخاته العشر صنّاع أفلام عرب وأجانب. وتضيف: «تكثر حالياً الإنتاجات الوثائقية السينمائية. في الماضي كانت تقتصر على إنتاجات تلفزيونية، توسّعت اليوم وصار مهرجان (باف) خير عنوان لعرضها».

فيلم فؤاد خوري يُوثّق الحرب اللبنانية (المهرجان)

ومن النشاطات التي تصبّ في تعزيز الصورة الفوتوغرافية أيضاً، معرضٌ للعراقي لطيف الآني، يحكي قصة العراق منذ 50 سنة ماضية، ينقل معالمه ويومياته كما لم نعرفها من قبل. وتعلّق مغبغب: «أهمية الصورة الفوتوغرافية تأتي من حفاظها على الذاكرة. ولذلك سنشاهد أيضاً فيلم فؤاد خوري عن ذاكرة الحرب اللبنانية».

ويغوص فيلم خوري في مسار هذا الفنان الذي أخذ دور موثّق الحرب، والشاهد على النّزاعات في الشرق الأوسط.

مغبغب التي تأمل بأن تجول بالمهرجان في مناطق لبنانية بينها بعلبك وصور، تقول: «الناس متعطشة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى الموضوعات الفنية. إنها تشكّل لهم متنفساً ليتخلصوا من همومهم ولو لبرهة. وهذه الأفلام الواقعية والموثقة بكاميرات مخرجين كُثر، تجذبهم بموضوعاتها الاجتماعية والجمالية».

تقول أليس مغبغب إن عملها في المهرجان كشف لها عدد أصدقاء لبنان من دول أجنبية وعربية. ولذلك نتابع عروضاً لأفلام أجنبية من بينها مشاركة من إنجلترا بعد غياب عن المهرجان لـ4 سنوات. وسيُعرض بالمناسبة «الرجل المقاوم» و«شكسبيرز ماكبث» ثاني أيام المهرجان في 26 نوفمبر.

ويُخصّص «بيروت للأفلام الفنية» أيام عرضٍ خاصة ببلدان أجنبية، من بينها الإيطالي والبلجيكي والسويسري والبرازيلي والإسباني والألماني.

«أسرار مملكة بيبلوس» لفيليب عرقتنجي (المهرجان)

ويبرز فيلما «لاماتوري» و«أخضر على رمادي» للإيطاليين ماريا موتي وإميليا أمباسز في المهرجان. وفي ذكرى مئوية الفن السوريالي تشارك إسبانيا من خلال المخرجَين بالوما زاباتا وكانتين ديبيو، فيُعرض «لا سينغالا» و«دالي»، ويُعدّ هذا الأخير من أهم الأفلام الوثائقية عن الفنان الإسباني الراحل والشهير.

وفي 5 ديسمبر (كانون الأول) سيُعرض فيلم خاص بالمكتبة الشرقية مستضيفة المهرجان. وتوضح مغبغب: «عنوانه (المكتبة الشرقية إن حكت) من إخراج بهيج حجيج، ويتناول عرَاقة هذه المكتبة وما تحويه من كنوز ثقافية».

ومن الأفلام الأجنبية الأخرى المعروضة «إيما بوفاري» وهو من إنتاج ألماني، ويتضمن عرض باليه للألماني كريستيان سبوك مصمم الرقص الشهير، وهو يقود فرقة «ستانس باليه» المعروفة في برلين.

وفي فيلم «جاكوميتي» للسويسرية سوزانا فانزون تتساءل هل يمكن لمكانٍ ما أن يكون مصدر موهبة عائلة بأسرها. وتحت عنوان «من الخيط إلى الحبكة» يتناول مخرجه البلجيكي جوليان ديفو، فنّ النّسيج وما تبقّى منه حتى اليوم، فينقلنا إلى مصانع بروكسل وغوبلان مروراً بغوادا لاخارا في المكسيك.