أليكسي نافالني... من محامٍ يحارب الفساد إلى زعيم غير متوّج للمعارضة في روسيا

«فزاعة الإنترنت» أقلقت أصحاب الملايين وأثارت غضب الكرملين

أليكسي نافالني... من محامٍ يحارب الفساد  إلى زعيم غير متوّج للمعارضة في روسيا
TT

أليكسي نافالني... من محامٍ يحارب الفساد إلى زعيم غير متوّج للمعارضة في روسيا

أليكسي نافالني... من محامٍ يحارب الفساد  إلى زعيم غير متوّج للمعارضة في روسيا

ليس أليكسي نافالني أول معارض روسي يرتبط اسمه بقوة بسلاح كيماوي خفي فتاك، أدخله في غيبوبة طويلة، وكاد يقضي عليه، مفجراً جدلاً واسعاً وعاصفة جديدة في علاقات روسيا مع الغرب. إذ عرفت روسيا قبله الكثير من الحالات المماثلة.
أسماء برزت بقوة وبشكل مفاجئ عندما تعرض أصحابها لملاحقات ومحاولات اغتيال وصفت بأنها من تدبير أجهزة الاستخبارات الخارجية الروسية. بعضها انتهى بأن صمت أصحابها إلى الأبد. وبعضها الآخر اختفى أبطالها في أماكن مجهولة ليقضوا حياتهم بعيدا عن الأضواء بأسماء مستعارة وحياة مستعارة.
غير أن نافالني ليس واحدا من هؤلاء. فهو لا ينتمي إلى مجموعات «حيتان المال» التي راكم أصحابها ثروات خيالية في سنوات انهيار الدولة وتراجع قدراتها، قبل أن يفر بعضهم من البلاد، ويتعرض لملاحقات ومحاولات قصاص. كذلك فهو ليس واحدا من عملاء الأجهزة الخاصة أو الجواسيس الذين اختاروا أن ينشقوا، أو أن يلجأوا إلى الغرب طلبا للحماية. بل هو مجرد محامٍ شاب من عائلة متوسطة، صعد نجمه بقوة في بلاده لأنه اختار أن يسبح عكس التيار.

يصف مناصرو الكرملين أليكسي نافالني بأنه عنصر استفزاز حمل لواء مكافحة الفساد، ليحصل على الشهرة ويتلقى الدعم الخارجي لزعزعة الأوضاع في روسيا. ويضيفون أنه تلاحقه الملفات الجنائية داخل البلاد من كل حدب وصوب، وسبق له أن جرب غالبية مراكز التوقيف التابعة لوزارة الداخلية بسبب إصراره على مدى سنوات على تنظيم احتجاجات ومظاهرات غير مرخصة قانونياً.
وحقاً، سعى الكرملين في غير مناسبة إلى التقليل من شأن نافاني وتحقيره، لدرجة أنه لم يذكر اسمه في أي تصريح رسمي. كذلك تجنب الإشارة إليه بصفته سياسياً أو حقوقياً في تعليقاته، فهو «المدون» الذي ينشر معلومات مضللة تارة، و«منتهك القوانين» أحياناً.
أما بعد حادثة تعرضه للتسمم في مدينة أومسك السيبيرية النائية الهادئة، فإنه غدا «المستفز»، أي صاحب الاستعراض الاستفزازي. ومن ثم، بعد نقله إلى مستشفى في العاصمة الألمانية برلين للعلاج، صار يحمل اسم «نزيل مستشفى برلين» وفقاً لتعليقات الديوان الرئاسي الروسي، وهي التسمية الأكثر رواجاً اليوم في وسائل الإعلام الحكومية. وفي المقابل، رأى أنصار المحامي الشاب فيه زعيماً واعداً لمعارضة مفككة وضعيفة، لكنه رغم تفككها وضعفها، نجح في إثارة قلق واسع بسبب تحقيقاته عن الفساد التي طاولت شخصيات بارزة.
ويتحدث المعارضون عن قدرات ومواهب بارزة، جعلت نافالني قادراً على تحدي السلطات في أكثر من مبارزة، ومكنته من إثبات حضور قوي، حوله إلى عدوٍ لدودٍ للرئيس فلاديمير بوتين.

- بطاقة هوية
ولد أليكسي نافالني في بلدة أدينتسوفا إلى الجنوب من العاصمة الروسية موسكو عام 1976. وأنهى دراسته الجامعية في كلية القانون بجامعة الصداقة بين الشعوب في موسكو. ثم يواصل في العام التالي دراسته في تخصص جامعي جديد، بأعمال المحاسبة والأوراق المالية، وهو التخصص الذي ساعده كثيراً في إعداد تحقيقات واسعة عن النشاط المالي لكبار المسؤولين الروس.
أيضاً، منذ كان نافالني طالباً في الجامعة، اتجه إلى ممارسة نشاطات مهدت لظهوره في عالم السياسة لاحقاً. إذ أسس مجموعات شبابية، وقاد نشاطات ركزت في غالبيتها على مسألة دعم القطاعات الأقل حظاً، وملاحقة انتهاكات بعض المؤسسات الحكومية.
وفي فترة لاحقة، أقدم المحامي الشاب الذي يدير والداه مشروعاً تجارياً صغيراً لكنه ناجح، على شراء أسهم قليلة في عدد من الشركات الروسية العملاقة، مثل «غازبروم» و«مصرف التجارة الخارجية»، واستغل وجوده كمساهم - على قلة عدد أسهمه - في تسجيل الملاحظات على أداء المكاتب الفرعية للشركات، وآليات تعاملها مع صغار المستثمرين... وهو ما وضعه في مواجهة معها، وأثار ضده الكثير من الاستياء.

- خبرة في التدقيق المالي
لقد شمل نشاط نافالني مجالات عدة، جعلته يراكم خبرات في عمليات التدقيق المالي وأعمال رصد الانتهاكات، فضلا عن تكريس اسمه في أوساط المعارضة كممثل لجيل جديد من المعارضين الشباب. إذ أنه في عام 1998 - 1999 عمل في شركة لتطوير الكفاءات. ومن بين أمور أخرى، كان منخرطا في مراقبة العملات وتشريعات مكافحة الاحتكار، وفي الوقت نفسه بدأ دراسة أعمال الصرف والأوراق المالية في الأكاديمية المالية.
بعدها، عام 2000، أسس المحامي الشاب مع أصدقاء في كلية الحقوق شركة للأوراق المالية امتلك هو 35 في المائة من أسمهما وشغل منصب كبير المحاسبين فيها، إلا أن هذه الشركة أعلنت إفلاسها في وقت لاحق. ولاحقاً، تنقل بين عدة أعمال قبل أن يطرق باب الصحافة عام 2006، كمقدم لبرنامج متخصص في كشف انتهاكات مالية تبثه إذاعة «صدى موسكو»، ذات السياسة التحريرية الانتقادية بصرامة لنهج الرئيس الروسي الداخلي.
أما على صعيد النشاط الاجتماعي – السياسي، فقد انخرط نافالني منذ عام 2004 بتأسيس ما سمي بـ«لجنة حماية سكان موسكو»، وهي حركة على مستوى المدينة لمناهضي الفساد تخصصت في رصد عمليات انتهاك حقوق المواطنين أثناء حركة البناء والإنشاءات الكبرى في موسكو وعلى أطرافها. وفي العام التالي ساهم في تأسيس «حركة الشباب» التي أطلقت مشروع «الشرطة مع الشعب». وحتى العام 2006 عمل في مؤسسات إعلامية كمنسق لمشروع المناظرات السياسية، قبل أن يغدو في العام التالي أحد مؤسسي «الحركة الشعبية» التي وضعت برنامجا لتكافؤ الفرص في النشاط السياسي. ومن ثم، عام 2008 أسس مجموعة «اتحاد مساهمي الأقلية»، التي تعمل على حماية حقوق المستثمرين من القطاع الخاص.

- في الميدان السياسي
في هذه الأثناء، انخرط نافالني لبعض الوقت في نشاط حزب «يابلوكو» الليبرالي اليميني. إلا أنه غادر صفوفه إثر أزمة تعلقت بمطالبات لمؤسس الحزب وقائده التاريخي غريغوري يافلينسكي بالاستقالة من رئاسة الحزب وإفساح المجال أمام جيل جديد من السياسيين. وبالمناسبة، فإن هذا الحزب رفع ضد نافالني قضية جنائية بسبب هذه الحادثة.
وبعد ذلك ساهم في تأسيس حركة «نارود» (الشعب) التي شكلت الجسم السياسي الأساسي له، وسعى من خلالها عام 2008، لإنشاء تجمع واسع لقوى المعارضة حمل اسم «الحركة الوطنية الروسية». وفي تلك الحقبة برزت الميول القومية في نشاطات نافالني السياسية، إذ أعلن ذات يوم أن «القومية السياسية الجديدة» حركة ديمقراطية ستمنح فيها مائة نقطة أمام الليبراليين السيئي السمعة، وأكد أن القومية «يجب أن تصبح جوهر النظام السياسي الروسي». وأولى، كذلك، في إطار هذا الميل نحو الفكر القومي أهمية كبيرة لسياسة الهجرة.

- توجهات قومية صريحة
وحقاً، قال نافالني في إحدى المناسبات «فكرتي هي أنه لا داعي لحظر هذا الموضوع. يعود فشل حركتنا الديمقراطية الليبرالية إلى حقيقة أنهم اعتبروا من حيث المبدأ بعض المواضيع خطرة للمناقشة، بما في ذلك موضوع الصراعات القومية بين الأعراق. في غضون ذلك، هذه أجندة حقيقية. يجب الاعتراف بأن المهاجرين، بما في ذلك أبناء القوقاز، غالباً ما يذهبون إلى روسيا بقيمهم الخاصة جداً. لقد تغلب الروس على هذا المستوى من التحيز منذ زمن بعيد. على سبيل المثال، في الشيشان يطلق النار على النساء اللواتي يتجولن دون الحجاب من مسدس كرات الطلاء ثم يقول (الزعيم الشيشاني) رمضان قديروف: أحسنتم يا شباب، أنتم أبناء حقيقيون للشعب الشيشاني! ثم يأتي هؤلاء الشيشان إلى موسكو. لدي هنا زوجة وابنة. وأنا لا أحب ذلك عندما يضع الأشخاص الذين يقولون: إنه يجب إطلاق النار على النساء بمسدس كرات الطلاء قواعدهم الخاصة هنا». ولكن، في وقت لاحق، تخلى نافالني عن هذه التوجهات القومية، - على الأقل في خطاباته العلنية – إلا أنه لم يجر أبداً مراجعة كاملة لتجربته في العمل مع مجموعات ذات توجه قومي.
عموماً كانت تلك التجربة المصغرة، لأداء نافالني في وقت لاحق. لكنه قبل أن يطلق مشروعه الكبير الذي حمل اسم «صندوق مكافحة الفساد»، خاض تجربة العمل السياسي الميداني المباشر، من خلال تنظيم سلسلة أعمال احتجاجية كان عنوانها مكافحة الفساد. وبرز اسمه بقوة فيها في العامين 2011و2012 عندما شهدت المدن الروسية أوسع احتجاجات تزامنت مع عودة الرئيس فلاديمير بوتين إلى الكرملين رئيساً لولاية جديدة. وفي العام التالي، قرر نافالني أن يتحدى ماكينة الانتخابات، ليخوض أول معركة سياسية كبرى، كانت خاسرة. إذ رشح نفسه لرئاسة حكومة موسكو، أمام مرشح حزب السلطة «روسيا الموحدة» سيرغي سوبيانين.
مع هذا، ومع أن نافالني خسر في تلك الانتخابات، فإنه حقق مفاجأة ما كانت لتخطر على بال أحد، عندما حصد أصوات ثلث الناخبين في العاصمة الروسية، ما أدخله دوائر المنافسة السياسية كخصم جدي له وزنه وأنصاره، ويستطيع تحقيق مفاجآت.

- حزب «روسيا المستقبل»
فتح هذا «الإنجاز» شهية نافالني، وبالتزامن مع بدء محاولات لتنظيم صفوف المعارضة، وتركيز الجهد على استمالة الفئات الشابة، أسس في العام ذاته حزباً سياسياً حمل اسم «روسيا المستقبل». وخاض على الأثر، جولات حوار وسجالات كثيرة لتوحيد أحزاب المعارضة الصغيرة إلا أن محاولاته لم تؤت ثمارا. ومع انشغاله في الفترة اللاحقة بالمشاركة في أعمال احتجاجية لم تعد تقتصر على موسكو، بل باتت تمتد إلى مدن ومقاطعات نائية، قرر عام 2016 أن يضرب ضربته الكبرى، فأعلن عزمه الترشح لمنصب الرئاسة منافساً للرئيس بوتين الذي كانت ولايته الرئاسية الثالثة تقترب من نهايتها عام 2018.
ووفقاً لهيئة تحرير صحيفة «فيدوموستي» المتخصصة في مجال المال والأعمال، فإن نافالني كان في الواقع «السياسي الوحيد الذي أجرى حملة انتخابية كاملة عام 2017». ومع ذلك في 25 ديسمبر (كانون الأول) 2017، أي قبل ثلاثة شهور من حلول موعد التصويت، وقبل أيام معدودة على إغلاق الباب أمام الترشح للمنافسة على المنصب، أعلنت لجنة الانتخابات المركزية رفض تسجيله بسبب إدانته في قضية جنائية رفعت ضده.
نافالني نشر لاحقاً على مواقعه تفاصيل كاملة تبرئ ذمته المالية في القضية التي رفعتها شركة حكومية تتهمه بتبديد واختلاس عندما كان مديرا لأحد فروعها، لكن هذه القضية تم البت بحكم نهائي فيها في أول جلسة للمحكمة. وكانت النتيجة أن نافالني لم يخسر فقط الترشح في انتخابات الرئاسة بل جرى أيضاً، سحب ترخيصه كمحامٍ وتجريده من القدرة على الترافع في المحاكم.
عموماً، فإن علاقة المحامي الشاب مع المحاكم، كانت نشطة ومتواصلة منذ العام 2010. إذ كان ضيفاً دائماً على دوائر القضاء، فكان مدعياً حيناً، ومدعى عليه أحياناً، وشاهداً في عدد من القضايا الجنائية والإدارية والمدنية والتحكيمية، التي يعتبرها نافالني نفسه وأنصاره ذات دوافع سياسية. وفي وقت لاحق حكمت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لصالح نافالني. وإجمالاً، فاز نافالني بست شكاوى ضد السلطات الروسية في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بمبلغ إجمالي قدره 225 ألف يورو، لكن هذا المبلغ لم يسدد أبداً.

- صندوق مكافحة الفساد
ومع قطع الطريق أمام نافالني لخوض النشاط السياسي المباشر عبر الترشح في الانتخابات، اتجه السياسي الروسي المعارض إلى وضع آليات لتنشيط تحركاته وكسب أنصار في البلاد، عبر الترويج الواسع لتحقيقات خاصة قام بها صندوق مكافحة الفساد الذي يديره.
وبالفعل، طاولت التحقيقات شخصيات بارزة كلها مقربة من الرئيس الروسي، وكان أوسعها انتشارا التحقيق الذي كشف عن امتلاك رئيس الوزراء السابق وحليف بوتين وشريكه في تبادل المقاعد الرئاسية ديمتري ميدفيديف. ولقد حظي تحقيق مدعوم بصور فيديو ووثائق دلت إلى امتلاك ميدفيديف عقارات فاخرة بنحو أربعين مليون مشاهدة على قناة «يوتيوب» الخاصة بنافالني. ومثل ذلك، وإن بأعداد مشاهدة أقل، تداول ملايين الروس عشرات من التحقيقات المصورة التي كشفت عن حياة الترف للشخصيات السياسية والبرلمانية، وعمليات الفساد التي ترافق نشاط كبار رجال المال والأعمال. وهو الأمر الذي أثار ضده حنق رجال السياسة وكذلك رجال المال والأعمال، ما وسع إلى حد كبير دائرة الغاضبين عليه. وهذا ما يفسر تلميحات بعض الأوساط بعد تعرض نافالني لاستهداف بمادة سامة، بأن الفاعل أو الطرف المحرك للحادثة ليس بالضرورة أن يكون من جهات عليا في روسيا أو من طرف أجهزة الاستخبارات.



فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟
TT

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية، بقيادة ميشال بارنييه، في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)، على رأس الحكومة الجديدة. يأتي قرار التعيين في الوقت الذي تعيش فيه فرنسا أزمة برلمانية حادة بسبب غياب الأغلبية وهشاشة التحالفات، مما يضفي على الحياة السياسية جواً من عدم الاستقرار والفوضى. كان هذا القرار متوقَّعاً حيث إن رئيس الوزراء الجديد من الشخصيات المعروفة في المشهد السياسي الفرنسي، والأهم أنه كان عنصراً أساسياً في تحالف ماكرون الوسطي وحليف الرئيس منذ بداية عهدته في 2017. تساؤلات كثيرة رافقت إعلان خبر التعيين، أهمها حظوظ رئيس الوزراء الجديد في تحقيق «المصالحة» التي ستُخرِج البلاد من الأزمة البرلمانية، وقدرته على إنقاذ عهدة ماكرون الثانية.

أصول ريفية بسيطة

وُلِد فرنسوا بايرو في 25 مايو (أيار) عام 1951 في بلدة بوردار بالبرينيه الأطلسية، وهو من أصول بسيطة، حيث إنه ينحدر من عائلة مزارعين، أباً عن جدّ. كان يحب القراءة والأدب، وهو ما جعله يختار اختصاص الأدب الفرنسي في جامعة بوردو بشرق فرنسا. بعد تخرجه عمل في قطاع التعليم، وكان يساعد والدته في الوقت ذاته بالمزرعة العائلية بعد وفاة والده المفاجئ في حادث عمل. بدأ بايرو نشاطه السياسي وهو في سن الـ29 نائباً عن منطقة البرانس الأطلسي لسنوات، بعد أن انخرط في صفوف حزب الوسط، ثم رئيساً للمجلس العام للمنطقة ذاتها بين 1992 و2001. إضافة إلى ذلك، شغل بايرو منصب نائب أوروبي بين 1999 و2002. وهو منذ 2014 عمدة لمدينة بو، جنوب غربي فرنسا، ومفتّش سامٍ للتخطيط منذ 2020.

شغل بايرو مهام وزير التربية والتعليم بين 1993 و1997 في 3 حكومات يمينية متتالية. في 2017 أصبح أبرز حلفاء ماكرون، وكوفئ على ولائه بحقيبة العدل، لكنه اضطر إلى الاستقالة بعد 35 يوماً فقط، بسبب تورطه في تحقيق يتعلق بالاحتيال المالي. ومعروف عن فرنسوا بايرو طموحه السياسي، حيث ترشح للرئاسة 3 مرات، وكانت أفضل نتائجه عام 2007 عندما حصل على المركز الثالث بنسبة قاربت 19 في المائة.

مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف (إ.ب.أ)

شخصية قوية وعنيدة

في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون: كيف ضغط رئيس (الموديم) على إيمانويل ماكرون»، كشفت صحيفة «لوموند» أن رئيس الوزراء الجديد قام تقريباً بليّ ذراع الرئيس من أجل تعيينه؛ حيث تشرح الصحيفة، بحسب مصادر قريبة من الإليزيه، أن بايرو واجه الرئيس ماكرون غاضباً، بعد أن أخبره بأنه يريد تعيين وزير الصناعة السابق رولان لوسكور بدلاً منه، واستطاع بقوة الضغط أن يقنعه بالرجوع عن قراره وتعيينه هو على رأس الحكومة.

الحادثة التي نُقلت من مصادر موثوق بها، أعادت إلى الواجهة صفات الجرأة والشجاعة التي يتحّلى بها فرنسوا بايرو، الذي يوصف أيضاً في الوسط السياسي بـ«العنيد» المثابر. ففي موضوع آخر نُشر بصحيفة «لوفيغارو» بعنوان: «فرنسوا بايرو التلميذ المصاب بالتأتأة يغزو ماتنيون»، ذكرت الصحيفة أن بايرو تحدَّى الأطباء الذين نصحوه بالتخلي عن السياسة والتعليم بسبب إصابته وهو في الثامنة بالتأتأة أو الصعوبة في النطق، لكنه نجح في التغلب على هذه المشكلة، بفضل عزيمة قوية، واستطاع أن ينجح في السياسة والتعليم.

يشرح غيوم روكيت من صحيفة «لوفيغارو» بأنه وراء مظهر الرجل الريفي الأصل البشوش، يوجد سياسي محنّك، شديد الطموح، بما أنه لم يُخفِ طموحاته الرئاسية، حيث ترشح للرئاسيات 3 مرات، و«لن نكون على خطأ إذا قلنا إنه استطاع أن يستمر في نشاطه السياسي كل هذه السنوات لأنه عرف كيف يتأقلم مع الأوضاع ويغيّر مواقفه حسب الحاجة»، مذكّراً بأن بايرو كان أول مَن هاجم ماكرون في 2016 باتهامه بالعمل لصالح أرباب العمل والرأسماليين الكبار، لكنه أيضاً أول مع تحالف معه حين تقدَّم في استطلاعات الرأي.

على الصعيد الشخصي، يُعتبر بايرو شخصية محافظة، فهو أب لـ6 أطفال وكاثوليكي ملتزم يعارض زواج المثليين وتأجير الأرحام، وهو مدافع شرس عن اللهجات المحلية، حيث يتقن لهجته الأصلية، وهي اللهجة البيرينية.

رجل الوفاق الوطني؟

عندما تسلّم مهامه رسمياً، أعلن فرنسوا بايرو أنه يضع مشروعه السياسي تحت شعار «المصالحة» ودعوة الجميع للمشاركة في النقاش. ويُقال إن نقاط قوته أنه شخصية سياسية قادرة على صنع التحالفات؛ حيث سبق لفرنسوا بايرو خلال الـ40 سنة خبرة في السياسة، التعاون مع حكومات ومساندة سياسات مختلفة من اليمين واليسار.

خلال مشواره السياسي، عمل مع اليمين في 1995، حيث كان وزيراً للتربية والتعليم في 3 حكومات، وهو بحكم توجهه الديمقراطي المسيحي محافظ وقريب من اليمين في قضايا المجتمع، وهو ملتزم اقتصادياً بالخطوط العريضة لليبيراليين، كمحاربة الديون وخفض الضرائب. وفي الوقت ذاته، كان فرنسوا بايرو أول زعيم وسطي يقترب من اليسار الاشتراكي؛ أولاً في 2007 حين التقى مرشحة اليسار سيغولين رويال بين الدورين الأول والثاني من الانتخابات الرئاسية للبحث في تحالف، ثم في 2012 حين صنع الحدث بدعوته إلى التصويت من أجل مرشح اليسار فرنسوا هولاند على حساب خصمه نيكولا ساركوزي، بينما جرى العرف أن تصوّت أحزاب الوسط في فرنسا لصالح اليمين.

ومعروف أيضاً عن رئيس الوزراء الجديد أنه الشخصية التي مدّت يد المساعدة إلى اليمين المتطرف، حيث إنه سمح لمارين لوبان بالحصول على الإمضاءات التي كانت تنقصها لدخول سباق الرئاسيات عام 2022، وهي المبادرة التي تركت أثراً طيباً عند زعيمة التجمع الوطني، التي صرحت آنذاك قائلة: «لن ننسى هذا الأمر»، كما وصفت العلاقة بينهما بـ«الطيبة». هذه المعطيات جعلت مراقبين يعتبرون أن بايرو هو الأقرب إلى تحقيق التوافق الوطني الذي افتقدته الحكومة السابقة، بفضل قدرته على التحدث مع مختلف الأطياف من اليمين إلى اليسار.

ما هي حظوظ بايرو في النجاح؟رغم استمرار الأزمة السياسية، فإن التقارير الأولية التي صدرت في الصحافة الفرنسية توحي بوجود بوادر مشجعة في طريق المهمة الجديدة لرئيس الوزراء. التغيير ظهر من خلال استقبال أحزاب المعارضة لنبأ التعيين، وعدم التلويح المباشر بفزاعة «حجب الثقة»، بعكس ما حدث مع سابقه، بارنييه.

الإشارة الإيجابية الأولى جاءت من الحزب الاشتراكي الذي عرض على رئيس الوزراء الجديد اتفاقاً بعدم حجب الثقة مقابل عدم اللجوء إلى المادة 3 - 49 من الدستور، وهي المادة التي تخوّل لرئيس الحكومة تمرير القوانين من دون المصادقة عليها. الاشتراكيون الذين بدأوا يُظهرون نيتهم في الانشقاق عن ائتلاف اليسار أو «جبهة اليسار الوطنية» قد يشكّلون سنداً جديداً لبايرو، إذا ما قدّم بعض التنازلات لهم.

وفي هذا الإطار، برَّر بوريس فالو، الناطق باسم الحزب، أسباب هذا التغيير، بالاختلاف بين الرجلين حيث كان بارنييه الذي لم يحقق حزبه أي نجاحات في الانتخابات الأخيرة يفتقد الشرعية لقيادة الحكومة، بينما الأمر مختلف نوعاً ما مع بايرو. كما أعلن حزب التجمع الوطني هو الآخر، وعلى لسان رئيسه جوردان بارديلا، أنه لن يكون هناك على الأرجح حجب للثقة، بشرط أن تحترم الحكومة الجديدة الخطوط الحمراء، وهي المساس بالضمان الصحّي، ونظام المعاشات أو إضعاف اقتصاد البلاد.

يكتب الصحافي أنطوان أوبردوف من جريدة «لوبنيون»: «هذه المرة سيمتنع التجمع الوطني عن استعمال حجب الثقة للحفاظ على صورة مقبولة لدى قاعدته الانتخابية المكونة أساساً من كهول ومتقاعدين قد ترى هذا الإجراء الدستوري نوعاً من الحثّ على الفوضى».

كما أعلن حزب اليمين الجمهوري، على لسان نائب الرئيس، فرنسوا كزافييه بيلامي، أن اليمين الجمهوري سيمنح رئيس الحكومة الجديد شيئاً من الوقت، موضحاً: «سننتظر لنرى المشروع السياسي للسيد بايرو، ثم نقرر». أما غابرييل أتال، رئيس الوزراء السابق عن حزب ماكرون، فأثنى على تعيين بايرو من أجل «الدفاع على المصلحة العامة في هذا الظرف الصعب».

أما أقصى اليسار، الممثَّل في تشكيلة «فرنسا الأبية»، إضافة إلى حزب الخضر، فهما يشكلان إلى غاية الآن الحجر الذي قد تتعثر عليه جهود الحكومة الجديدة؛ فقد لوَّحت فرنسا الأبية باللجوء إلى حجب الثقة مباشرة بعد خبر التعيين، معتبرة أن بايرو سيطبق سياسة ماكرون لأنهما وجهان لعملة واحدة.

فرانسوا بايرو يتحدث في الجمعة الوطنية الفرنسية (رويترز)

أهم الملفات التي تنتظر بايرو

أهم ملف ينتظر رئيس الوزراء الجديد الوصول إلى اتفاق عاجل فيما يخص ميزانية 2025؛ حيث كان النقاش في هذا الموضوع السبب وراء سقوط حكومة بارنييه. وكان من المفروض أن يتم الإعلان عن الميزانية الجديدة والمصادقة عليها قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2024، لولا سقوط الحكومة السابقة، علماً بأن الدستور الفرنسي يسمح بالمصادقة على «قانون خاص» يسمح بتغطية تكاليف مؤسسات الدولة وتحصيل الضرائب لتجنب الشلّل الإداري في انتظار المصادقة النهائية. أوجه الخلاف فيما يخّص القانون تتعلق بعجز الميزانية الذي يُقدَّر بـ60 مليار يورو، الذي طلبت الحكومة السابقة تعويضه بتطبيق سياسة تقشفية صارمة تعتمد على الاقتطاع من نفقات القطاع العمومي والضمان الاجتماعي، خاصة أن فرنسا تعاني من أزمة ديون خانقة حيث وصلت في 2023 إلى أكثر من 3200 مليار يورو. الرفض على المصادقة قد يأتي على الأرجح من اليسار الذي يطالب بإيجاد حل آخر لتغطية العجز، وهو رفع الضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء. وكان فرنسوا بايرو من السياسيين الأكثر تنديداً بأزمة الديون، التي اعتبرها مشكلة «أخلاقية» قبل أن تكون اقتصادية؛ حيث قال إنه من غير اللائق أن «نحمّل أجيال الشباب أخطاء التدبير التي اقترفناها في الماضي».

الملف الثاني يخص نظام المعاشات، وهو ملف يقسم النواب بشّدة بين اليمين المرحّب بفكرة الإصلاح ورفع سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة، إلى اليسار الذي يرفض رفع سنّ التقاعد، معتبراً القانون إجراءً غير عادل، وبالأخص بالنسبة لبعض الفئات، كذوي المهن الشاقة أو الأمهات.

وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا كانت قد شهدت حركة احتجاجات شعبية عارمة نتيجة إقرار هذا القانون، وبالأخص بعد أن كشفت استطلاعات الرأي أن غالبية من الفرنسيين معارضة له. صحيفة «لكبرس»، في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون ماذا كان يقول عن المعاشات» تذكّر بأن موقف رئيس الوزراء بخصوص هذا الموضوع كان متقلباً؛ فهو في البداية كان يطالب بتحديد 60 سنة كحّد أقصى للتقاعد، ثم تبنَّى موقف الحكومة بعد تحالفه مع ماكرون.

وعلى طاولة رئيس الوزراء الجديد أيضاً ملف «الهجرة»؛ حيث كان برونو ريتيلو، وزير الداخلية، قد أعلن عن نصّ جديد بشأن الهجرة في بداية عام 2025، الهدف منه تشديد إجراءات الهجرة، كتمديد الفترة القصوى لاحتجاز الأجانب الصادر بحقهم أمر بالترحيل أو إيقاف المساعدات الطبية للمهاجرين غير الشرعيين. سقوط حكومة بارنييه جعل مشروع الهجرة الجديد يتوقف، لكنه يبقى مطروحاً كخط أحمر من قِبَل التجمع الوطني الذي يطالب بتطبيقه، بعكس أحزاب اليسار التي هددت باللجوء إلى حجب الثقة في حال استمرت الحكومة الجديدة في المشروع. وهذه معادلة صعبة بالنسبة للحكومة الجديدة. لكن محللّين يعتقدون أن الحكومة الجديدة تستطيع أن تنجو من السقوط، إذا ما ضمنت أصوات النواب الاشتراكيين، بشرط أن تُظهر ليونة أكبر في ملفات كالهجرة ونظام المعاشات، وألا تتعامل مع كتلة اليمين المتطرف.

إليزابيث بورن (أ.ف.ب)

بومبيدو

دوفيلبان

حقائق

رؤساء الحكومة الفرنسيون... معظمهم من اليمين بينهم سيدتان فقط


منذ قيام الجمهورية الخامسة عام 1958، ترأَّس حكومات فرنسا 28 شخصية سياسية، ينتمي 8 منها لليسار الاشتراكي، بينما تتوزع الشخصيات الأخرى بين اليمين الجمهوري والوسط. ومن بين هؤلاء سيدتان فقط: هما إيديت كريسون، وإليزابيث بورن.هذه قائمة بأشهر الشخصيات:جورج بومبيدو: ترأَّس الحكومة بين 1962 و1968. معروف بانتمائه للتيار الوسطي. شغل وظائف سامية في مؤسسات الدولة، وكان رجل ثقة الجنرال شارل ديغول وأحد مقربيه. عيّنه هذا الأخير رئيساً للوزراء عام 1962 ومكث في منصبه 6 سنوات، وهو رقم قياسي بالنسبة لرؤساء حكومات الجمهورية الخامسة. لوران فابيوس: ترأَّس الحكومة بين 1984 و1986. ينتمي للحزب الاشتراكي. شغل منصب وزير المالية، ثم وزيراً للصناعة والبحث العلمي. حين عيّنه الرئيس الراحل فرنسوا ميتران كان أصغر رئيس وزراء فرنسي؛ حيث كان عمره آنذاك 37 سنة. شغل أيضاً منصب رئيس الجمعية الوطنية. تأثرت شعبيته بعد محاكمته بوصفه مسؤولاً عن الحكومة في قضية الدم الملوّث الذي راح ضحيته أكثر من 4 آلاف فرنسي. كما تكرر اسمه في مفاوضات الملف النووي الإيراني.جاك شيراك: إضافة لوظيفته الرئاسية المعروفة، ترأَّس جاك شيراك الحكومة الفرنسية مرتين: المرة الأولى حين اختاره الراحل فاليري جيسكار ديستان وكان ذلك بين 1974 و1976، ثم إبان عهدة الرئيس فرنسوا ميتران بين 1986 و1988. شغل مناصب سامية، وتقلّد مسؤوليات عدة في مؤسسات الدولة وأجهزتها، حيث كان عمدة لمدينة باريس، ورئيس حزب التجمع الجمهوري اليميني، ووزيراً للزراعة.دومينيك دوفيلبان: شغل وظيفة رئيس الحكومة في عهدة الرئيس جاك شيراك بين 2005 و2007، وكان أحد مقربي الرئيس شيراك. كما شغل أيضاً حقيبة الخارجية ونال شعبية كبيرة بعد خطابه المعارض لغزو العراق أمام اجتماع مجلس الأمن في عام 2003. حين كان رئيس الوزراء، أعلن حالة الطوارئ بعد أحداث العنف والاحتجاجات التي شهدتها الضواحي في فرنسا.فرنسوا فيون: عيّنه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في منصب رئيس الوزراء بين 2007 و2012، وهو بعد بومبيدو أكثر الشخصيات تعميراً في هذا المنصب. شغل مناصب وزارية أخرى حيث كُلّف حقائب التربية، والتعليم، والشؤون الاجتماعية، والعمل. أصبح رسمياً مرشح حزب الجمهوريون واليمين والوسط للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017، وأُثيرت حوله قضية الوظائف الوهمية التي أثّرت في حملته الانتخابية تأثيراً كبيراً، وانسحب بعدها من الحياة السياسية.