ارتفاع الإصابات أوروبياً ينذر بكارثة وبائية جديدة

مسؤولون يحذرون من أن تكون الموجة الثانية أقسى من الأولى

مارة يمشون في أحد شوارع باريس شبه الخالية أمس (إ.ب.أ)
مارة يمشون في أحد شوارع باريس شبه الخالية أمس (إ.ب.أ)
TT

ارتفاع الإصابات أوروبياً ينذر بكارثة وبائية جديدة

مارة يمشون في أحد شوارع باريس شبه الخالية أمس (إ.ب.أ)
مارة يمشون في أحد شوارع باريس شبه الخالية أمس (إ.ب.أ)

بعد 8 أشهر على الدوي الصامت الذي أحدثه انفجار «كوفيد-19» في أوروبا، انطلاقاً من إيطاليا وإسبانيا، قبل أن يتمدد في أوصال الاتحاد، تقف الدول الأوروبية مجدداً على شفير كارثة الموجة الثانية التي يُخشى أن تكون أقسى من الأولى، خاصة أنها قد تتزامن مع موسم الإنفلونزا الذي يشكل عادة ذروة الازدحام في المنشآت الصحية التي بات بعضها قاب قوسين من بلوغ أقصى قدرته الاستيعابية في وحدات العناية الفائقة المخصصة لمعالجة الإصابات الخطرة بفيروس كورونا المستجد.
وبعد الإنذار الذي صدر عن المفوضية الأوروبية والمركز الأوروبي لمكافحة الأوبئة، بأن بلدان الاتحاد أمام الفرصة الأخيرة لمنع تكرار المشهد الكارثي الذي عاشته في مارس (آذار) الماضي، يستعد المسؤولون في المؤسسات الأوروبية لفصل جديد من الإقفال التام في بعض البلدان، بدءاً من مطالع الشهر المقبل، وينكبون على وضع اللمسات الأخيرة على حزمة من التدابير المشتركة لضمان الحد الأدنى من المواصلات الداخلية بين بلدان الاتحاد، واستمرار الأنشطة الاقتصادية الأساسية خلال فترات العزل التي ينتظر أن تتفاوت مواقيتها بتفاوت خطورة الوضع الوبائي في الدول الأعضاء.
ويفيد التقرير الدوري الأخير للمركز الأوروبي لمكافحة الأوبئة أن أوروبا ما زالت بعيدة جداً عن «مناعة القطيع» التي ما زال بعضهم يراهن عليها في غياب العلاج الشافي، وفي انتظار اللقاح الذي لم تحدد أي جهة رسمية بعد موعداً نهائياً لظهوره، حيث إن نسبة الإصابات المؤكدة من مجموع السكان في معظم البلدان الأوروبية ما زالت دون 15 في المائة، فيما تقتضي هذه المناعة نسبة تتجاوز 65 في المائة.
وحذر التقرير من أن خطورة الوضع الوبائي الراهن في أوروبا تكمن في أمرين: من ناحية ارتفاع معدل الإصابات من الفحوصات إلى 5 في المائة، ما يدل على سرعة سريان الفيروس؛ ومن ناحية أخرى كون معظم الإصابات الجديدة تقع ضمن الفئة العمرية دون الخمسين، وأن 44 في المائة من الحالات الخطرة تصيب هذه الفئة.
وكانت مفوّضة الصحة الأوروبية، ستيلا كيرياكيديس، قد ناشدت جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الإسراع في اتخاذ التدابير اللازمة لاحتواء الوباء قبل فوات الأوان، وقالت: «إذا كان العزل التام هو خط الدفاع الأخير في وجه الوباء، فإن سلوك المواطنين هو خط الدفاع الأول الأكثر فاعلية الذي يحول دون العودة إلى فرض التدابير التي ستنشأ عنها عواقب وخيمة على صحتنا العقلية واقتصادنا وتربية أولادنا، وكل مناحي الحياة».
وفي تعليقها على الاستنتاجات والتوصيات التي تضمنها التقرير الأخير للمركز الأوروبي لمكافحة الأوبئة، قالت مديرة المركز، آندريا آمون، إن تزامن ارتفاع عدد الحالات الخطرة مع ارتفاع عدد الإصابات الجديدة الذي تجاوز مرحلة الذروة خلال الموجة الأولى في بعض البلدان، يدل على أننا «ما زلنا نجهل أموراً أساسية كثيرة عن هذا الفيروس»، ولم تستبعد أن تكون الموجة الثانية أسوأ من الموجة التي شهدتها بعض البلدان الأوروبية في الربيع الفائت.
وكانت أرقام الساعات الأخيرة قد رسمت مشهداً وبائياً مثيراً للقلق في أوروبا ومناطق أخرى من العالم، فيما حذر صندوق النقد الدولي من أن التبعات الاقتصادية لأزمة «كوفيد-19» على البلدان النامية والأقل نمواً باتت تهدد بالقضاء على المنجزات الإنمائية التي تحققت في العقود الثلاثة المنصرمة، وأن بعض البلدان الأفريقية تواجه خطراً داهماً بالمجاعة.
وكان الصندوق قد دعا الدول الأعضاء في مجموعة الدول الصناعية السبع إلى شطب مستحقات ديون الدول الفقيرة لسنة كاملة من أجل مساعدتها على مواجهة الأزمة، لكن وزراء المالية في المجموعة قرروا شطبها لستة أشهر خلال الاجتماع الذي عقدوه أمس، وناقشوا خلاله خطة لمساعدة هذه البلدان تعرض على القمة المقبلة.
وفي أوروبا، لا تزال إسبانيا تشكل مصدر القلق الرئيسي، بعد أن تجاوزت إصاباتها الإجمالية 700 ألف منذ بداية الأزمة، وسجلت أكثر من 10 آلاف إصابة جديدة في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة. وبعد أن تحولت مدريد إلى «قنبلة فيروسية»، على حد تعبير رئيس قسم العلوم الوبائية في جامعة هارفارد، ميغيل هرنان، أفادت السلطات الصحية في العاصمة الإسبانية أن وحدات العناية الفائقة في مستشفياتها وصلت إلى 95 في المائة من قدرتها الاستيعابية، وأعلنت أن وحدات من الجيش والشرطة الوطنية ستبدأ من مطلع الشهر المقبل بمراقبة تنفيذ تدابير العزل والوقاية التي تقررت توسعتها لتشمل 8 أحياء جديدة، إضافة إلى 37 أخرى تعيش تحت العزل الجزئي منذ بداية هذا الأسبوع. وما زالت الحكومة الإقليمية في مدريد تقاوم الضغوط التي تتعرض لها من الجهات العلمية والطبية والحكومة المركزية لفرض الإقفال التام قبل أن يفوت الأوان، ويتكرر المشهد المأساوي الذي عاشته العاصمة الإسبانية ومستشفياتها في النصف الثاني من مارس (آذار) الماضي.
وفي فرنسا التي حطمت أول من أمس رقماً قياسياً في عدد الإصابات اليومية الجديدة التي تجاوزت 16 ألفاً للمرة الأولى منذ بداية الجائحة، اقترب العدد الإجمالي للإصابات من نصف المليون، فيما أعلنت الحكومة منع التجمعات الكبيرة التي تزيد على ألف شخص، وقال وزير الصحة إن «جميع التدابير أصبحت مطروحة على طاولة القرار لمنع خروج الوضع الوبائي عن السيطرة».
وفي حين تجاوزت الإصابات اليومية في الهند 86 ألفاً، وبلغت 33 ألفاً في البرازيل التي ما زالت تسجل معدلاً يومياً للوفيات يقارب الألف، حطمت بريطانيا رقماً قياسياً آخر تجاوز الستة آلاف لليوم الثاني أمس، وأدرجت مجموعة أخرى من الدول على القائمة الحمراء، بينها الدانمارك وآيسلندا وسلوفاكيا وتشيكيا. وإذ أفادت السلطات الصينية بعدم ظهور أي إصابة محلية جديدة لليوم الأربعين على التوالي، قال رئيس شركة «سينوفاك» التي تطور اللقاح الصيني الأكثر تقدماً إن حملة التلقيح المكثّفة ستبدأ مطلع العام المقبل في جميع أنحاء البلاد، وإن كميات كافية من اللقاح ستوزع على البلدان الفقيرة لتلقيح أفراد الطواقم الطبية وأجهزة الخدمات الأساسية.
وفي ألمانيا، أعلنت شركة الطيران «لوفتهانزا» أنها ستبدأ بإجراء فحوصات قبل الصعود إلى الطائرة في الرحلات المتجهة إلى الولايات المتحدة خلال مرحلة أولى بدءاً من الشهر المقبل، وذلك تجاوباً مع توصيات الرابطة الدولية للطيران المدني (إياتا) التي اقترحت هذا الإجراء بديلاً لتحاشي فرض الحجر الصحي الذي ألحق ضرراً كبيراً في حركة النقل الجوي.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».