من الإنفلونزا الإسبانية إلى «كوفيد ـ 19»... تاريخ الفيروسات يعيد نفسه

من الإنفلونزا الإسبانية إلى «كوفيد ـ 19»... تاريخ الفيروسات يعيد نفسه
TT

من الإنفلونزا الإسبانية إلى «كوفيد ـ 19»... تاريخ الفيروسات يعيد نفسه

من الإنفلونزا الإسبانية إلى «كوفيد ـ 19»... تاريخ الفيروسات يعيد نفسه

يعتقد البعض أن «التاريخ لا يعيد نفسه»، وأن كل لحظة لها خصوصيتها، ولكن الأطباء المتخصصين في الفيروسات والأوبئة يرون أن جائحة «كوفيد – 19» الحالية تحمل بعضا من ملامح «الإنفلونزا الإسبانية» عام 1918، مع فوارق بسيطة فرضها التطور الطبي، والذي لولاه لكانت أعداد المصابين والوفيات في الجائحة الأخيرة تفوق الإنفلونزا الإسبانية.
وحدثت خلال القرن الماضي ثلاث جوائح، كان أشهرها وأشدها «الإنفلونزا الإسبانية»، التي وصفت بأنها أشد جائحة حدثت في تاريخ البشرية، إذ يعتقد أنها تسببت في وفاة ما بين 20 و50 مليونا في أنحاء العالم، وفق تقديرات «منظمة الصحة العالمية». وبينما وصلت أعداد الوفيات بسبب الجائحة الحالية إلى مليون حالة، بما قد يجعل هناك اعتقادا بأن الجائحة الحالية أخف وطأة من الإنفلونزا الإسبانية، فإن دراسة أميركية ضحدت هذا الاعتقاد، وخلصت إلى أن الجائحتين تتشابهان في القوة، بل يمكن أن تكون الحالية أشد، ولكن التطور الطبي الحالي خفف من وطأتها.
وقارنت الدراسة التي نشرت في شهر أغسطس (آب) الماضي في دورية الجمعية الطبية الأميركية (JAMA)، بين معدل الوفيات في مدينة نيويورك الأميركية في بدايات جائحة «الإنفلونزا الإسبانية» وجائحة «كوفيد - 19».
وعلى الرغم من أن حالات الوفاة حسب التحليل تعكس مبدئيا أن «الإنفلونزا الإسبانية» كانت أكثر فتكاً من «كوفيد - 19»؛ حيث كانت معدلات الوفاة في ذروة الجائحة الأولى (الإسبانية) 287 حالة لكل 100 ألف شخص في مدينة نيويورك، في مقابل 202 حالة وفاة لكل 100 ألف خلال ذروة الجائحة الأخيرة (كوفيد - 19) في مارس (آذار) وأبريل (نيسان) الماضيين، إلا أنه في المقابل عندما قام الباحثون بحساب متوسط معدل الوفيات الشهري الأساسي خلال السنوات الثلاث التي سبقت كلا الحدثين الوبائيين، وجدوا في الفترة التي سبقت الجائحة الأولى عام 1918، أن المدينة شهدت نحو 100 حالة وفاة لكل 100 ألف، وانخفض العدد خلال السنوات الثلاث التي سبقت «كوفيد - 19» إلى نحو 50 حالة وفاة لكل 100 ألف، مما يعني أن التدخلات الطبية الحديثة تساهم في الحد من الوفاة، وأنه لولا وجودها لكان «كوفيد - 19» مميتا على الأقل مثل «الإنفلونزا الإسبانية».
وإذا كانت التدخلات الطبية حجمت من معدلات الوفيات في الجائحة الحالية ولم تصل إلى الرقم الكبير جدا في الجائحة الأولى، إلا أن الزيادات السكانية الحالية قد تجعل هذه التدخلات عاجزة عن الإنقاذ إذا ارتفعت أعداد المصابين بشكل يفوق قدرة الأنظمة الصحية على الاستيعاب، وفي غياب لقاح يحد من انتشار العدوى.
ويستشعر الخبراء خطورة حدوث ذلك في ظل اتجاه الجائحة الحالية إلى التطور بنفس طريقة الجائحة الأولى، وهو الخطر الذي أشار إليه الأمين العام المساعد لـ«منظمة الصحة العالمية»، رانييري غويرا، وهو إيطالي الجنسية، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام إيطالية، في 26 يونيو (حزيران) الماضي. وقال غويرا إن الفيروس الجديد يتطور بطريقة الإنفلونزا الإسبانية نفسها؛ حيث حدث في الأخيرة انخفاض بأعداد الإصابات خلال الصيف، ثم عادت أكثر شراسة في شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول).
وتتوقع «منظمة الصحة العالمية» ارتفاعاً في عدد الوفيات بـ«كوفيد – 19» في أوروبا خلال أكتوبر ونوفمبر (تشرين الثاني) اللذين سيكونان «أقسى» في مواجهة الوباء، وفق تصريحات المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في أوروبا لوكالة الصحافة الفرنسية يوم 10 سبتمبر الجاري.
ولا يبدو الوضع أفضل حالا في الأقاليم الأخرى؛ حيث حذر مدير إقليم شرق المتوسط في «منظمة الصحة العالمية» أحمد المنظري من التزايد الملحوظ في أعداد الإصابات بدول الإقليم (22 دولة)، وقال في مؤتمر صحافي افتراضي يوم 15 سبتمبر (أيلول) الجاري، إن «الوضع أكثر قلقا في دول تونس والمغرب والعراق والإمارات العربية المتحدة.
وكما كانت الإجراءات الاحترازية هي السبيل الوحيد لمواجهة وباء الإنفلونزا الإسبانية، لا يملك الخبراء في ظل عدم توفر علاج يستهدف فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض «كوفيد - 19»، أو لقاح يحصن الناس ويمنع عنهم الإصابة، سوى التأكيد على الالتزام بنفس الإجراءات من ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي، لتجنب زيادة أعداد الإصابات في الموجة الثانية من الوباء، والتي تكون أكثر من الموجة الأولى، وهو أحد السيناريوهات التي حدثت في الإنفلونزا الإسبانية، ويخشى تكرارها مع الوباء الحالي.
ويقول د.محمد علي أستاذ الفيروسات بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا لـ«الشرق الأوسط»: «لدينا ما يحفز على الالتزام بهذه الإجراءات، فالعالم على أعتاب توفر أكثر من لقاح للوقاية، بينما بدأت جائحة الإنفلونزا الإسبانية في 1918 وانتهت عام 1920 دون توفر لقاح؛ حيث حدثت طفرة تسببت في ضعف الفيروس، ومن ثم انتهت الجائحة».
ورغم استمرار الجائحة القديمة عامين، إلا أن أصل الوباء ظل مجهولا، رغم رصده أول مرة في الولايات المتحدة في مارس 1918، بينما أثبتت الدراسات منذ بداية الوباء الحالي أن مصدره الصين، وكان الخلاف بين العلماء في البداية حول ما إذا كان قد ظهر في الصين بشكل طبيعي أم تم تخليقه.
وحملت دراسة دولية قادها باحثون من جامعة كامبردج تبرئة للصين من تخليق الفيروس؛ حيث حلل الفريق البحثي بيانات من جينومات الفيروسات التي تم أخذ عينات منها من جميع أنحاء العالم خلال الفترة ما بين 24 ديسمبر (كانون الأول) 2019 و4 مارس 2020، وكشف البحث عن ثلاثة متغيرات «مميزة من الفيروس، تتكون من مجموعات من السلالات وثيقة الصلة، والتي أطلقوا عليها اسم «A» «B» و«C».
وذهبت هذه الدراسة التي نشرت نتائجها في 8 أبريل الماضي بدورية «pnas» إلى أن A هي السلالة الأولى، التي انتقلت من الخفاش إلى الإنسان ثم تحورت منها السلالة B، وبعد ذلك تحورت B إلى C.
ووجدوا أن النسخة التي كانت شائعة في الصين وفي ووهان، هي النسخة (A) التي نقلها الأميركيون الموجودون في الصين إلى أميركا، ثم حدث تحور لهذه النسخة إلى نسخة أخرى وهي (B)، التي انتشرت في دول شرق آسيا، وتحورت النسخة B إلى النسخة (C) التي انتقلت من سنغافورة إلى أوروبا.
ورغم الأصل الصيني المعروف للفيروس، إلا أن العالم باستثناء الرئيس الأميركي دونالد ترمب وبعض أفراد إداراته، لم يطلقوا عليه «الفيروس الصيني»، بينما أطلق على الفيروس المتسبب في جائحة 1918 «الفيروس الإسباني» رغم عدم رصده بداية في إسبانيا، ويرجع السبب في ذلك إلى أن الصحافة الإسبانية كانت أول من تحدثت عن المرض في أوروبا في مايو (أيار) 1918.


مقالات ذات صلة

يرتبط بـ«كورونا»... مختبر ووهان الصيني يخطط لتجارب «مشؤومة» جديدة على الخفافيش

آسيا قوات أمنية تقف خارج معهد ووهان لأبحاث الفيروسات بالصين (رويترز)

يرتبط بـ«كورونا»... مختبر ووهان الصيني يخطط لتجارب «مشؤومة» جديدة على الخفافيش

حذر خبراء من أن العلماء الصينيين يخططون لإجراء تجارب «مشؤومة» مماثلة لتلك التي ربطها البعض بتفشي جائحة «كوفيد - 19».

«الشرق الأوسط» (بكين)
الولايات المتحدة​ وسط ازدياد عدم الثقة في السلطات الصحية وشركات الأدوية يقرر مزيد من الأهل عدم تطعيم أطفالهم (أ.ف.ب) play-circle

مخاوف من كارثة صحية في أميركا وسط انخفاض معدلات التطعيم

يحذِّر العاملون في المجال الصحي في الولايات المتحدة من «كارثة تلوح في الأفق» مع انخفاض معدلات التطعيم، وتسجيل إصابات جديدة بمرض الحصبة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك جائحة كورونا نشأت «على الأرجح» داخل مختبر ولم تكن طبيعية (أ.ف.ب)

فيروس كورونا الجديد في الصين... هل يهدد العالم بجائحة جديدة؟

أثار إعلان علماء في معهد «ووهان» لعلم الفيروسات عن اكتشاف فيروس كورونا جديد يُعرف باسم «HKU5 - CoV - 2» قلقاً عالمياً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك عالمة تظهر داخل مختبر معهد ووهان لأبحاث الفيروسات بالصين (إ.ب.أ)

يشبه «كوفيد»... اكتشاف فيروس كورونا جديد لدى الخفافيش في مختبر صيني

أعلن باحثون في معهد ووهان لأبحاث الفيروسات في الصين، أنهم اكتشفوا فيروس «كورونا» جديداً في الخفافيش يدخل الخلايا باستخدام البوابة نفسها.

«الشرق الأوسط» (بكين)
صحتك أحد العاملين في المجال الطبي يحمل جرعة من لقاح «كورونا» بنيويورك (أ.ب)

دراسة: بعض الأشخاص يصابون بـ«متلازمة ما بعد التطعيم» بسبب لقاحات «كوفيد-19»

قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إن اللقاحات التي تلقّاها الناس، خلال فترة جائحة «كوفيد-19»، منعت ملايين الوفيات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )

نيوزيلندا تقيل سفيرها في لندن لإدلائه بتصريحات «مخيبة» بشأن ترمب

السفير فيل جوف (ويكيبيديا)
السفير فيل جوف (ويكيبيديا)
TT

نيوزيلندا تقيل سفيرها في لندن لإدلائه بتصريحات «مخيبة» بشأن ترمب

السفير فيل جوف (ويكيبيديا)
السفير فيل جوف (ويكيبيديا)

أعلنت نيوزيلندا الخميس أنّها أقالت سفيرها في لندن بسبب إدلائه بتصريحات «مخيّبة للآمال» عبر تشكيكه علانية بمدى فهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب للأحداث التاريخية.

والثلاثاء، خلال مشاركته في مائدة مستديرة حول الغزو الروسي لأوكرانيا، تساءل السفير فيل جوف عمّا إذا كان ترمب «يفهم التاريخ حقا». وقارن السفير أيضا بين مفاوضات السلام التي يسعى ترمب لإطلاقها مع روسيا لوقف الحرب في أوكرانيا واتفاقية ميونيخ التي أُبرمت في 1938 وسمحت لألمانيا النازية بضمّ أجزاء من تشيكوسلوفاكيا.

ويخشى البعض اليوم من أن يدفع ترمب كييف إلى قبول اتفاق سلام تحتفظ بموجبه روسيا بمساحات واسعة من الأراضي الأوكرانية التي تحتلّها.

وخلال المائدة المستديرة التي عُقدت في تشاتام هاوس في لندن، قال السفير «كنت أعيد قراءة خطاب [وينستون] تشرشل أمام مجلس العموم في عام 1938، بعد اتفاق ميونيخ». وأضاف أنّ تشرشل «التفتَ يومها إلى رئيس الوزراء يومذاك نيفيل تشامبرلين وقال له: "لقد كان أمامك أن تختار بين الحرب والعار. لقد اخترت العار وستخوض الحرب"». وتابع السفير النيوزيلندي «لقد أعاد الرئيس ترمب وضع تمثال نصفي لتشرشل في مكتبه، لكن هل تعتقدون أنّه يفهم التاريخ حقا؟».

وردّا على هذه التصريحات، قال المتحدث باسم وزير الخارجية النيوزيلندي ونستون بيترز إنّ هذه التعليقات «مخيّبة للآمال كثيرا». وأضاف أنّ ما صدر عن السفير «لا يمثّل آراء الحكومة النيوزيلندية» ويجعل بقاءه «في منصبه لندن غير مقبول».

وعلّقت واشنطن هذا الأسبوع مساعداتها العسكرية لأوكرانيا و«جمّدت» تبادل المعلومات الاستخباراتية مع كييف، وهما عنصران رئيسيان في تصدّي الجيش الأوكراني للغزو الروسي. وترمب الذي استأنف التواصل المباشر مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، هدّد الجمعة بـ«التخلّي» عن أوكرانيا، وذلك خلال مشادّة عنيفة دارت بينه وبين نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض أمام عدسات الكاميرات.